وسط عاصفة ثلجية في إسطنبول.. لماذا التقى إمام أوغلو سفير بريطانيا بمطعم هادئ؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "حرييت" التركية الضوء على الجدل الدائر بشأن لقاء رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، مع السفير البريطاني دومينيك شيلكوت، في مطعم سمك هادئ، وقتما كانت المدينة وسكانها يغرقون وسط عاصفة من الثلوج.

وأكدت الصحيفة في مقال للكاتب نديم شينير أن لهذا اللقاء أهمية كبيرة دفعت إمام أوغلو إلى عدم الاكتراث بالاستعدادات للعاصفة الثلجية التي حذر منها الخبراء لأيام، مرجحة أن للموضوع علاقة بطموح عمدة إسطنبول السياسي.

سطوع الحقيقة

وذكرت الصحيفة أنه مع انتخاب إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى في 23 يونيو/ حزيران 2019، تحولت أجواء "الربيع" التي عمت إسطنبول سريعا إلى "صيف".

ولم يمض شهران، حتى تحولت الأجواء إلى "خريف" مع الفيضانات التي حدثت في 17 أغسطس/ آب من نفس العام.

إذ غمرت المياه العديد من المناطق في المدينة، وغرقت الأنفاق، وفقد أحد المواطنين المشردين حياته بسببها. وبطبيعة الحال، كانت العيون تدور باحثة عن إمام أوغلو. لكنه كان في إجازة مع عائلته في منتجع بودروم بولاية موغلا جنوب غربي البلاد.

ومع أنه تم توجيه الكثير من الانتقادات إلى إمام أوغلو بسبب عدم اتخاذ البلدية الاحتياطات والتدابير اللازمة رغم تحذيرات الأرصاد الجوية، وعودته إلى بودروم بعد أن جاء ليوم واحد إلى إسطنبول، إلا أنه تمكن من التملص منها من خلال المقالات التي كتبها موالوه دفاعا عنه.

ووقع زلزال بقوة 6.8 درجات في مدينتي إيلازيغ وملاطيا (شرق) بعد بضعة أشهر فقط من ذلك، بالتحديد في 24 يناير/ كانون الثاني 2020، أسفر عن مصرع 41 مواطنا، وأصيب 1607 آخرون.

وبعدها بيوم ظهر إمام أوغلو في إيلازيغ، ونشر تغريدة عبر تويتر قال فيها: "نحن في إيلازيغ التي فاجأها الزلزال، ويعمل فرقنا للبحث والإنقاذ والدعم بتنسيق كامل، قلب إسطنبول يخفق قلقا على إيلازيغ ونحن مستعدون لتقديم جميع أنواع الدعم".

غير أن إمام أوغلو، الذي أمضى بضع ساعات في المنطقة المنكوبة فيما كانت جهود البحث والإنقاذ مستمرة، نشرت صوره في اليوم التالي مع عائلته التي كانت في إجازة للتزلج في ولاية أرضروم المجاورة، ليتضح أنه مر على إيلازيغ في طريقه للإجازة.

وعندما لحقت به الانتقادات، صرح إمام أوغلو أن لديه مسؤوليات تجاه عائلته أيضا، متذرعا في كلتا الحادثتين بأسباب إنسانية. وتوجه بالكلام إلى ناقديه قائلا: "هذه طريقتي، وسيعتاد عليها الناس...".

وضع مأساوي

وأكدت "حرييت" أن الوضع مأساوي من وجهة نظر مؤيدي إمام أوغلو؛ فمن السهل أن نفهم ما يقصده من يعارضونه سياسيا، لكن خيبة الأمل والإحباط بادية على وجوه من صوتوا له.

أما المقالات التي يكتبها مؤيدوه والذين يحاولون فيها ترقيع أخطاء إمام أوغلو مهما كانت كبيرة، فهي بعيدة كل البعد عن إقناع الناس.

ولعل أكبر ما يعاني منه من أصيبوا بخيبة الأمل هي مدى الاختلاف بين الأحلام الجميلة والواقع المر؛ فقد رغب هؤلاء بشدة أن يروا في إمام اوغلو زعيما وقائدا قادرا على أن يحكم تركيا يوما ما.

لكن، هل رغب إمام اوغلو في ذلك حقا؟

وأجابت أنه عندما ترشح إمام أوغلو لرئاسة بلدية إسطنبول، كانت نسبة من يعرفونه نحو 10 بالمئة من أهالي إسطنبول. وهو لم يكن ليهدف لمثل هذا المنصب لو لم يجعله كيليجدار أوغلو مرشحا لهذا المنصب.

