قمة "كيم ـ بوتين".. هل تنجح موسكو في ترويض كوريا الشمالية؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكن قمة عادية تلك التي شهدتها مدينة "فلاديفوستوك" الروسية المطلة على المحيط الهادي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، فالقمة التي استمرت لأكثر من 3 ساعات، وجهت رسائل في كل الاتجاهات، ولكل الأطراف، كما أنها رفعت الغطاء عن كثير من الخفايا والأسرار التي شهدتها القمة السابقة بين كيم والرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل شهرين.

فهل أحرز بوتين في هذه القمة هدفا بالشباك الأمريكية، في إطار صراع النفوذ القديم بين روسيا وأمريكا؟ أم أن القمة لم تكن إلا محاولة لإنقاذ ما بدأه ترامب قبل أكثر من عامين، لإنهاء أزمة الملف النووي لكوريا الشمالية؟ ولماذا لم يكن الملف النووي هو الوحيد الحاضر في قمة الثلاث ساعات؟

على الجانب الآخر، هل استطاع الزعيم الكوري الشمالي ــ الذي لفت الأنظار كعادته في كل مناسبة يشارك فيها ـ كسب صديق جديد وقوي في الوقت نفسه، في إطار التغييرات الدراماتيكية التي تشهدها التحالفات الدولية؟ وهل يمكن أن تكون موسكو هي مفتاح بيونغ يانغ، لقبول المجتمع الدولي بها بعد تصفية الملفات الشائكة المتعلقة بالنزاع مع جارتها الجنوبية، وسلاحها النووي الذي يحظي برفض أمريكي وأوروبي صارم؟

رسائل كيم

التحليلات التي تناولت القمة، أكدت أنها لم تكن متعلقة فقط بأزمة السلاح النووي لبيونغ يانغ، وإنما كان جانب كبير منها عن تطوير العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، وهو ما يمثل في حد ذاته رسالة ذات مغزى للرئيس الأمريكي، الذي تغنى بالزعيم الكوري الشمالي في القمة الأخيرة التي جمعتهما في العاصمة الفيتنامية هانوي في فبراير/ شباط الماضي، عندما أكد أن القمة انتهت ولكن الود متواصل.

وتأتي الرسائل الموجهة لأمريكا، من طرفي قمة "فلاديفوستوك"، سواء من الرئيس الروسي، أم الزعيم الكوري الشمالي، حيث أكد الأخير بعد انتهاء لقائه مع بوتين تعليقا على قمته السابقة مع ترامب، بأن الولايات المتحدة تصرّفت "بسوء نيّة" عندما التقى ترامب في هانوي، معتبراً أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية بلغ "مرحلة حرجة".

ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية عن كيم قوله: "الوضع في شبه الجزيرة الكورية، والمنطقة الآن في طريق مسدود، ووصل إلى نقطة حرجة إذ قد يعود إلى وضعه الأصلي؛ لأن الولايات المتحدة اتخذت موقفا أحاديا بسوء نية في محادثات القمة الثانية التي جرت في الآونة الأخيرة بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية والولايات المتحدة"، مضيفا: "السلام والأمن على شبه الجزيرة الكورية يعتمدان تماما على الموقف الأمريكي مستقبلا".

كما نقلت الوكالة تعليقات لـ "كيم" وصف فيها قمته مع بوتين، بأنها كانت "صريحة وودّية" مؤكدا أن بوتين وافق بالفعل على دعوته لزيارة بيونغ يانغ.

ماذا يريد بوتين؟

وحسب تقييم وكالة "رويترز" لمخرجات القمة، فإن الرئيس الروسي وجه عدة ضربات تحت الحزام للجانب الأمريكي، فهو من ناحية أراد أن يثبت لأمريكا وأوروبا على حد سواء، بأنه سوف ينجح فيما فشلوا هم فيه مع كوريا الشمالية، وهو ما عبرت عنه دلالات القمة نفسها التي امتدت لثلاث ساعات، بعد أن كان مخصصا لها 50 دقيقة فقط.

