بعدما حاصرهم أخنوش بالضرائب.. هل تنصف الاحتجاجات محامي المغرب؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

احتجاجات وإضرابات للمحامين يشهدها المغرب، في رفض قاطع لـ"إجراء ضريبي" جاء ضمن بنود مشروع قانون المالية لسنة 2023، مع تنديدهم بعدم إشراكهم في تعديل قانون مهنة المحاماة.

ووفق مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2023، يلزم المحامي بدفع ضريبة لدى صندوق المحكمة تتراوح بين 30 و50 دولارا عن كل ملف قضائي يشرع فيه وفي كل مرحلة تقاضي.

فيما يؤكد أصحاب "البذلة السوداء" أن هذه الضريبة المسبقة ستؤثر  بشكل مباشر على المواطنين البسطاء المتقاضين، علما أن المحامين كانوا يدفعون في الأساس ضريبة الدخل العادي المتعارف عليها التي تصل حاليا لـ20 بالمئة.

قرار كارثي

وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تحولت فضاءات محاكم المملكة، إلى ساحات لترديد الشعارات ضد حكومة عزيز أخنوش، تعبيرا عن رفض المحامين مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2023، المتعلقة باستخلاص الضرائب من المحامين وشركات المحاماة.

وتوقفت المحاكم بعد قرار المحامين مقاطعة الجلسات، تأكيدا على احتجاجهم ورفضهم خطوة الضريبة التي جاء بها مشروع القانون.

وندد المحامون بمختلف المحاكم، بهذا القرار، مطالبين برحيل وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مع تحميله مسؤولية ما جاء به.

وطالب المحتجون في هذه الوقفات، التي تأتي بحسبهم "من أجل عدالة ضريبية لا تثقل كاهل المواطن، بفتح حوار مع المحامين بدل فرض القرار عليهم وجعله قدرا محتوما".

وجاءت هذه الاحتجاجات بعد إحالة حكومة أخنوش لمشروع قانون المالية 2023 إلى البرلمان، فيما لم يحدد المجلس التشريعي بعد موعدا لمناقشته.

ووفق  آخر إحصائية رسمية نشرتها وزارة العدل في فبراير/ شباط 2020، يبلغ عدد المحامين في المغرب نحو 13 ألفا و150 محاميا ومحامية.

وقال نقيب هيئة المحامين السابق لمدينة الدار البيضاء، حسن بيراوين: “هذه التسبيقات التي ينص عليها مشروع قانون المالية من سيؤديها؟ أكيد المواطن”.

وشدد خلال وقفة احتجاجية أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء على أن “الفرض الضريبي لا يكون إلا بعد تحديد المدخول النهائي وخصم المصاريف”.

ولفت بيراوين، إلى أن فرض هذه الضريبة “سيكون كارثيا بالنسبة للمحامين والمتقاضين، فلا يعقل أن نطالب المواطنين بأداء ضريبة على القيمة المضافة”.

من جانبه، أوضح المحامي بهيئة مدينة فاس، الوزاني بنعبدالله، أن "الوقفة تتماشى مع الأشكال النضالية المقررة على الصعيد الوطني والتي لن تتوقف إلى حين رفع كل المراسيم والقرارات والمسودات المشؤومة والماسة بشكل مباشر بحقوق الدفاع".

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 2 نوفمبر، "إن كانت للدولة إرادة حقيقية في إصلاح جهاز العدالة وبالتبعية فتح أوراش الإصلاح في كل المجالات فعليها أن تمنح للمحاماة هامشا أوسع من الحرية عوض محاولة التقليص منها والتضييق عليها بقرارات ومشاريع قوانين غير دستورية ربما ستساهم في انتكاسة حقوقية شاملة"

ومضى بنعبدالله يقول: "في جميع الأحوال فالمعركة في بداياتها ودفاع الدفاع لن يتوقف ولن يتنازل مهما كلف الثمن، وعاشت المحاماة حرة مستقلة".

مخالفة للأنظمة

بدوره، قال المحامي ياسين هران إنه "في حال خروجنا إلى الشارع للدفاع عن أي حقوق من الحقوق، فهدفنا دائما بالأساس الدفاع عن حقوق المواطنين بالدرجة الأولى، لأن المحامي على مر التاريخ هو صلة الوصل بين السلطة والشعب، والمحامي دائما في الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوق المواطنين".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "خروجنا للشارع جاء لرفض تأدية ضريبة مسبقة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي، عند إيداع أو تسجيل مقال أو طلب أو طعن أو عند تسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية بمحاكم البلاد".

