الهاشمية والتيارات القومية في اليمن.. صراع أوجده الحوثيون

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسببت حملات التنكيل التي شنها الحوثيون على معارضيهم، إثر انقلابهم على الحكومة الشرعية وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، بإحياء عرقيات كانت هامدة لمئات السنوات، نشأت كردة فعل لممارسات الحوثي العنصرية ضد المواطنين، بصفتها حركة مسلحة "تنتمي للسلالة الهاشمية"، وتدّعي الأحقية الإلهية في الحكم.

ومثّلت تلك القوميات تيارات عدة، أبرزها تيار القومية اليمنية "أقيال"، وتيار العباهلة، أو المكاربة، ومثلها التيار الأوساني، وكلها تيارات قومية تستدعي ألقابا يمنية قديمة تعود للدولة الحميرية التي حكمت اليمن قبل الميلاد.

 تيار "أقيال"

أبرز تلك التيارات هو "أقيال"، جمع "قَيل"، وتعني "ملك" أو "سيد القوم" باللغة الحميرية، وتعرف الحركة نفسها بأنها حركة شبابية وطنية لا تتبع أي فئة أو تنظيم سياسي قائم داخلي أو خارجي، يعبر أعضاؤها عن إيمانهم بالإنسان اليمني الحر والمستقل في وطنه ويؤمنون بأن اليمنيين أمة قائمة بذاتها توحدها اللغة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، تحاول مجددا النهوض واللحاق بركب الحضارة الإنسانية على أسس وطنية تاريخية.. الخ،  بحسب تعريف التيار على صفحته في "فيسبوك".

 ومن الملاحظ أن التيار، قد استقطب عددا من الكتّاب والمثقفين وحتى الأكاديميين والسياسيين، وبلغت المجموعة الإلكترونية التي تم إنشاؤها على "فيسبوك" أكثر من مئة ألف عضو، في أشهر عدة.

سلالة الهاشمية

الطبقة الهاشمية أو بالأحرى السلالة الهاشمية في اليمن، هم السلالة التي ينتهي نسبها إلى بني هاشم، وهم يدّعون اتصال نسبهم إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، لهذا فمعظم الهاشميين مسكونون بفكرة التمييز، وعدد كثير منهم يرون هذا امتيازا إلهيا مقدسا، وبالتالي فإنهم يطلقون على رجالهم وصف " السادة" أي علية القوم، وعلى نسائهم مسمى "الشريفات"، وحفاظا على هذا الامتياز فإنهم لا يزوجون بناتهم من اليمنيين الآخرين الذين لا ينتمون لنفس السلالة، حتى لا يختلط العرق، حسب معتقدهم.

تجدر الإشارة إلى أن اليمن لها تقسيم اجتماعي طبقي معين، فهناك طبقة القبائل، وطبقة القضاة، وإلى حدما طبقة المشايخ، وإن كانت هذه الأخيرة مرتبطة بالمفهوم الإقطاعي الاقتصادي أكثر من ارتباطها بالبعد الاجتماعي، إضافة إلى طبقات مهنية أخرى، يتم النظر إليها بنوع من الدونية ممن هم مسكونون بفكرة التميز من الطبقة الهاشمية وربما من بعض أبناء الطبقات الأخرى، وبالطبع فإن ذلك الامتياز من أجل نيل الحكم، وهو الأمر الذي يقولون أنه حق حصري بهذه السلالة.

الهاشمية السياسية

في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى التمييز بين "الهاشمية" كنسب وسلالة، و"الهاشمية السياسية" كأيديولوجيا تدّعي الامتياز والأحقية الإلهية في الحكم، وعن ذلك يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي، يحيى الجراش، في حديث لـ"الاستقلال": يجب أن "تكون كل الجهود موجهة لاجتثاث الهاشمية السياسية التي تحكم باسم الإله، وليست مستعدة لخوض انتخابات حرة والوصول للحكم على أساس من التنافس وتقديم برامج تنموية، أما الهاشمية كسلالة فهي مكون يمني له كامل الحق في المواطنة اليمنية من غير ازدراء أو انتقاص، وهذا ما ينبغي أن يعيه كل اليمنيين وكل التيارات".

وعن التيار يقول الجراش: "تحتاج فكرة التيار القومي إلى مزيد من التأطير، وتقديم مفاهيم واضحة ومقبولة، حتى يتم التعاطي معها مجتمعيا، كما يجب عليها أن تدرك أن الانزلاق في خطر التعميم هو ما سيقضي عليها، فمن غير المنطقي تحميل أي فرد ينتسب لبني هاشم، ما يقوم به الحوثي، أو غير الحوثي من الهاشميين".

