فورين أفيرز: أميركا بعيدة عن العودة إلى حياة ما قبل كورونا

12

طباعة

مشاركة

مع بدء فتح أجزاء من الولايات المتحدة بعد أشهر من الإغلاق بسبب فيروس كورونا الجديد، يزداد الأمل في أن تعود بعض مظاهر الحياة الاقتصادية الطبيعية مرة أخرى قريبا، وهو ما لا يتوقع حدوثه تقرير نشرته مجلة أميركية شهيرة.

وقالت مجلة "فورين أفيرز"، إنه "لا يزال من الممكن أن يتبدد هذا الأمل بسبب التهديدات الصحية التي لم تنته بعد، أضف إلى ذلك الكساد الذي ضرب عالم الأعمال والإنتاج، وكذلك تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، والتي يعول عليها لإعادة الانتعاش للاقتصاد المحطم".

يمكن لأحد العوامل السابقة أن يبطئ عملية الانتعاش المأمولة، وبتضافرها جميعا قد يؤدي ذلك إلى حلقة مغلقة من التدهور الذي لا يمكن الخروج منه.

ويسلط تقرير المجلة الضوء على الفئة الأكثر تضررا، بالقول: "بالنسبة للقطاعات الأقل حظا من السكان، فإن المزيد من التدهور الاقتصادي قد بدأت آثاره بالفعل". 

تطويق للاقتصاد

ويوضح أن الفيروس طوق الاقتصاد الأميركي بطريقة أدت إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل والثروة والفرص. 

وفي غياب استجابة سياسية في الوقت المناسب، يمكن أن يبدأ هذا الاتجاه السلبي في تعزيز نفسه، حيث أن الانتكاسة الموهنة للمحرومين تزيد من احتمالات تفاقم الوضع على الجميع في النهاية، وفق التقرير.

ورأى أن "البيانات صارخة ومثيرة للقلق، وستزداد سوءا قبل أن يمكن أن تتحسن، فمن المقرر أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 30 ٪ أو أكثر في الربع الأول من هذا العام".

فقد قدم أكثر من 40 مليون عامل، أو ما يقرب من ربع القوى العاملة في الولايات المتحدة، طلبات إعانة بطالة بسبب فقدان العمل، في الأشهر الثلاثة الماضية. 

ومن المرجح أن يقترب معدل البطالة، بل ويمكن أن يتجاوز، الرقم القياسي الذي بلغ 25 ٪ خلال فترة الكساد الكبير.

وتابع التقرير: "كل هذا جرى على الرغم من جهود سياسة الإغاثة المالية والنقدية الضخمة التي كلفت ما يقرب من 6 تريليونات دولار، أو 28 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2019".

وبين أن السمات التوزيعية للخسائر في الوظائف والدخل أكثر إثارة للقلق. ويوضح التقرير ذلك، بالقول: "وفقا لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخرا، فقد تم تسريح 39 ٪ من العاملين في الأسر التي يقل دخلها السنوي عن 40000 دولار أميركي، أو تم تعطيلهم إلى أجل غير مسمى".

وبشكل عام كانت النساء هن الأكثر تضررا، خاصة اللواتي ينحدرن من الأقليات العرقية، فمن بين 20.5 مليون وظيفة فقدتها الأقليات حتى أبريل/نيسان 2020، كانت 55 ٪ من النساء. 

هذا الأمر رفع معدل البطالة بين النساء إلى 15 ٪، ومعدل النساء الأميركيات من أصل إفريقي إلى 16.4 ٪، والنساء من أصل إسباني إلى 20.2 ٪.

ليس هناك شك في أن الوباء أدى إلى البطالة بشكل غير متكافئ، فقد خسر ثلث السكان، من الأقليات، أكثر من نصف الوظائف، وفق التقرير.

أزمة الوظائف

ويتابع التقرير: "أولئك الذين صمدت وظائفهم في وجه الوباء، هم بشكل غير متناسب في المهن ذات الأجور المرتفعة نسبيا والتي يمكن أن تستوعب ترتيبات العمل من المنزل".

ووفقا للباحثين في معهد بيكر فريدمان بجامعة شيكاغو، يمكن تنفيذ ما يقرب من ثلث الوظائف الأميركية عن بُعد، ولكن هناك اختلافات هائلة حسب القطاع، تتسع بشكل أكبر عند أخذ عوامل تحقيق الربح في الحسبان.

وعلى سبيل المثال، في حين أن 76 % من وظائف التمويل والتأمين (ذات الأجور المرتفعة في الغالب) يمكن إجراؤها من المنزل، فإن 3 % فقط من وظائف قطاع الأغذية والخدمات (ذات الأجور المنخفضة في الغالب) يمكن أيضا إجراؤها من البيت.

وأوضح التقرير أنه "في الحد الأدنى من مقياس الأجور، غالبا ما تكون الوظائف، التي لم تُفقد، موجودة في بيئات عالية الخطورة مثل المستشفيات، ودور التمريض، ومحلات السوبر ماركت".

