رغم ضغط إسرائيل دوليا.. لماذا فشلت مساعي تشبيه حركة حماس بـ"تنظيم الدولة"؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تنفق وزارة الخارجية الإسرائيلية ملايين الدولارات في دول الغرب لتشويه صورة حركة المقاومة الإسلامية حماس محاولة ترسيخ صورة "إجرامية" عنها في الذهنية الأجنبية عبر تشبيهها بتنظيم الدولة الذي ارتكب مجازر بشعة في العراق وسوريا.

ومنذ اللحظة الأولى لتنفيذ المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في عمق مستوطنات غلاف غزة وأسفرت عن قتل وأسر المئات من الإسرائيليين، عملت تل أبيب على حملة تمويلات ضخمة تستهدف رسم صورة جديدة عن "حماس".

لعبة التشبيه

وتهدف إسرائيل من تشبيه حركة حماس بتنظيم الدولة، لتبرير عملياتها العسكرية داخل قطاع غزة والإيحاء بأن ما تنفذه به من مجازر ومذابح هناك بحق الفلسطينيين، يهدف للقضاء على مقاتلي الحركة الذين شكلوا تهديدا غير مسبوق لأمن الكيان الصهيوني منذ قيامه عام 1948.

وفي هذا التوقيت الذي تعرضت فيه لضربة إستراتيجية فاعلة بتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تريد إسرائيل رسم صورة مشوهة عن حركة حماس عبر تشبييهها بتنظيم الدولة الذي تشكل تحالف دولي لمحاربته.

 ومنذ البداية، عمدت إسرائيل لبث رواية كاذبة زعمت فيها دون دليل قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين إبان عملية "طوفان الأقصى".

وهذه الرواية تلقفها الرئيس الأميركي جو بايدن وانتقد تصرف حماس قبل أن يتراجع عنها البيت الأبيض لكون تل أبيب لا تمتلك دليلا على ذلك، بل فقط ساندها في تعويم هذا التضليل وسائل إعلام وصحفيون غربيون وجنود داخل الجيش الإسرائيلي.

وعقب عملية "طوفان الأقصى" التي أثخنت في العدو الإسرائيلي، عمدت الحكومة الإسرائيلية على تشبيه حركة "حماس" بتنظيم الدولة في محاولة لتشكيل ما يشبه تحالفا دوليا ضد هذه الحركة التي تقاوم الاحتلال منذ تأسيسها عام 1987.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار "تل أبيب"، في 24 أكتوبر، قال: إن حركة حماس "مجموعة إرهابية هدفها تدمير دولة إسرائيل"، وهذا حسب وصفه ينطبق أيضاً على تنظيمي الدولة والقاعدة.

وأشار ماكرون إلى أنه سيقترح على الشركاء الدوليين "بناء تحالف دولي وإقليمي لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تهدد الجميع"، مؤكداً أن "فرنسا جاهزة لأن يكون التحالف ضد تنظيم الدولة مستعداً للوقوف ضد حماس".

وكان تنظيم الدولة سيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق في 2014، ومني بهزائم متتالية في مواجهة تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، إلى أن خسر كل أراضيه في 2019.

ومنذ البداية قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "مثلما اتحدت قوى الحضارة لهزيمة تنظيم الدولة، فإن على قوى الحضارة أن تدعم إسرائيل الآن للقضاء على حماس".

وفي اجتماعاتهم مع مسؤولين أجانب بدأوا بالتوافد على إسرائيل عقب "طوفان الأقصى" تكاد تكون عبارة "حماس هي تنظيم الدولة" هي الأكثر ترددا على لسان رئيس نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت وكذلك وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين.

كما قال غالانت في مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي لويد أوستن في تل أبيب 13 أكتوبر 2023: "جيراننا هم حماس، داعش غزة" على حد تعبيره.

ووجدت هذه العبارة صدى لها في الولايات المتحدة، فأوستن قال في ذات المؤتمر: "كقائد سابق للقيادة المركزية للجيش الأميركي، فإن القسوة المتعمدة لحماس تذكرني بوضوح بتنظيم الدولة".

