أميركية و"ملك القمار".. كيف صنع ابن زايد الدائرة المحيطة بابن سلمان؟

عبدالرحمن محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن صعود محمد بن سلمان إلى منصب ولاية العهد في يونيو/ حزيران 2017، يمثل تمردا على كثير من الأعراف والتقاليد الدينية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية فحسب، بل تجاوز إلى طريقة إدارة شؤون المملكة ورسم خططها الاقتصادية أيضا.

أصبحت المعايير التي تؤهل للاقتراب منه مبنية إما على الصداقة كحال تركي آل الشيخ (مستشار حالي في الديوان الملكي برتبة وزير، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه)، أو على توصية من ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، كما هو الحال في كثيرين من المقربين منه، وكذلك اتخاذ الفاشلين في أعمالهم السابقة وأصحاب الجرائم المالية وتعيينهم مستشارين.

كان لهؤلاء أدوار مهمة في رسم السياسة الاقتصادية في المملكة، والتي كان من المفترض أن تعتمد على رؤية 2030، والتي يمثل الاعتماد على الجوانب الاقتصادية غير النفطية، أهم أركانها.

لكن – وعلى يد هؤلاء - تحولت المشاريع إلى صفقات شراء أندية رياضية بوساطة صديقات مقربات، أو إلى مشاريع ترفيهية ضخمة جدا يترأسها أصحاب أكبر أندية القمار في العالم، أو مشاريع عملاقة مثل مشروع نيوم، الذي ترأسه لفترة نفس الشخص الذي تسبب بفضيحة مالية لشركة سيمنز الألمانية.

إسبرطة الصغيرة

استطاع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد أن يضع لبلاده مكانا على الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، بتحركاته في كل مكان بغية الحصول على وزن إستراتيجي للدولة ذات الملاءة المالية الكبيرة.

محللون غربيون وصفوا أهداف ابن زايد بأنها "إمبراطورية الإمارات" أو "إسبرطة الصغيرة"، وتوظيف علاقاته مع بعض الدول العربية لتنفيذ طموحاته وأهدافه.

في 2016، نشر الصحفي روري دوناجي مقالا على موقع "ميدل إيست آي" شرح فيه ما أسماه "خطة" يقف خلفها ويدعمها محمد بن زايد لتنصيب ابن سلمان ملكا للسعودية، بدلا من محمد بن نايف.

ويرى دوناجي أن محمد بن سلمان بات بمثابة القفازات التي يرتديها محمد بن زايد، لممارسة أدوار وسياسات لا ترضى عنها شعوب المنطقة فيما يتعلق بعدد من القضايا التي وجد ابن سلمان نفسه متورطا فيها، على حد قوله.

لم يقتصر دور ابن زايد على تعيين ابن سلمان وليا للعهد في السعودية وتوجيهه لتحقيق أجندته الخاصة فحسب، بل استطاع التأثير على السياسة الاقتصادية للمملكة من خلال الانجرار إلى حرب اليمن.

أيضا من خلال توجيه دفة خزينة البلاد إلى مشاريع جانبية من خلال شخصيات لهم علاقة بالإمارات، أصبحوا فيما بعد إما مستشارين أو أصحاب مناصب نافذة في السعودية، وهذا كله في ظل ما يسميه الموقع الفرنسي ميديابارت بـ "أسلوب تحريك الدمى" الذي يمارسه ابن زايد.

ملك القمار

كانت إحدى المشاريع التي تفتق عنها ذهن واضعي رؤية 2030، مشروع "القدية" جنوب غرب العاصمة السعودية الرياض، وهو منتزه ترفيهي ضخم يقع على مساحة 334 كم مربع، ببنية تحتية تتجاوز قيمتها 8 مليارات دولار، برعاية كاملة من صندوق الاستثمارات العامة الذي يتبع مباشرة لابن سلمان الذي يترأس مجلس إدارة الشركة أيضا، بحسب موقع "إرابيان بزنس".

حرص الإعلام السعودي على تقديم وجه معين للسيرة الذاتية للمدير التنفيذي لمشروع "القدية" الترفيهي، مايكل رينينجر، حيث ركز على كونه خبيرا في تطوير المشاريع الكبرى لمدة تجاوزت 30 عاما، حصلت منها شركة "والت ديزني" على 12 عاما منها.

لكن الوجه الآخر الذي لم يتم تسليط الضوء عليه، كونه مؤسسا ومديرا لشبكة من نوادي القمار في دبي، من خلال عمله كنائب رئيس شركة "إم جي إم ميراج" وهي إحدى أهم المستثمرين في نوادي القمار حول العالم.

ونقلت وكالة "رويترز" نبأ استحواذ شركة "إم جي إم ميراج" على عقود شراكات تجارية مع شركة دبي العالمية بقيمة 5 مليارات دولار عام 2007.

كما أن الشركة الأميركية استحوذت على عقد إدارة 3 فنادق بمشروع "لؤلؤة دبي" عام 2009، بحسب صحيفة "بزنس" الأميركية.

وفي مقابلة لرينينجر مع رويترز، أجاب على سؤال حول ما إذا كانت القيود الاجتماعية المفروضة في أنحاء المملكة مثل منع الاختلاط وغيرها، ستطبق في المشروع الجديد، أجاب بأن "القدية ستظل في صدارة التغييرات في المملكة التي خففت الكثير من تلك القواعد في السنوات الأخيرة".

