"الجولان منطقة إستراتيجية".. لماذا اختارها نتنياهو أولوية لحكومته الجديدة؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتنياهو، إثارة ملف هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967.

هذه المرة يحاول نتنياهو انتزاع اعترافات جديدة "بسيادة إسرائيل" المزعومة على مرتفعات الجولان من بوابة "حيويتها الأمنية" لمصالح تل أبيب.

جاءت هذه الخطوة من ضمن تعهدات نتنياهو لحلفائه من الأحزاب اليمينية المتشددة والمتدينة قبل تشكيل الحكومة الأكثر تطرفا.

أولويات الحكومة

وقبل يوم من تأدية الحكومة الجديدة لليمين أمام الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، نشر نتنياهو المبادئ التوجيهية لائتلافه الجديد وجدول أعماله الشامل.

وجاء في آخر بنوده، أن الحكومة ستعمل "على الاعتراف بالجولان كمنطقة إستراتيجية ذات إمكانات تنموية واسعة، وستقود موجة من الاستيطان والتطوير وتعزيز المبادرات مع الحفاظ على قيم الهضبة الفريدة المتمثلة في الطبيعة والإنسانية والبيئة".

وفاز حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه نتنياهو، مع حلفائه في الأحزاب الدينية المتشددة والأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وشغل نتنياهو منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى بين عامي 1996 و1999، ثم لمدة 12 عاما متواصلة بين 2009 و2021، وهو يحاكم بعدد من تهم الفساد.

وتبعد هضبة الجولان الواقعة جنوب سوريا نحو 50 كيلومترا عن العاصمة دمشق، وتقدر مساحتها بأكثر من 1800 كيلومتر مربع.

واحتلت إسرائيل مرتفعات الجولان السورية عام 1967، وأقر الكنيست في 1981، قانون ضمها إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى المنطقة على أنها أراض سورية محتلة.

وبذلك احتلت إسرائيل 1200 كيلومتر مربع منها وتصل المنطقة الفاصلة العازلة بين الخطين إلى 80 كيلومترا مربعا.

وشرعت إسرائيل منذ ذلك الوقت في عمليات استيطان في تلك المنطقة، أما ما تبقى فيواجه هو الآخر خطر التهويد.

ويحد هضبة الجولان غربا فلسطين (نهر الأردن وبحيرة طبريا) ومن الشمال الغربي لبنان، ومن الجنوب المملكة الأردنية.

وحاولت سوريا استعادة الجولان في حرب 1973، قبل أن يجرى توقيع هدنة مع إسرائيل عام 1974 ونشرت قوة مراقبة دولية على خط وقف إطلاق النار في العام المذكور.

لكن إسرائيل أعلنت ضم الجولان عام 1981، وهي الخطوة التي لم تحظ باعتراف دولي، لكن لم تشهد المناطق الحدودية أي مناوشات منذ عام 1967، بينما تطالب دمشق باستعادة مرتفعات الجولان كجزء من أي اتفاق سلام مستقبلا.

وكان يسكن بلدات الجولان تلك نحو 138 ألف شخص فر غالبيتهم نحو الداخل السوري.

أهمية الجولان

وفي المقابل، ضخت إسرائيل آلاف المستوطنين ليصل عدد المستوطنات بالجولان في الوقت الراهن إلى 35 يسكنها 27 ألف مستوطن.

كما يوجد نحو 20 ألف سوري يعيشون هناك معظمهم من طائفة الموحدين الدروز إلى جانب شركس وتركمان وبدو.

وأتاحت إسرائيل لهؤلاء خيار الحصول على الجنسية، غير أن غالبيتهم آثروا الإبقاء على الجنسية السورية، والحصول في المقابل على صفة مقيم دائم تمكنهم من ممارسة أغلبية الحقوق الممنوحة للمواطن الإسرائيلي، باستثناء التصويت للكنيست وحمل جوازات سفر إسرائيلية.

ويعد الجولان مصدرا مهما للمياه، فأمطار مرتفعاته تغذي نهر الأردن وهي تمد إسرائيل بثلث احتياجاتها من المياه.

وتحتل الجولان المرتبة الأولى بين المحافظات السورية من حيث خصوبة التربة وغناها الطبيعي وتوفر المراعي على امتداد السنة واختلاف أجوائها، كما تتوافر فيها المياه عن طريق الأمطار والأنهار.

وعملت إسرائيل وما تزال على تشويه معالم الجولان من خلال تغيير أسماء الوديان والتلال والقرى والينابيع هناك، بالتوازي مع محاولات زيادة أعداد المستوطنين فيها.

وتنشر إسرائيل توربينات توليد الكهرباء أو ما يعرف بمزارع الرياح في أراضي تعود لسكان أصليين في الجولان.

وفي الجولان ثروات نفطية وشراكة مع شركات تنقيب أميركية. كما يوجد هناك مصانع للمواد الغذائية، ومنشآت صناعية وزراعية وشركات تجارية في المستوطنات، إضافة إلى تصنيع لوازم مكتبية وحاسوبية وتدوير منتجات.