وحسب نفس التحليلات فإن بوتين وجه ضربته الثانية، عندما أكد على حسن نوايا الزعيم الكوري الشمالي، لإنهاء الأزمة النووية، ولكنه ربط تحقيق ذلك بالأمن المطلوب لبيونغ يانغ، وهو ما يعني أن روسيا، حددت الجانب الذي سوف تقف في جانبه وهو كوريا الشمالية.

أما الرسالة الثالثة التي وجهها بوتين للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأنه لا يمكن تجاوز موسكو، أو حصارها، وتهميشها، خاصة في الملفات الشائكة التي تمثل صداعا للمجتمع الدولي، مثل الأزمة النووية لكوريا الشمالية، وهي ما عبر عنه بوتين عندما أعلن صراحة في المؤتمر الصحفي، بعد انتهاء القمة، بأن أي ضمانات أمريكية قد تحتاج دعماً من دول أخرى شاركت في المحادثات السداسية السابقة بشأن القضية النووية، مؤكدا على اعتقاده بأن الضمانات الأمنية الأمريكية لن تكفي على الأرجح لإقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن برنامجها النووي.

وتوقف المحللون أمام 3 عبارات لبوتين وجهها للصحفيين، الأولي هي: "الكوريون الشماليون يحتاجون فقط إلى ضمانات بشأن أمنهم.. هذا كل ما في الأمر.. علينا جميعاً التفكير في ذلك معا".

والثانية هي قوله: "أنا مقتنع جداً بأننا لو بلغنا وضعاً يحتاج فيه طرف، وهو كوريا الشمالية في هذه الحالة، إلى نوع من الضمانات الأمنية، فلن يكون من الممكن الاستمرار دون ضمانات دولية.. من غير المرجح أن تكفي أي اتفاقات يبرمها البلدان".

أما الثالثة فكانت قوله: "إن مثل هذه الضمانات يجب أن تكون دولية وملزمة قانوناً، وتضمن سيادة كوريا الشمالية".

ويرى المحللون أن العبارات الثلاثة تحمل معنى واحدا، وهو أن روسيا سوف تدخل كلاعب رئيسي في هذه القضية، سواء باعتبارها ضامنا دوليا للالتزامات الأمريكية، أو من خلال قيامها بالداعم الأمين للجانب الكوري الشمالي، وهو الدور الذي يريد الرئيس الروسي تأكيده، واعتباره ردا على مخططات الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لعزل روسيا عن الملفات الدولية.

إحياء الجبهة السداسية

وبناء على تصريحات بوتين السابقة، فقد توقع المراقبون أن تشهد الأيام المقبلة، إحياء للجنة الدولية السداسية التي كانت تضم بجانب روسيا، كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة للولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وهي نفسها اللجنة التي أهملتها واشنطن عمدا طوال السنوات الماضية، بهدف أن تكون المفاوضات النووية، أحادية الجانب بين بيونغ يانغ وواشنطن.

وتشير تقديرات المتابعين، إلى أن بوتين ألمح لإحياء هذه الجبهة بالفعل، عندما أعلن للصحفيين، بأنه سيقوم بإطلاع القيادتين الأمريكية والصينية على تفاصيل محادثته مع كيم، وهو ما علقت عليه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بأن "موسكو طالما عدّت نفسها مفتاحاً للاستقرار في شبه الجزيرة الكورية"، وإن "مسؤولين روس عبّروا بشكل غير رسمي عن خيبة أملهم من أن كيم احتاج إلى أكثر من 7 سنوات منذ وصوله إلى السلطة كي يزور روسيا".

وبناء على الرأي السابق فإن كوريا الشمالية هي التي قامت باستدعاء الدب الروسي للمشهد، لتكسب داعما إضافيا للداعم الصيني، وهي الدعوة التي تلقتها موسكو بترحاب كبير، أو على حد وصف الخبير في العلاقات الروسية-الآسيوية ألكسندر غابويف لمركز كارنيغي في موسكو، فإن "روسيا عضو دائم في مجلس الأمن، وهو ما يجعل حضورها ضرورياً في أي تحركات للمجتمع الدولي مستقبلاً فيما يخص شبه الجزيرة الكوري".

