الاعتداء على السياح الأجانب في المغرب.. حوادث فردية أم ظاهرة قابلة للتزايد؟

فاتحة المودن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

للمرة الثانية، اهتز الشارع المغربي على وقع حادثتي اعتداء على سائحتين بالسلاح الأبيض (سكين)، في كل من مدينتي تزنيت وأغادير الساحليتين (جنوب)، منتصف يناير/كانون الثاني 2022.

وحظيت الواقعة بتفاعل واسع من المواطنين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعاد الاعتداء بالناشطين إلى واقعة ذبح سائحتين إسكندنافيتين، في ضواحي مدينة مراكش عام 2018.

وأثارت تلك الاعتداءات، مخاوف من تأثيرها على القطاع السياحي والصورة الاجتماعية للبلاد، حيث لقيت إدانات واسعة من جميع شرائح الشعب، لكونها "أعمالا مرفوضة لا تنسجم مع قيم وتقاليد المغاربة".

نظرة الآخر

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2022، ذكرت المديرية العامة للأمن الوطني، في بيان أن "المشتبه فيه (31 عاما) في الحادث رصدته كاميرا محل تجاري بالسوق البلدي في تزنيت وهو يعرض مواطنة أجنبية (فرنسية/79 عاما) لاعتداء جسدي مفض للموت بواسطة السلاح الأبيض، قبل أن يلوذ بالفرار".

وأوضحت أنه "تم توقيف المشتبه فيه بمدينة أغادير بعدما حاول ارتكاب اعتداءات جسدية في حق زبائن مقهى، من بينهم ضحية من جنسية بلجيكية".

ورجحت المديرية العامة للأمن، إثر القبض عليه "فرضية الاعتداء بغرض السرقة في هذه المرحلة من البحث"، مشيرة إلى أن "المشتبه به سبق أن قضى شهرا في مستشفى للأمراض العقلية".

وعن أسباب تعنيف السياح الأجانب، يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن زهر بأغادير، عبد الرحيم عنبي، أن "المسألة مرتبطة بكيفية النظر إلى الآخر، لأنها ليست تلك الجريمة التي يمكن أن نجد فيها قضية، مثلا جريمة بين مغربيين لا بد أن تكون هناك أسباب سواء مادية أو معنوية، كالنزاع على الإرث أو ممتلكات أو علاقات عاطفية".

وأوضح عنبي لـ"الاستقلال" أنه "في ظاهرة الاعتداء على السياح الأجانب، فلن نجد تلك العناصر، سواء المادية أو الملموسة، ويبقى التفسير هو كيف ينظر هذا الشخص المعتدي لهذا الأجنبي/الآخر".

ولفت إلى أن "تحليل الظاهرة يمكن بناؤه انطلاقا من حديث عالم الاجتماع الجزائري عبد المالك صياد عن المهاجر في بلد الاستقبال، حيث يرونه على أنه يهدد البناء الاجتماعي والثقافي للدولة المستقبلة".

وتابع: "وبالتالي إذا أردنا الانطلاق من هذه النقطة، يظهر لنا أن هذا السائح جاء للمغرب وفق قانون، فهو يتوفر على جواز سفر ومال ويحاول أن يستمتع بالطبيعة والشمس يقتني أغراضا ويقطن بفنادق، إذن فهو يساهم في اقتصاد البلاد". 

وشدد عنبي على أن "الاعتداء على السائح غير مبرر، لأن السبب المادي للاعتداء غير متوفر، وبالتالي يبقى كيف ينظر هذا الشخص المعتدي المغربي إلى هذا الأجنبي، فهل يراه كمنافس له أم يراه من منطلق ديني، خاصة وأن الاعتداءات الأخيرة هي ضد نساء، فهل يرى أن هذه السائحة لا تلتزم بمجموعة من القواعد الساري بها العمل بالمغرب؟".

