صحيفة تركية: هكذا ساعد التبشير الأمريكي الأرمن للتمرد ضد أنقرة

12

طباعة

مشاركة

تناولت صحيفة "ديرليش بوستاسي" التركية، قضية الأرمن التي "ما تلبث أن تغيب حتى تعود للساحة السياسية من جديد"، مؤكدة أن هذه القضية تُستخدم حاليا كوسيلة ابتزاز ودعاية مضادة لتركيا منذ حقبة الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا".

وكانت الخارجية التركية استدعت سفير واشنطن ديفد ساترفيلد على خلفية موافقة مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون "يفتقد للأسس التاريخية والقانونية حول أحداث عام 1915".

وردّ وزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو بوصف مشروع القانون الأميركي: بأنه "قرار مخز من قبل أشخاص يستغلون التاريخ في السياسة" وأضاف: أن هذا القرار "لاغ وباطل" بالنسبة لتركيا.

وتعد هذه القضية شديدة الحساسية بالنسبة لتركيا في هذا الوقت بالذات، خاصة في ظل العلاقات المتأزمة بين أنقرة وواشنطن على خلفية التوغل التركي في شمال شرقي سوريا.

التبشير المسيحي

وبين الكاتب "إسماعيل شاهين" في مقال له بالصحيفة: أن أثر وصول المبشرين الإنجيليين الأمريكيين إلى الأراضي العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر على العلاقات التركية الأرمنية كان أكثر من غيرها ووفقا لمسؤولي الدولة في ذلك الوقت، كان أحد أسباب الاضطرابات الاجتماعية في البلاد هو "تدخل المبشرين الأجانب في رعايا مسيحيين".

وبعد إنشاء أول مركز تبشيري في إزمير عام 1820، زاد عدد المراكز لنحو 35 مركزا من هذه المراكز التبشيرية في كل من بيروت وإسطنبول، وطرابزون، وأرزروم، وغازي عنتاب، وسيواس، وأضنة، ومرزيفون، وديار بكر، وأورفا، لتغدو هناك شبكة تبشيرية منظمة وفعالة.

كان هدف المبشرين البروتستانت الأمريكيين، الذين أجروا اجتماعاتهم بعناية فائقة، هو الاتصال بالمثقفين الأرمن داخل الكنيسة الأرمنية الغريغورية داخل حدود الإمبراطورية وإقناعهم بالطائفة البروتستانتية.

والكنيسة الأرمنية، معروفة أيضا باسم الكنيسة الرسولية، وهي كنيسة مسيحية مستقلة تضم الغالبية العظمى من الشعب الأرمني ويشار إليها أحيانا باسم الكنيسة الغريغورية.

وأكد الكاتب: أنه وبعد هذا الاتصال، باتت الأفكار الإنجيلية بمساعدة المثقفين الأرمن وغيرهم من الشخصيات البارزة؛ وعبر المدارس والصحف والمجلات والكتب والعروض المسرحية تنقل إلى الشباب الأرمني. 

والتقت المراكز التبشيرية المنشأة في المحافظات التركية المذكورة أعلاه بالشباب الأرمني من خلال التعليم، وكان الهدف الأول للمبشرين هو إضعاف العلاقة بين الكنيسة الغريغورية والأرمن؛ وفي هذا الاتجاه، تعاملوا مع الشباب الأرمني بفهم أبسط وأسهل للدين الذي لم يستغل القواعد الصارمة لتلك الكنيسة.

وعلى الرغم من أن الكنيسة الغريغورية أعلنت أن أولئك الذين ذهبوا إلى المدارس التبشيرية، وباعوا كتبهم، أو أولئك الذين قرأوا أو اتصلوا بهم بطريقة أو بأخرى، سيجري عزلهم عن الأرمن، فهم لم يتمكنوا من منع الشباب الأرمني اللجوء إلى المبشرين.

