أحزاب نمساوية تسعى لزرع مخاوف تجاه كل ما يتعلق بتركيا.. هذه الأسباب

12

طباعة

مشاركة

يمثل عام 1964 نقطة تحول بالنسبة للشتات التركي في النمسا، مع زيادة الهجرة إلى هذا البلد وتنظيم القنوات الرسمية من أجل هذه الخطوة.

وتقول وكالة الأناضول التركية (رسمية)، في مقال للكاتب كاظم كيسكين: "يبدأ تاريخ الشتات التركي في النمسا رسميا في 15 مايو/أيار 1964 عندما جرى التوقيع على اتفاقية العمل التركية - النمساوية".

ورغم أن الغالبية العظمى للمهاجرين الأوائل كانوا من الطبقة العاملة، فإن إحضار العمال عائلاتهم إلى النمسا مع مرور الوقت وولادة أجيال جديدة فيها وزيادة الطلاب ورجال الأعمال والمجموعات المماثلة، جعل الشتات التركي في النمسا يشهد تغيرا اجتماعيا وسياسيا.

تصور مختلق

ويعتبر كيسكين أن "جهود النمسا في توجيه ضربة قوية لنشاط تركيا ودورها في الداخل والخارج خاصة في الفترة الأخيرة التي اكتسبت فيها أنقرة نوعا من الثقل في السياسة العالمية، واضحة بما لا يدع مجالا للشك".

لذا أصبح من غير الممكن تجنب تأثير مواقفها العدائية تجاه الشتات التركي في النمسا الذين لم يقطعوا صلتهم ببلادهم في جميع الأحوال والظروف، يقول الكاتب.

ويرى أن "موقف النمسا المناهض لتركيا بشكل مباشر والشتات التركي بشكل غير مباشر، والذي تقدمه بشكل جذاب وخبيث للرأي العام يجعل من الضروري أن يؤخذ على محمل الجد". 

الخطر الذي تحدث عنه الكاتب "يكمن في إظهار التعاطف مع المنظمات الإرهابية في تركيا وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني وقبوله شرعيا، بينما يتمثل ذات الخطر في الإشارة إلى تركيا والموالين لها كسلطة غير شرعية".

وفي هذا السياق، فإن الدعاية التي تبثها الجهات الداعمة لحزب العمال الكردستاني في هذه الدولة مثيرة جدا للاهتمام.

وتعتبر تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا، لكن أنقرة تتهم دولاً عديدة في القارة العجوز بتجاهل أنشطته والسماح بها ما يثير انتقادات بين حين وآخر.

ويستدرك قائلا: "التصور الذي يحاول أنصار الإرهاب خلقه في الرأي العام خاصة من مؤيدي الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي (SPÖ) وحزب الخضر في النمسا، يتمثل في اعتبار حزب العدالة والتنمية (التركي الحاكم) وحزب الحركة القومية (حليفه) وحزب الاتحاد الكبير (إسلامي محافظ) أعداء للديمقراطية".

ويوضح أن الأحزاب النمساوية تصنف أعمال المؤيدين لنظيرتها التركية (المذكورة أعلاه) على أنها غير قانونية"، بينما تدعم حزب العمال الكردستاني الذي يحاول تحقيق أهدافه من خلال الإرهاب والعنف لأكثر من 50 عاما، وفق قوله.

ويستطرد كيسكين قائلا: "لاحظنا هذا الموقف للأسف في الأحداث التي وقعت في منطقة فافوريتن في فيينا الصيف الماضي (2020) والتي لقيت استجابة من الحكومة النمساوية".

 فالحكومة التي استهدفت دخول الانتخابات بميزة إضافية وكذلك المشاركة طوعا في جبهة العداء التي تشكلت ضد تركيا، سمحت للمتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني وأنصارهم بإجراء مظاهرات في شوارع فيينا لأيام رافعين رموز المنظمة الإرهابية.

وتابع قائلا: "كما تم اتهام الشباب الداعمين لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الذين احتجوا على ذلك، بارتباطهم بحركة غير موجودة في النمسا تسمى الذئاب الرمادية لتشويه سمعتهم وإسقاط أطروحتهم أمام الرأي العام بفضل الأنشطة الدعائية المستمرة من قبل أنصار العمال الكردستاني".

ويلفت الكاتب إلى أن هناك عامل آخر يعزز اللعبة التي يلجأ إليها أنصار حزب العمال الكردستاني لزيادة دعمهم في الرأي العام النمساوي يتمثل في الحجة القائلة بأن "الفارق الرئيس بين الأحزاب ليس في كونها مؤيدة للإرهاب أو معارضة لها، بل بكونها ديمقراطية أو معادية للديمقراطية".

لكن لا ينبغي الظن أن عداء الأتراك موجود في اليمين المتطرف فقط. فالإعلام في النمسا والذي من الواضح أنه متأثر بالحكومة النمساوية التي تنزعج من محاولات تركيا أن تنضم للتحالف الغربي، نجح في زرع التخوف من كل شيء موال لأنقرة للأسف، ينوه الكاتب.

