"دركي أوروبا".. لهذا تدخل المغرب بشكل دموي ضد المهاجرين الأفارقة

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

واجه المغرب انتقادات متواصلة وبشكل حاد، جراء تدخل سلطاته الأمنية لصد محاولة اقتحام مئات المهاجرين غير النظاميين مدينة مليلية على الحدود الإسبانية، ما خلف ضحايا بأعداد كبيرة.

وأمام الانتقادات، برز الحديث عن الأوراق الرابحة والخاسرة للمغرب، بعد هذا الحادث غير المسبوق في مدينة مليلية الواقعة أقصى شمال المغرب، وتخضع لإدارة إسبانيا، والتي تعدها الرباط "ثغرا محتلا".

تحقيق فوري

وفي 24 يونيو/حزيران 2022، حاول ألفا مهاجر، وأغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء والسودان، اقتحام السياج على أمل العبور إلى إسبانيا، لكن السلطات المغربية والإسبانية ردعتهم، ولقي 23 منهم مصرعهم.

أمميا، اتهمت الأمم المتحدة، السلطات المغربية والإسبانية باستخدام "القوة المفرطة" في التعامل مع نحو ألفي مهاجر غير نظامي حاولوا اقتحام السياج الحدودي الفاصل بين المغرب ومدينة مليلية الخاضعة لإدارة إسبانية.

على المستوى القاري، دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، إلى "تحقيق فوري" في مقتل عشرات المهاجرين الذين كانوا يحاولون عبور الحدود المغربية.

وقال فقي محمد في تغريدة على تويتر، 27 يونيو: "أعبر عن صدمتي العميقة وقلقي إزاء المعاملة العنيفة والمهينة للمهاجرين الأفارقة الذين يحاولون عبور الحدود الدولية من المغرب إلى إسبانيا، وما أعقب ذلك من أعمال عنف أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 23 شخصا وإصابة الكثيرين".

وذكر جميع الدول بالتزاماتها بموجب القانون الدولي و"معاملة جميع المهاجرين بكرامة، وإعطاء الأولوية لسلامتهم وحقوقهم الإنسانية، مع الابتعاد عن استخدام القوة المفرطة".

فيما قال ستيفان دوغاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: "صدمتنا بقوة صور العنف الذي رأيناه على الحدود بين المغرب وإسبانيا، مما أدى إلى مقتل العشرات من البشر أو طالبي اللجوء أو المهاجرين".

وأضاف خلال مؤتمر صحفي في 28 يونيو: "رأينا أيضا استخدام القوة المفرطة من قبل السلطات، الأمر الذي يحتاج إلى التحقيق لأن ما حدث لا يمكن قبوله".

وتابع دوغاريك: "هناك التزامات تقع على الدول بموجب القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين".

واستطرد : "يجب احترام حقوق الأشخاص الذين يتنقلون، وسنستمر في تشجيع الدول الأعضاء (في منظمة الأمم المتحدة) على دعم ما اتفق عليه الكثير منهم فيما يتعلق بالاتفاق العالمي بشأن الهجرة".

الأمر لم يقتصر على ذلك، بل عقد مجلس الأمن الدولي، في 27 يونيو، جلسة مشاورات مغلقة بشأن مقتل المهاجرين الـ23.

وقال مندوب كينيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير مارتن كيماني، في تغريدة "المهاجرون مهاجرون، سواء أكانوا من إفريقيا أم من أوروبا.. وهم لا يستحقون أن يعاملوا بوحشية بهذه الطريقة".

وحذر من أن "العنصرية تهدد السلم والأمن الدوليين، ولا تزال تمارس عبر البحر المتوسط". وتابع: "حان الوقت لكي يتعامل مجلس الأمن مع التهديد الذي تشكله العنصرية في كل مكان".

حادث مأساوي

وواجهت الرباط انتقادات بعد نشر صور لمهاجرين على الأرض واحدا فوق الآخر بطريقة لا تتماشى مع احترام حقوق الإنسان والاهتمام باللاجئين وتوفير ظروف آمنة لاستقبالهم مع حفظ كرامتهم.

حقوقيا، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، إن مقتل 23 مهاجرا إفريقيا على الحدود المغربية-الإسبانية "يتطلب تحقيقا مستقلا وحياديا قادرا على تحديد من يتحمل مسؤولية هذه الخسائر في الأرواح".

وأضافت في بيان 29 يونيو 2022، "يجب أن يحدد تحقيق مستقل ونزيه أسباب الوفيات، وما إذا كانت قوات الأمن مسؤولة عن الخسائر في الأرواح، من أجل ضمان المساءلة والعدالة لعائلات الضحايا".

من جانبه، وعد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، بـ"تعاون كامل" من جانب حكومته مع التحقيقات حول مقتل المهاجرين.

وقال سانشيز في مقابلة مع إذاعة "كادينا سير" الإسبانية في 29 يونيو، "يؤسفني جدا سقوط أرواح بشرية"، وعد أن "المسؤولين الرئيسين هم المافيات (..) التي تتاجر بالبشر".

ويواجه رئيس الوزراء الإسباني انتقادات منذ هذه الأحداث المأساوية، ولا سيما بسبب تعليقاته الداعمة لقوات الأمن الإسبانية والمغربية.

المحلل السياسي، محمد الأنصاري، عد أن "صورة المغرب تضررت لأنه تعامل بشكل أمني مفرط مع المهاجرين غير الشرعيين وحصيلة الضحايا هي الأكبر في تاريخ المدينة".