ومن اللافت جدا انزعاج المبشرين البروتستانت إلى حد كبير من النشاط الروسي المتزايد في تركيا تماما مثلما كان المبشرون الأمريكيون غير مرتاحين لجهود الروس للتأثير على منظمات هينتشاك وداشناك والأرمن. من اللافت للنظر أن هذا الانزعاج يُظهر السياسة الإمبريالية للأرمن.

استخدام الأرمن

في تلك الفترة بدأ الأرمن بتنظيم أمورهم داخل الدولة العثمانية وفي خارجها، فأسَّسوا مجلات في الخارج في مدينة مرسيليا سنة 1885 وفي لندن سنة 1888.

وأسَّسوا جمعيات سرّية في الداخل منها، ما سقط بسرعة تحت ضغوط وبطش السلطة كما حصل في مدينة أرزروم سنة 1880 فهاجر عدد منها إلى بلاد البلقان وإلى مرسيليا في فرنسا وإلى أميركا الشمالية.

فيما تابعت جمعيات أخرى نشاطها ومقاومتها رغم الاضطهاد والقمع في سبيل تحقيق أهدافها ومنها حزب "هينتشاك" الذي توزعت فروعه منذ سنة 1887 في إسطنبول والأناضول، ومنافسه حزب "طاشناك" الذي أسَّسه خريستوفور ميكايلْيان سنة 1890 والذي باشر فورا بالكفاح المسلح داخل الأراض العثمانية.

كما كان هناك مجموعة ثالثة اسمها "رامكافار" كان اتجاهها السياسي أكثر اعتدالا من الحزبين السابقين، علما أن جميع الحركات الأرمنية ظهرت بتشجيع ومساعدة الدول الأجنبية الطامعة في اقتسام الدولة العثمانية، فقدمت لهذه الحركات الوعود الكاذبة طمعا بهم لمساعدتهم في الوصول إلى أهدافهم السياسية السرّية ودفعتها إلى القيام بأعمال خطيرة ومتسرعة أدت إلى نتائج وخيمة وكارثية.

وفقا للروس، فإن انتشار البروتستانتية واكتساب القوة بين الأرمن الذين يعيشون في الأراضي العثمانية كان يمكن أن يدمر جهود روسيا للتدخل في الأناضول بحجة الأرمن.

لهذا السبب، اتصلت السفارة الروسية في إسطنبول بالمبشرين البروتستانت وحاولت ثنيهم عن أنشطتهم، فكان رد المبشرين على محاولات روسيا، كما قال سايروس هاملين: "صاحب السعادة، سيدي يسوع لا ولن يسأل الحكام الروس أين ستطأ المملكة!".

لعب المبشرون دورا مهما في غرس الأرمن بأفكار قومية وفي تمردهم ضد الإدارة التركية، كما حشدوا الإدارة الأمريكية كذلك من أجل عدم السماح للروس بفقد الأرمن وإبقائهم تحت السيطرة التركية.

ولعبت الصحافة الأمريكية والأوروبية دورا كبيرا في هذه القضية، حيث زاد اهتمامهم بالقضية الأرمينية في ذلك الوقت كما دعت القناصل الموجودين في تركيا بتلك الفترة لما وصفوه بـ"حماية الأرمن". 

نتيجة لكل هذه الجهود، ظهرت حملة تشويه مكثفة ضد الأتراك من جهة، وجرى طرح فكرة إنشاء دولة أرمنية مستقلة على جدول أعمال المجتمع الدولي.

لعب المبشرون دورا تاريخيا في بناء القضية الوطنية الأرمنية وفي توفير الدعم الدولي لنجاحها. ولهذا السبب، لعب المبشرون البروتستانت دورا رئيسيا في ظهور خطأ خطير وتحامل لم يكن له أي أساس تاريخي وقانوني لصالح الأرمن وضد الأتراك.

وختم الكاتب مقاله: أنه "في نهاية المطاف لا يراد لهذه القضية الأرمينية أن تنتهي وستبقى موجهة لتركيا كوسيلة ابتزاز ومادة تلزم لخوض بروبغاندا دعائية ضد تركيا".