نيويورك تايمز: مرضى "الحسينية" بمصر ماتوا لنقص الأكسجين.. وهذا الدليل

12

طباعة

مشاركة

كشف تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز، زيف رواية الحكومة المصرية التي نفت وفاة مرضى مصابين بفيروس كورونا في أحد المستشفيات بسبب نقص الأوكسجين.

وفي 2 يناير/كانون الثاني 2021، انتشر مقطع مصور بمنصات التواصل الاجتماعي، يظهر وفاة 6 مرضى مصابين بكورونا، داخل غرفة العناية المركزة، في مستشفى "الحسينية" بمحافظة الشرقية (شمال مصر)، إثر نقص غاز الأوكسجين الطبي، فيما اعترفت الحكومة بوفاة 4.

وأشار تحقيق الصحيفة الأميركية إلى أن صرخة ممرضة من شرفة أحد المستشفيات اخترقت الليل، حيث كان المرضى يصارعون ويكافحون في وحدة العناية المركزة للحصول على الهواء.

قصة الحسينية

في ذلك الوقت كان أحمد نافع يقف في الخارج، قبل أن تدفعه الصرخة للدخول ليكتشف أن عمته البالغة من العمر 62 عامًا قد فارقت الحياة.

وبعد أن انتابه الغضب، أخذ هاتفه وبدأ في التصوير، حين بدا أن الأوكسجين قد نفد من المستشفى، حيث كانت الشاشات تطلق إنذارا يشير إلى خطورة الوضع.  

وقد التقط في مقطع الفيديو الذي قام بتصويره  مشهدا هز الجميع حيث جلست إحدى الممرضات مكتئبة وهي ترتعد في زاوية الغرفة، بينما حاول زملاؤها إنعاش رجل باستخدام جهاز التنفس الصناعي اليدوي. وقد مات أربعة مرضى على الأقل في المستشفى في تلك الليلة.

وأشعل الفيديو الذي التقطه ونشره نافع والذي تبلغ مدته 47 ثانية  مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وفي العالم حيث أظهر  الفوضى العارمة وكشف حقيقة الوضع في مستشفى الحسينية المركزي، على بعد حوالي ساعتين ونصف شمال شرق القاهرة.

ومع تصاعد الغضب، نفت الحكومة المصرية نفاد الأوكسجين من المستشفى، حيث خلص بيان رسمي صدر في اليوم التالي للحادثة إلى أن الأربعة مرضى الذين لقوا حتفهم يعانون من "مضاعفات". ونفى البيان أن تكون للوفيات "أي صلة" بنقص الأوكسجين. 

واستجوب ضباط الأمن  نافع، واتهمه المسئولون بمخالفة القواعد التي تمنع الزيارة والتصوير داخل المستشفيات. 

ومع ذلك، كشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز خلاف ذلك، حيث أكد شهود عيان، بمن فيهم الطاقم الطبي وأقارب المرضى، في المقابلات أن ضغط الأوكسجين وصل إلى مستويات منخفضة للغاية. وقالوا إن ثلاثة مرضى على الأقل، وربما الرابع ، ماتوا بسبب نقص الأوكسجين. 

كما أكد تحليل دقيق للفيديو أجراه أطباء في مصر والولايات المتحدة أن المشهد الفوضوي في وحدة العناية المركزة، يشير إلى انقطاع في إمداد الأوكسجين.

وكشف تحقيق الصحيفة الأميركية أن النقص القاتل في الأوكسجين كان نتيجة حتمية لسلسلة من المشاكل في المستشفى. 

وأضاف التحقيق أنه وبحلول الوقت الذي كان فيه المرضى يختنقون في وحدة العناية المركزة، تأخرت عملية توصيل الأوكسجين التي تم طلبها بالفعل كما فشل النظام الاحتياطي.

وقال طبيب في المستشفى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يخشى الاعتقال: "لن ندفن رؤوسنا في الرمال ونتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، يمكن للعالم بأسره أن يعترف بوجود مشكلة، لكن ليس نحن".

