عام منذ وصوله للحكم.. ماذا أنجز رئيس موريتانيا في حربه على الفساد؟

12

طباعة

مشاركة

في أغسطس/ آب 2020 يكمل محمد ولد الشيخ الغزواني عامه الأول رئيسا لموريتانيا، ما يثير تساؤلات عما أنجزه الجنرال، الذي شارك في انقلابين عسكريين، بمكافحة الرشوة وسوء الإدارة، وفقا لوعوده السابقة.

"ولد الغزواني"، أكد في خطاب له بعيد الفطر 2020، أنه لن يتساهل مع أي شكل من أشكال الفساد أو الإخلال بضوابط الحكامة الرشيدة، مشددا أنه لن تنفع أي خطة مهما كانت محكمة ما لم تكن الشفافية طابعا رئيسيا لها.

فهل يسعى ولد الغزواني فعلا إلى محاربة الفساد أم أن تصريحاته مجرد ذر للرماد في عيون المطالبين بذلك؟

إجراءات استعجالية

في الأيام المئة الأولى من حكمه، ثمن الوزير الأول (رئيس الحكومة) الأسبق، والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، سيدي محمد ولد ببكر، ما حققه ولد الغزاوني، واصفا ما شهده بـ"التطور الإيجابي في مناح مختلفة"، قبل أن يدعوه إلى إجراءات استعجالية أخرى في مقدمتها "محاربة الفساد".

"ولد ببكر" شدد آنذاك على ضرورة خوض حرب شرسة ضد الفساد، مشيرا إلى أن "محاربة الفساد عملية شاملة أو لا تكون، إذ لا يتأتى وجود واحة من الإصلاح في خضم من الفساد".

في 25 يوليو/ تموز 2020، وفي ندوة بعنوان "موريتانيا بعد عام: ما الحصيلة وما المطلوب؟"، ناقش مجموعة من السياسيين والباحثين والوزراء السابقين، ما تحقق منذ وصول ولد الغزواني للسلطة.

وبينما رأى عدد من المتدخلين أن سنة غير كافية لتقييم أداء الرئيس، أشاد آخرون بما أطلقوا عليه "التهدئة السياسية" مشددين على ضرورة استغلال فرصة الهدوء السياسي في البلاد.

لجنة التحقيق البرلمانية، التي استدعت الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للتحقيق كانت أبرز ما نوقش خلال الندوة، بينما وقف رئيس المركز محمد السالك ولد إبراهيم، عند "استمرار احتقان النسيج المجتمعي، وتفاقم الإحباط المجتمعي بسبب انتشار الفساد وسوء التسيير والتلاعب بالممتلكات العامة للدولة والمجتمع".

فساد العشرية

في مقال للرأي تساءل الإعلامي الموريتاني محمد محمود ولد بكار عن شرعية ولد الغزواني دون مراجعة فساد العشرية التي حكم فيها ولد عبدالعزيز. معتبرا أن ولد الغزواني سيكون قد "قام بشيء لا يمكن أن يكون في دنيا موريتانيا ما هو أفضل منه، وهو التحقيق في 10 سنوات من النهب".

فيما عدد الدكتور الحسين الشيخ العلوي الباحث في مركز الجزيرة، أسباب الفساد في موريتانيا، وعلى رأسها وضع راتب رئيس الجمهورية.

وقال العلوي في مقال له: إن مرتب الرئيس يعادل 18.2 ألف دولار في الشهر، وهو الراتب الأعلى عربيا وإفريقيا لرئيس جمهورية. في حين يحتل المرتبة الخامسة عالميا بعد كل من الرئيس الأميركي والفرنسي والمستشارة الألمانية ثم رئيس وزراء كندا.

ورأى الدكتور والباحث أن الفساد منظومة متكاملة تنخر في جسم الدولة حتى أضحى أسلوبا وطريقة للتعامل في جميع المؤسسات والإدارات العامة في موريتانيا، منذ شرعن العسكر للفساد الممنهج في مطلع تسعينيات القرن المنصرم خلال حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع (1984 ـ 2005)، حتى أصبح عرفا كرس للرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام واستغلال النفوذ والمنصب.

