معهد أبحاث تركي: لهذا تسارع اليونان إلى توقيع اتفاق بحري مع ألبانيا

12

طباعة

مشاركة

سلط معهد الأبحاث الإستراتيجي التركي (SDE)، الضوء على انعكاسات التوتر في البحر المتوسط ​​على دول البلقان ومفاوضات "اتفاقية حدود السلطة البحرية" بين ألبانيا واليونان.

وقال المعهد في مقال للباحث عثمان أطالاي: إن "اليونان التي وقعت اتفاقيات الحدود البحرية مع إيطاليا ومصر، باتت في عجلة من أمرها لتوقيع اتفاقية الحدود البحرية مع ألبانيا في الأيام المقبلة مع الأخذ في الاعتبار أن المفاوضات بين البلدين تستند إلى تاريخ قديم للغاية، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى اليوم".

وفي عام 2009، وقع البلدان اتفاقية أولية، لكن بعد ذلك بعام واحد فقط ألغت المحكمة الدستورية الألبانية الاتفاقية، ومن المنتظر أن يتوجه وزير الخارجية اليوناني خلال الأيام المقبلة (لم يتم تحديد موعد الزيارة) إلى العاصمة الألبانية تيرانا، وبسبب التنافس المحتدم مع تركيا في البحر المتوسط​​، تريد أثينا توقيع اتفاق سريعا، بحسب المعهد.

ولسنوات طويلة حاولت اليونان الحصول على المعاهدة التي تريدها وذلك من خلال ابتزاز ألبانيا بعرقلة مفاوضات عضويتها في الاتحاد الأوروبي، كما استخدمت الأقلية الأرثوذكسية اليونانية داخل تيرانا ومولت وسائل الإعلام والجمعيات الألبانية لخلق رأي عام لصالح أثينا.

ووفقا لتقرير نُشر في عام 2019، كشف باحثون وصحفيون بارزون في وسائل الإعلام الألبانية أنهم يتلقون تمويلا مباشرا من اليونان.

من الممكن وصف العلاقات اليونانية الألبانية بشكل عام على أنها قائمة على التنافسات والتوترات التاريخية سيما وأن اليونان تواصل طموحاتها على الأراضي الألبانية في العصر الحديث وكذلك عبر التاريخ، على الرغم من عدم وجود صراع ساخن بين البلدين، ولهذا يستمر الحراك الثقافي والسياسي دائما.

تضمنت أناشيد الجنود اليونانيين في مقاطع الفيديو التي تم بثها في عامي 2014 و2015 عبارة "سنشرب دماء الألبان". وهذه الفضيحة تسببت في أزمة كبيرة بين البلدين، كما فُسرت في الواقع على أنها استمرار للعداء الألباني داخل الجيش اليوناني.

تم إيداع آلاف المواطنين الألبان الذين ذهبوا للعمل في اليونان منذ عام 2006 في سجونها. ومن حين لآخر، كان الحراس اليونانيون يضربون ويقتلون هؤلاء السجناء.

والأمر من ذلك أنه في قانون الحرب اليوناني، تحتفظ أثينا دائما بالحق في الحرب ضد تيرانا بشكل قانوني. بالإضافة إلى ذلك، تشارك اليونان في الأنشطة الثقافية باستخدام الأقلية اليونانية والكنيسة الأرثوذكسية في أثينا، وخاصة في المناطق الجنوبية من ألبانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن اليونان في الواقع تريد السيطرة على هذه المنطقة ولها تأثير كامل على الأقلية اليونانية.

لهذا، في عام 1998، خلال الأزمة الداخلية والحرب الأهلية الألبانية، هددت اليونان وحدة أراضي ألبانيا من خلال دعم المتمردين في الجنوب بل شاركت معهم في عمليات عسكرية أيضا ولا تزال هذه المشكلة مستمرة بشكل خطير وهي من أهم المشاكل بين البلدين.

إحدى الأزمات الراهنة بين البلدين هي وجود أكثر من مليون لاجئ اقتصادي يعملون في اليونان. ولدى أثينا سياسة لجعل هؤلاء اللاجئين يقدمون تنازلات ضد ألبانيا في مختلف القضايا باستخدام ظروفهم الاقتصادية الصعبة.