وقد قال الدبلوماسي الإسرائيلي إيمانويل نحشون ردا على سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 28 أكتوبر 2023 "في جميع أنحاء العالم، نريد أن نوضح أن الأعمال التي ارتكبها إرهابيو حماس تعادل الأعمال التي يرتكبها تنظيم الدولة وأن مصيرهما سيكون واحدا، أي تدميرها بشكل كامل وشامل".

ونحشون هو مساعد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية التي يتلخص "عملها الأساسي" منذ سنوات بالتركيز "بدرجة أقل على وسائل الإعلام التقليدية وبدرجة أكبر على شبكات التواصل الاجتماعي".

ترويج دعائي

اللافت أن إسرائيل تركز على نشر مقاطع مصورة وتروجها على وسائل التواصل الاجتماعي ذات طبيعة قاسية بهدف "إحداث صدمة عاطفية" لمصلحتها لكسب الرأي العام العالمي.

وحسب موقع جوجل لشفافية الإعلانات، فقد اختارت الخارجية الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى موقع يوتيوب لنشر نحو 100 مقطع دعائي للترويج للرواية الإسرائيلية التي تربط في أغلبها بين حركة حماس والإرهاب، وتصر على أن المقاومة الفلسطينية هي نفسها تنظيم الدولة في أكثر من مناسبة.

ووفق البيانات التقديرية التي يوفرها موقع سيمرش أدكلاريتي/بايساينس، فقد بلغ حجم الدعاية على منصة يوتيوب وحدها أكثر من 8 ملايين دولار، وتركز ظهور هذه المقاطع الدعائية في 3 دول، على النحو التالي:

كانت فرنسا أعلى الدول بنسبة إنفاق بلغت 4.6 ملايين دولار، وبلغ عدد ظهور المقاطع الدعائية فيها أكثر من 535 مليون مرة. وفي ألمانيا بلغ حجم الإنفاق 2.4 مليون دولار، ومرات الظهور على منصة يوتيوب أكثر من 284 مليون مرة.

أما في المملكة المتحدة فقد وصل حجم الإنفاق 1.2 مليون دولار، وعدد ظهور المقاطع الدعائية بلغ أكثر من 250 مليون مرة.

وهناك دول أخرى -سواء في أوروبا أو خارجها- كان حجم الإنفاق فيها منخفضا بما يمثل 0.3 مليون دولار، وكذلك عدد مرات الظهور التي بلغت نحو 43 مليونا في هذه الدول مجتمعة.

ولتوضيح حجم الإنفاق الإسرائيلي على الدعاية -حسب الأرقام السابقة- يمكن مقارنتها بشركة أمازون التي تعد من أكبر المعلنين على المنصات الرقمية.

إذ أنفقت في فرنسا وحدها على إعلانات الفيديو، وخلال 30 يوما تقريبا؛ نحو 5.6 ملايين دولار. في حين بلغ ما أنفقته وزارة الخارجية الإسرائيلية على منصة يوتيوب وحدها أيضا 4.6 ملايين دولار، حسب البيانات التي يوفرها موقع سيمرش.

وأنفقت وزارة الخارجية الإسرائيلية أكثر من 8 ملايين دولار على الدعاية في أوروبا من أجل دعم روايتها عن الحرب التي تشنها على غزة.

وهذه الأرقام أكدتها جزئيا شركة التسويق الرقمي "سيمروش" (Semrush)، التي رصدت خوارزمياتها 1,1 مليار مشاهدة في حوالي ثلاثين دولة، في مقابل 8,5 ملايين دولار دفعتها إسرائيل.

وتوزع أكثر من 95 بالمئة من الجهد الإسرائيلي الدولي على ثلاث دول هي فرنسا حيث تعيش أكبر جاليتين يهودية وعربية مسلمة في أوروبا ثم ألمانيا والمملكة المتحدة.

وسجلت في الدول الثلاث 96 بالمئة من المشاهدات في الفترة الممتدة من 7 - 23 أكتوبر، على ما ذكر "سيمروش".