إرادة باردة

الفساد ينخر في عظام موريتانيا منذ سنوات، وولد الغزواني في اختبار عسير ليثبت مدى جدية نظامه في محاربته. في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 2020 اكتشف اختفاء مبالغ مالية من حسابات المصرف قدرت بنحو 2.4 مليون دولار، وتعويض جزء من المبلغ بعملات أجنبية مزورة.

ملف البنك المركزي، هو آخر الامتحانات التي تواجه ولد الغزواني، إذ يفترض أن تكون خزائن العملات الصعبة بالبنك المركزي المكان الأكثر رقابة والأشد تحصينا، كما أنها ضربة للاقتصاد الوطني.

الكاتب والباحث الموريتاني، مولاي عبد الله مولاي أحمد، قال: "لا يعتقد أن الكثير تحقق في مجال مكافحة الفساد في موريتانيا، واعتبر أن المنهجية التي كان يفضلها رئيس الجمهورية غير فعالة، فهو كان يفضل العمل بقاعدة "الماضي متروك والمستقبل ممنوع"، أي التغاضي عما سبقه مقابل توقف المفسدين عن إفسادهم، ولكن هذه القاعدة حالمة وضعيفة ولا تصلح لأن الفساد مستمر وإن بطرق جديدة.

وأضاف مولاي أحمد لـ"الاستقلال": "محاكمة الجنرال ولد عبد العزيز أصبحت مطلبا شعبيا يتطلع إليه الجميع، والخطوات التي حدثت في هذا الاتجاه مقبولة لكنها بطيئة على نحو يجعلها غير رادعة أو مهابة من طرف شبكة المفسدين وفي مقدمتهم ولد عبد العزيز الذي يوصف بأنه المفسد الأكبر".

واستدرك قائلا: "لا أزعم عدم وجود إرادة لدى الرئيس لمكافحة الفساد، لكني أرى أن ذلك يحتاج إلى إرادة حارّة وعزيمة قاطعة، وما نلاحظه من الدلائل يشير إلى وجود إرادة باردة، وكثير من الناس مثلي يعتقدون أن عاما كاملا يكفي لإصدار حكم كهذا".

وخلص الباحث إلى أنه من المهم أن أشير إلى أن فساد الرئيس السابق كبير ويتجاوز المستوى المحلي إلى الإقليمي والعالمي، وهذه إحدى العوائق أمام ولد الغزواني الذي تربطه علاقة إستراتيجية بإحدى الدول العربية التي كانت أهم ملاذات ومغاسل أموال سلفه المشبوهة.

تجفيف المنابع

لكن الباحثة في الاقتصاد والناشطة المجتمعية، زينب محمد يحيى، قالت: "لا يمكن القول إن إجراءات محاكمة ولد عبد العزيز هي أبرز ما قام به ولد الغزواني للقضاء على الفساد، إذا لم يتفحص المتابع للمشهد الموريتاني كل القرارات والإجراءات التي تمت، فلا يمكنه أن يلاحظ أن هناك حربا على الفساد".

اعتبرت الباحثة في حديثها لـ"الاستقلال"، أن "ذلك يحسب للنظام وليس عليه، إذ عادة ما لا يتخطى التصريح بالحروب على الفساد في مجموعة من الأنظمة مرحلة الشعارات وخلق البروباجندا، وفي حال وجود محاسبة فهي تكون تصفية حسابات لا غير، وهذا ما كان يقوم به عبد العزيز".

خلو فترة الغزواني من هذه الدعاية هو "دليل حقيقي على الإرادة السياسية لدى الرئاسة لمحاربة الفساد، وتجفيف جذوره في صمت"، بحسب المتحدثة.

كون عبد العزيز صديقا ومقربا من ولد الغزواني لم يقف في وجه مؤسسات الدولة للتحرك ضده، وما يدعو الاستبشار بهذه المعركة هو أنها ليست معركة الرئيس الحالي مع سلفه ولا مع شخصيات في النظام، بل هي معركة مؤسسات ضد أركان الفساد. وهو ما أثبته الرئيس بالبقاء على شخصيات داخل النظام يعلم الشارع الموريتاني أنها لا زالت تدين بالولاء لعبد العزيز.