على الرغم من أن هذه الأمثلة وما شابها عوامل مهمة في تشكيل العلاقات بين البلدين، فإن الصراعات التاريخية بين البلدين في الواقع أعمق.

على سبيل المثال، لا تزال اليونان تُبقي بعض أجزاء من ألبانيا تحت الاحتلال وهذه واحدة من بين الأزمات الكبرى.

وتعتبر منطقة كاميريا التي تقع في شمال اليونان ويشكل سكانها بأغلبية ساحقة من الألبان، مشكلة صراع مهمة بين البلدين، حيث غزت أثينا هذه المنطقة وبسياساتها الاستيعابية الثقافية، غيرت المنطقة عرقيا خاصة ضد المسلمين.

مشكلة أخرى مهمة بين البلدين هي الاستيلاء على الأراضي الألبانية في المناطق التي تحتلها اليونان بحكم الأمر الواقع خلال الحرب العالمية الثانية، وهو أمر يشبه ما حدث في فلسطين حيث احتلت العصابات الصهيونية أراضيها، وفق المعهد.

المفاوضات الحدودية

أهم قضية شغلت الرأي العام لألبانيا واليونان في الأيام الأولى من عام 2018 هي تحسين العلاقات بين البلدين.

وانعكس وجود المفاوضات التي ظلت سرية لأكثر من عامين، على الرأي العام في محادثة مع الصحفيين في برنامج تلفزيوني حضره وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتزياس في اليونان، حيث صرح أنهم يجرون مفاوضات مع ألبانيا وتوصلوا إلى اتفاق بشأن كل من الحدود البحرية والحدود البرية.

وذكر أنه وفقا لهذه الاتفاقية، وافق الجانب الألباني على زيادة السيادة البحرية لأثينا من 6 أميال إلى 12 ميلا (22.22 كم). علاوة على ذلك، وفقا للوزير اليوناني، تقرر إنشاء منطقة اقتصادية خالصة بين اليونان وألبانيا في المنطقة المعنية.

على الرغم من أن الحدود اليونانية الألبانية لم يتم تنظيمها قانونيا، فإنها استمرت في الواقع حتى يومنا هذا باتفاقية بين البلدين في عام 1925، تُعرف باسم "فينس".

في العصر الحديث، بدأ تاريخ اتفاقية الحدود البحرية بين اليونان وألبانيا فعليا في عام 2009 في عهد رئيس الوزراء الألباني السابق سالي بيريشا.

وعلى الرغم من توصل حكومة بيريشا إلى اتفاق مع الحكومة اليونانية، فإن المحكمة الدستورية في ألبانيا ألغت الاتفاقية على أساس أنه لم يتم التشاور مع الرئيس بشأنها وكذلك بسبب وجود خطأ إجرائي وأن الاتفاقية نفسها تسببت في خسارة أراضي ألبانيا.

لهذا السبب، فإن الاتفاقية التي قيل إنه سيتم التوصل إليها بين الدولتين، لا يمكن أن تدخل حيز التنفيذ.

وتركزت المفاوضات بين البلدين على النقاط التالية: إلغاء "قانون الحرب" الذي سنته اليونان، الاعتراف المتبادل بختم أبوستيل وهو  تأكيد يتيح الصلاحية القانونية للوثيقة الصادرة في بلد ما لاستخدامها في بلد آخر، اعتراف أثينا برخصة القيادة الألبانية، الاعتراف بمعاشات الموظفين في اليونان، برنامج للكتب المدرسية للأقليات في بلدانهم بلغاتهم الخاصة.

كما جرى التفاوض على: وضع الأقلية الألبانية في أثينا، مقابر الجنود اليونانيين في الأراضي الألبانية، اتفاقية الحدود البحرية، تحديد الحدود البرية بين البلدين، منع الحوادث على الخطوط الحدودية وإيجاد حلول لها، الحق في طلب البحث القانوني عن الأراضي الألبانية في اليونان.

وبالنظر إلى البنود المذكورة أعلاه، يتبين أن هناك قضايا تتعلق بسيادة البلدين، بالإضافة إلى بعض البنود الثقافية التي تم التفاوض بشأنها. ومما لا شك فيه أن أهم بند في المفاوضات هو موضوع ترسيم الحدود البحرية. وقال المعهد: "يجب إلغاء قانون الحرب في نطاق التنازلات التي ستقدمها اليونان ضد ألبانيا على التوالي".

