بينها الحج والأزهر.. هذه فخاخ الأنظمة العربية لاعتقال الإيغور وتسليمهم للصين

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تكررت منذ عام 2017 مناشدات مسلمي الصين من أقلية الإيغور الذين يقيمون في دول عربية هربا من بطش حكومتهم، بعدم تسليمهم إلى بكين، ولكن دون جدوى.

شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية كشفت السر في 25 أبريل/نيسان 2022، مؤكدة تقديم حكومة بكين "هدايا" للأنظمة العربية على هيئة مشروعات ونفوذ اقتصادي بما يجعلها لا تتعاطف مع أزمة الإيغور.

أكدت أن السلطات الصينية في سبيل قمع أقلية الإيغور المسلمة، تكثف التعاون مع حكومات دول عربية، مثل السعودية ومصر والإمارات، سواء لاعتقالهم أو تعاون العرب في الدفاع عن الصين ضد الانتقادات الدولية بشأن اضطهاد مسلميها.

بالتزامن، أصدر "معهد كيسنجر للشؤون الصينية الأميركية"، التابع لمركز وودرو ويلسون دراسة بعنوان "سور الصلب العظيم" (Great Wall of Steel) كشفت تفاصيل غير مسبوقة عن حجم تواطؤ حكومات عربية مع الصين لترحيل الإيغور.

وبينت الدراسة أنه جرى اعتقال أو تسليم أكثر من 1500 من الإيغور بالدول العربية، أو إجبارهم على العودة إلى الصين ليواجهوا الاعتقال والتعذيب.

وأن بكين استهدفت أكثر من 5500 من الإيغور خارج الصين بدول عربية وشرق أوسطية بهجمات سيبرانية للتجسس عليهم وتهديد أفراد عائلاتهم المقيمين في الداخل، بتواطؤ حكومات عربية أيضا.

ومنذ 1949، تسيطر بكين على إقليم "تركستان الشرقية"، الذي يعد موطن الأتراك "الإيغور" المسلمين، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".

وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليونا منهم من الإيغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز 100 مليون، أي نحو 9.5 بالمئة من مجموع السكان.

وبدأت السلطات الصينية في شينجيانغ عام 2017 حملة لاعتقال النساء والرجال المسلمين من الأقليات العرقية الإيغورية والكازاخستانية والقيرغيزية واحتجازهم في معسكرات مصممة بدعوى "تخليصهم من الميول الإرهابية والمتطرفة" وفق زعمها.

ويعتقد أن ما بين مليون إلى مليوني شخص من الإيغور وأفراد الأقليات الأخرى من شينجيانغ محتجزون في المعسكرات، حيث يجبرون على دراسة الماركسية والتخلي عن دينهم والعمل في المصانع ومواجهة الانتهاكات، وفقا لجماعات حقوق الإنسان.

"هدايا" وتواطؤ

بحسب ما نشرته شبكة "إن بي سي نيوز"، ودراسة "سور الصلب العظيم" التي صدرت في العام 2022، رصد باحثون عدة أسباب لتواطؤ الأنظمة العربية مع بكين في قمع مسلمي الصين.

يسرد تقرير "سور الصلب العظيم" حجم جهود وزارة أمن الدولة الصينية لمضايقة واحتجاز وتسليم الإيغور من مختلف بلدان العالم، والتعاون الذي تحصل عليه من حكومات عربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتفصيل غير مسبوق.

ويقول معد التقرير، برادلي جاردين، من معهد كيسنجر التابع لمركز ويلسون إن هذه الهدايا عبارة عن مشاريع صينية في دول عربية منها مصر والمغرب والسعودية، بمليارات الدولارات، وهدفها جعل هذه الدول وسيطا في التجارة بين الصين والعرب.

وشرح الباحث إدريان زينز، الذي درس القمع المنهجي الصيني للإيغور  بقوله إن بكين تستخدم نفوذها الاقتصادي و"هدايا" على هيئة مشروعات للبنى التحتية.