تقارير محكمة الحسابات كانت تصدر بشكل دوري تضمنت دائما إشارات كبيرة على وجود فساد في هياكل الدولة لكنها لم تنشر قبل عهد الرئيس الحالي بقرار منه، وصفته المتحدثة بـ"الصائب والشجاع، يمكن الشعب من التحقق إذا ما كان رجالات الدولة يؤدون دورهم بنزاهة".

ورأت فيه مؤشرا آخرا على "الإرادة الحقيقية للحرب على الفساد. على أسس قانونية بدليل ووثائق ليس بشكل انتقائي".

تضييق الخناق

وقالت زينب محمد يحيى: "من الخطوات المهمة التي أعتبر أنها تشكل أركانا تمتد لتكون دعامات حقيقية للحرب على الفساد، هي فتح المجال للبرلمان للقيام بدوره الرقابي على الحكومة ودوائر الدولة، لذلك تم تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق على ضوء تقارير محكمة الحسابات".

مضيفة: "وتتكون اللجنة من نواب موالين وآخرين معارضين ثم من نواب مستقلين، لضمان النزاهة. ولد الغزواني هو من منح المؤسسة الدستورية هذه الصلاحية، إذن فالحرب هنا ليست بين رئيسين بل بين شعب ممثلا في برلمانه وأقطاب الفساد المتجذرة في مفاصل الدولة".

وعددت الناشطة إنجازات الرئيس الجديد قائلة: "هناك مصادرة للكثير من القطع الأرضية التي تم الاستيلاء عليها بطرق غير شرعية، هناك إلغاء لعدة صفقات للأعلاف كانت عناصر داخل الدولة تستفيد منها بشكل غير شرعي".

تمت محاصرة الفساد وتضييق الخناق عليه، في حين كان المفسدون في العشرية الماضية يسلبون أموال الموريتانيين دون رقيب ولا حسيب. وتوقف تهريب الأموال إلى الخارج في سفن الصيد، وهو ما تم توقيفه بعد ضبطها وكشفها للرأي العام. ما كان الشارع الموريتاني ليعلم بعملية النصب التي طالت البنك المركزي عبر تزوير الحسابات وتهريب الأموال، حسب زينب.

ألقت فضيحة البنك المركزي الضوء على فضائح أخرى، بحسب المتحدثة، من بينها أن المؤسسات السيادية الوطنية كانت محروسة من شركة أمن خاصة مملوكة لرئيس البرلمان.

 

تفكيك الجبهة

الإنجاز أنه تم اتخاذ قرار سريع لتصحيح الأمور، فمراكز السيادة الوطنية لا يجب أن تكون محروسة من قوى أمنية خاصة بل يجب أن تكون تابعة للمؤسسة الأمنية للدولة من حرس وطني وجيش وشرطة، وهو القرار الذي تم اتخاذه يومين بعض الفضيحة.

استطاع الرئيس، برأي زينب محمد يحيى، أن يفكك جبهة الفساد، فعندما تسلم مقاليد الحكم أبقى الفاسدين داخل الحكومة لكنه استبعدهم من قمرة القيادة وأعطى المجال للمؤسسات لمواجهتهم حتى يتعرف الشعب عليهم وعلى فسادهم.

بهذا تحولت المعركة بين الشعب وأقطاب الفساد لا بين هؤلاء والرئيس، الذي كان يمكنه الخروج في خطابات نارية وخلق البروباجندا، تضيف المتحدثة.

ولد الغزواني استلم بلدا يعيش 12 سنة تحت حكم محمد ولد عبد العزيز، قبل مرحلة الانقلاب وما عرفت من فساد زائد العشرية السوداء كما يسميها الموريتانيون. عاش البلد خلال هذه الفترة عدة هزات سياسية واقتصادية وعدم استقرار سياسي دائم وأوضاع أنهكت البلد.

وخلصت الباحثة إلى أن كل ذلك يجعل من غير المنصف أن نطلب من ولد الغزواني أن يقضي أو يصحح تجربة الفساد التي بدأت تتكشف منها قمم الجليد فقط، في السنة الأولى.

الرئيس وضع برنامجا للتأسيس لهذه الحرب، أسماه برنامج أولويات تعتبر مرتكزات الإصلاح، وقد عزز المؤسسية لمحاربة الفساد سواء مع ولد الغزواني أو من يخلفه.