ويضيف قائلا: "إن القضايا المذكورة آنفا وصلت إلى حد أضرت بالعلاقات الثنائية. لذا يقع على عاتق كل فرد من الشتات التركي في النمسا مهمة إيضاح أن التفريق بين المنظمات الإرهابية والإرهابيين أمر غير مقبول من الناحيتين: الأخلاقية والتقنية، في كل فرصة سانحة".

وفي هذا السياق، يذكر الكاتب بعدم وجود فرق كبير بين إرهاب كل من تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني إذا ما استثنينا الاختلاف الأيديولوجي. وبين أن المجازر التي ارتكبها الحزب لمدة 50 عاما كانت أكثر وحشية مما ارتكبه تنظيم الدولة في السنوات الخمس الماضية، بحسب تقديره.

ورقة رابحة

وواصل: وبالمثل، يجب التأكيد بإلحاح على أنه من الضروري إظهار نفس الموقف تجاه المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني والمنظمات الإرهابية المماثلة من حيث الاتساق وتجنب التناقض، تماما كما لم يعد هناك مكان لأنشطة المتعاطفين مع تنظيم الدولة  الدعائية في وسائل الإعلام بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعتبر كيسكين أن المناقشات المصطنعة وغير الضرورية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بشأن انتخابات مقاطعة فيينا بين الأتراك في النمسا (بعد التعاطف مع الإرهاب)، من أكثر العوامل ضررا على تركيا والشتات التركي في تلك الدولة.

وفي إشارة إلى دور الأتراك في النمسا يقول: نلاحظ أن الذين يعيشون هناك (سواء كانوا مواطنين نمساويين أو أتراك) ممن يدعمون تركيا بصدق، لا يعلمون كيف يمكن أن يفيدوا أنفسهم أو يفيدوا أنقرة ويخدموا مصالحها. 

ويتابع: فليس من اللائق ولا من الصحيح لمواطنينا وممثلي المنظمات التي تم تشكيلها بكثير من الجهد أن يتواجهوا بطريقة لا يواجهون بها حتى أنصار حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن والمنظمات الإرهابية المماثلة ويحاولوا تشويه سمعة بعضهم البعض.

ويعتقد أن المسار الصحيح للعمل لا يكون بإبعاد بعضنا البعض من اللعبة، بل بالتنافس في هذا السبيل.

لكن يبدو أن عقل الجيل الأول الذي كان ينطوي بشكل أساسي على "تحقيق المصلحة الخاصة دون تفويت مصلحة تركيا"، قد أصبح يفكر الآن بـ"تحقيق مصلحة أنقرة دون تفويت المصلحة الخاصة"، بحسب الكاتب.

ويرى أنه من الواضح أن الفشل في معارضة الأفراد والجماعات والدوائر لبعضهم البعض ضمن حدود معينة، لن يسمح للأتراك بتصحيح وضعهم الضعيف في النمسا لعقود طويلة. 

ويتساءل: ألم نلاحظ أضرار هذا النهج عندما فرض قانون الإسلام النمساوي على مسلمي النمسا؟ أليس من الواضح بما فيه الكفاية أنه إذا لم نتمكن من الاتفاق حتى في القضايا الأساسية، فإننا سنضطر إلى العيش مع حقيقة أننا سنكون بنية اجتماعية ضعيفة قابلة لشن عمليات ضدها لمدة 60 عاما أخرى؟

هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في المجال الاجتماعي، ويمكن العثور على ما يكفي من النقاط "الإشكالية" و"التي هي بحاجة إلى الإصلاح" في كل الهياكل تقريبا، كما أن هناك العديد من القضايا التي يمكن للمنظمات أن تتولاها والتي تنتظر العمل عليها، ينوه الكاتب.

ويضيف: هناك نقطة أخرى مهمة يجب ملاحظتها في هذه المرحلة؛ وهي أننا كمقيمين في النمسا، يجب أن نجعل القضايا المتعلقة بها ضمن أولوياتنا. 

وزاد: "فقد لاحظنا خلال الانتخابات (في النمسا)، أن تركيا تشكل بندا أساسيا في البرامج الانتخابية لكل من اليمين واليسار المتطرفين لأسباب أيديولوجية أو لكسب الأصوات أو كلاهما".

ويختم كيسكين مقاله قائلا: إن هذا الموقف، يبعدنا عن هدفنا للنضال من أجل حقوقنا كأتراك في النمسا، كما يمنعنا وبشكل غير مباشر من أن نكون مفيدين لتركيا لأنها لا تزيد من قوتنا. 

ويقول إن "وقوعنا في هذا الفخ سيحصرنا في الزاوية وسيتحقق هدف الدوائر النمساوية المعادية لتركيا كما سيقودنا إلى إهدار طاقتنا من خلال الدخول في مثل هذه المناقشات المصطنعة".

وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أنه حتى لو وقفنا بوجه المخاطر المذكورة أعلاه، يمكننا أن نفهم بوضوح من تاريخ اليهود الذين عاشوا في النمسا لقرون أن هناك مخاطر وتحديات جديدة تنتظر الشتات التركي، بحسب ما يراه الكاتب.