كيف يكون العدوان الإسرائيلي على غزة مكسبا وخسارة لنظام الأسد في آن واحد؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يرى خبراء أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تساعد النظام السوري برئاسة بشار الأسد على التحرر بشكل أو آخر من العزلة المفروضة عليه منذ أكثر من عقد، لكنها في ذات الوقت تنذر -حال تطور الأوضاع- بتصعيد خطير يهدد مصالح النظام ويهدد استقراره ووجوده.

وبين هذا وذاك، ناقشت صحيفة "تيليوبوليس" الألمانية ما عدتها "المصالح والأضرار" التي يمكن أن يجنيها الأسد من العدوان المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.

على المحك

وقالت "تيليوبوليس" الألمانية إن "حكومة الأسد لديها الكثير من الأمور التي تضعها على المحك في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي امتدت بالفعل بشكل أو بآخر إلى سوريا".

وأوضحت أن "إسرائيل قصفت مطاري دمشق وحلب (خلال أكتوبر 2023)، إضافة إلى بعض المواقع في المناطق الريفية السورية، وذلك بدعوى ردع إيران والمليشيات الإقليمية المدعومة من قبلها للحيلولة دون استخدام الأراضي والبنية التحتية السورية لمهاجمة إسرائيل في حالة حدوث مزيد من التصعيد".

وتعتقد الصحيفة أن "الصراع في غزة يخدم مصالح دمشق"، لكنها ترى في ذات الوقت أنها "قد تمثل أيضا انتكاسة في الوقت الذي يحاول فيه نظام الأسد تحرير نفسه من أكثر من عقد من الحرب في سوريا".

وذكرت أن "نظام الأسد ارتكب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات أخرى للقانون في جهوده للحفاظ على السلطة منذ الربيع العربي عام 2011".

وأشارت إلى أن "محكمة فرنسية أصدرت خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مذكرة اعتقال دولية بحق الأسد وأعضاء آخرين في نظامه وجيشه بسبب اتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية".

ومع ذلك، قالت الصحيفة إن "دمشق تحاول الاستفادة من الغضب في العالم الإسلامي، وفي جزء كبير من الجنوب العالمي، وذلك بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي الدموي في غزة، والدعم غير المشروط تقريبا من الولايات المتحدة".

ووفق مدير مركز "دراسات الشرق الأدنى" بجامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، في تقرير له، فإن "الفائدة الكبرى التي سيجنيها النظام السوري من حرب غزة هي الضرر الذي سيلحق بسمعة الولايات المتحدة ومكانتها في العالم العربي".

وتابع: "إن دعم الرئيس الأميركي جو بايدن المستمر لإسرائيل في الحرب التي تقتل الفلسطينيين في غزة سيقلّل من قدرة واشنطن على تعبئة الدول العربية والإسلامية ضد إيران والنظام السوري".

وإلى جانب ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تركيز العالم تجاه انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري "بات أقل مع توجه أنظار العالم إلى الاهتمام المتزايد بقطاع غزة".

وفي هذا الصدد، قال الباحث السياسي جوزيف كشيشيان: "بعد أكثر من عقد من الحرب التي اتسمت بوحشية وهمجية غير مسبوقة، يمكن لدمشق حاليا أن تقول إن الوحشية والهمجية الإسرائيلية تبرئ بعض أفعالها".

وأضاف: "كما تشعر دمشق بالارتياح إزاء توقف توسيع اتفاقات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية".

تحالفات جديدة

وأوضحت "تيليوبوليس" أن "دمشق عارضت بشدة، منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد (1970 إلى 2000)، اعتراف الدول العربية رسميا بإسرائيل، ابتداء من مصر عام 1979".

وعلى هذه الخلفية، فإن "الحقيقة القائلة بأن أزمة غزة جعلت التطبيع السعودي الإسرائيلي غير مرجح، تجعل دمشق تنظر إلى المستقبل بمنظور إيجابي"، وفق الصحيفة.