ويشير التقرير إلى أن إنكار الحكومة للواقعة ليس سوى أحدث مثال على انعدام الشفافية في استجابتها لأزمة كورونا، مما أدى إلى السخرية منها وعدم الثقة في رواياتها.

وبالنسبة للعديد من المصريين، قدم فيديو نافع عرضًا نادرًا  للخسائر الحقيقية لفيروس كورونا في ذروة الموجة الثانية من الوباء في مصر. 

وأقرت الحكومة بوفاة أربعة أشخاص في جناح العناية المركزة في ذلك اليوم، لكنها نفت أن يكون ذلك بسبب نقص الأوكسجين. كما نفت الحكومة المصرية وجود نقص في الأوكسجين في مستشفيات البلاد.

شواهد وأدلة

وقال بيان وزارة الصحة إن معظم المرضى المتوفين هم من كبار السن، وأنهم ماتوا في أوقات مختلفة، وأن ما لا يقل عن عشرة مرضى آخرين، بينهم أطفال حديثو الولادة في حاضنات، مرتبطون بنفس شبكة الأوكسجين ولم يتأثروا. 

وأوضحت الوزارة أن هذه العوامل أكدت "عدم وجود صلة بين الوفيات والادعاءات المتعلقة بنقص الأوكسجين".

وتحقق الطاقم الطبي من أن إمداد المستشفى بالأوكسجين لم ينضب تمامًا، لكنهم قالوا إن الضغط كان منخفضا بشكل خطير. وأوضحوا أن الأمر كان أسوأ في وحدة العناية المركزة، ولم يكن كافياً لإبقاء المرضى على قيد الحياة. 

وقد يكون الضغط أقل لأن فتحات الأوكسجين الخاصة بوحدة العناية المركزة كانت في نهاية الشبكة أو بسبب أوجه القصور الأخرى في خط الأنابيب.

وتم إحباط جهود موظفي المستشفى لمعالجة النقص بسبب الكثير من الأعطال. وعندما حاولوا تبديل إمدادات الأوكسجين في وحدة العناية المركزة، من الخزان الرئيس في المستشفى إلى الخزان الاحتياطي، بدا أن النظام الاحتياطي مثقل ولا يعمل.

وفي وقت سابق من ذلك اليوم، وإدراكًا من المسئولين بالمستشفى أن الأوكسجين ينفد، طلبوا المزيد منه، من وزارة الصحة. لكن شاحنة التسليم التي كان من المقرر تسليمها في فترة ما بعد الظهر، وصلت متأخرة أكثر من ثلاث ساعات.

وقال طبيب المستشفى: "لو وصلت الساعة 6 مساءً، لما حدث شيء من هذا". ورصد الخبراء الطبيون الذين حللوا الفيديو، بمن فيهم ستة أطباء في الولايات المتحدة ومصر، تفاصيل تدعم اكتشاف نقص الأوكسجين.

وفي الفيديو، لا يبدو أن أيًا من المرضى متصل بخط الأوكسجين المركزي، حيث يظهر أن أحد الأطباء كان يستخدم خزانًا محمولًا، والذي يستخدم عادة ما يستخدم في حالات الطوارئ. 

 وعلى بعد أمتار قليلة، شوهدت مجموعة من الممرضات تحاول إنعاش مريض بمضخة يدوية لا يبدو أنها متصلة بمصدر أوكسجين.

وقال الدكتور هشام النشواتي، طبيب الرعاية العاجلة في نيويورك والذي عمل في مستشفى I.C.U. "لم يكن أنبوب أوكسجين متصلا بالوسادة الهوائية".

ولاحظت طبيبة أخرى راجعت الفيديو، وهي الدكتورة بشرى مينا، المديرة المصرية الأمريكية لمستشفى لينوكس هيل المختص في أمراض الرئة، والتي رعت مئات مرضى Covid-19 في نيويورك  "إلحاح" وجهود الطبيب والممرضات المضنية في الفيديو" في محاولة لتوفير إمدادات الأوكسجين الطارئة أو المكملات للمرضى.

وقالت الدكتورة مينا: "يمكن أن يكون الأمر مربكًا، حتى في الولايات المتحدة ، حيث لديك الكثير من الموارد.. تخيل إذن مصر، حيث الموارد محدودة".