أيضا تتواجد أغلبية المصانع المنتجة للخمور في الجولان بواقع أكثر من 8 مصانع، وأشهرها مصنع "نبيذ مرتفعات الجولان"، الذي وقع اتفاقية في 28 أكتوبرتشرين الأول 2020 مع شركة "إي آند إيه" (E&A) الإماراتية لتوريد الخمور إلى دبي، وفق ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست".

ويحصل أصحاب تلك المصالح على الإعفاءات الضريبية والامتيازات الخاصة بالمستوطنات، لدرجة أن الحكومة الإسرائيلية تقدم الهبات والمساعدات شبه الدورية للعاملين هناك.

ومن شأن هذه المصانع الاستيطانية، أن تساعد في توسيع إسرائيل مدى المساحات المحيطة بها بذرائع الأمن والحماية.

ووفقا للخبراء، فإن جعل فكرة الاعتراف "بسيادة إسرائيل على الجولان"، ينهي مفاوضات السلام السورية - الإسرائيلية، ويدفع نحو تعزيز تل أبيب لمبدأ الأرض مقابل السلام.

ولذلك فإن المبادئ التوجيهية التي حددها نتنياهو وقدمت للكنيست قبل 24 ساعة من أداء حكومته لليمين، على الرغم من أنها ليست ملزمة قانونا، فإنها تمثل أول بلاغ رسمي للحكومة حول أولوياتها ونواياها خلال فترة توليها، التي تسعى جاهدة لتحقيقها.

ولا سيما أن تلك المبادئ انضمت إلى مجموعة من الاتفاقات الائتلافية الموقعة مع مختلف الأحزاب المتحالفة التي أزالت العقبات الظاهرية أمام تشكيل حكومة نتنياهو.

شرعنة الاحتلال

ومن هنا تنطلق الحكومة الجديدة السابعة والثلاثين بتاريخ إسرائيل، للسير نحو شرعنة احتلالها للجولان.

إذ تمنح الجولان حاليا، إسرائيل عمقا دفاعيا وتؤمن لها إبعاد الخطر المباشر عن المناطق الحيوية المأهولة بالسكان في شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فبحسب السلطات الإسرائيلية، فإن 21 بالمئة من إنتاج إسرائيل من الكرمة (العنب) يأتي من الجولان، وكذلك 50 بالمئة من إنتاج المياه المعدنية و40 بالمئة من لحوم البقر.

كما تصدر إسرائيل إلى الخارج منتجات وسلع مستوطنات الجولان وأبرزها الفواكه والخضراوات ومستحضرات التجميل.

 ولذا تحاول حكومة نتنياهو، تصريف منتجات المستوطنات الإسرائيلية في أوروبا، وإنهاء حالة القطيعة معها.

وهذا ضمن أولويات نتنياهو الذي رأى سابقا خلال اجتماع لحكومته في نوفمبر 2015، أن إزالة متاجر ألمانية جميع منتجات المستوطنات الإسرائيلية من رفوفها "سخيف وخطأ من الناحيتين الأخلاقية والتاريخية"، حسب وصفه.

وفي هذا السياق يقول أمير فوكس، الخبير في المؤسسات الديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، لصحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل": "هذا أمر مهم، لأننا نستمع إلى ما ستفعله الحكومة، وما هي أولوياتها والمشاكل التي تريد حلها، والإصلاحات التي تعتزم تنفيذها".

وأضاف فوكس في 28 ديسمبر 2022 أنه "إجراء شكلي أيضا يتطلبه القانون وليس ملزما على الإطلاق، مما يعني أن الحكومة لا يمكن أن تكون ملزمة به".

وسبق أن أعلنت الحكومة النرويجية في 11 يونيو/حزيران 2022، أن علامة المنشأ "إسرائيل" مناسبة فقط للمنتجات القادمة من الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية قبل الرابع من الشهر ذاته لعام 1967.

وهو الأمر الذي دانته تل أبيب ورأت أنه "سيؤثر سلبا على العلاقات الثنائية بين إسرائيل والنرويج، وكذلك على أهمية ذلك البلد في تعزيز العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين".

وكانت المفوضية الأوروبية قد اتخذت قرارا عام 2015 ينص على وضع علامات مميزة على منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وأوصت به الدول الأعضاء، ثم جرى تأكيده بقرار من محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي عام 2019.

والاستيطان الإسرائيلي غير شرعي بموجب القانون الدولي، وهو مستمر في ظل كل الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1967.

وعائدات إسرائيل من بناء شبكة زراعية واقتصادية وصناعية كبيرة جدا في الجولان تقدر بـ 1.5 مليار دولار سنويا، وفق تقرير نشرته صحيفة معاريف في 10 ديسمبر 2008.

ولهذا فإن رفع الحظر عن منتجات المستوطنات من قبل الدول الغربية، يفتح الباب واسعا لزيادة صادراتها وتحقيق مزيد من المكاسب المالية لحكومة نتنياهو، وفق المراقبين.