وتابعت: "إن حقيقة أن معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل أصبحت الآن أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى منذ توقيعها عام 1994 هي أيضا مصدر ارتياح لنظام الأسد".

وحسب وجهة نظر لانديس، فإن "الحرب في غزة تجعل محور المقاومة في العالم العربي يستعيد أهميته".

وذكر أن "اتفاقيات إبراهيم والدبلوماسية الأميركية تبدو معادية للعرب ومؤيدة لإسرائيل أكثر من اللازم".

وشددت الصحيفة الألمانية على أن "أزمة غزة لا تعمل على ترسيخ تحالفات سوريا القائمة منذ عقود من الزمن فحسب، بل إنها تعمل أيضا على التعجيل بعملية المصالحة بين الأسد وأعدائه السابقين في الشرق الأوسط، مثل السعودية".

وأردفت: "وقد تأكد ذلك من خلال مشاركة الأسد في القمة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية حول غزة بالعاصمة الرياض في 11 نوفمبر 2023".

وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "القديس يوسف" ببيروت، كريم بيطار: "يحاول الأسد إعادة تموضعه كعضو في محيطه العربي والإسلامي بعد استبعاده ومعاملته كمنبوذ بين عامي 2011 و2022".

جدير بالذكر أن القمة التي عقدت في الرياض هي المرة الثانية التي يخاطب فيها الأسد الجامعة العربية بعد عودته إليها في مايو/ آيار 2023.

تردد إسرائيلي

وأشارت الصحيفة إلى أن الأسد حذر في كلمته خلال القمة الأخيرة من أن "فشل الدول العربية في اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل من شأنه أن يحرم القمة من معناها".

كما ذكر الأسد أنه لا ينبغي لأي دولة في المنطقة أن تشرك إسرائيل في "العملية السياسية" ما لم توافق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتتحدث الصحيفة الألمانية بسخرية من أن "الأسد -الذي قصف المدنيين والأطفال في سوريا بالأسلحة الكيميائية- فشل في الإشارة أن قواته كانت تدمر وتحاصر المستشفيات وتقصف الفلسطينيين الذين لجأوا سابقا إلى سوريا".

وقالت "بينما تركز دمشق على التحايل على العقوبات الغربية وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة بناء سوريا، يشعر نظام الأسد بالقلق بشكل خاص بشأن التصعيد المحتمل للحرب إلى صراع إقليمي أكبر".

وفي هذا الصدد، أشار لانديس إلى أن "الأسد في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي والمحلي".

ولفت إلى أن هذه الحرب "تذكر الجميع بأن الاستثمار في الشرق الأوسط أمر محفوف بالمخاطر، بما في ذلك سوريا بلا شك، حيث أصبحت ساحة معركة تدور فيها الصراعات الإقليمية".

لا سيما وأن الحرب عززت أهمية "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط والدور الرئيس الذي تلعبه سوريا في هذا المحور، حسب "تيليوبوليس".

وقالت الصحيفة: "يعرف الأسد أنه يمكن أن يكون الحلقة الأضعف إذا أثبتت إسرائيل عدم قدرتها على توجيه ضربة خطيرة لحماس وعدم قدرتها على مهاجمة حزب الله في لبنان، ويعتقد بعض السوريين أن إسرائيل قد تحاول مهاجمة النظام لحرمان إيران من أحد حلفائها الرئيسين".

واستدركت: "لكن نفس الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الامتناع عن الإطاحة بالحكومة خلال الحرب الأهلية السورية، عندما كانت الحكومة في دمشق غير مستقرة إلى حد كبير، تظل قائمة".

واختتمت: "وقد ساهمت حالة عدم اليقين بشأن النظام الجديد المحتمل في زيادة تردد إسرائيل في ذلك الوقت، وقد تؤدي نفس التقديرات إلى الحذر المماثل في الوقت الراهن".