هكذا يدفع الحوثيون أطفال اليمن من المدارس إلى المتارس

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بجسد نحيف يتوشح "محمد سليم" سلاحه، تتدلى من كتفه الأيمن بندقية كلاشنكوف روسية الصنع، ويلتف حول خصره حزام غُرِزت فيه خمسة مخازن للذخيرة. برأس حاسر وعينين غائرتين ينظر محمد للكاميرا، وكأنما هو اللقاء الأخير.

ترك محمد سليم الدراسة وأصبح اسمه (أبو قتال)، رمى الشنطة المدرسية وارتدى "جعبة" الرصاص بدلا عنها.

"كنت وأبو قتال في صف واحد بجبهة المصلوب في محافظة الجوف، قبل أن أنتقل إلى جبهة فاطم في حريب القراميش"، هكذا قال صديقه محمد الجهمي، ويضيف: "كان محمد سليم في الصف الثامن عندما توقف عن الدراسة، وانتقل للجبهة استجابة لنداء المشرف الأمني في المنطقة التي يسكن فيها بصنعاء".

تمكن الجهمي من النجاة بعد أسره على يد قوات الجيش الوطني، أما سليم فلم يتبق منه إلا صورة كتب عليها الشهيد "أبو قتال".

بداية القصة

اشتعلت الحرب في اليمن، عقب انقلاب الحوثيين على الدولة، ودخولهم في صراع على أكثر من جبهة، خاضوا حربا لا أفق لها، وصراعا لا نهاية له، مستندين على ايديولوجية دينية تنص على أن "الله ينصر المظلومين في حروبهم وصراعاتهم"، فمارسوا أبشع أنواع القمع والتنكيل ضد معارضيهم منذ سيطرتهم على مؤسسات الدولة، واعتقلوا الآلاف من أعضاء وقادة الأحزاب الأخرى، لا سيما تلك الأحزاب التي طالبت برحيل النظام السابق، في إجراء عقابي، وصفه البعض بأنه "مدفوع الأجر من قبل نظام المخلوع علي عبد الله صالح، لكل من طالب برحيله، وقد تعددت تلك الانتهاكات بين الاعتقال والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب والقتل تحت التعذيب".

لم تتوقف تلك الانتهاكات عند ذلك الحد، بل احتاج الحوثيون ليخوضوا حربا مفتوحة مع الحكومة في جبهات عدة، ومع السعودية على الخط الحدودي الذي يربط اليمن بالسعودية، خصوصا في محافظتي صعدة وحجة، ولأن الحرب تحتاج لمخزون بشري لا ينضب، فقد مدها الحوثيون بالآلاف من المقاتلين، بعضهم ينتمون إلى الجماعة الحوثية، والبعض الآخر  تم تجنيدهم من أبناء القبائل، وخاصة الفقيرة.

لا تتورع جماعة الحوثي عن الدفع بالمدنيين في هذه الحرب، ولا تراعي القوانين الإنسانية والدولية، التي تحظر تجنيد الأطفال وتحرم الدفع بهم إلى المعارك والجبهات، بل قامت بتجنيد الأطفال وإرسالهم إلى المعارك، وغالبا لا يتعرفون على بعضهم إلا من خلال سوار في المعصم مسجل عليه "الرقم الجهادي" أي رقم المقاتل، ثم يعودون في توابيت خشبية، ملفوفة بأعلام تتبع الجماعة الحوثية.

تجنيد رغم التجريم

وفي حين ينص القانون الإنساني الدولي وبروتوكولات جنيف واتفاقية حقوق الطفل، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على حظر تجنيد الأطفال دون الثامنة عشرة أو إشراكهم جبرا في النزاعات المسلحة، وفي الوقت الذي يؤكد قانون حماية الطفل اليمني في مادته رقم 45 لسنة 2002 على عدم إشراك الأطفال بشكل مباشر في الحرب وعلى عدم تجنيد من لم يتجاوز سنة الثامنة عشرة، إلا أن الحوثيين يقومون بتجنيد آلاف الأطفال، غير عابئين بكل تلك القوانين الدولية والمحلية .

وفي تقرير صدر في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أظهر فيه خفايا صادمة عن تجنيد الأطفال من جماعة الحوثي، حيث كشفت مسؤول عسكري كبير يتبع الجماعة الحوثية، رفض الكشف عن اسمه، لحساسية المعلومات، أن "الجماعة قامت بتجنيد 18 ألف طفل منذ بدء الحرب في عام 2014 "،  وبحسب الوكالة فإن "بعض الأطفال المجندين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات".

وطبقا للصليب الأحمر الدولي، فإن الأطفال يمثلون ثلث المقاتلين، إلا أن الجماعة لا تكشف عن عدد المجندين، ولا أعداد الضحايا، وليس لديها إحصائية معلنة عنهم، وهي بالطبع تتعمد ذلك، كي لا يؤثر على ذلك بشكل سلبي على استراتيجيتها في عمليات التجنيد ورفد الجبهات بالأطفال، لا سيما مع وجود عجز حاد في المقاتلين الذين تعتمد عليهم في إطالة أمد الحرب، وتحسين شروط المفاوضات.

