جون جينكينز.. دبلوماسي بريطاني يشيطن الإخوان ويبرر قتل الرياض لليمنيين

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عندما هاجم الإعلامي المصري نشأت الديهي، الموالي لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي، "الإخوان المسلمين"، مؤخرا، استشهد بحديث السير البريطاني جون جينكينز، الذي شغل منصب سفير بريطانيا لدى السعودية، عن الجماعة.

وخلال إحدى حلقاته على قناة "TeN" الفضائية يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تحدث الديهي عن عزم أوروبا والولايات المتحدة تصنيف الجماعة إرهابية، مستندا إلى تصريحات لجينكينز. 

لم يكن حديث الدبلوماسي البريطاني المخضرم مستجدا، فعلى مدار 7 سنوات، ومنذ مارس/ آذار 2014 قاد جينكينز 6 محاولات لتقييد أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وإدراجها على قوائم الإرهاب.

وهو ما أسقط الضوء على نشاط ذلك الرجل الذي تمرس في الشرق الأوسط على مدار ثلاثة عقود، وكون علاقات واسعة مع حكام المنطقة لا سيما في الرياض وأبوظبي، حتى اعتبر من أبرز المروجين لسياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

سعي جينكينز لمحاصرة الإخوان، تم الربط بينه وبين علاقته الوطيدة بحكام السعودية، حيث انتقد في مجلس العموم البريطاني، ومن قبل وسائل إعلام محلية بسبب تلك العلاقة وذلك المسعى، وتم التشكيك في نزاهته ومصداقيته، وأن جهة خارجية تستغله لإملاء سياستها على البلاد. 

المنطلق والمآل

الدبلوماسي البريطاني جون جينكينز، ولد في المملكة المتحدة يوم 26 يناير/ كانون الثاني 1955، تلقى تعليمه الأولي في مدينة برمنجهام الإنجليزية، ثم التحق بكلية يسوع في جامعة كامبريدج، حيث حصل على الماجستير والدكتوراة.

وفي عام 1980 انضم إلى وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث البريطانية ليبدأ مسيرة طويلة تجاوزت أكثر من 35 عاما. 

وقد تمحورت معظم حياته المهنية داخل منطقة الشرق الأوسط حيث عمل كسفير ومبعوث دبلوماسي في عدد من الدول العربية، منها الإمارات والكويت والعراق وليبيا والمملكة العربية السعودية، وهو من المجيدين للغة العربية حيث تعلمها وتدرب عليها في العاصمة السورية دمشق عام 1981. 

بعدها انتقل إلى الإمارات، عام 1983، ليعمل سكرتيرا أول للسفير البريطاني في أبوظبي. وفي عام 1995 شغل منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية البريطانية في الكويت. 

وشهد العام 2003 نقلة نوعية في مسيرته المهنية، عندما أصبح القنصل العام للمملكة المتحدة في القدس المحتلة.  

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2006، شغل منصب السفير الإنجليزي في سوريا، وفي سبتمبر/ أيلول 2007، تم تعيينه مديرا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، داخل وزارة الخارجية البريطانية. 

وجرى تكليفه في عام 2009 سفيرا للمملكة المتحدة في جمهورية العراق، وفي مايو/ آيار 2011، في خضم الثورة على الزعيم الليبي معمر القذافي، تم إرساله إلى هناك ليشغل منصب الممثل الخاص للمملكة المتحدة لدى المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بنغازي وطرابلس.

 وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وهو الشهر الذي شهد مقتل القذافي، أصبح  جون جينكينز، السفير البريطاني في ليبيا. 

ثم تولى السير جون منصب سفير بريطانيا في المملكة العربية السعودية، في يونيو/ حزيران 2012، وكون بحكم خبرته الطائلة بشؤون الشرق الأوسط، علاقات عميقة بحكام الرياض، وكذلك أمراء الإمارات، وتحديدا محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي. 

ظل في منصبه في واحدة من أكثر فترات المنطقة اضطرابا، بعد نجاح ثورات الربيع العربي، ووصول حكومات ذات طابع جديد في بلاد الجوار، وتحديدا مصر، التي حكمها الرئيس (الراحل) محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وجرى ذلك بينما كانت السعودية والإمارات تحيكان المؤامرات للإطاحة به، وقيادة الثورة المضادة التي انتهت بالانقلاب العسكري الدموي في يوليو/ تموز 2013، وكان حينها جينكينز سفيرا لبريطانيا في الرياض، وقد استمر في عمله هناك حتى عام 2015. 

عدو الإخوان 

دور السير جون جينكينز، ظهر بقوة في إطار حملة الضغط الهائلة التي شنتها السعودية والإمارات، على جماعة الإخوان المسلمين في أحداث الربيع العربي، وبعد الانقلاب العسكري في مصر، ومحاولة حصار الجماعة خارجيا، بعد ضربها داخليا وتصنيفها كمنظمة إرهابية داخل تلك الدول.

