رجال أعمال مصر.. هذه معايير السيسي لمنح بعضهم استثمارات وحبس كثيرين

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بين "المرضي" عنهم و"المغضوب" عليهم؛ يصنف النظام العسكري الحاكم في مصر رجال الأعمال، فيمنح الصنف الأول المشروعات الكبرى، ويوصد الأبواب في وجوه الصنف الثاني.

ويصل الأمر بالفئة الثانية إلى حبسهم وذويهم والسطو على شركاتهم وممتلكاتهم عنوة.

من بين رجال الأعمال المحظوظين لدى رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، عائلة ساويرس، وهشام طلعت مصطفى، وأحمد أبوهشيمة، ومحمد أبوالعينين، ومحمد الجارحي، وأيمن الجميل، ومحمد حلاوة، ورشيد محمد رشيد، والذين يشاركونه مشروعاته الإنشائية.

ويبدو من بين رجال الأعمال المغضوب عليهم، جميع من له صلة بالتيار الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة أو أي رجل أعمال يخالف السيسي، والذين طالهم الاعتقال منذ سنوات مثل خيرت الشاطر، وحسن مالك.

كما يشمل من طالهم الاعتقال لاحقا مثل رجلي الأعمال رجب السويركي وصفوان ثابت لعدم استجابتهم لضغوط النظام واستغلاله.

وبرزت أخيرا أزمة رجل الأعمال صفوان ثابت على السطح، بعد أيام من تقرير لمنظمة "العفو الدولية" عن ظروف حبسه ونجله سيف، وتعرضهما للتعذيب بحجة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

وزارة الداخلية أصدرت بيانا 30 سبتمبر/ أيلول 2021، يدعي إجهاض مخطط يستهدف إعادة الإخوان بقيادة ثابت ورجل الأعمال يحيى مهران، الذي صنفته كأحد قيادات الجماعة التي يصنفها النظام إرهابية منذ العام 2014 .

البيان قال: "تمكن قطاع الأمن الوطني من إجهاض مخطط يستهدف إعادة إحياء نشاط تنظيم الإخوان من خلال العمل على إيجاد مصادر تمويل لأنشطته".

وأشار إلى "اضطلاع الإخواني یحیی مهران بدور في المخطط باعتباره أحد الأذرع الرئيسة للقيادي الإخواني المحبوس صفوان ثابت، إذ كلفه الأخير باستغلال شركاته بعمليات نقل وإخفاء أموال التنظيم واستثمار عوائدها".

الداخلية أعلنت أنه جرى ضبط مبلغ 8.4 ملايين دولار أميركي وبعض العملات الأخرى فضلا عن كمية من الذخائر في شقة زعمت أنها لمهران.

اتهامات الأمن المصري لصفوان ويحيى مهران تأتي بعد إطلاق السيسي، 11 سبتمبر/ أيلول 2021، أول إستراتيجية لحقوق الإنسان بمصر في محاولة منه لتخفيف حدة انتقادات أوروبية وأميركية لذلك الملف في القاهرة.

ومنذ انقلاب السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي 3 يوليو/ تموز 2013، يشن الأول حملة أمنية واسعة في صفوف الإخوان المسلمين، وصادر ممتلكات الآلاف من أعضاء وعناصر الجماعة، فيما تعدى عدد المعتقلين 60 ألفا، وفق منظمات حقوقية. 

ابتزاز وتلفيق

ولكن؛ ما السبب الحقيقي لتضييق النظام على بعض رجال الأعمال وخاصة اعتقال ثابت ونجله وتلفيق التهم لهم؟

يقول منتقدون إن النظام المصري ينتقم من رجال الأعمال الذين يخالفونه الرأي مثل رجل الأعمال حسن مالك الذي جرى اعتقاله أكتوبر/ تشرين الأول 2015.

وكذلك رجال الأعمال الذين لم يبادروا سريعا بالتبرع لصندوق تحيا مصر، مثل محمود العربي، الذي أكدت تقارير صحفية أنه تبرع للصندوق، وخضع للضغوط حتى مرت الأزمة.