هذه المشروعات تتمثل بمبادرة الحزام والطريق، وهي تفيد الدول العربية والإسلامية التي تتعاطف مع أزمة الإيغور، وتضغط عليها أيضا.

أكد أن "الصينيين يشعرون بالخوف من رأي الشعوب المسلمة فيما يخص معاملتهم للإيغور وقد بذلت جهودا استثنائية للتأثير على حكومات تلك الدول ورأيها العام".

وكان الباحث "جاردين"، وهو أيضا مدير الأبحاث في جمعية أوكسوس لشؤون آسيا الوسطى، كتب في مجلة "تايم" 24 مارس/آذار 2022 أن "العالم العربي ليس صامتا فقط بشأن القمع الصيني للإيغور لكنه متواطئ".

أكد أن الدول العربية تساعد بكين بنشاط في تبرير الانتهاكات والانتقام من الإيغور، وأن ست حكومات على الأقل في العالم العربي هي: مصر والمغرب وقطر والسعودية وسوريا والإمارات احتجزوا وسلموا مسلمين صينيين لبكين.

ووفقا لبيانات جمعية أوكسوس لشؤون آسيا الوسطى، جرى احتجاز أو ترحيل حوالي 292 شخصا من الإيغور من الدول العربية بناء على طلب الصين منذ عام 2002، واعتقال أو تسليم 1327 شخصا من 20 دولة حول العالم منذ ذلك الحين.

وقسم تقرير معهد كيسنجر الاضطهاد الذي عاشه الإيغور خارج الصين إلى ثلاث مراحل زمنية، من عام 1997 إلى 2007، حيث جرى احتجاز 89 فردا من الأقلية المسلمة وترحيلهم من دول جنوب وشرق آسيا.

وتمتد المرحلة الثانية من 2008 حتى 2013، تم استهداف 126 إيغوريا فيها في جنوب شرقي آسيا.

أما المرحلة الثالثة فبدأت في عام 2014 حتى الوقت الحالي، حيث تم احتجاز وترحيل أو نقل 1364 إيغوريا من 18 دولة عربية.

ووفقا لتقرير المعهد، اعتمدت المخابرات الصينية على الحكومات العربية والأجنبية في كثير من الحالات وعلى الإنتربول (الشرطة الدولية) في بعض الحالات للمساعدة في إعادة الإيغور الذين يرغبون في السيطرة عليهم.

واحتجز العديد من الإيغوريين وأعيدوا إلى الصين دون توجيه تهم بارتكابهم جريمة، بينما واجه آخرون اتهامات بالإرهاب أو إطلاق تصريحات سياسية تنتقد سياسات بكين القمعية في شينجيانغ.

ويرجع تحليل نشره "معهد واشنطن" في 26 أغسطس/آب 2019 أسباب الصمت أو التواطؤ العربي مع حكومة بكين ضد مسلمي الصين لأربعة أسباب.

أولها: "الخوف من الإسلام السياسي"، وقلق العديد من الحكومات العربية بعد الربيع العربي عام 2011، من التيارات الإسلامية ما جعلهم يتعاطفون مع الادعاء الصيني بأن حملة القمع ضد الإيغور هدفها مكافحة الإرهاب.

والثاني: الخوف الصيني العربي من الحركات الانفصالية وسعي مقاطعة شينجيانغ التي يعيش فيها الإيغور وتشكل جسرا يربطها بآسيا الوسطى والشرق الأوسط للانفصال.

والقلق أن تترك الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي عام 2011 مضاعفات على مناطق المسلمين في شمال غرب شينجيانغ، وإيمان الزعماء العرب والصينيين بضرورة قمع أي حركات مماثلة داخل حدود بلدانهم.

والثالث: رغبة حكومات عربية في الاستفادة اقتصاديا من الصين، حيث تسعى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية لربط آسيا وأوروبا بمشاريع بنى تحتية برية وبحرية، بالمنطقة العربية. 

وتوصلت بكين إلى اتفاقيات تعاون في إطار هذه "المبادرة" مع 18 دولة عربية، ووقعت شركات صينية عقودا هناك بقيمة 35,6 مليار دولار مع دول عربية.

