محلل تركي لـ"الاستقلال": هذا مستقبل العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي

12

طباعة

مشاركة

ترسم العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي خطوطا متعرجة في ظل أجواء من التوتر والحوار والتعاون، حيث تصر بروكسل على الاستمرار في سياستها القديمة تجاه أنقرة، فيما ترفض الأخيرة الإملاءات الخارجية.

وتطلق تركيا العنان لجهودها من أجل حماية مصالحها وتقوية دفاعها، الأمر الذي جعل من العلاقات تصل مع أوروبا إلى حد الانقطاع غير مرة.

ولتقييم التطورات الأخيرة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي خاصة، بعد القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل، حاورت صحيفة "الاستقلال" أنس بايراقلي "مدير قسم البحوث الأوروبية في مركز أبحاث سيتا" والأستاذ في الجامعة التركية الألمانية في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

استغلال التمييز

  • لماذا تحولت مشكلة شرق البحر الأبيض المتوسط من أزمة تركية يونانية إلى معضلة تركية أوروبية؟ 

اليونان تحاول تحويل الأزمة إلى أوروبية، كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي. ولكن ليست "أثينا" وحدها من تفعل هذا، بل الإدارة القبرصية اليونانية أيضا.

وهكذا تحاول اليونان تحقيق مطالبها المتطرفة وغير العادلة عبر تركيا، من خلال القوة التي تحصل عليها من الاتحاد الأوروبي معتمدة على عضويتها. 

لكن وعلى الناحية الأخرى، نرى أن الاتحاد الأوروبي لم يدعم اليونان بشكل كامل، لقد رأينا ذلك في القمم التي عقدت مؤخرا أيضا.

وأحد الأسباب الرئيسة لذلك، هو أن تكامل مجالات الأمن والسياسة الخارجية، هو أحد أضعف المجالات في تكامل الاتحاد الأوروبي، حيث إن هذين المجالين لا يزالان خاضعين لقرارات الدول القومية.

لذلك، وعندما يتعلق الأمر بدول الاتحاد، فإنهم بالطبع يتصرفون وفقا لمصالح بلدانهم، ويتخذون قراراتهم بما يتوافق مع ذلك، كما أنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من التوتر مع تركيا أيضا. وهكذا أدى كل هذا إلى تهميش اليونان والإدارة القبرصية اليونانية وفرنسا داخل الاتحاد الأوروبي.

  • هل يمكننا القول إن اليونان تهدف إلى الحصول على الدعم الأوروبي؟

بالطبع. فلو قارنا بين "أثينا" و"أنقرة" من نواحي القوة الاقتصادية والعسكرية وعدد السكان، سنرى أن اليونان ليست بالدولة التي يمكنها مواجهة تركيا، وفرض مطالبها المتطرفة وغير العادلة عليها بأي شكل من الأشكال. ولذلك، هي تبحث عن حلفاء لها وتسعى للحصول على الدعم من الخارج. 

من ناحية أخرى، هناك بُعد تاريخي أيضا لهذه المسألة. فنظرا لأن هناك اعتقادا أن أسس حضارة الغرب تم وضعها في اليونان قديما، هناك تمييز إيجابي منذ وقت طويل تجاه اليونان من طرف الغرب، مما يجعل "أثينا" تحاول ممارسة الضغط على تركيا من خلال استغلال هذه النقطة. 

روح العصر الجديد

  • صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن مستقبل تركيا في أوروبا، هل هذا التصريح يشير لحدوث تغييرات في السياسة الخارجية التركية؟

ترغب تركيا في تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بوجود علاقة ترابطية (تبعية) متبادلة بين الطرفين في العديد من المجالات. 

لكن على الاتحاد الأوروبي أن يعيد تغيير وتحوير نفسه، فهو لا يزال يتعامل مع تركيا وفي السياسة العالمية والإقليمية، كما لو أن الظروف ما زالت على حالها قبل عشر أو عشرين سنة، حيث إنه لم يتكيف بعد مع العصر الجديد.

فيما أظهرت تركيا تكيفا سريعا بتمكنها من قراءة وفهم تحركات وتوازنات القوى، خاصة خلال العشر سنوات الماضية، حيث تدخلت في الأزمات الموجودة في المنطقة لتحل مشاكلها بنفسها، أو على الأقل لتقوم بحماية مصالحها الخاصة وتأمينها، خاصة في الفترة ما بعد محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016.

لكننا نرى، أن الاتحاد الأوروبي أصابه شلل فيما يتعلق بهذه القضايا، كما أنه غارق حتى النخاع في الخلافات والصراعات الداخلية. 

ومع ذلك يعتقد الاتحاد الأوروبي أن بإمكانه السيطرة على تركيا من خلال تهديدها بالعقوبات، والضغط عليها بمختلف القضايا، لكن الظروف تغيرت كثيرا بطبيعة الحال. لهذا يجب على "بروكسل" أن تطور شكلا جديدا من العلاقات مع أنقرة، من خلال إعادة النظر في ميزان القوى الجديد.

في الواقع لا أحد ينتظر بدء مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي من جديد، أو ينتظر أن تحصل تركيا على عضوية في الاتحاد خلال وقت قصير.

هناك العديد من المجالات التي يمكن تطوير العلاقات فيها، بالإضافة إلى إمكانية تحديث وتوسيع التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي في مجالات الاتحاد الاقتصادي، وتحديث الاتحاد الجمركي بما يخدم مصالح الطرفين، من خلال فهم روح العصر الجديد وتحقيق متطلباته، لكن "بروكسل" لا تزال مستمرة في نفس سياساتها القديمة تجاه أنقرة. 

ولا تزال "تركيا" راغبة في تطوير علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، لكن الأخير يرغب في استئناف علاقة غير متكافئة مع أنقرة، وأعتقد أن هذا يمثل أحد المشاكل الرئيسة. 