وتابع: "من المفهوم أن اليونان تنتهج إستراتيجية طويلة المدى من خلال إنشاء مقابر للجنود اليونانيين في الأراضي الألبانية، وبالمثل، بالنظر إلى تشكيل الكتب المدرسية، من الممكن أن نرى بوضوح أن أثينا تسعى إلى زيادة نشاطها الثقافي في ألبانيا".

من ناحية أخرى، هناك قضية كبير حاخامات الكنيسة الأرثوذكسية المعينة من قبل اليونان في ألبانيا، والتي تسببت في أزمة بين البلدين لفترة طويلة.

وكان الرئيس الجديد إلير ميتا، منح الجنسية الألبانية للحاخام اليوناني، وهي خطوة لم يقم بها أي من رؤساء ألبانيا السابقين. 

عنصر مهم آخر غير مدرج في المفاوضات هو مستقبل ألبان الكامريا الذين يعيشون في اليونان ويتم استيعابهم وحقيقة أن الوضع القانوني لهم، الذي تعتبره أثينا قضية داخلية وليست مفتوحة للنقاش، لم يتم التفاوض عليه حتى، ولكن يتم تفسير جنسية الحاخام اليوناني على أنها تنازلات رئيسية قدمتها الحكومة الألبانية.

قضية "مقابر الجنود اليونانيين" التي ظهرت في صدارة المفاوضات لها أيضا معنى بالغ الأهمية. كما هو الحال في كوسوفو، كما في عملية نقل الأديرة والمؤسسات الدينية إلى الدولة الصربية، هناك قلق في ألبانيا من أن مثل هذه المناطق قد تُمنح لسيادة اليونان.

بعد الحصول على دعم قوي من فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، صرحت اليونان أن هناك إجماعا وطنيا في الداخل وأنه يتم تلقي إشارات بأن أثينا مدعومة لتصبح قوة إقليمية في السياسة الخارجية.

من ناحية أخرى، عند النظر إلى الجانب الألباني، هناك تناقض كامل بين الحكومة والمعارضة.

وبينما قال رئيس وزراء ألبانيا السابق سالي بريشا: إنه "يجب على الحكومة أن تمر عبر أجسادنا أولا" وأن الموقع على هذا الاتفاق "خائن"، من المؤكد أن الاتفاقية التي انتقدت بشدة من قبل المعارضة والمنظمات غير الحكومية، سيكون لها آثار خطيرة على السياسة الداخلية لألبانيا.

مرة أخرى، وفقا للاتفاقية، ستعتمد اليونان على 12 ميلا من البحر على أقرب مستوطنة في عام 1913، وليس المستوطنات الحالية. وهكذا، في الواقع، تفقد ألبانيا مساحات بحرية كبيرة.

ويقول المعهد: "يتم تنفيذ هذه المفاوضات في نطاق معايير الاتحاد الأوروبي ويجب أن يوضع في الاعتبار أن جميع دول البلقان تقريبا تمر حاليا بعملية التفاوض وهي عملية مترابطة في الحقيقة".

العامل التركي

لا شك أن الحدود البحرية تشكل أهم بند في اتفاقية ألبانيا - اليونان. وفقا للاتفاقيات الدولية، فإن سيادة كل من البلدين معترف بها بدءا من الياسبة حتى 6 أميال بحرية.

 وفقا لهذا المبدأ ، تتقاسم كل دولة مع جيرانها، بما في ذلك تركيا، الهيمنة البحرية. وبفضل هذه الاتفاقية، ستكون قادرة على السيطرة على 12 ميلا لأول مرة. 

على الرغم من أن اتفاقية الـ "12 ميلا" معترف بها بشكل متبادل، إلا أننا "وعندما ننظر إلى الحدود البحرية بين البلدين أي اليونان وألبانيا، لا يوجد ما مجموعه 24 ميلا، أي 12 ميلا لكل دولة"، وفق المعهد.

ويقول: "هذا الخط الحدودي بحد أقصى 13 ميلا بين جزيرة إيريكوسا اليونانية ومدينة ساراندا في ألبانيا يظهر في الواقع أن الغرض الرئيسي لليونان مختلف".