والسبب الرابع: هو اعتقاد الأنظمة العربية أن الصين أكبر من أن تجابه، خاصة أنها ترتبط بالعديد من العلاقات السياسية والعسكرية معهم، والدفاع عن الإيغور لا يستحق المجازفة بهذه العلاقات. 

تعذيب وقتل

وتقول جمعية أوكسوس: "اعتقلت الشرطة المصرية أكثر من 200 من مسلمي الصين من منازلهم ومطاعمهم ومساجدهم وحتى المطارات، ومعظمهم طلاب في جامعة الأزهر، ونقل عدد كبير إلى سجني طرة والعقرب سيئ السمعة".

وتؤكد في تقرير بعنوان: "ما وراء الصمت: التعاون بين الدول العربية والصين في القمع العابر للحدود للإيغور" أن المحتجزين الصينيين في مصر أكدوا لها أن ضباط المخابرات الصينية استجوبوهم داخل السجون المصرية.

"اعتقد الإيغور الذين فروا من حملة القمع في مصر أن جامعة الأزهر ستحميهم، لكنهم شعروا "بالدهشة" عندما اعتقلتهم الشرطة، وكشفوا قتلها طالبين من الإيغور في الحجز وترحيل 76 منهم إلى الصين"، بحسب الجمعية.

ووفقا لتقرير شبكة "إن بي سي نيوز" اعتقلت الشرطة المصرية في عام 2017 طلابا من الإيغور في إحدى الجامعات بالقاهرة ورحلتهم إلى الصين وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. 

ووقعت وزارة الداخلية المصرية في 19 يونيو/حزيران 2017 اتفاقية مع وزارة الأمن العام الصينية، خلال زيارة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى بكين لحضور قمة "بريكس" تركزت على "مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني بين البلدين"، دون تفاصيل.

وأعقب الاتفاق حملة للأجهزة الأمنية المصرية على الطلاب المسلمين من تركستان الشرقية بالصين (الأويغور) الذين يدرسون بالأزهر أو يقيمون بمصر خشية عودتهم إلى بلادهم وتعرضهم للتعذيب.

وتزامن الاتفاق مع تأكيد "عمر كانات" مسؤول بمشروع "الإيغور لحقوق الإنسان" أن "السلطات المصرية تجبر الطلاب على التوقيع على وثائق تفيد بانتمائهم لجماعات متطرفة بطلب من الحكومة الصينية التي اتهمتهم بالإرهاب، بهدف تبرير ترحيلهم للصين"، وفق بيان نشر في يونيو 2017.

وأكد النبأ أيضا صحيفة نيويورك تايمز في 6 يوليو/تموز 2017 مؤكدة ترحيل 12 من هؤلاء الطلاب بالفعل إلى الصين، وأن 22 آخرين ينتظرون الترحيل، كما نقلت عن ثلاثة من مسؤولي الطيران المصريين حينئذ.

ونقلت نيويورك تايمز عن الطالب الصيني "محمد أمين نورموهمد" الذي كان صديقا لبعض المحتجزين، وجميعهم من الإيغور أن أصدقاءه "كانوا يدرسون في الأزهر".

وقد نشر حينئذ طلاب إيغور صينيون خريطة تبين أماكن احتجاز عدد 101 طالب صيني في قسمي شرطة ومطارين مصريين.

كما نشر ناشطون إيغور فيديوهات لاعتقال امرأتين صينيتين محجبتين وترحيلهن في سيارة شرطة، إحداهن حامل في شهرها التاسع.

ووجه طلاب إيغور عام 2017 رسالة إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب نشروها على حساباتهم في فيسبوك (حذفت لاحقا لمطاردتهم) تطالبه بالتدخل لإنقاذهم، موجهين اتهامات ضمنية لمصر والأزهر ببيعهم بثمن بخس لحكومة الصين "الشيوعية".

ووصفوا في الرسالة التي بعثوا بها باسم "مجموعة طلاب الإيغور بالأزهر الشريف" بأنه "اليوم الأسود" الذي "وجدنا الشرطة المصرية تعتقلنا وتقودنا بلا رحمة من بيوتنا وشوارعنا ومطاعمنا.