مقارنة فاشلة

إلى جانب قصفها المكثف على قطاع غزة، تشن إسرائيل حملة دولية شرسة وواسعة لتحصيل مزيد من إدانة عملية "طوفان الأقصى"، مستخدمة كل الوسائل الممكنة من شاشة التلفزيون إلى ألعاب الفيديو وصفحات الإنترنت.

وعلى صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية على يوتيوب، نُشر حوالي أربعين مقطع فيديو قصيرا منذ عملية "طوفان الأقصى".

تظهر بعض مقاطع الفيديو وتختفي من مركز الإعلانات بشكل متقطع، مما يشير إلى انتهاك محتمل لإرشادات إعلانات يوتيوب.

وذكرت صحيفة بوليتيكو الأميركية أن جوجل أزال 30 إعلانا من إعلانات الحكومة الإسرائيلية لأنها لم تتوافق مع إرشاداته.

ويبث عدد من هذه المقاطع الاسرائيلية المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، كإعلانات تقطع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي أو المواقع التقليدية أو حتى تطبيقات الألعاب.

وفي ختام كل تسجيل يظهر وسم من قبيل "حماس=داعش" (HamasIsIsis#) (أو حماس هي تنظيم الدولة)، و"أعيدوهم إلى ديارهم" (BringThemHome#) في إشارة إلى أكثر من مئتي أسير تحتجزهم حماس، أو "قفوا مع إسرائيل، قفوا مع الإنسانية".

لكن الكثير من الباحثين يرفضون المقارنة بين حماس وتنظيم الدولة، إذ يرى أيمن التميمي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية في مركز "ميدل إيست فوروم فيلادلفيا"، أن "هذا خطأ".

وذكّر بأن تنظيم الدولة يعد حماس "مرتدة" لأنها "لا تطبق الشريعة الإسلامية بشكل صحيح" ولا تريد إقامة "خلافة عالمية"، وفق قوله.

وأشار التميمي في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية في 28 أكتوبر 2023 إلى أن حماس قمعت مقاتلي تنظيم الدولة في غزة.

بدوره رأى المحلل البارز في صحيفة "هآرتس" العبرية تسفي بارئيل، أن الحملة الإسرائيلية محكوم عليها بالفشل.

وكتب في مقال نشر بتاريخ 13 أكتوبر 2023: "المقارنات بين حماس وتنظيم الدولة لا يمكن أن تخفي الاختلافات العميقة في طبيعة قتالهما".

وأضاف قائلا: "حماس، على الرغم من أيديولوجيتها الدينية، ينظر إليها الجمهور العربي على أنها جزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني، ولا يمكن لتنظيم الدولة إلا أن يحلم بمثل هذا الوضع".

من جانبها تقول مونيكا ماركس، الأستاذة في سياسة الشرق الأوسط في جامعة نيويورك - فرع أبوظبي، إن القول إنه لا يوجد فرق بين حماس وتنظيم الدولة يهدف إلى جعلهم أهدافا مشروعة للوحشية في الانتقام"، وفق ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 25 أكتوبر 2023.

وفي السياق، أشارت صحيفة لوتان السويسرية، إلى مقاطع فيديو دعائية إسرائيلية مدة الواحد منها لا تتجاوز 30 ثانية، استهدفت 6 بلدان أوروبية والولايات المتحدة عبر يوتيوب وتطبيقات الألعاب، وهي مدفوعة من وزارة الخارجية الإسرائيلية.

وليس بالإعلانات المدفوعة وحدها تحاول إسرائيل ترويج روايتها، بل تستعين بالمؤثرين وتدفع لهم أموالا لبث دعايتها للملايين في العالم.

فقد كشف مؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي أن إسرائيل تدفع أموالا لبث دعايتها وسرديتها لملايين المتابعين في أنحاء العالم، في محاولة لتبرير عدوانها المتواصل على قطاع غزة، الذي خلف آلاف الشهداء والجرحى.

وتبقى إمكانات التواصل المباشر المتاحة لحركة حماس محدودة مقارنة بتلك التي تملكها إسرائيل، إذ تصنف الحركة "منظمة إرهابية" من قبل إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجرى حظرها على فيسبوك وإنستغرام وتيك توك ويوتيوب وإكس (تويتر سابقا).