لتوضيح الأمر بشكل أكبر، سيتم اعتبار النقطة المركزية لليونان كمركز في بحر إيجة شمالا أكثر بكثير من "12 جزيرة" مثل الحدود، في حين أن النقطة المركزية في ألبانيا ستكون أراضيها.

وهذا ناتج بطبيعة الحال عن منطق امتلاك اليونان لجزر صغيرة على شواطئ البلدان المجاورة بعيدا عن الأراضي السوداء في البحر الأبيض المتوسط.

إذا تم تمرير الاتفاقية المذكورة من مجلسي البلدين، فستوفر مزايا كبيرة بسبب حقيقة أن اليونان بها العديد من الجزر، على الرغم من مكاسب ألبانيا الضئيلة في أحواض البحر.

فوفقا للقانون الدولي، بعد 12 ميلا من السيادة، يمكن إعلانها منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل. ومعنى ذلك هو تحديد مناطق الطاقة بفضل الأبحاث الجادة في بحر إيجة والبحر الأيوني لفترة طويلة مع سفن الحفر التي كثفت اليونان من وجودها واشترتها أيضا من النرويج.

علاوة على ذلك، تشارك اليونان وجنوب قبرص في مبادرات دبلوماسية وسياسية مع دول البحر الأبيض المتوسط ​​المختلفة، وخاصة إسرائيل.

ويوضح المعهد التركي: "من المؤكد أن الاتفاق بين اليونان وألبانيا وثيق الصلة بتركيا بما في ذلك 12 جزيرة تحاول أنقرة استعادتها بالطرق القانونية وكذلك مزاعم جنوب قبرص بالسيطرة البحرية على البحر الأبيض المتوسط وكذا القضايا المعقدة التي تضمنتها اتفاقية لوزان".

وتابع: "هذه الاتفاقية مع ألبانيا تقوي يد أثينا أمام تركيا وفي الساحة الدولية؛ لأن اليونان تتبع إستراتيجية لتطوير العلاقات مع دول الشرق الأوسط، وخاصة باستخدام حوض البحر الأبيض المتوسط".

ومن ذلك ما قام به وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس في زيارته للبنان في فبراير/شباط 2018 ومصر في 2013، كما تشكل المناورات بين قبرص الرومية واليونان خطرا كبيرا على تركيا.

بالنظر إلى العلاقات التي طورتها اليونان مع إسرائيل، وخاصة مشكلة الجزر الاثنتي عشرة، فتركيا ترى أن الحل الأمثل لإنهاء صداع الصراع في شرق المتوسط هو الحل العسكري خاصة وأنه يتواءم مع القانون الدولي وقانون البحار، وفق المعهد.

وبالعودة إلى عام 1998 أثناء الحرب الأهلية في اليونان، حين احتلت أثينا الجزء الجنوبي من الأراضي الألبانية، كان لأنقرة موقف حازم من هذه الخطوات.

  أخيرا، صدق البرلمان الألباني على القانون الذي ينص على إنشاء قواعد عسكرية في الأراضي الألبانية التركية، وقد أظهر مثالا مهما وقويا على التضامن في فترة حرجة.

والنتيجة هنا أن مفاوضات اتفاق الحدود الألبانية اليونانية، في حال رأت النور، فإن تركيا ستتأثر بشكل كبير وعلاقتها ستضرر مع اليونان من جهة ومع ألبانيا من جهة أخرى سواء الحدود البحرية أو على اليابسة وصولا للعلاقات الدبلوماسية المباشرة. 

وبين المعهد أن "الجانب اليوناني يسارع إلى تطبيع العلاقات مع جميع دول الجوار ما عدا تركيا وهذا يشير إلى تركيز الصراع مع أنقرة بل ومحاولة تأليب الجميع ضدها".

وفي واقع الأمر، يتحدث التاريخ اليوناني الذي يُعرّف الألبان تقليديا على أنهم أعداء، حاليا عن تقديم تنازلات لألبانيا أثناء عملية مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفق المعهد.

من ناحية أخرى، بينما يجب دعم جميع أنواع المفاوضات الدبلوماسية ومفاوضات السلام في البلقان، فإن أي اتفاقية يتم توقيعها مع أثينا قبل حل الوضع السياسي والثقافي لمنطقة الكامريا داخل حدود اليونان ستعني هدية لأثينا.