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال" أن "حقوقيين يتهمون المغرب بأنه يتعامل كدركي لأوروبا، بعدما قال سابقا إنه لن يلعب هذا الدور، وتراجعه يعني تنازله عن مبادئ الوقوف في صف المهاجرين بدل خدمة مصالح الغرب وتطبيق شروطه التي لا تنتهي".

وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2020، رفض المغرب، على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة، لعب دور الشرطي "الدركي" في محاربة الهجرة غير النظامية، في ظل غياب التنسيق الدولي، لمواجهة شبكات الاتجار بالبشر.

لكن الأنصاري أشار إلى أن "ما سيربحه المغرب من التدخل، هو توظيفه هذه الورقة لرفع ميزانية مكافحته للهجرة، وأيضا إمكانية إطلاق إستراتيجية جديدة لتسوية وضعية المهاجرين على شاكلة ما حصل عامي 2014 و2016".

وكان المغرب أطلق في المرحلة الأولى عام 2014، تسوية للوضع القانوني للمهاجرين غير النظاميين، وعالج أوضاع 23 ألف مهاجر، أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء وسوريا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، أطلق المرحلة الثانية من تسوية الوضع القانوني لنحو 26 ألفا و500 طلب.

واقعة مؤسفة

وتساءل الباحث والإعلامي، نور الدين اليزيد، "هل هناك مسؤولية للسلطات المغربية فيما حصل على الحدود الوهمية في مليلية؟".

وأضاف في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 28 يونيو، "لا يمكن إنكار ذلك جملة وتفصيلا، على الأقل بالنظر إلى ما حملته الصور والفيديوهات المنتشرة بشكل واسع من أفعال لا يمكن تصنيفها إلا في خانة التجاوزات".

وشدد اليزيد على أن "الأخطاء شيء وارد في مثل هاته الحالات، حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية، ولا نعدم نماذج على ذلك، وقد ترتكب خاصة في ظل تسلح المهاجرين المهاجمين، وهو ما جعلهم يهددون حياة عناصر الأمن الأمر الذي يظهرهم بحالة دفاع عن النفس".

واستدرك قائلا: "لكن النقاط السوداء الداكن لونها هي تلك المتجلية في التعنيف ضد مهاجرين مقيدين وملقى بهم بشكل لا يحفظ آدمية بني آدم.. هنا ينبغي الاعتراف بتجاوزات بعض العناصر، وضرورة إخضاعهم للمساءلة وللإجراءات التأديبية اللازمة".

ولفت اليزيد إلى أنه "ينبغي التواصل بكثافة مع الأشقاء الأفارقة لتقريبهم من الوقائع، وإذا لم يقتنع البعض منهم، وهذا أمر جد وارد، فلا بأس من الاعتذار لهم عن الاستعمال المفرط للقوة الذي حصل، وليشفع للسلطات المغربية حالة الخطر الداهم التي وجدت عليها عناصرها الأمنية"، وفق قوله. 

ووسط استمرار التفاعلات الدولية حول الفاجعة، طالب نواب في البرلمان، وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بتقديم توضيحات حول تفاصيل ما وقع في محيط مدينة مليلية.

ووجه فريق "التقدم والاشتراكية" (معارض) بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى الوزير لفتيت، قال فيه، إن "الرأي العام تابع الأحداث المؤسفة التي عرفها السياج الحديدي بين مدينتي الناظور ومليلية المحتلة"

وبين أن "هذه الواقعة، أسفرت للأسف، عن تسجيل إصابات بليغة في صفوف أفراد القوات العمومية الذين كانوا يؤدون مهامهم وواجباتهم في حفظ الأمن العام، حيث لم يكن بإمكانهم الوقوف متفرجين أمام الاقتحام المذكور".

وطالب الفريق، "وزير الداخلية بتفسير  الملابسات الدقيقة لهذه الواقعة المؤسفة للرأي العام، وبسط المقاربة التي تتعاطى بها البلاد مع قضايا الهجرة، وذلك لدرء ما قال إنه استغلال للحادث بصورة مسيئة من قبل أي وسط من الأوساط".

وفي 26 يونيو 2022، تظاهر المئات في شوارع مدينتي برشلونة ومدريد الإسبانيتين، للتنديد بـ”السياسة الإسبانية المغربية للهجرة”.

ورفض المحتجون استخدام ما وصفوه بـ”العنف المفرط” في حق المهاجرين الذي أودى بحياة 23 فردا وإصابة المئات في صفوف المهاجرين والقوات العمومية المغربية.

المحلل السياسي، الأنصاري، لفت إلى أن "الجميع هنا يتحمل المسؤولية في هذه الحصيلة الكبيرة، المهاجرون الذين حملوا عصيا وأسلحة بيضاء لتهديد القوات الأمنية المفوضة بمراقبة الحدود، وأيضا الأمن الذي تدخل بطريقة كانت تنقصها الحكمة وسرعة البديهة".

وشدد على ضرورة "فتح قنوات الحوار والتواصل مع مسؤولي دول المهاجرين لشرح الوضعية التي جرى بها هذا التدخل، وإصلاح ما يمكن إصلاحه بإجراءات تظهر النية الحسنة للمغرب في إصلاح هذا الملف الشائك الذي يؤرق السلطات المعنية، ويستنزف طاقة المغرب".