لقنه السيسي وكتبه عيسى.. ما علاقة "فاتن أمل حربي" بقوانين الزواج في مصر؟

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

إثر انتهاء عرض المسلسل الرمضاني "فاتن أمل حربي" الذي أثار الجدل بشأن قوانين الأحوال الشخصية في مصر، وجه رئيس النظام عبدالفتاح السيسي الحكومة والبرلمان والقضاء والأزهر إلى تعديل هذه المنظومة الحساسة التي تُسيّر حياة الملايين.

المسلسل، الذي كتبه الصحفي الموالي للنظام، المثير دائما لقضايا خلافية إبراهيم عيسى، عرض ظاهرة الطلاق المتفاقمة، وما يتبعها من قضايا كحق النفقة والولاية التعليمية والرؤية ونقاط خلافية أخرى بقانون الأحوال الشخصية.

إلا أن جرأة عيسى المقصودة على الشريعة الإسلامية التي يستمد منها قانون الأحوال الشخصية أغلب نصوصه أثارت غضب الكثيرين، لاسيما وهو معروف دائما بإشعاله فتنا حول نصوص دينية تشغل الرأي العام عن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بمصر.

اهتمام مريب

وكان من اللافت أنه عقب انتهاء المسلسل وشهر رمضان، خرج السيسي ليؤكد على "ضرورة مناقشة قضايا الأسرة بأمانة وحيادية ودون مزايدة"، واصفا إياها بأنها من أخطر القضايا التي تؤثر على المجتمع وتماسكه ومستقبله.

وفي مداخلة مع قناة "صدى البلد" المحلية بتاريخ 10 مايو/ أيار 2022، قال السيسي إن نسب الأسر التي انفصلت زادت بشكل كبير خلال الـ20 عاما الأخيرة، لافتا إلى أن المشكلات التي تحدث اليوم متواصلة منذ 40 عاما.

ووفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (أ ش أ)، تحدث السيسي عن أهمية وجود "قانون يلزمنا جميعا بحل قضايا الأسرة، وعلينا التكاتف والاستماع للآراء كافة لحل ملف الأحوال الشخصية".

وتابع: "سنحاسب أمام الله كقضاة ودولة ورئيس وحكومة وبرلمان وأزهر عما فعلناه بملف الأحوال الشخصية".

وفي دعوة مباشرة طالب السيسي، رئيس محكمة الأسرة السابق المستشار عبد الله الباجا، بالحضور لمقر الرئاسة للتباحث حول الملف ومجموعة من القضاة أصحاب الخبرة ووضع خطوط عريضة للقانون، دون أن يوجه ذات الدعوة للأزهر أو المجتمع المدني.

وفيما يبدو أنها رؤية يتبناها، دعا السيسي، إلى كتابة عقد زواج فيه الكثير من البنود يجرى الاتفاق عليها، لافتا إلى أن هذا العقد لن يخالف الشريعة طالما تم توقيعه بالاتفاق.

ومحذرا المصريين: "أنا خايف إن ولادنا يكفروا بفكرة الزواج بسبب زيادة الانفصال".

مراقبون أعربوا عن مخاوفهم مما قد يجهزه السيسي ومن دعاهم بشكل مباشر لهذا الملف الشائك الذي يمس الدين الإسلامي والمجتمع والمرأة، في ظل الهجمات المقصودة منذ صعود السيسي على القيم والثوابت الدينية والاجتماعية.

بينما رأى البعض دعوته الآن لتغيير القانون هي لإلهاء المصريين عن أزماتهم الاقتصادية، بل حملوه السبب في تفاقم أزمة الطلاق وتراجع نسب الزواج بسبب الظروف الاقتصادية، إذ خاطبه البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالقول: "أنت السبب وليس القانون".

ووفق الجهاز المركزي للمحاسبات (حكومي)، فإن إجمالي حالات الطلاق خلال عام 2020، بلغت 222 ألفا و36 حالة، بواقع حالة كل دقيقتين، وفي المقابل، كشف الجهاز، عن تراجع معدلات الزواج بين المصريين، مطلع 2021 بنسبة انخفاض 3.9 بالمئة خلال عام.

ولطالما أبدى السيسي اهتماما بهذا الملف الشائك، إذ طالب في احتفالية عيد الأم في 21 مارس/ آذار 2021، بقانون للأحوال الشخصية لمصلحة الجميع، يكون متوازنا للأب والأم ويحقق مصلحة الزوجين والأبناء.

وقبلها بأيام، وضمن لقاءات بالشارع يعتقد مراقبون أنها مرتبة مسبقا، عرضت الفضائيات المصرية في 19 مارس/ آذار 2021، مشهدا لمقابلة السيسي مع سيدة قيل إنها أوقفت موكبه بالشارع لتشتكي من قانون الأحوال الشخصية.

مواجهة محتملة

ولطالما أثار ملف الأحوال الشخصية الجدل بين الأزهر والدولة، ما يشير لاحتمالات وقوع صدام جديد بين المؤسسة الدينية والسيسي، عقب واقعتي مطالبة الأخير الأزهر بعدم الاعتداد بالطلاق الشفوي في يناير/ كانون الثاني 2017، ودعواته لتجديد الخطاب الديني يونيو/ حزيران 2017.