مستشار فاسد

في يوليو/ تموز 2018، وبعد 9 أشهر على تعيينه رئيسا تنفيذيا للمشروع السعودي "نيوم"، غادر كلاوس كلاينفيلد، منصبه ليصبح مستشارا لولي العهد محمد بن سلمان.

وحسب بيان صدر وقتها عن المجلس التأسيسي لمشروع "نيوم" فإن كلاينفيلد سيتولى "مهاما أوسع نطاقا لتعزيز التنمية الاقتصادية والتقنية والمالية في المملكة العربية السعودية"، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس".

لكن الحقيقة التي لم يظهرها الإعلام السعودي، هي أن كلاينفيلد وخلال شغله منصب المدير التنفيذي لشركة "سيمنس" الألمانية، تورط في فضيحة فساد كبرى وصفت بأنها "الأكبر" في التاريخ، وفقا لوكالة "رويترز".

ونقل موقع "دويتشه فيله" في تقرير نشر عام 2008، أن فضيحة الفساد انفجرت عام 2006، عندما تم الكشف عن تقديم الشركة الألمانية "سيمنس" أكثر من مليار دولار كرشاوى لمسؤولين حكوميين في عدد من دول العالم، بهدف الفوز بعقود مشروعات في تلك الدول على حساب الشركات المنافسة.

وفي عام 2007، وبعد فضيحة الشركة الألمانية، انتقل كلاينفيلد إلى عملاق صناعة الألومنيوم الأميركي "ألكوا" كرئيس لمكتب العمليات ثم رئيسا تنفيذيا، وأخيرا رئيسا لمجلس إدارة شركة "أركونيك" المتخصصة في صناعة محركات الطائرات.

لكنه اضطر إلى ترك منصبه بعد معركة حامية مع رئيس صندوق التحوط الذي يملك الشركة، بول زينغر، الذي اتهم كلانيفيلد بالفشل في تحقيق نتائج تذكر، حيث وصفه بأنه "شخصية لها كاريزما فريدة، استغل علاقته الوثيقة مع المدراء لضمان استقراره في وظيفته رغم أدائه المتواضع"، بحسب وكالة "بي بي سي".

وفي عام 2017، نشر موقع "بلومبيرغ" الأميركي خبرا عن تكليف كلاينفيلد بمنصب مدير مشروع نيوم، قال فيه: إن تعيينه في هذا المنصب خير دليل على عوائد "الحج إلى منتجع دافوس السويسري" في إشارة إلى حضور كلاينفيلد المستمر لمنتدى الاقتصاد العالمي السنوي "دافوس"، والذي يوفر فرصة ذهبية لبناء علاقات مع أصحاب قرارات حول العالم.

مهندسة الصفقات

لطالما افتخرت السيدة الأميركية ذات الـ34 عاما بأنها من النوع الذي يعقد صفقات تتكون من "تسعة أصفار" في إشارة إلى الصفقات المليارية.

كارلا دي بيلو، التي ارتبط اسمها مؤخرا بالدوائر القريبة من محمد بن سلمان، وتحديدا رئيس صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقالت الصحيفة في تقرير نشرته في فبراير/ شباط 2020: إن دي بيلو صديقة مقربة من ياسر الرميان وتلعب دورا بارزا في مساعدة الرياض في إتمام بعض الصفقات التي تستحوذ على اهتمام ولي العهد السعودي.

حسب صحيفة وول ستريت جورنال، شوهد الرميان وكارلا، اللذان يجمعهما الشغف بالغولف، وهما يتناولان الطعام معا، ويقضيان بعض الوقت على متن قارب أثناء فعالية للقوارب في البحر الأحمر استضافها محمد بن سلمان في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وأشار التقرير إلى مساعدة دي بيلو للشركات الأجنبية بمقابل مادي في الوصول إلى كبار المسؤولين السعوديين، وذلك من خلال اجتماعات عمل رسمية وأحيانا في أماكن غير رسمية.

وفي عام 2019، وفي مدينة نيويورك، ساعدت دي بيلو أحد المديرين التنفيذيين لشركة "جول لابس" في عقد لقاء مباشر مع ياسر الرميان، وبرغم عدم إكمال الصفقة إلا أن اللقاء يعتبر "إنجازا" للمسؤول التنفيذي في الشركة، بحسب الصحيفة.

وتشير الصحيفة إلى أن دي بيلو أصبحت صديقة مقربة من "العنود" بنت عصام غزاوي أحد المسؤولين المقربين من الملك سلمان، خلال عقدين من الزمان، وقت نشأتها في فلوريدا في منزل مجاور لمنزل المسؤول السعودي.

أدوار كارلا دي بيلو التي سبق عرضها، لم تكن شيئا مقارنة بدورها في صفقة نادي نيوكاسل الإنجليزي، فرغم قوة شخصيتها أثناء الاجتماع، إلا أنها لم تقدم أجوبة شافية على أسئلة مسؤولي الشركة الهندية المسؤولة عن الصفقة، وفق  "وول ستريت جورنال".