وفي سياق متصل أكد التقرير أن أزمة الأوكسجين في مستشفى الحسينية المركزي قد لا تكون الوحيدة في مصر.

وغمرت علامات النقص في المستشفيات الأخرى وسائل التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع. وأصدر أحد مديري المستشفيات المصرية نداءً على وسائل التواصل الاجتماعي للناس للتبرع بخزانات الأوكسجين المحمولة، مشيرًا إلى "الحاجة الماسة" إلى ذلك.

أزمة الأوكسجين

وصور مريض في مستشفى مختلف نفسه في جناح العزل قائلاً: "ليس لدينا ما يكفي من الأوكسجين". وتم تداول مقطع الفيديو لمشهد مشابه لما شاهده السيد نافع على الإنترنت، غير أنه لا يمكن التحقق من هذه الروايات بشكل مستقل.

وفي سياق متصل  تساءل الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أيمن سباعي: "هل هناك مشكلة حقيقية.. لا أحد يستطيع أن يدعي أن لديه تلك المعلومات باستثناء الحكومة". وإلى ذلك يشير التقرير أن  سجل الحكومة خلال الأزمة غير جدير بالثقة.

وندد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بمنتقدي جهود الحكومة لمجابهة فيروس كورونا ووصفهم بأنهم "أعداء للدولة". 

 وطردت أجهزته الأمنية صحفي أجنبي شكك في الحصيلة الرسمية. كما حذر النائب العام من أن أي شخص ينشر "أخبارًا كاذبة" حول فيروس كورونا يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.

ودخلت الحكومة في نزاع مرير مع الأطباء الذين ثاروا بعد تفشي الوباء بسبب نقص معدات الحماية، في حين ألقي عدد من الأطباء في السجن.

وفي سياق متصل قال سباعي: "إنهم يحاولون التحكم بكل ما ينشر والتأكد من أن الأمور تبدو وكأنها تحت السيطرة وجزء من ذلك هو التحكم في المعلومات التي يتم نقلها إلى الجمهور". 

 وأضاف "ليس لدي مشكلة في ذلك إذا كانت الحكومة ستزودنا بمعلومات موثوقة يمكننا الاعتماد عليها".

وبدلاً من ذلك، عندما انتشر فيديو مستشفى الحسينية المركزي، كان الرد الرسمي بمثابة دعوة المصريين لعدم تصديق ما رأوه. 

وقال ممدوح غراب محافظ الشرقية التي تضم مستشفى الحسينية المركزي في مقابلة على برنامج تلفزيوني مؤيد للحكومة "هذا ليس مشهدًا يظهر نقصًا في الأوكسجين". 

ويبدو أن هناك شكوكا كبيرة حول الأرقام الرسمية حيث أعلنت مصر عن أكثر من 150 ألف حالة إصابة وأكثر من 8 آلاف حالة وفاة، وهي أعداد منخفضة بشكل ملحوظ في المنطقة ولبلد يزيد عدد سكانه عن 100 مليون شخص، تقول الصحيفة.

لكن الخبراء الأجانب وحتى بعض المسئولين الحكوميين يقولون إن كلا الرقمين أقل من الواقع، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم وجود اختبارات على نطاق واسع ولأن المعامل التي تجريها، لا تقدم دائمًا نتائجها إلى الحكومة.

وحتى في الوقت الذي نفت فيه الحكومة نقص الأوكسجين في مستشفى الحسينية، بدأ المسئولون في اتخاذ خطوات لمعالجة المشكلة، معترفين ضمنيًا بها. 

وأقرت وزيرة الصحة هالة زايد بنقص شاحنات توصيل الأوكسجين وتأخير التوزيع. وطالب السيسي الحكومة بمضاعفة إنتاج الأوكسجين من أجل مواجهة الارتفاع في الطلب.

واتخذت الحكومة إجراءً آخر على ما يبدو ردًا على شريط الفيديو الخاص بالأزمة في مستشفى الحسينية، حيث يفرض على الزائرين الآن ترك هواتفهم عند الباب.