وتقدمت الحكومة المصرية بنص مشروع قانون للأحوال الشخصية في فبراير/ شباط 2021، للبرلمان؛ لكن بعض بنوده أغضبت عدة نواب، ليجرى سحبه لاحقا مع تفاقم الخلافات بشأنه، وفق تصريح النائب عاطف مغاوري، في 19 فبراير 2022.

وكانت أبرز تعديلات قانون الحكومة المثير للجدل، ووفقا للمادة (58): "يُحبس الزوج لمدة عام وتوقيع غرامة مالية عليه من 20 إلى 50 ألف جنيه (1100 - 2750 دولارا) حال إخفائه الزواج الثاني عن الزوجة الأولى".

ومع أن تعديلات القانون منحت الزوجة الأولى "حق الطلاق" للضرر إذا لم يبلغها زوجها بزواجه الثاني؛ أصبح من حق الزوجة الثانية "الطلاق" هي الأخرى لعدم إبلاغ الزوج لها بزواجه الأول.

وكذلك، يعاقب التعديل "المأذون" بذات العقوبة التي نالت الزوج حال عدم التزامه بما أوجبه النص عليه من إخطار الزوجات بالزواج الجديد.

وفي تعديل مثير آخر، أجازت التعديلات لأول مرة لولي الأمر المطالبة قضائيا بفسخ عقد الزواج لو رأى "عدم التكافؤ" بين ابنته وزوجها.

تلك التعديلات رأها البعض تقوض عُرى المجتمع وتزيد من نسب الطلاق والعنوسة والبغاء، وبداية لتطبيق الرؤية العلمانية للزواج بالتضييق على تعدد الزوجات الذي يقره الدين الإسلامي، وفي بلد يقر بأن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع".

من جهة أخرى، أعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب في 24 مارس 2021، عن تقديم "هيئة كبار العلماء" بالأزهر مشروع قانون للأحوال الشخصية، مؤكدا حينها بحوار لمجلة "الأزهر" أن قانون الأزهر حاول تحقيق التوازن بين الأطراف كافة ووضع نصب عينيه مقاصد الشريعة الإسلامية ومصلحة الأسرة مجتمعة والطفل.

وأكد أن الأزهر باشر إعداد مشروع قانون للأسرة "الأحوال الشخصية" انطلاقا من واجبه الشرعي أولا واختصاصه بمراجعة القوانين ذات الصلة بالشريعة الإسلامية وفق النص الدستوري ثانيا.

سوابق مثيرة

وللمصريين سوابق سيئة بتعديلات قانون الأحوال الشخصية مع زوجات رؤسائهم السابقين، إذ كان لتدخلات جيهان السادات وسوزان مبارك الكثير من الأثر في توجيه قوانين الأحوال الشخصية وحرفها في اتجاهات معينة.

جيهان السادات، وقفت خلف "مرسوم 1979"، (قانون جيهان)، والذي ألزم الزوج بإبلاغ زوجته قبل تسجيل الطلاق، وأعطى للزوجة حق تحريك دعوى قضائية للمطالبة بالنفقة، وإطالة فترة حضانة الأم.

وفيما عُرف بقانون "سوزان مبارك"، وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2000، قدمت الحكومة مشروع قانون أقر "الخلع" ضمن إجراءات التقاضي، وأرجع ترتيب الحضانة للأب إلى رقم 16، كما أنه أقر الرؤية للطرف غير الحاضن.

لكن الأخطر الآن هو أن دعوات تعديل قانون الأحوال الشخصية وإن كان لها وجاهتها وتلقى رغبة شعبية إلا أنها تأتي في ظل ما يقوده العلمانيون المصريون في الآونة الأخيرة من حملة عنيفة ضد الفقه الإسلامي في جميع مناحي الحياة وخاصة الزواج والأحوال الشخصية.

إذ تتلاقى تعديلات قانون الأحوال الشخصية التي يطلبونها مع رغبتهم بمنع تعدد الزوجات، والقبول بالأنماط الغربية للعلاقات بين الجنسين، والكثير من التوجهات المخالفة للشريعة الإسلامية، التي قد تصل إلى المطالبة بحقوق الشواذ.

كاتب المسلسل إبراهيم عيسى، الذي استقبل تصريحات السيسي بفرح شديد، زاعما أنه "انتصار للصوت الدرامي"، يقود حملة شعواء على كل ما هو إسلامي، داعيا لعلمانية الدولة وتقليص دور الأزهر والشريعة الإسلامية.

وعقب عرض الحلقات الأولى من المسلسل رأى البعض أن ما يقدمه عيسى "تمهيد الرأي العام لتغيير قوانين الأحوال الشخصية بالمخالفة للشريعة الإسلامية".

وإثر تصريحات السيسي، نشر "المجلس القومي للمرأة" (حكومي) ملامح قانون الأحوال الشخصية من وجهة نظره، في 11 مايو 2022، ومنها: تنظيم وتوثيق الزواج والطلاق قانونا وهو ما يعني (إلغاء الطلاق الشفوي)، الذي يطلبه السيسي ويرفضه الأزهر.