وأكد أن "هذه الضريبة تستهدف المحامي والمواطن، لأن هناك حالات إنسانية كثيرة تستدعي أن تشتغل مجانا، وهنا لم يعد فقط الاشتغال مجانا بل دفعنا لضريبة ملف لم نتقاض أجره في الأساس".

وشدد هران على أن "مقتضيات قانون المالية المذكور مخالفة للأنظمة الضريبية، لأنه لا يمكن أن أؤدي الضريبة على الدخل ولم يتحقق الدخل، وفي جميع الأنظمة التشريعية تتحدث عن أن أداء الضريبة آخر السنة، بناء على الدخل بعد حساب كل المصاريف".

ولفت إلى أن "نسبة الضريبة على الدخل دائما في تزايد، وخلال السنوات الماضية كانت نسبتها 10 بالمئة، أما الآن فقد وصلت إلى 20 بالمئة".

وأفاد هران بأن "وزير العدل في أول تصريح له منذ تقلده المسؤولية، بدأ باستهداف المحامين، ونعرف أن وزارة العدل لم تعد لها قيمة بعد سحب القضاء منها، فأصبح اشتغال الوزارة مع المحامين والموثقين وغير ذلك".

واستغرب من "هجمات الوزير وهبي على المحامين دون معرفة أسباب ذلك، رغم أن وهبي ابن الدار وقد كان محاميا".

ولفت إلى أنه "في حال إقرار هذه الضريبة ستؤثر سلبا على المحامي، لأن هناك أزمات متعددة، ولم تعد هذه المهنة كما كانت سابقا بل هناك مصاريف كثيرة جدا، والمحامي في وقت يحاول التعافي من تداعيات كورونا، وجد نفسه الآن أمام هذا القرار الضريبي".

وختم هران حديثه بالتأكيد على أنه "من الممكن أن ننجح في إلغاء مشروع المقترح الضريبي، لأنه بالنضال يتحقق المراد، ووزارة العدل تدرك أن هذا القرار مخالف للدستور وللقانون والأنظمة المنظمة لأداء الضريبة".

"لست نعامة"

وقبل احتجاجات المحامين بيوم واحد، جرى اجتماع بحضور وزير العدل، وجمع المحامين في مقر وزارة الاقتصاد والمالية بالرباط، انتهى باتفاق الأطراف المعنية على تشكيل لجنة مكونة من نقباء بعض هيئات المحامين من أجل الحوار.

وجرى خلال اللقاء تأكيد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، على أنه ستتم مراجعة المستجدات الضريبية على ضوء مخرجات اللجنة التي تم تشكيلها.

وبينما يزداد زخم الاحتجاجات التي يخوضها المحامون ضد المقتضيات التي جاء بها مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، أبدى وزير العدل، تمسّكه بكل القرارات التي اتخذها، وشدد على أنه يتحمل مسؤوليتها.

وفي لقاء نظمته مؤسسة "الفقيه التطواني للعلم والأدب" (أهلية) بمدينة سلا، مطلع نوفمبر، قال وهبي، إن القوانين التي تثير النقاش اليوم “يتحمل فيها المسؤولية كاملة، ولا سيما فيما يتعلق بقانون الضرائب أو قانون المهنة".

وأضاف: “لست نعامة تخفي رأسها في الرمل، أنا الذي اقترحت مشروع القانون المتعلق بالضرائب وأقنعت وزارة المالية به، ومازلت مقتنعا بذلك وأتحمل المسؤولية كاملة، وقانون المهنة أنا الذي وضعته والحكومة لم تتطلع عليه بعد، وستتطلع عليه وسنناقشه".

وتساءل: “هل علي أن أنتظر حتى يقوم الآخرون بالتشريع مكاني ثم أعطي رأيي، أم علي أن أبادر، أعتقد أن الوزير عليه أن يبادر، لأنه مسؤول ومن موقع المسؤولية عليه أن يجد تصورا ويطرحه".

وذكر الوزير أن “المحامين وضعوا أكثر من 30 محضرا تتعلق بقانون المهنة مع الوزراء السابقين، واتفقوا معهم على جملة من الأمور، وأنا أريد أن آتي بأشياء جديدة أكثر منها، وأحدد كذلك المسؤوليات، وأحافظ على حقوق الناس تجاه المحامين، كما أريد أن أحمي المحامين”.