أفكار سلبية

من جانبها، أشارت الاختصاصية في علم النفس، سعاد بنسودة، إلى أن "العنف ضد الأجانب يمكن أن نلخصه في عدة عوامل، أولها الإحباط الذي يعيشه الشباب إذ لا يعرفون كيف يتعاملون مع الضغوطات مع مشاعرهم الداخلية وكيفية التعامل معها". 

وأشارت لـ"الاستقلال" إلى أن "هناك حالات لأشخاص لا يعرفون حتى بماذا يحسون أو كيف يعبرون عن غضبهم أو أحاسيسهم، وهذا كله كان يجب أن يتعلمه الشخص منذ طفولته سواء في المحيط الأسري أوالمدرسة، وللأسف لا يتم الاهتمام بهذا الجانب من التربية".

ولفتت بنسودة إلى أنه "يمكن أن نرجع هذا العنف أيضا إلى ضيق الأفق، أي أن الشخص في مراحل نموه دائما ما يسمع أنه لا يجب أن يثق في الآخر لأنه سيسلبه حقه، وبالتالي من الطبيعي أن توقعاته أو أفكاره تبقى ضيقة ولا يحاول التعرف على الآخر ويبقى منغلقا على نفسه، وكل من هم مخالفون لتفكيره أو عقليته فهم أعداء له".

وحسب بنسودة فإن "الشخص لا يتعلم منذ طفولته كيفية التحكم في انفعالاته، فالتربية مهمة جدا، ودور العائلة والمجتمع هو تربية شبابهم على الانفتاح وأنه بالاجتهاد يمكن أن يصلوا ويحققوا أهدافهم بدل أن يحقدوا على الآخر لأنه مختلف عنهم".

وأكدت أن "الأسرة وجب عليها تربية أطفالها على تقبل الآخر، وتقبل الاختلاف، بدون أن يحكم على أنه أفضل أو أقل منه بل يجب أن ينمو ولديه ثقة بالنفس".

وخلصت بنسودة إلى أن "هؤلاء الأشخاص الذين يعنفون الأجانب، إما لديهم اختلال عقلي أو أنهم يرون أن الأجنبي يعيش في سعادة وأنهم غير قادرين أن يعيشوا مثلهم، كما يتصورون، مما يجعلهم يبنون أفكارا سلبية".

وتابعت: "المعنف يرى أن الأجنبي سلبه حقه، وحينها لا يتحكم في تصرفاته وينفعل، لأن هناك علاقة كبيرة ما بين الأفكار السلبية والأحاسيس وينتج عنها تصرفات غير لائقة، مثل هذه الاعتداءات على السياح".

من جهتها، وصفت الحكومة المغربية حادث الاعتداء  بأنه "معزول"، مشيرة إلى أن المتهم بارتكاب الجريمة "يعاني من أمراض نفسية".

وقال المتحدث باسم الحكومة مصطفى بايتاس، في تصريحات صحفية في 21 يناير/كانون الثاني 2022 إن "هذه أمور تقع في كل دول العالم، وهي بعض الحوادث المعزولة المنفردة، وهي مرتبطة بالوضع النفسي للشخص الذي أقدم على هذه الجريمة".

ثقافة الفقر

ومن خلال تحليله لهذه "الظاهرة الشاذة"، رجح عنبي أن السبب يمكن أن يعود أيضا "إلى نوع من ثقافة الفقر، وأقصد هنا الفقر الثقافي والاجتماعي والنفسي".

"وهو الفقر الذي يبدأ في تصوير السياح على أساس أنهم يستفيدون من الخدمات وتعطى لهم مكانة بالمجتمع المغربي يدخلون للفنادق ولديهم أموال ويجلبون معهم السيارات.. في حين هو لا يتوفر على شيء ولا يتمتع بهذه الأمور، أو ليس لديه تدبير محكم ليتمتع بها، وينبغي أن يشن عليهم حربا وإلى غير ذلك".

ولفت إلى أنه "يمكن أن يكون سبب الظاهرة، العالم الرقمي الذي أصبح الجميع يعتمد عليه في كل مكونات الحياة، خاصة وأن المعتدي على السائحتين وجد بحوزته ثلاثة حواسيب".