وعندما يصاب العاملون في هذه الوظائف بالمرض، فإنه من غير المحتمل امتلاكهم تأمينا صحيا، أو مدخرات مالية يمكن الاعتماد عليها.

وكلما كان التعافي الاقتصادي أبطأ، كلما زاد الشعور بتأثير فقدان الوظائف والدخل، وكلما زاد ذلك من عدم الاستقرار المالي والمؤسسي والاجتماعي السياسي، وفق التقرير.

ويتابع: "سيؤدي ذلك أيضا إلى زيادة خطورة فقدان العمال الذين يمضون فترة إجازة إجبارية، لوظائفهم بشكل نهائي، والانضمام إلى صفوف العاطلين عن العمل".

كما سيؤدي الاعتماد المتسارع على علميات الإنتاج الآلية الرقمية إلى زيادة مشكلة التوظيف بشكل مضاعف. 

حتى أطفال العاطلين عن العمل ستزيد معاناتهم، فمن المحتمل أن يكونوا أقل قدرة على التكيف مع التعليم عبر الإنترنت خلال الوباء؛ وأقل احتمالية أن يكون لديهم المعدات والظروف الملائمة للقيام بذلك. 

وسيؤدي ذلك استمرار اتساع الفجوات التعليمية، الأمر الذي يديم دورة انعدام الأمن الاقتصادي، في النهاية، وفق التقرير.

حلول للتخفيف

ويقدم التقرير بعض المقترحات لتسريع وتيرة الانتعاش ومنع تفاقم عدم تكافؤ الفرص، بالقول: "يجب على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكونغرس تكثيف الاختبار، وتتبع الاتصال مع الحالات المصابة، على الفور".

هذا من شأنه أن يعجل بعودة الأنشطة التي تنطوي على الاتصال والحركة، ومنها الخدمية. وستصبح هذه الإجراءات أكثر أهمية مع إعادة فتح المزيد من المجتمعات، لتعلم كيفية التعامل مع COVID-19. 

كما سيساعد ذلك في مواءمة الأهداف الاقتصادية والصحية، من خلال تقليل مخاطر الأنشطة التجارية العادية، وفق التقرير.

ويرى أنه "يجب على الحكومة أن تستمر في مسارها الحالي لتخفيف الصدمة الاقتصادية بإجراءات هادفة توسع شبكة الأمان الاجتماعي وتساعد القطاعات المتضررة والضعيفة من القطاع الخاص"، مع التركيز على الناس أكثر من الشركات، وعلى الشارع أكثر من "وول ستريت" (البورصة والاقتصاد). 

ويؤكد التقرير على أهمية التحرك بشكل أسرع وأكثر كفاءة، بالقول: "لكي يكون للموارد العامة تأثير أكبر، يجب عليهم الوصول إلى المستفيدين المستهدفين بسرعة".

ويوضح أن بطء الاستجابة حتى الآن يؤدي إلى تراكم الأضرار طويلة المدى على الناس والاقتصاد، ومع مرور الوقت، يصبح التعافي من ذلك أكثر كلفة.

حتى في أفضل سيناريو، لن تتعافى خسائر الدخل والناتج بسبب الوباء الفيروسي المستجد، على الفور، وفق التقرير. وتابع: "سيضطر العديد من الأفراد والشركات إلى تحمل ديون، من شأنها على المدى الطويل أن تمنع الإنفاق والاستثمار".

ويستدرك التقرير: "ولكن لن يتأثر الجميع بالتساوي. سيقع الضرر بشكل غير متناسب على الأسر الأكثر فقرا، والتي بدورها ستستهلك أقل، وستبطئ إحياء الطلب، الذي يحفز الإنتاج، وبالتالي سرعة التعافي".

ولذلك ينبغي الجمع بين تدابير الإغاثة، وإجراءات التحفيز المصممة لإعادة إرساء الضعفاء اقتصاديا، بما في ذلك من خلال برامج الاحتفاظ بالعمالة وإعادة التدريب التي تنفذها الحكومة، بالشراكة مع القطاع الخاص. 

بدون مثل هذه التدابير، فإن العزلة والتهميش سيتفاقمان، مما يجهد النسيج الاجتماعي ويزيد من خطر الاضطرابات المباشرة. وقال التقرير: "أخذت جائحة الفيروس التاجي الولايات المتحدة (ودولا أخرى) على حين غرة، ولم تكن مستعدة بشكل كبير".

لذلك يجب على إدارة ترامب والكونغرس، لتعويض ذلك، دعم وتعزيز إجراءات الطوارئ الاقتصادية لتخفيف بعض العبء، الذي يلقي بثقله بشكل غير متكافئ على من هم أقل قدرة على تحمله، وتعزيز النمو. 

وبخلاف ذلك، ستتفاقم المشاكل الاقتصادية بمرور الوقت وستتعمق التفاوتات، مما يزيد من خطر عدم الاستقرار الاقتصادي والمؤسسي والاجتماعي، وفق التقرير.