ثنائية فرنسا وروسيا.. تغيرات طرأت على سياسة النيجر الخارجية بعد الانقلاب

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بدا واضحا للمتابعين أن سياسة النيجر تغيرت مع تغير الحكم عقب انقلاب يوليو/ تموز 2023، وبرز ذلك أكثر مع زيارة رئيس الوزراء علي مهمان لامين زين، والوفد المرافق إلى العاصمة الروسية موسكو.

وكان 5 يناير/ كانون الثاني 2024 بمثابة "نقطة تحول دبلوماسي كبير" بالنسبة للنيجر، بعد إجراء هذه الزيارة.

عهد جديد

ونشر مركز "أنقرة لدراسة السياسة والأزمات" (أنكسام) مقالا للكاتبة، غيديا لازارو، أشارت فيه إلى أن "الغرض الرئيسي للوفد النيجري من هذه الزيارة كان هو تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع روسيا".

واستدركت لازارو بالقول: "لكن وراء الكواليس كان ذلك بمثابة نقطة تحول في السياسة الخارجية للنيجر باتخاذها نهجا مناهضا للغرب".

وأصبحت هذه الزيارة آخر إشارات التحول الجذري "المناهض للغرب"، والذي بدأ بالانقلاب الذي نفذ في يوليو 2023 ضد رئيس النيجر محمد بازوم.

ونشأ هذا التحول كبداية بالإطاحة ببازوم، ولأنه حليف مهم للغرب فقد أدى سقوطه إلى تراجع سريع للنفوذ الفرنسي في البلاد.

والأهم من ذلك، أن موجة احتجاجات قد بدأت في مختلف أنحاء البلاد تجاه رحيل سفير باريس وانسحاب القوات الفرنسية من البلد.

وحسب قول الكاتبة، فقد أظهرت الزيارة الأخيرة لموسكو "التوجه العملي الذي تبنته القيادة الجديدة في النيجر حول تطوير الشراكات".

وخلال هذا الاتصال الدبلوماسي، حضر زين والوفد المرافق له اجتماعات مع نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفتشوك.

وأظهر هذا الحوار الجهود الكثيفة التي تبذلها إدارة نيامي لتنويع علاقاتها الدبلوماسية واستكشاف سبل بديلة للتعاون، مع تأكيد نيتها الواضحة في توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية مع روسيا.

وحسب قول لازارو، فإن "هذه المفاوضات هي إشارة إلى الإصلاحات الإستراتيجية التي تجري في السياسة الخارجية للبلاد، خاصة بعد الانقلاب".

والجدير بالذكر أن رئيس وزراء النيجر يعتزم زيارة تركيا وإيران أيضا، مما يؤكد بذلك تصميم النيجر على استكشاف مجموعة من الإمكانيات الدبلوماسية.

بالمقابل، ترى الكاتبة أن تزامن رحيل القوات الفرنسية من البلاد وإنهاء اتفاقيات التعاون العسكري "يعكس مدى المشاعر المعادية لفرنسا في النيجر".

كما أفادت بأن القرارات التي اتخذها المجلس العسكري للنيجر بإلغاء الاتفاقيات الأمنية مع الاتحاد الأوروبي وانتقاد التدخل الفرنسي تهدف إلى "تنفير حلفائها الغربيين السابقين".

مخاوف اقتصادية

وبين كل التحولات الجيوسياسية في السياسة الخارجية للنيجر، تتزايد المخاوف بشأن مستقبل صناعة اليورانيوم المهمة في البلاد.

وألقت الاضطرابات الأخيرة التي أعقبت صعود المجلس العسكري إلى السلطة بظلالها على إمدادات اليورانيوم المستمرة إلى الأسواق العالمية.

كما أن خطابات "جماعات المجتمع المدني" المعروف باسم "M62"، والتي تدعو فيها النيجر إلى وقف تجارة اليورانيوم مع فرنسا، "يزيد من الاضطرابات" بشأن الموارد الإستراتيجية للبلاد.

وتواجه فرنسا هنا مشكلة كبيرة، إذ أنها تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية في محطاتها لتوليد ثلثي احتياجها من الكهرباء، وأكثر هذه الموارد النووية قادمة من النيجر. 

وتتفاقم هذه المشكلة أكثر فأكثر، حيث أن فرنسا تقوم بتصدير الكهرباء إلى الدول الأوروبية التي لا تمتلك قدرات نووية خاصة بها.

كما أن تواجد المجموعة النووية الفرنسية "أورانو" في النيجر هو ما يعقّد القضية أيضا، حيث تتحمل هذه المجموعة مسؤولية استخراج اليورانيوم لاستخدامه في فرنسا. 

وأشارت الكاتبة لازارو إلى أن النيجر "قد تعرضت للاستغلال من قبل مجموعة أورانو لأكثر من 40 عاما".

وأعلنت الشركة المتعددة الجنسيات، العائدة للحكومة الفرنسية بنسبة 90 بالمئة، عزمها مواصلة أنشطتها التعدينية في النيجر رغم الانقلاب.

وأصبح تراجع نفوذ فرنسا في المنطقة أكثر وضوحا، خاصة بعد التهديد بطرد القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو المجاورتين.

وحسب قول لازارو، فإن هذا ضعف واضح في تعاون فرنسا مع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، وله آثار محتملة على الديناميكيات الأمنية في المنطقة.

كما أن ذهاب زعيم التشاد محمد ديبي في 24 يناير 2024 إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يعد إشارة خفية إلى جهود الزعيم التشادي للبقاء بعيدا عن فرنسا، رغم كونه آخر حلفاء الرئيس إيمانويل ماكرون في منطقة الساحل". 

وأوضح هذا أن زعماء مثل ديبي يسلكون اتجاههم نحو نموذج متعدد الأقطاب في منطقة الساحل رغما عن فرنسا، في حين تكافح الأخيرة للحفاظ على نفوذها التاريخي في القارة الإفريقية.

وكنتيجة، فإن التوجه المناهض للغرب بعد الانقلاب في النيجر والعلاقات الناشئة مع موسكو بالإضافة إلى المشاعر المتنامية المعادية لفرنسا "تزيد من مخاوف باريس بشأن أمن واستمرارية الطاقة في البلاد"، بحسب الكاتبة لازارو.