فقبل بضعة أشهر فقط من ترشحه، كانت الجماهير تهتف باسم محرم إنجه وليس إمام أوغلو.

ولو تم ترشيح إنجه لكان هو من سيتولى إدارة إسطنبول، خاصة وأنه كان معروفا بسبب ترشحه لرئاسة الجمهورية سابقا.

وهكذا انتخب الناس من لا يعرفون نقاط قوته ونقاط ضعفه. وتعرف الناخبون على خيارات وطريقة إدارة إمام أوغلو بعد أن أصبح رئيسا للبلدية فقط.

فهو لم يتغير عما كان عليه عندما كان رئيسا لحي بيليك دوزو في إسطنبول، لذلك فالمشكلة ليست في إمام أوغلو بل في المواطنين الذين لم يعتادوا عليه.

خيبة أمل

فعلى الرغم من تحذيرات الأرصاد الجوية، لم يتم نثر الملح على شوارع إسطنبول قبل 24 يناير ما تسبب بتراكم الثلوج وانسدادها وعلق المواطنين في الشوارع لساعات، وهكذا تحولت الأنظار مرة أخرى إلى إمام أوغلو.

غير أن إمام أوغلو لم يكن يعمل في مثل هذه الليلة العصيبة في البلدية، بل كان يتناول الطعام مع السفير البريطاني لدى تركيا في مطعم يقدم الأطعمة البحرية، وذلك في موعد تم حجزه قبل 25 يوما، وعُقد اللقاء سرا، ولم يعلم به حتى مؤيدوه.

وبينما كان العالقون في الثلوج يشتكون من تأخر جرافات الجليد، تبين أنه كانت هناك جرافة جليد ترافق موكب إمام أوغلو أثناء ذهابه إلى المطعم.

وفي تلك الأثناء، نشر مراد أونغون، المتحدث باسم إمام أوغلو، تغريدة اتهم فيها من اشتكوا من العالقين في الشوارع بين الثلوج، أنهم "متصيدون" باسم حزب العدالة والتنمية.

وتساءلت الصحيفة، هل يُعرف من أين نشر التغريدة؟ من سويسرا التي ذهب إليها في 23 يناير في رحلة للتزلج.

وهكذا كان يتناول إمام أوغلو العشاء مع السفير البريطاني والمتحدث باسمه مراد أونغون في إجازة في سويسرا! في الوقت الذي كان الناس يعاني فيه جراء الهطول الكثيف للثلوج وانغلاق الشوارع والطرقات. وفوق ذلك يردون بالاتهامات على من ينتقدهم.

وأكثر من يرثى لحالهم هم من يؤيدون إمام أوغلو ويدعمونه، صم بكم عمي فهم لا يبصرون. فبينما كان إمام أوغلو يهضم السمك مع السفير البريطاني، كان مؤيدوه وأنصاره من الصحفيين والبرلمانيين والفنانين والكتاب ينشرون تغريدات ينفون فيها حدوث اللقاء أصلا.

مع إن إمام أوغلو كان يأكل بالفعل سمكا بقيمة 48 ألف ليرة (نحو 3600 دولار) أثناء لقاءه الذي استمر لـ3 ساعات مع السفير البريطاني، أكل السمك وترك "الجلي" لهم.

وعندما ظهرت الحقيقة، اضطر كثيرون إلى حذف تغريداتهم. أما إمام أوغلو فدافع عن نفسه قائلا "لم يكن تناول الطعام مع السفير البريطاني بأقل أهمية عن مكافحة الثلج".

وتهكمت الصحيفة بالقول إنه محق في الواقع، فمن المهم جدا أن يلتقي إمام أوغلو بالسفير البريطاني بأي ثمن، لأن مستقبله السياسي مربوط بدعم الدول الأجنبية، وعلاقته بالعديد من "مراكز القوة" في البلاد.

لكن ماذا عن مؤيديه من الصحفيين والسياسيين والفنانين والناخبين؟

لقد أعمى الكراهية والبغض عيونهم. لذلك لا يمكنهم الاحتجاج بغض النظر عما يفعله إمام أوغلو.

وكما قال إمام أوغلو، فإن المسألة مسألة تعود! أما السؤال الذي يلح في الذهن: ماذا كانت تلك القضية المهمة التي حالت دون أن يلغي إمام أوغلو اجتماعه مع السفير البريطاني في الوقت الذي كانت فيه الثلوج تغطي الشوارع وتعطل السير فيها، وعمّ تحدثا؟