انتخابات البرلمان الأوروبي.. هل يتغير وجه القارة العجوز للأبد؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدى 4 أيام (من 23 ـ 26 مايو/آيار 2019)، توجه مواطنو 28 دولة أوروبية للإدلاء بأصواتهم لانتخاب 751 عضوا للبرلمان الأوروبي، لمدة 5 سنوات قادمة.

هذه الانتخابات تعد الأهم على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، حيث يسهم فيها الناخبون من خلال ممثليهم بصنع قرارات الاتحاد وصياغة تشريعاته وتعيين مناصب رئيسية في المفوضية الأوروبية (السلطة التنفيذية للاتحاد)، وذلك من مقري البرلمان في كل من ستراسبورغ وبروكسل.

تتوزع المقاعد البرلمانية بين الدول الأعضاء، بشكل يتناسب مع عدد سكان كل دولة، فألمانيا البالغ عدد سكانها نحو 83 مليون نسمة، يمثلها في البرلمان الأوروبي 96 مقعدا، في حين أن مالطا الدولة الأصغر يمثلها 6 مقاعد برلمانية فقط، وهو العدد الذي يتناسب طرديا مع عدد سكانها البالغ عددهم نحو 475 ألف نسمة.

يختار أعضاءَ البرلمان مواطنو دول الاتحاد الأوروبي، وتشكل الأحزاب المنتخبة في البرلمان كتلا برلمانية تتشابه أو تتقارب في مواقعها على امتداد الطيف السياسي الموزع بين اليمين والوسط واليسار وتسعى، بتحالفاتها للهيمنة السياسية، على قرار البرلمان.

صعود اليمين

شهدت الانتخابات الحالية صعودا غير مسبوق للأحزاب اليمينية والمتطرفة،  على نحو يبدو فيه وجه أوروبا آخذا في التغير، فبعد هيمنة الأحزاب التقليدية من يمين الوسط ويسار الوسط لحوالي 40 عاما، تمكنت الأحزاب اليمينية والقومية الشعبوية من إزاحتها، وتصدر المشهد السياسي لأول مرة، الأمر الذي سيجعلها قادرة على سن قوانين وتشريعات ربما تسهم في تشكيل خارطة جديدة تغيير سياسات أوروبا، وتشرعن للأيديولوجيا اليمينية المتطرفة، خصوصا تلك التي تتعلق بالهجرة واللجوء، وهي القضايا التي مثلت الباعث الأول والمحفز الأكبر للتيارات اليمينية والقومية في أوروبا.

شهدت الانتخابات مشاركة واسعة وإقبالا كبيرا هو الأعلى منذ 20 عاما، حيث تجاوز ما نسبته 50 % ما يشير إلى أن هناك قضايا مثلت تحديات أراد الناخبون من خلالها تغيير الوضع الراهن ومنح البرلمانات الوطنية صلاحيات تشريعية أوسع من تلك التي استأثر بها البرلمان الأوروبي.

ففي فرنسا على سبيل المثال، تقدمت المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقود الائتلاف الليبرالي، في حين  تراجع ماكرون وفشل في إقناع الناخبين ببرنامجه الإصلاحي.

وفي بريطانيا، حقق حزب "بريكست" بزعامة القومي نايجل فراج انتصارا كاسحا بحصوله على أكثر من 30% من الأصوات وبحصة تقارب 30 مقعدا من مجموع 73 مقعدا مخصصة لهذا البلد، وأتى هذا الانتصار على حساب تراجع حزب المحافظين الحاكم وكذلك حزب العمال، وهما الحزبان التقليديان الأبرز في بريطانيا.

أما في ألمانيا فقد تراجع الحزبان الديموقراطيان، المسيحي والاشتراكي، لصالح حزب الخضر، وعن سبب هذا التراجع تقول أستاذة العلوم السياسية المتخصصة بدراسة سلوك الناخبين، زيغريد روستويتر، لموقع دويتش فيله: "الأحزاب التقليدية لم تعد تصل إطلاقا إلى الشباب، وخطاباتها لم تعد مجدية، بالإضافة إلى سوء التواصل مع الشباب الذين شكلوا الناخبين الأبرز لحزب الخضر.

اللافت في الأمر أن ألمانيا التي تستقبل العدد الأكبر من المهاجرين، تراجعت الأحزاب التقليدية فيها لصالح حزب الخضر، ويبدو أن القضية التي شكلت الأولوية القصوى بالنسبة للخضر هو قضايا المناخ والبيئة، على خلاف التوقعات بتصدر قضايا الهجرة واللجوء.

أما في إيطاليا فقد تقدم حزب الرابطة اليميني بقيادة ماتيو سالفيني الذي توعد بـ "إيقاف البيروقراطيين والمصرفيين وقوارب المهاجرين" بحصوله على حوالى 30 بالمئة من الأصوات، وكذلك الحال في السويد وبلجيكا وسلوفينيا، بالإضافة إلى بولندا التي تبنى فيها حزب المحافظين المتصدر قضايا الهجرة ضمن الأولويات في برنامجه السياسي.

