العرض العسكري للحوثيين باليمن.. ما علاقته بمباحثات نووي إيران في فيينا؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

شكٌلت الهدنة الإنسانية في اليمن، التي أُعلنت في مطلع أبريل/ نيسان 2022، والمستمرة للشهر الخامس على التوالي، استراحة محارب وفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق لأطراف النزاع.

وذلك بعد جولات صراع دامية بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة اليمنية المدعومة بتحالف سعودي إماراتي، خصوصا في محافظة مأرب النفطية التي كان لها النصيب الأكبر من المعارك الدائرة منذ عام 2015.

واستغلت مليشيا الحوثي الهدنة ورغبة المجلس الرئاسي اليمني في التوصل لحل سياسي للأزمة، بناء على توجه سعودي، في تكثيف التعبئة والتحشيد، وتنفيذ الاستعراضات العسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

استعراض للقوة

وأقام الحوثيون مطلع سبتمبر/ أيلول 2022، استعراضا عسكريا ضخما في محافظة الحديدة لأول مرة، منذ إعلان اتفاق استوكهولم بينهم وبين الحكومة اليمنية في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وهذا الاتفاق أوقف تقدم القوات الحكومية نحو المدينة الإستراتيجية على البحر الأحمر، بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من الساحل الغربي لليمن.

وتضمن اتفاق استوكهولم، صفقة لإخلاء مدينة الحديدة من السلاح، بالإضافة إلى آلية لتبادل الأسرى، وتفاهم لتهدئة القتال في محافظة تعز (وسط) وفتح طرقها.

لكن الحوثيين تنصلوا من التزاماتهم بشأن فتح الطرق وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة واكتفوا بصفقة تبادل أسرى مع القوات الحكومية، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بوساطة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وبناء على الصفقة، أطلق سراح 1056 أسيرا من الجانبين، بينهم 15 جنديا سعوديا وأربعة سودانيين.

وفي العرض العسكري الذي نظمه الحوثيون بساحة العروض في الحديدة، وأطلقوا عليه "وعد الآخرة"، دعا زعيم مليشيا الحوثي في كلمة متلفزة، التحالف الذي تقوده السعودية لوقف الحرب في اليمن.

وقال عبدالملك الحوثي: "ندعو تحالف العدوان لاغتنام فرصة الهدنة ووقف عدوانه بشكل كامل وإنهاء الحصار والاحتلال"، على حد وصفه.

وأضاف الحوثي: "جيشنا في حالة بناء مستمرة للمهارة القتالية والعسكرية في القوات البرية والبحرية والجوية والصاروخية والتصنيع العسكري، وتم تطهيره من الخونة".

وأوضح أن "العروض العسكرية التي بدأت في هذه المرحلة من الهدنة في عددٍ من المناطق العسكرية، هدفها طمأنة الشعب وتقديم رسالة للأعداء الطامعين المعتدين".

وادعى أن "العروض التي تمت هي لبعض تشكيلات الجيش فقط، وأن هناك عشرات الآلاف من منتسبيه مرابطون في الجبهات".

وشارك المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام مقطعا عبر "تويتر" يظهر عددا من أسلحة القوات البرية والبحرية والجوية، على حد قوله.

من جانبه، قال رئيس المجلس السياسي للحوثيين بصنعاء مهدي المشاط، إن بمقدور مليشياتهم الآن ضرب أي نقطة في البحر من أي مكان في اليمن وليس من السواحل فقط، الأمر الذي رآه مراقبون تهديدا لأمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

وأضاف المشاط في كلمة له خلال العرض العسكري في الحديدة: "طورنا أسلحتنا الأرضية والبحرية في الفترة الأخيرة وباستطاعتها برا وبحرا ضرب هدفها في أي نقطة في بلدنا".

وفي لغة تحد جديدة خاطب المشاط دول التحالف، قائلا إن " الأساطيل التي حشدتموها وتحشدونها إلى سواحل بلدنا لحصاره وتدميره لا ترعب أصغر طفل في شعبنا".

وأوضح أن "قواتهم لن تشكل في يوم من الأيام خطرا على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وأن الذي يشكل خطرا على الملاحة الدولية هو إجراءات العدوان الوحشية"، حسب وصفه.

رسالة إيرانية

ويأتي هذا التحرك الحوثي بالتزامن مع مخاض صعب في ملف المفاوضات التي تجريها إيران مع القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية عنها.