وانتقد وهبي المحامين لمطالبتهم إياه بسحب مسوّدة قانون المهنة بعد أن عرضها على نقباء سابقين من أجل إنضاجها، قائلا: “كانت هناك مؤاخذة عن أسباب إعدادي للمسودة، ولماذا تسربت، والمؤاخذة عن أسباب تسليمها  لأولئك المحامين (النقاب السابقون)”، قبل أن يعلّق ساخرا: “إذن المؤاخذة لماذا أنا وزير!".

وهبي جدد رفضه لسحب مسوّدة قانون المهنة، بقوله: “دخلنا في نقاش وطُلب مني أن أسحب المسودة، إذن علينا أن نسحب أيضا قانون الضرائب، ونسحب الوزير أيضا، ونسحب المؤسسات والدولة".

وأبدى عدم انزعاجه من احتجاجات المحامين بقوله: “إذا لم يتظاهر المحامون فمن سيتظاهر؟ المحامي هو الذي لديه استقلالية وجرأة وإلمام بالقانون.. ومن حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يعبروا عن غضبهم، وحتى أن يطالبوا برحيل الوزير”.

لكن وهبي استدرك قائلا: “من حقي كوزير أن أدافع عن تصوّري واقتراحاتي، وعن حق الدولة والحكومة في التوصل بمداخيل ضريبية وجعل الضريبة مُلزمة للجميع”.

ورأى أن "الخلاف القائم بينه وبين المحامين بخصوص الضريبة لا يتعلق بكون المحامين يرفضون أداء الضرائب للدولة، بل بطريقة استخلاصها"، لافتا إلى أن "المؤسسة الموكول لها حسم هذا الخلاف هي البرلمان".

جهل فظيع

جمعية هيئات المحامين بالمغرب، أوضحت أن "المقتضيات الضريبية الجديدة لم تعتمد المقاربة التشاركية، فضلا عن كونها لم تراع مبدأ العدالة الجبائية، ولا خصوصية مهنة المحاماة، كما تغاضت عن الوضعية الاجتماعية لعموم المحامين، إضافة إلى تأثيراتها السلبية على حق المتقاضين في اللجوء إلى القضاء".

وشددت الجمعية في بيان صادر مطلع نوفمبر، على أن "المحامين مقتنعون بأن من شروط المواطنة المساهمة في التكاليف العامة للدولة، ومن بينها أداء الضريبة، وهذا خلافا لما تروجه بعض الجهات"

ودعت إلى "تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الاقتصاد والمالية ومكتب الجمعية لدراسة ووضع نظام جبائي متوافق عليه وقابل للتنزيل مستقبلا، مع استمرار العمل بالنظام الجبائي الحالي إلى حين التوافق بين الطرفين".

من جانبه، أكد المحامي نجيب البقالي، أن "ما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2023، فيما يتعلق بالمقتضيات الضريبية الخاصة بمهنة المحاماة، تؤكد جهل الحكومة البين والفظيع بممارسة المهنة في المغرب".

وشدد البقالي لموقع "pjd.ma"، أن "هذه المقتضيات معيبة من الناحية الشكلية والموضوعية، حيث إنها ستؤدي إلى رفع كلفة الولوج إلى العدالة والمحاماة، ومن ذلك، أن أبسط الإجراءات القضائية تكلف حاليا 1000 درهم (نحو 90 دولارا)، وحين يتم العمل بالمقتضيات الجديدة، سيتضاعف هذا المبلغ إلى 2000".

وتابع: "فضلا عن خلل واضح يتعلق بالتضريب على الملف الواحد أكثر من مرة، على مدى مراحل التقاضي، حيث يؤدي المحامي الضرائب في دعوى الموضوع والاستئناف والنقض، خاصة أن هذه الضرائب هي تسبيق غير قابل للرد مما يفاقم أزمة المحامين".

وشدد البقالي على أن "هذا الشكل من التضريب بمس بمبدأ المساواة، لأن الممارسين كافة في الشركات والمهن الأخرى لا يؤدون الضريبة إلا بعد استخلاص الدخل"، مبرزا أن "ما تريد الحكومة القيام به من شأنه الإضرار بممارسة المهنة والمحامين والمتقاضين على حد سواء، وفيه مساس بالعدالة الضريبية والمساواة أمام القانون الضريبي".