وتؤكد منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها صادر في فبراير/شباط 2022، أن نقل السكان المدنيين تحت مظلة قوة احتلال إلى أرض محتلة عسكريا يعد انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة، وجريمة حرب بموجب "نظام روما الأساسي" لـ "المحكمة الجنائية الدولية".

ويساعد الاتجار بمنتجات المستوطنات في استمرار هذه الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني. كما يرسخ انتهاكات حقوقية غالبا ما تنجم عن المستوطنات، مثل مصادرة الأراضي، واستغلال الموارد الطبيعية، وتهجير السكان المحليين والتمييز ضدهم، وفق التقرير المذكور.

ويسعى نتنياهو منذ زمن لزيادة أعداد المستوطنين هناك إلى مئة ألف شخص. ولذلك فإن أولويات الحكومة الإسرائيلية الجديدة تأتي استكمالا لمساعيه لانتزاع اعترافات جديدة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.

"سيد الأمن"

ويرى الكاتب الصحفي الفلسطيني أيمن الرفاتي، أن "نتنياهو يريد تغيير واقع هضبة الجولان لتصبح منطقة إسرائيلية إستراتيجية غير قابلة للتفاوض مع أي طرف من الأطراف وذلك عبر اجترار اعترافات جديدة من دول العالم بأن هذه الأرض إسرائيلية وليست سورية بعكس الرؤية التي تعتمدها الأمم المتحدة".

وأضاف الرفاتي لـ "الاستقلال" قائلا: "التوجه الذي يحمله نتنياهو ينهي أي حدث عن سلام مع سوريا مستقبلا عبر تفعيل مباحثات سابقة أطلق عليها السلام مقابل الأرض".

ولفت إلى أن "المكانة الإستراتيجية للجولان في غاية الأهمية بالنسبة لدولة الاحتلال خاصة أنها تمثل مطلا مرتفعا على ثلاثة دول مجاورة (سوريا لبنان والأردن) بما يحقق الأبعاد الإستراتيجية العسكرية للكيان".

 بحيث "تكون الجولان منطقة تمركز عسكري تمنع الدول العربية من نقل المعركة إلى داخل دولة الاحتلال وتتمكن الأخيرة من خلالها من تدمير القدرات العسكرية لأي دولة بشكل مسبق وداخل أراضيها"، وفق الرفاتي.

وأشار إلى أن "الجغرافيا الفريدة للجولان وقممها المرتفعة بالإشراف على العاصمة دمشق شرقا، وعلى سائر المدن وسط وغرب إسرائيل، وإطلالتها على مناطق في الأردن ولبنان، تبرز أهميتها، فمن يسيطر عسكريا على الهضبة يمكنه أن يطال أي مكان حتى بأبسط الأسلحة التقليدية".

ومضى يقول: "يرى نتنياهو أن هضبة الجولان خلال الفترة المقبلة يجب أن تكون إستراتيجية بالنسبة لدولة الاحتلال لتتمكن من مجابهة أي تموضع إيراني في سوريا، وبما يمكن دولة الاحتلال من استهداف أي تحركات إيرانية هناك بشكل مسبق".

وزاد الرفاتي قائلا: "يرى نتنياهو أن اجترار اعترافات جديدة بإسرائيلية هضبة الجولان يأتي استكمالا لمساره السابق الذي دفع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالجولان، وهذا كله يصب في رغبته في إظهار أنه سيد الأمن والأفضل لقيادة دولة الاحتلال".

وكان نتنياهو توجه عام 2019 إلى الإدارة الأميركية 3 مرات، طالبا الاعتراف بضم الجولان لتل أبيب.

وبالفعل اعترف ترامب رسميا، في 25 مارس/آذار 2019 بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، خلال مؤتمر صحفي مشترك جمعه بنتنياهو في واشنطن.

وبذلك يكون ترامب الذي أهدى نتنياهو القلم الذي وقع به مرسوم القرار كتذكار، قد خالف كل مواقف الإدارات الأميركية السابقة وقرارات مجلس الأمن الدولي، واتفاقية باريس للسلام الموقعة عام 1947 التي تمنع تغيير الحدود وضمها بالقوة.

وحينها وصف نتنياهو القرار الأميركي بشأن الجولان المحتلة بأنه "عدالة تاريخية" و"نصر دبلوماسي"، لكن خبراء أرجعوا الخطوة وقتها إلى أنها لدعم رئيس حزب الليكود بالانتخابات.

وفي 9 فبراير 2021 قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تصريحات صحفية: "إن السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان في الوضع الراهن لها أهمية حقيقية لأمن إسرائيل".

وأضاف: "مع ذلك، فإن الأسئلة القانونية حول الحق في الأرض هي شيء آخر، ويجب فحصها مع مرور الوقت، في حال تغير الوضع في سوريا".

وهنا يشير بلينكن إلى وجود إيران وحزب الله اللبناني بسوريا وبالقرب من الجولان الأمر الذي يمثل تهديدا للأمن الإسرائيلي.