ويطالب المجلس بـ"إلغاء أحكام الطاعة، وتنظيم الطلاق وجعله أمام القاضي أو الموثق لحسم الحقوق المترتبة عليه وأن يكون في مواجهة الزوجة أو علمها بإخطار رسمي وذلك لمواجهة الطلاق الشفوي".

وفيما تبدو أنها بنود قاسية بحق الرجل، طالب المجلس بضرورة إتاحة الحكم بالحبس للرجل عما يتعلق بالحقوق المالية للمرأة بما في ذلك المتعة والمؤخر.

وكذلك إدراج أحكام الحبس الصادرة بحق الرجل بشأن النفقة المتجمدة على الحاسب الآلي بوزارة الداخلية لتنفيذ الأحكام، مع إلزام الأب بسداد مصروفات التعليم والعلاج، وعقابه عند الامتناع عن ذلك.

وفي توجه نحو رفع سن الزواج شدد المجلس القومي للمرأة على ضرورة النص على الالتزام بتوافر سن الأهلية للزواج في الخطبة ومنع زواج الأطفال وتحديد السن القانونية للزواج بـ18 عاما للرجل والمرأة.

وللتعدد المسموح به في الإسلام، رؤية خاصة بالمجلس الذي يقول قانونه المقترح إنه "يتعين تنظيم تعدد الزوجات بتحقق القاضي من شرط علم الزوجة برغبة الزوج في الزواج بأخرى وموافقتها وضمان استيفاء العدل بينهما، ومنح القاضي سلطة التصريح بالزواج الثاني بعد تحقق الشروط".

ويدعو المجلس أيضا إلى "النص على شهادة المرأة على قدم المساواة مع الرجل والتأكيد على ذلك مثلما يحدث في واقع الإجراءات الجنائية والمدنية".

شقوق وفجوات

وفي سياق القوانين المثيرة للجدل، تقدمت البرلمانية نشوى الديب، في أبريل 2022، بمشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية، لمجلس النواب، يتواكب مع إستراتيجية تنمية الأسرة المصرية التي أطلقها السيسي، بحسب تصريحات الديب.

وتنص (المادة 16) من قانون الديب، "على أنه حال إصرار الزوج على التعدد يحق للزوجة طلب الطلاق والحصول على حقوقها كافة خلال شهر من الطلاق".

وتضيف: "وفي حالة موافقة الزوجة على زواج زوجها بأخرى أن تطلب منه الالتزام بتوفير جميع نفقاتها ونفقات أولادها وكذلك حقوقها الشرعية ومتابعة تربية الأبناء".

وفي هذه الحالات تقر المحكمة للزوج بالتعدد، وفي حالة تقصيره أو تقاعسه يحق لها التطليق وتحصل أيضا على حقوقها كافة كمطلقة.

ومن المثير أيضا هو نص (المادة 19)، من القانون المقترح على شرط مناصفة الثروة عند الطلاق، بخلاف الحقوق الأخرى للزوجة.

وهي البنود التي رآها مراقبون تعسر الزواج وتضع الكثير من القيود على أمر شرعه الإسلام ويحتاجه المجتمع لتقليل العنوسة ومنع الزنا والعلاقات خارج إطار الزواج.

وفي رؤيتها للقضية، قالت الحقوقية المصرية هبة حسن: "هناك إشكاليات حقيقية تتعرض لها المرأة المصرية والأسرة بكاملها، في ظل قصور شديد بقانون الأحوال الشخصية الحالي، بل وتضارب نصوصه وعدم تغطيته لاحتياجات المجتمع لتحقيق العدالة والاستقرار في نفس الوقت".

مديرة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أضافت لـ"الاستقلال"، أنه "لا ينكر منصف أيضا وجود نصوص في القانون لا تراعي الواقع وتطوراته".

وتابعت: "ومع هذا فربما الإشكاليات أكبر من القانون، وكونه العامل الوحيد على أهميته في حل هذه الإشكاليات؛ فمشكلة المجتمع المصري غياب روح القانون وفهمه وتغييب تطبيق القانون نفسه مع قصوره، سواء ضمن ممارسات الفساد والمواريث الفكرية المجتمعية نفسها أو التلاعب بالثغرات".

وبالتالي تعتقد حسن، أن "تعديلات القانون وحدها وإن تمت لن تحقق حلا وتعالج قصورا؛ فما بالنا إن تمت هذه التعديلات بعيدا عن المجتمع المدني وتمثيله بنقاشات وحوار مجتمعي حقيقي يمثل الواقع، أو بعيدا عن المؤسسة الدينية الممثلة للمرجعية الشرعية للمجتمع وقوانينه وفقا للدستور".

وأكدت الحقوقية المصرية أن "إقرار أي قانون أو تعديلاته بعيدا عن ذراعي المجتمع يهدد مبدئيا بفشل في حل الإشكاليات؛ فضلا عن استمرار تعمق الشقوق المجتمعية وتفكك الأسر، وتزايد الفجوة بين المجتمع ومنظومة الدولة والتي يفترض أن تحميه وتغطي احتياجاته".