  • إذن هل يمكن أن نقول إن سياسة تركيا لم تتغير تجاه الاتحاد الأوروبي، بل ما تغير كان قوتها فحسب؟

بالطبع. إن موقف تركيا لم يتغير. فلا تزال ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن أوروبا تغيرت وتحولت في السنوات العشرين الماضية.

 فقد تحولت إلى أوروبا وازدادت فيها قوة اليمين المتطرف وانغلقت على ذاتها. وهكذا من الصعب جدا على الاتحاد الأوروبي أن يقبل تركيا في حالته هذه. 

لذلك يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعود إلى "ضبط المصنع" مرة أخرى. لكني لا أعتقد صراحة أن هذا سيحدث في المستقبل القريب.

التأثير الأميركي

  • كيف تقيّمون نتائج القمة الأوروبية؟

هذا متعلق بما قلته سابقا. لا يرغب أعضاء الاتحاد الأوروبي -باستثناء فرنسا واليونان والإدارة القبرصية اليونانية-، بهدم "الجسور" التي تربطهم بتركيا، كما لا يرغبون بأن تسوء العلاقات أكثر معها، حيث تربطهم علاقات ترابطية (تبعية) متبادلة في مجالات متعددة، مثل مجال الاقتصاد والصناعات الدفاعية والهجرة ومكافحة الإرهاب.

فماذا يمكن أن تستفيد دول مثل رومانيا وجمهورية التشيك وهولندا والدنمارك من توترات أو تدهور علاقات ستحدث بسبب البحر الأبيض المتوسط بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؟

لماذا على هذه الدول أن تتخلى عن تعاونها مع تركيا فقط، لتحصل اليونان على مساحة أكبر في البحر الأبيض المتوسط؟، لا يوجد أساس منطقي لهذا، لذلك لم تتحقق توقعات اليونان.

من ناحية أخرى، ينتظر الاتحاد الأوروبي "أميركا"، فهو سيتخذ موقفه بعد أن يرى كيف ستتشكل العلاقات بين أنقرة وواشنطن تحت إدارة "جو بايدن"، لأنني لا أعتقد أن "بروكسل" تستطيع أخذ زمام المبادرة، واتخاذ قرارات جادة في السياسة الخارجية. لذلك ستنتظر الإشارات التي ستأتي من الولايات المتحدة.

إن الاتحاد الأوروبي يحتاج لثلاثة أشياء: أن يغير ويحور نفسه، وأن يتكيف مع العصر الجديد، وأن يعود إلى "إعدادات المصنع"، لكننا نرى أنه لا يتخذ خطوات في هذه القضايا الثلاثة. 

  • كيف تقيّمون مستقبل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي؟

لا أتوقع حدوث انقطاع حاد أو انفتاح جاد في العلاقات الثنائية على المدى القريب، حيث سيستمر الوضع الراهن على ما هو، مع حدوث بعض التوترات.

لكن هذا يعتمد أيضا على تطورات العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية.

ففي حال فضّلت إدارة بايدن أن تتبع سياسية إيجابية مع تركيا، في مقابل الخطوات التي ستتخذها تجاه روسيا والصين وإيران وفقا لسياستها الخارجية، أعتقد أن هذا سيؤثر على العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي أيضا وسيعيد الأخير تموضعه.

مجالات تعاون متعددة

  • هناك تضارب واضح في المصالح بين أنقرة وبين بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا واليونان، هل سبب ذلك هو نظرة أوروبا لتركيا كمنافس؟ 

من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يرى تركيا منافسا في بعض المجالات، لكن أوجه التعاون بين الجانبين كثيرة أيضا.

لذلك، بإمكان أوروبا أن تحصر مجالات المنافسة بين أقواس، وتقوم بتطوير علاقات التعاون في المجالات الأخرى، حيث إنه من غير الممكن تطوير علاقات إيجابية في جميع المجالات، وهذا هو الحال مع العديد من الجهات الفاعلة.

إن تركيا واحدة من الدول الأعلى مساهمة في أمن الاتحاد الأوروبي في العديد من المجالات، لكني أرى أن تأثير روسيا مهم في هذا أيضا.

فزيادة نشاط روسيا في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، يضع ضغوطا خطيرة على الاتحاد الأوروبي، ويتحول إلى تهديد على أمنها.

لكن ما يثير الاهتمام، أن هناك جهات تحاول خلق أزمات مع أنقرة في محاولة لتجاهل حقيقة التهديد الروسي، بينما لا تشكل تركيا أي تهديد لأمن الاتحاد الأوروبي من الناحية الأخرى. 

  • حالة الإسلاموفوبيا تتفاقم في أوروبا، خصوصا مع وجود ساسة مثل إيمانويل ماكرون، كيف تتعامل تركيا مع هذا الأمر؟

يعد تزايد "الإسلاموفوبيا والخطاب اليميني المتطرف" في أوروبا أحد أهم العوامل التي تقوض العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

في الواقع، تعود التوترات في العلاقات بين أنقرة وبروكسل، والتي كانت أيضا السبب في استطالة المفاوضات التي تستمر لما يقرب من ستين عاما حول قبولها في الاتحاد الأوروبي لسببين: الأول: كون تركيا دولة ذات ثقافة إسلامية، وغالبية شعبها مسلم، وبسبب عدد سكانها الكبير.

والثاني: الشتات التركي في أوروبا، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتمييز الذي يعاني منه. وهذا يسمم العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، أو يمكن أن نقول بشكل عام: إنه يضر بها. وللأسف هذا الخطاب في تزايد يوما بعد يوم، وأعتقد أنه سيؤثر بشكل سلبي في الفترة القادمة.