أو أولئك الذين لم يرضخوا لتعليمات وتوجيهات الأمن والأجهزة السيادية، مثل رجال الأعمال حسن راتب وصفوان ثابت وسيد السويركي، والذين جرى عقابهم بالسجن والمحاكمة ومصادرة أموالهم أو التحفظ عليها.

وجرى حبس حسن راتب والتحفظ على ممتلكاته على ذمة قضايا "تنقيب عن الآثار" في يوليو/ تموز 2021، فيما كشف طالب في جامعة "سيناء" الخاصة التي يمتلكها راتب عن ضغوط النظام.

الطالب الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أكد لـ"الاستقلال" أن "حسن راتب قبل أيام من القبض عليه قال لجمع من الطلاب والأساتذة والإداريين بفرع الجامعة في العريش (شمال سيناء) إنه يتعرض لضغوط شديدة كي يتنازل عن الجامعة لأحد رجال الأعمال المقربين من النظام".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، وبالتزامن مع اعتقال صفوان ثابت، اعتقلت قوات الأمن المصرية صاحب سلسلة محلات "التوحيد والنور" الشهيرة سيد السويركي (76 عاما) بذات التهم الموجهة لصاحب جهينة ونجله بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها.

وفي 15 يونيو/ حزيران 2021، أغلقت السلطات بعض محلات التوحيد والنور بعد تصفية بضائعها، وتحفظها على أملاك السويركي ونحو 65 فرعا لمحلاته بالقاهرة.

وفي ذات العام من شهر سبتمبر/ أيلول، جرى تحويل اسم محلات "التوحيد والنور" إلى "مول القاهرة"، إذ انتقلت السلسلة جزئيا إلى ملكية مؤسسة جديدة تابعة للمخابرات العامة.

وزادت الضغوط الحكومية والأمنية على صفوان ثابت مؤسس شركة "جهينة" إثر إطلاق السيسي المشروع القومي لتجميع الألبان مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2020.

وذلك وسط تقارير صحفية وحقوقية تؤكد تعرض ثابت لضغوط للتنازل عن جزء من "جهينة"، وهو ما رفضه، ليجري اعتقاله هو ونجله بعدها مباشرة.

وهو ما أكدته "منظمة العفو الدولية" 27 سبتمبر/ أيلول 2021، في بيان تحت عنوان "رجال أعمال خلف القضبان لمقاومتهم طلبات جهاز أمني"، قالت فيه إن السلطات تسيء استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لاحتجاز ثابت بشكل تعسفي.

المنظمة أكدت أن اعتقال رجل الأعمال ونجله يأتي "انتقاما منهما لرفضهما تسليم أصول شركتهما".

المسؤول بالمنظمة فيليب لوثر، قال إن "صفوان وسيف يتعرضان للعقاب لمجرد التجرؤ على رفض طلبات مسؤولين أمنيين مصريين بالتخلي عن أصول الشركة"، موضحا أنهما "أبديا شجاعة نادرة في مقاومة محاولة المسؤولين لابتزازهما".

ناشطون أثار غضبهم توجيه الاتهام الجديد لصفوان ثابت، ويحيى مهران، بعد 3 أيام من بيان المنظمة الدولية، إذ قال الإعلامي مسعد البربري: "النظام البائس يتصرف بعقلية الستينيات".

وأضاف عبر "تويتر" أن النظام "يرد على البيان القوي الصادر من منظمة العفو الدولية بقصة جديدة لا تخال على الأطفال".

وشكك في رواية الداخلية متسائلا: كيف لرجل أعمال أمواله بالملايين في السوق يخزن فلوسا بالملايين في شقة ومعها ذخائر؟

ناشطون دشنوا هاشتاغ "#شنطه_صفوان_ثابت"، وجرى تداول مقطع فيديو مصور نشرته وزارة الداخلية عن غرفة سرية داخل إحدى الشقق السكنية زعمت أنها ليحيى مهران وبها كمية كبيرة من الأموال ادعت أنها لصفوان ثابت.

لكن بمطالعة الفيديو المنشور، يظهر أنه مقسم إلى جزأين، الأول لحجرة كبيرة عبارة عن مخزن مغلق منذ فترة إذ إن أرضيته يعلوها التراب ويظهر على بلاطها آثار حديثة لأفراد دخلوها.