كما جاء الاستعراض العسكري بعد رفض الإدارة الأميركية، مطلع سبتمبر 2022، ربط إحياء الاتفاق النووي الإيراني بإغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، وفق وكالة رويترز الدولية.

بالإضافة إلى تحولات سياسية وشعبية ضد مليشيات إيران في العراق، على خلفية إعلان رجل الدين الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، اعتزاله السياسة نهائيا، وردود الفعل من قبل العشرات من أنصاره الذين اقتحموا القصر الجمهوري داخل المنطقة الخضراء المحصنة ببغداد.

وتعليقا على الاستعراض العسكري للحوثيين، قال الباحث اليمني شاكر خالد، إن "العرض العسكري الحوثي ليس الأول ولن يكون الأخير، وهو رسالة إيرانية، وقد درجت الجماعة على أن تضع قوتها في خدمة الأهداف والأجندة الإيرانية ولا تخفيها".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن مليشيات الحوثي تستعرض عضلاتها وأسلحتها وصواريخها منذ فترة سواء عبر العروض العسكرية أو الواقع على الأرض بهجمات على المحافظات اليمنية وخارج الحدود".

ولفت إلى أن "التحالف السعودي الإماراتي يتراجع خلال الآونة الأخيرة مفسحا المجال لطهران لكي تنفذ أجندتها في المنطقة، ليس على حساب اليمن فقط، بل وأمنه الإقليمي المهدد بالهجمات المسيرة والصواريخ البالستية".

وإن توقفت الهجمات فترة بسبب الهدنة فإن الوقت لن يطول لمشاهدة دفقات أخرى خاصة أن أجندة إيران لا تزال متأخرة عن بلوغ أهداف الطموح النووي الواقعي وكسر العقوبات الاقتصادية، يستدرك الباحث اليمني.

وأردف خالد بالقول: "تعيش البلد هدنة مفترضة هي الثالثة، ويأتي هذا العرض والتهديد كخرق فاضح لجدية المجتمع الدولي في التعامل مع مصدر التهديدات للممر المائي الأهم في العالم".

يذكر أنه في أغسطس/ آب 2022، نظم الحوثيون عرضا عسكريا في العاصمة صنعاء، واستعرضوا فيه أسلحة حديثة بينها دبابات تي 72 الروسية، التي استولوا عليها من مخازن قوات الجيش اليمني خلال اجتياحهم العاصمة صنعاء عام 2014.

تنديد أممي

ونددت الأمم المتحدة عبر بعثتها في الحديدة (أونمها)، مطلع سبتمبر، بالاستعراض العسكري الذي نفذته مليشيا الحوثي وعدته "خرقا لاتفاق الحديدة".

وعبرت البعثة الأممية خلال سلسلة تغريدات على تويتر، عن قلقها من هذا الاستعراض العسكري الذي "يخل بأهم مبادئ الاتفاق، والمتمثل في الحفاظ على المدينة خالية من المظاهر العسكرية كافة".

وناشدت الحوثيين بضرورة احترام كامل التزاماتهم بموجب الاتفاق، ولا سيما فيما يتعلق بالحفاظ على المدينة خالية من المظاهر العسكرية. 

من جهته قال نائب رئيس حكومة الحوثيين لشؤون الدفاع والأمن جلال الرويشان، إن تصريحات البعثة الأممية هي مجرد رسائل استرضاء لدول ما أسماه "العدوان" كما عهدناها.

وأكد القيادي الحوثي أن "معركتهم في الدفاع عن اليمن هي معركة اليمنيين، وجيشنا منذ بدء الهدنة يمر بحالة إعادة تأهيل وتدريب وبناء" وفق ما نقلته قناة " المسيرة التابعة للحوثيين في 3 سبتمبر.

من جانبه، قال وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، إن الاستعراض والتحشيد العسكري الحوثي لأسلحة محرمة دوليا تصعيد خطير وانقلاب مكتمل الأركان على اتفاق السويد في ظل الهدنة الأممية.

وأضاف عبر تويتر أن "استعراض مليشيا الحوثي للألغام والصواريخ البحرية "إيرانية الصنع" من طرازات مختلفة يعكس الخطر الذي يمثله استمرار سيطرة مليشيا إرهابية على سلامة السفن التجارية وناقلات النفط في خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب".