مضيفا: "قوة الفيتو الروسي تمنح موسكو مكانة كبيرة في المحادثات المغلقة حول كوريا الشمالية في الأمم المتحدة، وتعطي ثقلاً كبيراً لأية مبادرات دبلوماسية قد تطلقها".

إلا أن صحيفة الجارديان البريطانية، كان لها رأي آخر في أسباب الوساطة الروسية في الأزمة النووية الكورية الشمالية، مشيرة لرغبة موسكو في رفع الحصار المفروض على بيونغ يانغ، للاستفادة بالموارد المعدنية الهائلة لكوريا الشمالية، في مقابل أن تمدها موسكو بالكهرباء، وتحديث منشآتها الصناعية وسككها الحديدية وبناها التحتية الأخرى.

هل خسرت أمريكا؟

بحسب متابعين فإن أمريكا كانت هي الطرف الثالث في قمة" فلاديفوستوك"، ورغم أنها لم تكن حاضرة، إلا أن التصريحات التي خرجت عن المسئولين الأمريكان، تشير إلى أنهم كانوا يتابعون القمة بشكل دقيق للغاية، وهو ما مثلته تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لقناة "سي بي إس"، بعد انتهاء قمة بوتين وكيم، والتي أكد فيها أن المحادثات المقبلة مع كوريا الشمالية ستكون صعبة.

ورد بومبيو على الانتقادات التي وجهها كيم لقمته السابقة مع ترامب، حيث أكد الوزير الأمريكي بأن هناك "فارقا ضئيلا" بين قمة هانوي والتقارير المعلنة عنها، مشيرا إلى أن الجهود الدبلوماسية السابقة ارتكبت خطًأ جسيمًا بإعطاء بيونغ يانغ "رزما من المال مقابل القليل من التنازلات".

مضيفا: "نحن مصممون على عدم ارتكاب هذا الخطأ، وأعتقد أن الكوريين الشماليين يرون هذا الآن بشكل واضح"، كما أكد على اعتقاده بأن "كيم" مستعد للقيام بخطوة كبيرة والتخلي عن أسلحته النووية مقابل عزلة أقل.

ويربط المراقبون بين تصريحات بومبيو، وتناول الصحف الأمريكية لقمة بوتين وكيم، والتي اعتبرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بأنها محاولة من كيم لحشد الدعم الدولي من أجل تخفيف العقوبات التي تفرضها واشنطن عقب فشل اللقاءات التي جمعت ترامب بكيم مؤخرا.

وتستند نفس التحليلات، لاتهامات سابقة وجهتها إدارة ترامب، بشكل علني للجانب الروسي، بمساعدة كوريا الشمالية في التحايل على عقوبات الأمم المتحدة من خلال عمليات النقل غير القانونية للنفط والفحم، وفي حال التوسع في هذه العمليات فإن الإدارة الأمريكية، تكون قد تلقت ضربة موجعة، تضاف لخسائر الإدارات الأمريكية السابقة في وضع كوريا الشمالية في أزمة اقتصادية نتيجة العقوبات المفروضة عليها.

وعلى عكس الرأي السابق، فإن هناك فريقا من المراقبين يرون أن هناك رغبة أمريكية في أن تقوم موسكو بلعب دور داعم لصالح نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، واستدل هذا الفريق، بتصريحات نقلتها وكالة الأنباء الروسية الرسمية "نوفوستي" عن مصدر خاص بالخارجية الأمريكية عشية القمة الأخيرة، بأن الهدف الوحيد للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تجاه كوريا الشمالية هو نزع سلاحها النووي بالكامل.

وحسب المصدر، فإن الولايات المتحدة وروسيا تجريان حوارا حول قضية كوريا الشمالية، ورغم وجود خلافات في مواقف الجانبين إزاء هذا الشأن، إلا أن الحوار متواصل بين نائب وزير الخارجية إيغور مورغولوف والممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية، ستيفن بيغان، بهدف التغلب على الخلافات، والمضي نحو الأمام.