المقطع كشف أن المخزن به أرفف من كل الجوانب يعلو جميعها التراب إلا رف واحد به آثار لحقيبتين فقط جرى نزعهما.

الجزء الثاني من الفيديو يبدو به مجموعة حقائب مملوءة بالنقود لكن في مكان آخر وذلك لاختلاف بلاط الأرضية عن بلاط المخزن السابق.

ورغم أن المخزن المذكور لم يظهر به إلا مكان حقيبتين فقط عرض المقطع نحو 10 حقائب مملوءة بالدولارات، وأخرى كبيرة الحجم بها أوراق نقد مصرية، فيما يبدو تماثل معظم الحقائب في الشكل واللون.

والمثير أن أوراق النقد الأجنبي التي قالت الداخلية إنها ضبطتها جميعها جديدة وليس بينها أي أوراق نقد قديمة، كما أن الرباط (الأستيك) الذي يربط النقود جميعه جديد، إذ لا يظهر أي رباط للنقود في شكل بال أو قديم.

تلك الملاحظات البادية من مطالعة المقطع المصور، تكشف حجم تضارب ما قالته السلطات من إنها ضبطت النقود جميعها في مخزن بشقة رجل الأعمال يحيى مهران، ويشير إلى احتمال دسها من قبل الأمن.

الإعلامي أيمن عزام، شكك في رواية السلطات، وتساءل عبر "تويتر"، كيف تعرف أن النظام نفسه غير مصدق للرواية التي وصفها بـ"الخائبة"، للسطو على أموال صفوان ثابت.

وأجاب بقوله: عندما تجد "الذباب الإلكتروني نشط جدا  للدفاع عن رواية مهترئة، الشعب كشفها منذ زمن".

أبعاد الأزمة

رجل الأعمال صفوان ثابت، (75 عاما)، أسس شركة "جهينة" عام 1983، لتصبح الأكبر بإنتاج الألبان والعصائر وتستحوذ على نصف السوق المحلية، وتصدر إنتاجها لأسواق كثيرة بالشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا.

أزمة الشركة بدأت بقرار لجنة "حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان"، بالتحفظ على أموال ثابت، أغسطس/آب 2015 بزعم أنه "عنصر إخواني وأحد كوادر التنظيم"، والتحفظ على 7.2 بالمئة من أسهم الشركة.

الأزمة الثانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، حين أدرجت محكمة مصرية اسم ثابت و1500 آخرين بقائمة "الإرهاب"، بتهم تمويل "جماعة إرهابية" واحتكار الشركات والمؤسسات للبضائع والإضرار بالاقتصاد.

بالرغم من إلغاء محكمة "النقض" للحكم 4 يوليو/ تموز 2018، فإن محكمة أخرى أدرجت ثابت، قبلها بقضية أخرى أبريل/ نيسان من ذات العام، مع منعه من السفر وتجميد أصوله، في قرار أيدته "النقض" مارس/ آذار 2021.

الأزمة الثالثة في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2020، باعتقال ثابت، ثم نجله سيف (40 عاما) الثاني من فبراير/ شباط 2021، فيما وجهت لهما النيابة تهم الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها، في إشارة إلى الإخوان المسلمين.

يقبع الأب بسجن "ملحق مزرعة طرة"، والابن في "العقرب" سيئ السمعة بمجمع سجون "طرة"، بظروف صحية وإنسانية صعبة مع استمرار حبسهما انفراديا.

السلطات الأمنية والقضائية وضعت صاحب "جهينة" ونجله بالقضية الكبرى لتمويل جماعة الإخوان، مع آخرين أهمهم رجل الأعمال رجب السويركي مالك سلسلة محال "التوحيد والنور".

زادت الضغوط على جهينة في أبريل/ نيسان 2021، حين تعرضت أعمال "جهينة" لمضايقة الأمن المصري الذي سحب تراخيص أسطول النقل الخاص بالشركة والشركات المتعاقدة معها، ما أصابها بالشلل.