ويشرف اليمن على مضيق باب المندب، أحد أهم المضائق الإستراتيجية في العالم، لا سيما بالنسبة لتجارة النفط والغاز المسال.

ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر عبر المضيق، بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا (57 يوميا)، بواقع نحو 3.8 ملايين برميل من النفط يوما. 

واقع جديد

ولفت الباحث اليمني شاكر خالد إلى أن "الرسالة كانت واضحة من جماعة الحوثي بأنها أصبحت رقما صعبا وواقعا يجب التعامل معه، بل كانت أكثر وضوحا في تهديد التجارة الدولية ومضيق باب المندب".

وأشار إلى أن "الساحة اليمنية أصبحت رخوة وملفا للمقايضات والتدخلات وتبادل الرسائل الإقليمية على حساب معاناة الشعب اليمني".

واستدرك خالد بالقول، "انشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بقياس ومقدار القوة الحوثية الحقيقية في العرض حتى إن البعض ذهب إلى القول إن الأسلحة المعروضة ليست حقيقية".

وفي تقديري أن رسالة التهديد لأهم مضيق للتجارة الدولية هي الأخطر من عروض الأسلحة نفسها.

وأوضح أن "المجتمع الدولي والإقليمي ليس أمام جماعة ورقية فقد سبق أن نفذت تهديداتها بهجمات دموية وتدميرية في المحافظات اليمنية ومنشآت نفطية مهمة في السعودية والإمارات، وليس أمام المجتمع الدولي إلا التعبير عن القلق حتى صارت مثارا للسخرية والتندر".

وأكد أن "ما يجري ليس عجزا، بل إنه تواطؤ فاضح لدعم المليشيات في المنطقة فقبل سنوات كانت مجرد عملية بسيطة قريبة من باب المندب كفيلة بإثارة فزع المجتمع الدولي ودفعه للتحرك لمنع الأخطار".

ومضى خالد يقول: "الآن، نحن أمام مرحلة مضطربة وغاية في السوء والمخاطر للقوى الإقليمية والدولية، وهذه القوى تعبر عن عجزها لحماية اتفاقية استوكهولم وعدم الحرص على تنفيذها رغم أهمية البحر الأحمر لمصالح التجارة الدولية".

وحصل الحوثيون على مكاسب ضمن بنود الهدنة الإنسانية من بينها فتح ميناء الحديدة، وإعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء واعتماد الجوازات الصادرة من مناطق سيطرتهم.

في المقابل، فشلت الحكومة اليمنية والأمم المتحدة في إقناع الحوثيين بتنفيذ بند فتح الطرقات وصرف المرتبات من عائدات سفن المشتقات النفطية التي سمح بدخولها عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتهم.

وسبق للحوثيين احتجاز سفينة شحن إماراتية في 3 يناير/ كانون الثاني 2022، قبالة سواحل محافظة الحديدة غربي البلاد، قالوا إنها كانت "تمارس أعمالا عدائية تستهدف أمن واستقرار الشعب اليمني "واتهم التحالف السعودي الإماراتي الحوثيين باختطافها.

ففي 25 يوليو/ تموز 2018، استهدف الحوثيون ناقلتي نفط سعوديتين في البحر الأحمر، ما ألحق أضرارا طفيفة بإحداهما، ما دفع السعودية حينها إلى إعلان وقف مرور كل شحنات النفط الخام عبر هذا الجزء من البحر الأحمر، حتى تصبح الملاحة عبر المضيق آمنة من الحوثيين.

وفي يوليو / تموز 2017، استهدفت زوارق بحرية تابعة للحوثيين سفينة حربية إماراتية قبالة السواحل الغربية لليمن، حين كانت قادمة من ميناء عصب في إريتريا.

وقبلها أطلق الحوثيون في أكتوبر / تشرين الأول 2016، صواريخ باتجاه سفينة حربية أميركية قرب مضيق باب المندب.

وردت البحرية الأمريكية بإطلاق صواريخ "كروز" على ثلاث محطات رادار في مناطق يسيطر عليها الحوثيون، وهددت بالرد مجددا إذا تعرضت لتهديد جديد.

كما نشر الحوثيون المزيد من الألغام البحرية على طول المناطق الخاضعة لسيطرتهم في الساحل الغربي لليمن، واستخدموا في مرات عديدة قوارب مسيرة عن بعد محملة بالمتفجرات.