وانتقد ناشطون مصريون حينئذ شيخ الأزهر لصمته على اعتقال وتعذيب وترحيل طلاب صينيين مسلمين يدرسون في المشيخة.

وهناك تعاون سابق في التعذيب بين مصر والصين بحسب صحف غربية. وكشفت صحيفة "تليغراف" البريطانية 23 سبتمبر/أيلول 2014 أن بكين توسعت في تصنيع وتجارة أسلحة ومعدات تقييد وتعذيب وقمع المعارضين وباعت كثيرا منها لمصر.

وكشفت منظمة العفو الدولية و"مؤسسة أوميغا للأبحاث" في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن دولا في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الصين، لا تزال تبيع أدوات تعذيب لحكومات عربية، تستخدم في تعذيب وقتل المعارضين، من بينها مصر.

"مصيدة" عربية

تؤكد تقارير شبكة "إن بي سي نيوز"، ودراسة "سور الصلب العظيم" ومجلة تايم أن مسلمي الصين لم يسلموا من الاعتقال حتى في الحج الذي تحول إلى فخ لهم، حيث اعتقلت السعودية إيغورا قادمين إليها.

ويقول "برادلي جاردين" في التقرير الذي نشره بمجلة "تايم": استخدمت أجهزة المخابرات الصينية الحج لإغراء الإيغور الهاربين المقيمين في أوروبا، وترحيلهم إلى الصين بتواطؤ من حكومة السعودية.

مثل اعتقال عثمان أحمد توهتي، وهو من الإيغور بعدما قدم للحج عام 2018 من تركيا التي يقيم فيها بشكل قانوني.

كما لعبت الإمارات، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الصين، دورا في اعتقال الإيغور لكونها "مركزا استخباراتيا إقليميا لأجهزة الأمن الصينية".

ونقل عن مسلمين صينيين يقيمون في هولندا أنهم استدرجوا إلى دبي وجرى الضغط على أسرهم في شينجيانغ لضمان امتثالهم في التعاون مع المخابرات الصينية للتجسس على مسلمي الصين في الخارج.

وتظهر السعودية على قائمة الصين للدول "المشبوهة" التي يسافر الإيغور إليها، "وقد تعاونت المملكة بشكل متزايد مع بكين"، وفق تعبير شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية.

وأكدت أن السلطات السعودية رحلت ما لا يقل عن ستة من الإيغور إلى الصين في السنوات الأربع الماضية ممن كانوا يؤدون فريضة الحج بمكة أو دخلوا في البلاد بصورة قانونية، وفقا للتقرير.

 

وفي عام 2020، انضمت السعودية ومصر والإمارات إلى 42 دولة أخرى في توقيع خطاب يدعم حملة الصين للاعتقال الجماعي في منطقة شينجيانغ.

وفي 22 أكتوبر 2021 أصدرت 43 دولة أوروبية وأجنبية بينها تركيا بيانا ينددون فيه بقمع بكين للمسلمين هناك (الإيغور) واعترضت عليه 62 دولة منها 14 دولة عربية مسلمة أصدروا بيانا مضادا يدافعون فيه عن الصين.

وكانت الدول العربية التي أيدت الصين هي مصر والسعودية والجزائر وتونس والمغرب والإمارات وفلسطين والعراق ولبنان وليبيا والسودان واليمن وموريتانيا والصومال.

وقالت الدول العربية في بيانها إنها "تعارض المزاعم التي لا أساس لها ضد الصين بدوافع سياسية قائمة على التضليل الإعلامي والتدخل في الشؤون الداخلية لذلك البلد بحجة حقوق الإنسان".

وأضاف البيان "نحن نعارض تسييس حقوق الإنسان وازدواجية المعايير، كما نعارض المزاعم التي لا أساس لها ضد الصين بدوافع سياسية قائمة على التضليل الإعلامي والتدخل في الشؤون الداخلية لبكين".