ومن هذا المنطلق لا يستبعد عنبي أن "هذا الشخص تأثر بمجموعة من الأفكار العنصرية والمتطرفة".

وأوضح أنه "إذا عدنا مثلا إلى حادث شمهروش بضواحي مراكش، فذبح سائحتين إسكندنافيتين كان مرتبطا بالتطرف والفكر الداعشي الذي أصبح يهيمن ويتسلل إلى جميع الأسر اليوم أو عدد من الأسر نتيجة إدمان على المواقع التي تقدم هذه المادة والفكر الداعشي".

وشدد أستاذ علم الاجتماع على أن "ارتكاب جرائم ضد السياح والأجانب في المغرب هو مؤشر خطير وصعب؛ لأنه يبين أن ما نعيشه، وأن الذين نعيش بينهم غير متسامحين، وهو مؤشر يبين تصاعد موجة الكراهية ضد الأجانب والآخر".

ويبين أن "هناك خللا في التنشئة الاجتماعية المؤسسات والأسرة، ومؤشر على أن هناك تطرفا ولا أقصد هنا التطرف الديني، فقد يكون اجتماعيا ثقافيا فهو أيديولوجي ويجد له منبعا، فإما يتغذى من الدين أو الثقافة أو العرق أو الإثنيات، وبالتالي يجعل هذا الآخر يتقوقع في زاوية معينة وينظر إلى الآخر على أنه مصدر تهديد".

وظل المغرب بمنأى عن الهجمات التي توصف بـ"الإرهابية" في السنوات الأخيرة، حتى أواخر عام 2018 عندما ذبحت سائحتان إسكندنافيتان في ضواحي مراكش بجنوب البلاد، في اعتداء شنه موالون لـتنظيم الدولة"، وحكم بعدها على 3 أشخاص وشريك رابع لهم بالإعدام في هذه القضية.

تهديد السياحة

في الوقت الذي تشجع فيه الحكومة المغربية القطاع السياحي خاصة بمدينة أغادير، جاءت الواقعة التي قد تشكل تهديدا للقطاع خاصة وأن الاعتداء استهدف سياحا أجانب.

وندد أصحاب الفنادق والمطاعم ذات الطابع السياحي بالواقعة من خلال بيان صادر عنهم، معبرين فيه عن غضبهم من الحادث.

وأشاروا إلى أن "الحادث عرضي ولا يمس بأي حال من الأحوال ما تمتاز به المدينة من تعايش بين مختلف مكوناتها وحسن استقبالهم للسياح الأجانب والمقيمين".

فيما أكدت عائلة الجاني لصحفيين أنه "يعاني من اضطرابات عقلية، ويتلقى علاجات بهذا الخصوص، حيث يتوفر على 13 شهادة طبية مسلمة له من طبيب أمراض عقلية"، موضحين أنه "يتحول إلى شخص عنيف كلما انقطع عن العلاج".

وبعد عرض المتهم على المحكمة، قرر القاضي في 19 يناير/كانون الثاني 2022، وضعه بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية.

وفي هذا الصدد، قال عنبي لـ"الاستقلال" إن "الاختلالات النفسية والعقلية أحيانا تجعل المريض ينظر إلى الأشخاص كأعداء، أو ربما هو يعتقد أنه في حرب ويصبح أسير أفكار معينة، ويدخل في هذه الحرب مع الآخر".

وأضاف "ما يحدث كذلك يبين أن المجتمع المغربي والذي كان متسامحا إلى حدود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، نجده اليوم مجتمعا متطرفا فكريا أو شبابا متطرفا، وهذا خلل على المستوى التربوي".

وختم حديثه بالقول "ينبغي أن نفكر في مشروع تربوي يكون قوامه الثقافة المغربية، كثقافة متسامحة وتتعايش مع هذا الآخر، فحتى ثمانينيات من القرن الماضي المغاربة لم يكن لديهم أي مشكل مع الآخر".