مبادئ أساسية في قراءة المشهد المصري

د. عبدالله الأشعل | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الوضع في مصر يثير الجدل بين رؤى مختلفة، بعد تفرق المجتمع حول قضايا عديدة؛ وهذا الاختلاف له أسباب عديدة بعضها يتعلق بنقص أو تضارب المعلومات أمام التشكيك في كل شيء وكل شخص. وبعض الأسباب مصدرها الأيديولوجية السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو غيرها. ولا مفر من الحوار حتي لو أعاقته أزمة الحرية اللازمة لتكوين الرأي ونشره ومناقشته والاختلاف حوله دون ضجيج.

من ناحية أخرى لا بد أن نؤصل ثقافة الحوار وآداب الاختلاف، وقديما كان مصطفى كامل يحمل القضية المصرية بين جوانحه أينما ذهب، وكان يردد: "اذكروا مصر فإن في ذكرها ذكر آلامها وذكر الآلام يجر حتما إلى ذكر مواطن الشفاء". فمصر تهم كل أبنائها ولا يجوز لأي سلطة أن تدعي الكمال وأنها وحدها المرجع في تقييم أعمالها، خاصة وأن مصر بحاجة إلى إصلاح جذري في مؤسساتها البرلمانية والقضائية والتنفيذية والإعلامية والأمنية والتعليمية وغيرها، والاعتراف بهذا شجاعة وليس عيبا، لولا أن السلطة لا تطيق المراجعة والمراقبة والتوجيه، ذلك أن الرجال تعرف بالحق وليس العكس.

والحوار حول قضايا مصر لا يدين السلطة، بل قد ينتهي إلى عذرها ومساعدتها ما دام الهدف ليس اصطياد الأخطاء وإنما المناقشة لبلورتها، ولكن الحوار يبدأ بقراءة متفق عليها وتشخيص الحالة المصرية والحوار وفق قواعد وأسس، وها نحن نقدم قي هذا المقال بعض الأسس لعلها تعين على القراءة الصحيحة.

والحق أنه ضاق المجال العام كثيرا واشتدت حساسية السلطة من الرأي الآخر فحرمت السلطة والمجتمع من آراء مخلصة يمكن أن تفيد في حلول لمشاكل سوف تتحمل السلطة مسؤولية نتائجها. إذ أنني أنتمي للوطن ومنحاز إلى مصالحه ومتجرد تماما من أي مصالح شخصية استعبدت الكثيرين ممن أعرف وفق معايير واضحة فوجب أن أسهم بهذه الأفكار الأولية في جذور مشكلة الحكم في مصر لعلها تساهم في هداية الجميع إلى حوار شامل حر يستهدف مصلحة مصر وحدها دون التستر بهذه المصلحة لخدمة مصالح أخرى تضر بمصر. 

أولا: أرحب بأي مبادرات تكسر الجمود بين فريقين مصريين ولا مجال للتشكيك في وطنيتهما، الأول هي السلطة ولها منطقها وسلوكها والفريق الآخر يرى غير ما يراه الطرف الأول في كل الملفات، ويعتبر نفسه معارضة بينما تعتبر السلطة كل من يرى غير رأيها عدوا للوطن الذي ترى السلطة تاريخيا أنها الأمينة عليه، ويؤيد كلا الفريقين قطاعات من الشعب المصري.

ثانيا: لا بد من تحديد مجالات الاعتراض على السلطة، هل هو المشروعية أم الأداء والسياسات، وأري أن النظام منذ 1952 هو نظام حكم وليس نظاما سياسيا لا مجال للمعارضة فيه، لأن المعارضة في النظام السياسي جزء من النظام ولذلك تقف المعارضة والسلطة على أرضية دستورية واحدة وتستمد المعارضة شرعيتها من نفس شرعية النظام ولا تتوقف هذه الشرعية على موقف النظام من المعارضة، ثم أن النظام السياسي يتيح بالوسائل الديمقراطية تداول السلطة والمنافسة القانونية عليها.

ثالثا: المشكلة في مصر منذ 1952 هي أن السلطة تحكم عمليا من طرف واحد، مما حرم مصر من إرساء قواعد وآداب لممارسة السلطة وممارسة المعارضة، فساءت الصور السلبية بين الطرفين لدرجة أن كليهما كفّر الآخر تكفيرا سياسيا وأعلى درجاته هو إخراج الخصم من الملة السياسية أي الوطن، ولكن السلطة هي التي فاقمت الأزمة بإسقاط الجنسية أو تعويق ممارستها رغم أن الجنسية علاقة المواطن بوطنه وليست ميزة ومنة من السلطة. صحيح أن الدساتير تنص على الديمقراطية والتعددية والمواطنة ولكن أزمة مصر تظهر في التناقض بين النص والواقع.

رابعا: ما دامت السلطة ترى غير ما ترى المعارضة، فليس هناك أساس مشترك بينهما والعلاقة بينهما تحكمها نظرية النتيجة الصفرية Zero Sum Game، فالمعارضة لا تطيق السلطة والسلطة لا تطيق المعارضة ولا بد من حل هذه الإشكالية، إذا أريد حقا إنشاء بداية لحل أزمة أعلم أن هذه عقدتها وأن منطق الطرفين على البعد لا يلتقيان. المعارضة تطالب بالثورة على السلطة، والسلطة تحاول أن تمحق المعارضة، وللعلم كلاهما ينتميان إلى الدولة المصرية ولا أساس للادعاء بأن أحدهما هو الدولة. معنى ما تقدم أن الأزمة مبدئية وفاقمها عدد من السياسات التي يحتاج الشعب أن يطمئن عليها ومنها المياه والديون والسياسات الاقتصادية وسيناء، خاصة وأن الفصل بين السلطات والمراقبة لأعمال الحكومة ليست واضحة.

خامسا: المطلوب الاتفاق على قواعد تجمع المصريين والحوار حولها، وقبل ذلك هل المطلوب تغيير السلطة أم تغيير سياساتها؟ وما دور المعارضة في هذه الحالة؟ 

سادسا: إذا اعترفت السلطة بأن هذه الملفات مقلقة فمن مصلحتها تعبئة الجميع بما فيها المعارضة حول حلول وطنية، وهي شجاعة أدبية وانتصار لمصر والسلطة، ولها فيما حدث في السابق عبرة، وفي هذه الحالة تتغير عقلية السلطة والمعارضة والتركيز على مصلحة الوطن وليس التركيز على الصراع بين الطرفين.