مفاجأة الخضر

بالقدر الذي أسهمت فيه زيادة مشاركة الناخبين في إيصال الأحزاب اليمينية للصدارة، وتسببت بتراجع الأحزاب التقليدية، بنفس القدر الذي انعكست على تقدم حزب الخضر والأحزاب الليبرالية، وهو الأمر الذي سيمكنها من مواجهة الأحزاب اليمينية المشككة بالاتحاد الأوروبي، يقول مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مارك ليونارد، لفرانس 4، إن الخوف من صعود الأحزاب اليمينية والقومية، كان أحد أسباب زيادة نسبة مشاركة الناخبين، وهو الأمر الذي انعكس على تقدم حزب الخضر والأحزاب الليبرالية.

فرغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، فإن تشكيل تحالف بين الخضر والأحزاب اليسارية وبعض ليبراليي الوسط أمر وارد جدا وحاضر بقوة، وهو إن حصل سوف يمنح هذا الائتلاف 392 صوتا، وهو العدد الكافي لتعطيل أي قرار مناهض للهجرة ومشكك بالاتحاد الأوروبي.

مأزق "البريكست"

في بريطانيا شكلت قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو ما يسمى بـ (البريكست) اختصارا لعبارة (British Exit) القضية الأبرز في برامج الأحزاب وأجندة الناخبين، وكانت النتيجة مفاجئة، وغير متوقعة، حيث حصل حزب (البريكست) الشعبوي الناشيء حديثا، والذي يناهض بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، على المرتبة الأولى، بعد حصوله على أكثر من 30 بالمائة من أصوات الناخبين البريطانيين، أي بحصة تقارب 30 مقعدا من مجموع 73 مقعدا في البرلمان الأوروبي مخصصة لهذا البلد.

وأتى الحزب الليبرالي الديمقراطي، المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ثانيا بنسبة 21 % من الأصوات، بينما تراجع حزب العمال وحلّ ثالثا بنسبة 14 % و10 مقاعد، وكانت الانتكاسة الكبيرة من نصيب حزب المحافظين الحاكم، الذي ترأسه تيريزا ماي، حيث جاء خامسا بنسبة تقل عن 9 % وبحصة 3 مقاعد فقط، بعد أن خسر جزءا كبيرا من أصواته لصالح حزب "البريكست، الأمر الذي دفع أعضاء الحزب لمطالبة ماي بالاستقالة، وهو ما وعدت بتنفيذه في يونيو/حزيران المقبل.

بحسب الأناضول، فإنه رغم تقدم حزب "البريكست"، إلا أن أحزاب "الليبرالي الديمقراطي"، و"القومي الاسكتلندي"، و"الخضر"، و"بليد سيمرو في ويلز"، و"التغيير البريطاني"، وجميعها أحزاب مؤيدة للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، حصدت مجتمعة 38 بالمئة من مجموع الأصوات، فيما بلغ مجموع أصوات الحزبيْن الداعمين للخروج من الاتحاد الأوروبي، "بريكست" و"الاستقلال البريطاني"، نحو 37 بالمئة من الأصوات، أي أن أصوات الأحزاب المؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي تفوق نظيرتها الداعية للانسحاب منه.

تحدد هذه النتائج ملامح المرحلة القادمة، التي قد تفتح الطريق أمام استفتاء جديد حول الخروج أو البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، وتحسم المأزق السياسي الراهن بالمملكة المتحدة وهو إن تم فإن الأحزاب المؤيدة للبقاء تحتاج لدعم من حزب العمال لتقليص الفارق الذي يتفوق به البريكست والاستقلال الحزبان المناهضان لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد.

الموقف من تركيا

رغم أن تركيا تقدمت بطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلا أن نسبة التمثيل في البرلمان الأوروبي كان إحدى المعوقات الرئيسية التي حالت دون انضمام تركيا، وترك ملفها معلقا منذ ما ينيف على 50 عاما، فالبرلمان المكون من 751 مقعدا يتوزع على عدد دول الاتحاد بما يتناسب طردا مع سكان كل دولة.

يقول الدكتور إيجمان باغيش أستاذ مادة الاتحاد الأوروبي في جامعة إسطنبول آيدن ووزير الاتحاد الأوروبي السابق، في حديث لـ"الاستقلال": "الأسباب الكامنة وراء عرقلة عملية الانضمام هي أسباب تاريخية تتعلق بهوية البلد ودينه وثقافته وتاريخه".

مضيفا "الأهم من ذلك هو أن عدد السكان في تركيا سيضاعف من حجم تمثيل تركيا في البرلمان الأوروبي، حينها ستكون تركيا ثاني أكبر دولة بعد ألمانيا، من حيث حجم التمثيل في البرلمان، ما يعني تمثيلها بما لا يقل عن 90 مقعدا من إجمالي عدد مقاعد البرلمان، وهذا يضاعف من فرصها في سن التشريعات والقوانين الأوروبية، وربما يشكل تهديدا على البنية التشريعية الأوروبية في حسابات بعض الأحزاب الأوروبية".