وفي سبتمبر/ أيلول 2014، قام رئيس الوزراء البريطاني (آنذاك) ديفيد كاميرون، بتكليف السفير البريطاني في السعودية جون جينكينز، بإعداد تقرير كامل عن الإخوان المسلمين، بعدما فرض حلفاؤه في الخليج ضغوطا على الحكومة البريطانية للحد من أنشطة الجماعة في لندن وعموم المملكة. 

بعدها اجتمع جينكينز، بنبيل فهمي، أول وزير خارجية مصري، بعد الانقلاب العسكري، للاستماع إليه بخصوص لجنة التحقيق البريطانية في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين.

ومن هنا بدأ سعي جينكينز الدؤوب على مدار السنوات التالية لتحقيق رغبة الرياض في التضييق على الجماعة ووصمها بالإرهاب في بريطانيا وعموم أوروبا. 

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، تقدم ديفيد ماكرون، إلى أعضاء البرلمان، سواء في مجلس العموم أو اللوردات، بملخص نتائج لجنة التحقيق في أنشطة الجماعة، والتي كان ضمن رؤسائها جون جينكينز، والتي أوردت أن "الانتماء لجماعة الإخوان أو الارتباط بها أو التأثر بها يعتبر مؤشرا محتملا للتطرف". 

ولم تمر نتائج لجنة التحقيق دون مساءلة، ففي 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وجه تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية فى البرلمان البريطاني، انتقادات للحكومة البريطانية بشأن تقرير مراجعة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين ووصفته بأنه مضلل.

وقالت لجنة الشؤون الخارجية: إن "تعيين السير جون جينكينز، السفير البريطاني الأسبق لدى السعودية، لرئاسة فريق المراجعة منح انطباعا بأن دولة أجنبية مارست نفوذا لا مسوغ له على التقرير".

وذكرت أنه "على الرغم من معرفة وخبرة السير جون جينكينز المهنية، فإن عمله كسفير لدى السعودية حينذاك، جعل تعيينه لقيادة عملية مراجعة ملف الإخوان مضللا". 

وبشكل عام فقد مثلت علاقة جينكينز بالسلطة الحاكمة في السعودية، لغزا كبيرا، وجعلته في موضع انتقاد دائم، خاصة وأنه تجاوز الكثير من القواعد الأخلاقية والديمقراطية حرصا على تعاونه مع المملكة، ومن أبرز الأمثلة تبريره لحملة الإعدامات التي نفذتها الرياض بحق معارضين عام 2016، حيث وصفها السير الإنجليزي بـ "المفهومة".  

رجل "ابن سلمان"

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، كتب الصحفي البريطاني بيتر أوبورن، مقالا لموقع "ميدل إيست آي" بعنوان "من رجلنا في الرياض إلى المعتذر عن التطهير السعودي"، منتقدا علاقة جون جينكينز بالنظام السعودي. 

وقال الصحفي: "يقدم السير جون جينكينز، الذي كان يعتبر في يوم من الأيام أبرز المستعربين في جيله في وزارة الخارجية البريطانية، غطاء فكريا لنسخة محمد بن سلمان عن النظام الملكي السعودي".

وأوضح أن "مشروع الترويج لولي العهد الأمير محمد بن سلمان كرجل قوي في الشرق الأوسط، قائم على مجموعة مشكوك فيها من الداعمين الغربيين بشكل أساسي" وذلك في إشارة إلى الدعم الذي قام به جون في دعمه قولا وفعلا، والالتزام بسياسته بشكل عام. 

وذكر أنه "يمكن تلخيص خطاب السير جون في بعض المشاعر القديمة، حيث لا يمكن الوثوق بالعرب بالديمقراطية، ومن الأفضل التمسك بآل سعود لأنهم إلى جانبنا وسيفعلون ما نريد".

وهاجم الكاتب البريطاني، السلوك المشين لجينكينيز، عندما قال: "أطلق السير جون دفاعه عن ابن سلمان في أسبوع مروع عندما حذرت الأمم المتحدة من ظروف شبيهة بالمجاعة تتكشف في مناطق اليمن، نتيجة الحصار الذي تقوده السعودية".

ويذكر هنا أيضا دفاعه عن ولي العهد في حملات الاعتقالات التعسفية بحق أمراء ورجال أعمال وشخصيات بارزة في المجتمع السعودي، خلال حملة "ريتز كارلتون" الشهيرة. 

الصحفي البريطاني بيتر أوبورن، اختتم مقالته، موجها رسالة غاضبة إلى جينكينيز، أورد فيها أن "دبلوماسيينا السابقين وضعوا خبرتهم وعلمهم تحت تصرف المنظمات التجارية و الحكومات المستبدة، وهذا يعني أنهم أصبحوا أمام تهمة أن يصبحوا مدعين بدلا من علماء يمكن الوثوق بهم من قبل جميع الأطراف".

وأضاف: "إذا تم الوثوق ببريطانيا مرة أخرى في الشرق الأوسط، فيجب أن ينظر إلى المستعربين لدينا على أنهم رجال ونساء مستقلون يمكنهم قول الحقيقة للسلطة، وفي غضون ذلك، ينتقل مشروع ابن سلمان من قوة إلى قوة بسبب هؤلاء".