"متوردون"

كانت الفلسفة التي قامت عليها حركة أقيال هي أن الهاشميين متوردون أي "دخلاء" وليسوا يمنيين، قدموا من طبرستان إلى منطقة الرس في الحجاز ثم إلى اليمن، بقيادة الهادي يحيى بن القاسم الرسي، عام 284 هـ، وهم إلى كونهم دخلاء فهم عنصريون، وقد استولوا على الحكم  لحوالي ألف سنة حكموا فيها اليمن بالحديد والنار، قبل إنهاء حكمهم في ثورة 1962 التي أسست لأول جمهورية في اليمن، بحسب التيار.

 يعد معظم اليمنيين، بمن فيهم حركة "أقيال"، أن الحوثي مثّل عودة لحكم الإمامة، لهذا فقد كانت العودة للجذور التاريخية واستحضار الهوية اليمنية الحميرية القديمة إحدى المبادئ التي قامت عليها الحركة.

انقسام شعبي

ومن الملاحظ، أن الناس قد انقسموا على فكرة التيار القومي" أقيال" على عدة أقسام، ففي حين يرفض البعض الفكرة من أساسها على اعتبار أنها إحياء لنعرات، اليمنيون في غنى عنها، لا سيما في ظل شرخ مجتمعي يتوسع كل يوم بشكل أفقي، يرى آخرون أنها جزء من مشروع المقاومة لحكم الإمامة بنسختها الحوثية، وفي ذلك يقول الكاتب والناشط السياسي محمد الأحمدي، لـ"الاستقلال": إن "القومية ردة فعل للانتفاشة الحوثية وسلوكها العنيف في المجتمع وأفكارها الطائفية العنصرية السلالية؛ التي تحاول تكريسها ونشرها في المجتمع بدون مواربة أو خجل".

وأعرب الأحمدي عن اعتقاده أن "الحركة تحتاج إلى نوع من الترشيد، ليكون هدفها واضحا بمقاومة مشروع الإمامة وأفكارها العنصرية، والاعتزاز بالهوية اليمنية، من غير الانجرار والتهجم على المسلمات باعتبارها مقدسات دينية، وتثير حفيظة حتى الذين يقاومون مشروع الحوثية".

غير أن الناشط السياسي استدرك قائلا: "كغيرها من حركات ردود الفعل التي تظهر في المجتمعات، هناك بعض الشطحات لحركة أقيال، خصوصا في ما يتعلق بالمسلّمات الدينية في المجتمع، على سبيل المثال، بعض الأشخاص الذين ينتمون لها، حنقهم (حقدهم) من حكم الهاشميين باسم الدين، وادعاؤهم الحق الإلهي للحكم، خلق لديهم ميولا نحو الإلحاد، والتهجم على المسلمات الدينية وما أشبه ذلك، وهذا بدروه  يعطي انطباعا سلبيا للغاية عن هذه الحركة".

عفا عليها الزمن

من جهته، قال الكاتب والراصد الحقوقي موسى النمراني، لـ"الاستقلال": إن "فكرة الأقيال فكرة عفا عليها الزمن، نحن الآن في دولة المواطنة المتساوية، وإحدى نصوص نشيدنا الوطني يقول (عشت إيماني وحبي أمميا)، لا يفترض أن يكون هناك أي مكان بين اليمنيين لتصنيفات سلالية، و تمايز عرقي.  ينبغي علينا أن نتصرف تصرفا مسؤولا تجاه تلك العنصرية التي يمارسها كل الحوثيين وكثير من الهاشميين، ومواجهة ذلك يكون بترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية والأمة اليمنية الواحدة".

وشكك النمراني، في أن "تيار أقيال قد تم اختراقه وتوجيهه لخدمة الحوثيين أنفسهم، في تعزيز فكرة مظلومية الهاشميين والحوثيين على وجه الخصوص، فالخطاب الموتور والمواقف النزقة والتعميمات المنفلتة والتطاول على مقدسات ورموز دينية من عهد صحابة النبي، تقدم خدمة مجانية للحوثيين، وتعزز فكرة أحقية الحوثيين بالدفاع عن أنفسهم ضد تلك الهجمات الشرسة". 

وكان يفترض أن توجه أفكار التيار للهاشمية السياسية التي تدعي الأحقية الإلهية الحصرية في الحكم، لكن التيار تم توجيهه لكل من يحمل نسبا هاشميا، على اعتبار أن النسب الهاشمي يقف على الضد من القومية اليمنية الحميرية.