وصل الأمر حينها إلى تحريض الأذرع الإعلامية للنظام ضد ثابت واتهامه بالانتماء للإخوان ودعوة السلطات للاستحواذ على "جهينة".

وفقا لموقعها بالإنترنت، تضم الشركة حوالي 4500 عامل، ونحو 25 ألفا عمالة غير مباشرة، وتقدم 200 منتج، ووصلت قيمتها السوقية بالبورصة 7 مليارات جنيه (450 مليون دولار) في 2020.

 إلا أن الضغوط الأمنية على الشركة، واعتقال ثابت ونجله تسببا في تراجع أسهم "جهينة" بنحو 29 بالمئة في تعاملات البورصة في 2021، ما هبط بقيمتها السوقية لـ4 مليارات جنيه (257 مليون دولار)، وفقا لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

في يونيو/ حزيران 2021، ظهرت أياد إماراتية في أزمة "جهينة" وصفوان ثابت، إذ أعلنت الشركة القابضة أبوظبي "ADQ" نيتها الاستحواذ على حصة بالشركة، بحسب مصادر للوكالة.

ويرى  الباحث السياسي المتخصص بالشأن المصري عباس قباري، أن الاتهام الموجه لصفوان ثابت جرى تفصيله سريعا للرد على بيان المنظمة الدولية.

ويضيف قباري لـ"الاستقلال"، أن "ما يحدث مع ثابت طبيعي كون الرجل يرفض الابتزاز ولا يسير مع الركب".

ويوضح بأن "ربط ثابت باتهامات من قبيل إحياء تنظيم الإخوان شيء يثير الضحك تم إنتاجه على عجل؛ في تكرار مسلك السلطة المتدني في تكييف القضايا".

"قباري" يشبه التهمة الموجهة لثابت بتلك التي وجهتها السلطات لرجل الأعمال المعتقل أيضا حسن مالك أكتوبر/ تشرين الأول 2015، "من تسببه في أزمة الدولار وضرب الاقتصاد الوطني بمبلغ ضبطوه في بيته".

وتابع أن "تهمة ثابت تلحق أيضا بتهم لا تقل غرابة أسندت لقادة أحزاب وسياسيين بعد مجزرة فض رابعة العدوية 14 أغسطس/آب 2013، بسرقة شقق وأحبال غسيل".

ويوضح أن "البيئة التي صنعها الانقلاب وطبيعة الإجراءات التي صدرت بها قوانين الاستيلاء على الأموال؛ تجعل ثروات واستثمارات الناس بيد رتب وظيفية متدنية لا تتمتع بأي ضمانة قضائية".

ويؤكد أن "طبيعة أغلبية المستثمرين الذين يتعاملون مع الانقلاب من عينة تجار الحرب ولاعبي القمار الدوليين، وبيئة الاستثمار المصري مرتبطة بضمانات مبنية على الفساد والاتفاقات تحت الطاولة، والاستثمار النظيف لا وجود له ".

وانتقد السياسي المصري محمد عماد صابر، رواية النظام المصري ومن يصدقها خاصة وأنها جاءت بعد أيام من تقرير منظمة العفو الدولية عن صفوان ثابت ونجله.

يقول صابر لـ"الاستقلال"، "ربما هناك مبرر لأصحاب المصالح من علية القوم في تصديق الرواية الرسمية للأجهزة الأمنية في كافة الانتهاكات لحقوق عشرات الآلاف  بالسجون وعشرات الملايين خارجها".

وتساءل: "لكن ما مبرر قطاعات ليست قليلة من الشعب لتصديق الرواية الرسمية؛ والتي يبدو فبركتها على عجل ودون ضبط أو أحكام".

ويؤكد البرلماني السابق، أن "خطورة هذه القطاعات أو القطعان أنهم أصبحوا عصا في عجلة أي تغيير أو تطوير يستخدمها النظام، وكل الأنظمة كدروع بشرية ضد المعارضة السياسية".

ويختم بالقول: "والمدهش أنهم يعيشون الدور ويتقمصون الشخصية بصفتهم حماة الوطن من الأعداء الذين هم بالطبع كل من يعارض النظام".