لوبوان: هل نشهد فرصة ثانية للربيع العربي بعد الجزائر والسودان؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية، مقالا للكاتب لوك دو باروشيز، دعا فيه فرنسا وأوروبا إلى وقف دعم الطغاة بالشرق الأوسط، مؤكدا أهمية إتاحة الفرصة أمام التغييرات التي تشهدها السودان والجزائر ودعم جيل جديد من الشباب نحو طريق يؤدي للسلام والديمقراطية.

وقال الكاتب في مقاله: إن "الإطاحة بمستبد شيء وبناء دولة القانون شيء آخر، هذه هي التجربة المريرة التي يخوضها المتظاهرون في كل من الجزائر والسودان حاليا".

أسباب ما زالت حاضرة

وأضاف: "بعد مرور ثماني سنوات على عودة الربيع بسرعة من فصل الشتاء، لا يزال العالم العربي يحاول أن ينجب نموذجا سياسيا لا يمثل طغيان رجل أو عشيرة، أو ثيوقراطية إسلامية، نموذجا من شأنه أن يمنح الجميع الحرية والعدالة، ففي هذا الجزء من العالم، سيكون الأمر غير مسبوق".

وأشار إلى أن عام 2011 شهد الإطاحة بأربعة ديكتاتوريين على يد المتظاهرين الغاضبين وهم: "زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلى عبد الله صالح في اليمن".

وتابع الكاتب: "وفي عام 2019، تم الإطاحة باثنين بالفعل: عبد العزيز بوتفليقة بعد عشرين سنة من الحكم في الجزائر، وعمر البشير بعد ثلاثة عقود من الديكتاتورية في السودان".

ورأى، أن الفصل الثاني من موجة الربيع العربي بدأ وما زالت أسباب الغضب كما هي: انتشار الفساد على نطاق واسع وممارسة النهب المافياوي من الحكام، وسوء إدارة الاقتصاد ويأس الشباب، وهي أسباب تنتج نفس الآثار.

وأكد لوك دو باروشيز، أن الأسباب التي أدت إلى فشل الفصل الأول من الربيع العربي لا تزال حاضرة أيضا، وهي الثقل السياسي للجيش، ومناورات زعماء الأنظمة القديمة، وضعف المجتمع المدني، وعدم وجود مشروع سياسي مشترك، إضافة إلى تشتت المعارضة.

وأردف: "ولا ننسى الآثار الكارثية لحرب النفوذ التي تتشارك فيها الأنظمة الملكية المتنافسة بالخليج، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر من جهة أخرى، فضلا عن التدخلات السلبية لإيران أو روسيا".

مواقف متناقضة

وفي مواجهة هذه الاضطرابات، أكد لوك دو باروشيز، أن فرنسا وأوروبا تبنتا موقفا متناقضا: أولا حماسة ساذجة تجاه المتظاهرين، ثم الخوف من صعود الإسلام السياسي، وأخيرا تقديم الدعم للثورة المضادة.

وذكر الكاتب، أن فرنسا دعمت في مصر المشير عبد الفتاح السيسي- الذي قام بسجن 60 ألف معارض منذ عام 2013، وفقا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، وفي ليبيا المشير خليفة حفتر، الذي يحاول الإطاحة بحكومة طرابلس برئاسة فايز السراج المعترف بها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

وأكد، أن هذه الأخطاء تفسر حيرة الحكومات الغربية في مواجهة الانتفاضات الشعبية السلمية المستمرة في الجزائر أو السودان، حيث أضحت أزمة الهجرة والإرهاب الجهادي، على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، تصور التطورات السياسية الحالية على الضفة الجنوبية.

ولفت إلى أن الوهم، بأن السلطة القوية هي الوحيدة التي يمكنها أن تكون حصنا ضد الفوضى، فندها جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المعارض الذي قطّعت جثته العام الماضي في إسطنبول التركية بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان، حيث أشار إلى أنها "نظرة عنصرية قديمة مفادها أن العرب ليسوا مستعدين للديمقراطية".

وبيّن الكاتب، أن المتتبع للتاريخ الإقليمي خلال العقود الأخيرة يدل على أن القوة الديكتاتورية ذاتها هي التي تؤدي إلى الفوضى، فمن خلال مصادرة مصدر دخله الخاص، وخنق الحريات، ومنع ظهور المعارضة، يشجع هذا الشباب على الهجرة، ويمهد الطريق أمام التطرف، ويمنع الانفتاح على العولمة.

ونوه إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستبقى غير مستقرة ما لم يتم تسوية مشاكل الحكم الخطيرة، وبالنسبة لهذه المهمة، فإن الطغاة هم على الأقل في وضع جيد حاليا. فكما يقول جورج بنجامين كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا السابق، إن "الديكتاتوريات تشبه تعذيب الرفيق؛ فهي تبدأ بشكل جيد وتنتهي بشكل سيء".

نضج شباب العرب

وخلص الكاتب إلى أنه غالبا ما يُنظر إلى الشباب في الدول العربية وفي الدول الغربية على أنهم متعصبون أو ضحايا، وعلى عكس هذه المقولات، أثبتت المظاهرات في الجزائر والسودان نضج الأجيال الجديدة.

وأكد، أن المتظاهرين لاحظوا إخفاقات الثورات في مصر وليبيا وسوريا، لقد رأوا وحشية الطغاة، توقعاتهم كانت أكثر واقعية قبل ثماني سنوات؛ وتبخر الانطباع بأن الديمقراطية كانت قاب قوسين أو أدنى. وما بين الاستبداد والتطرف، على فرنسا وأوروبا مساعدة المتظاهرين في الجزائر ولسودان على تحديد الطريقة الثالثة، التي تؤدي إلى السلام المدني والديمقراطية.

يشار إلى أنه بعد أشهر من الاحتجاجات الواسعة في الجزائر والسودان التي أدت إلى الاطاحة باثنين من المستبدين بعد 20 و 30 عاما على التوالي من الحكم المطلق، لا يزال مصير الحراكين مجهول، وتستمر المفاوضات الجارية بين المتظاهرين والجيش الذي يدير فعليا العملية الانتقالية.

ففي الجزائر، منذ استقالة الرئيس بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي، عاد الجيش لأداء دور محوري في الحياة السياسية وأصبح رئيس أركانه الفريق أحمد قايد صالح الرجل القوي في الدولة، وهو الذي خدم في عهد بوتفليقة 15 سنة، ولم تهدئ هذه الاستقالة غضب الشارع الذي أصبح يطالب برحيل كل "النظام" الموروث من عهد بوتفليقة الذي مكث عشرين سنة في الحكم.

أما في السودان، فقد أعلن المجلس العسكري استئناف المفاوضات مع ممثلين عن المحتجين، وذلك بعد أيام على تعليقها، حيث تتمسك قوى الاحتجاج بمجلس ترأسه شخصية مدنية، في حين يتصاعد التوتر بعد تحذيرات الإسلاميين من الاتفاق على نظام للحكم يتجاهل الشريعة.

وفي ظل محاولات العسكر إبطاء الانتقال الديمقراطي في كلا البلدين وتدخل أطراف أجنبية عربية وغربية في محاولة لإعادة إنتاج نظامين سياسيين مواليين لهما على غرار ما شهدته مصر وليبيا، هناك مخاوف من أن ينضم البلدان إلى سلسلة تمتد لعقد من الزمان من الآمال الضائعة في المنطقة.