الكراسي الخالية

تتراوح وسائل الحوثيين في تجنيد الأطفال بين الإغراء والإجبار والاختطاف واستغلال الوضع الاقتصادي للأسرة وابتزاز الأهالي، من أجل إطلاق سراح رب الأسرة، على سبيل المثال، وهي إفادات يمكن أن تسمعها من الأطفال الأسرى الذين يخضعون لدورات تأهيل نفسي عبر منظمات محلية، أهمها منظمة "وثاق" الحقوقية التي أسست مشروعا لإعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب. 

وتركز الحركة الحوثية في حملتها على التجنيد من المدارس، وخاصة تلك المدارس التي تقع ضمن جغرافيا المناطق الزيدية، حيث تقيم دورات تثقيفية للطلاب، تستمر في الغالب لمدة شهر، ويتم تدريسهم ملازم مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، ويجري تعبئتهم بمفاهيم تدور حول حربهم المقدسة ضد أمريكا واليهود، وكانت إدارة إحدى المدارس في مديرية بني حشيش شرق صنعاء قد نشرت وثيقة لخمسين طالبا من تلاميذها قتلوا في الجبهات، ووضعت صورهم على الكراسي التي كانوا يقعدون عليها، في إجراء تسوق من خلاله لحملات تجنيد قادمة. 

"الشجاعة الكيميائية"

وتتردد المعلومات، عن أن الحوثيين يورطون الأطفال المجندين في الجبهات بالإدمان على مواد مخدرة، يتم دسها لهم في مسحوق من خليط التبغ يعرف محليا بـ"الشمّة" أو "البردقان"، لضمان بقائهم في الجبهات، وبالطبع يتم إجبار كل مقاتل على تعاطي "الشمة" تحت مبرراتعدة، منها: أنها تجعله في حالة يقظة دائمة، وتقلل من حاجة المقاتل للنوم، ونسبة شهيته للطعام، وهذا عرَض معروف عند من يتعاطاها.

إلا أن ما يجهله الآخرون، هو أن الحوثيين يعملون على مزج ذلك المسحوق بمواد مخدرة، ومع أن الأسواق ممتلئة بأنواع من الشمة إلا أن المقاتلين لا يستطيعون الحصول على ذلك النوع إلا من خلال القادة الميدانيين للحوثيين، وفقا لمصادر محلية.

وقال أحد الصحفيين، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، في حديث لـ"الاستقلال" إن "امرأة كبيرة في السن من إحدى معارفه تمتلك معملا صغيرا لإنتاج الشمة في صنعاء، وأن عناصر من الحوثيين يعطونها حبوبا بيضاء وأخرى بنية، تجهل هويتها، تقوم بطحنها ثم مزجها بالشمة".

وأوضح الصحفي، أنه "أثناء حواره مع أحد الأسرى، قال له إنه كان بعد تعاطي الشمة التي يتم صرفها لهم من قبل قادة ميدانيين يشعر بنشاط وحيوية غير طبيعية، ويشعر برغبة عالية في القتال والإقدام، ويشعر بأنه قادر على فعل أي شيء، حتى أنه كان يرى الجبل كأنه كرة يستطيع ركله برجله".

بحسب صحفي آخر، رفض الكشف عن اسمه لذات الأسباب، فإن "طفلا أصيب بمعركة وأسعف للمستشفى، وأثناء تواجده في المشفى كان يصر على العودة للجبهة، ودخل في حالة إفراط بالحركة الجسدية، ورغم رفض أهاليه بالعودة إلا أنه استطاع أن يهرب منهم ويعود للجبهة".

وفي دراسة للباحث مايكل نايتس، نشرها "مركز مكافحة الإرهاب" التابع للأكاديمية العسكرية لمكافحة الإرهاب والصراع الداخلي بنيويورك، بعنوان "آلة الحرب الحوثية: من حرب العصابات إلى الاستيلاء على الدولة"، قال فيها: إنه يتم إعطاء المقاتلين الحوثيين منشطات "Amphetamine" من نوع "Captagon" لتعزيز الروح المعنوية في المعركة، كما يستخدمون حبوب منع الحمل من أجل المساعدة في تخثر الدم إذا أصيبوا بجراح. 

وبحسب الجمعية الكيميائية الأمريكية، فإن الكبتاجون اسم تجاري لنوع من أنواع الفينثيلين وهو منبه نفسي يستخدم لعلاج نقص الانتباه، ويبعث على الشعور بالنشاط والحيوية، وتم حظره بسبب احتمالات سوء الاستخدام.

الجدير بالذكر أن عناصر من تنظيم الدولة تستخدم هذا العقار وتسميه "عقار الشجاعة"، أو "الشجاعة الكيميائية".

إزاء تلك والحقائق والأرقام المهولة، لا تملك القوات الحكومية إلا التوعية بمخاطر التجنيد، وفي أحسن الأحوال إقامة مراكز إعادة تأهيل الأطفال المجندين، وهذا، بالطبع، لن يغني أمام تلك الأفواج التي يسوقها الحوثيون للمحارق كل يوم، على حد قول منظمات حقوقية.