تيار "الأقيال".. كيف جذب خطابه اليمنيين لمحاربة عنصرية الحوثي؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تنامى مؤخرا في اليمن تيار شبابي اسمه "الأقيال"، وشهدت أطروحاته تفاعلا واسعا خلال الأسبوعين الماضيين على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي.

ورغم تأسيس التيار قبل أكثر من 3 أعوام، إلا أن خطابه شهد مؤخرا تفاعلا كبيرا من قبل فئات عديدة من أبناء الشعب اليمني، خصوصا من فئة المثقفين والإعلاميين والأكاديميين.

تأسس تيار الأقيال نتيجة عجز الحكومة الشرعية في اليمن عن حل مشكلة الحوثيين، بالتزامن مع تمددهم واستمرار اعتداءاتهم على اليمنيين، في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.

إلا أن ذلك التفاعل زاد، خلال الأسبوعين الأخيرين، ضمن هبة شعبية غاضبة، عقب فرض الحوثيين، في مجلس النواب الخاضع لسيطرتهم، قانون الخمس على الدولة وعلى فئات عديدة من التجار، وهي نسبة 20% تؤخذ من ثروات اليمن ومن كبار التجار لصالح سلالة "بني هاشم"، بحجة أن ذلك حق شرعي لأبناء وأحفاد النبي محمد بن عبد الله.

أدبيات التيار

"الأقيال"، جمع "قيّل"، وهو لقب حميري، نسبة لـ "حمْيَر"، الدولة اليمنية القديمة التي حكمت قبل الميلاد، ويطلق لقب "الأقيال" على رؤوس القوم وقادتهم.

يتبنى تيار "الأقيال" خطابا قوميا يمنيا، وينطلق من منطلقات الهوية الحميرية، ويستهدف خطابه، بالدرجة الأولى، سلالة الهاشميين في اليمن التي تعد، بحسب الأقيال، الحاضنة الاجتماعية للحوثيين، وكذلك المذهب الزيدي الذي يعد الحاضنة الفكرية والدينية للجماعة.

يقوم الفكر الهاشمي على نظرية الأفضلية في السلالة، في حين يقوم الفكر الزيدي (المنسوب للإمام زيد بن علي) على نظرية "حصر الحكم في البطنين"، أي أبناء الحسن والحسين، كحق إلهي ممنوح، من قبل الله، لابنَي علي بن أبي طالب.

حسب الأقيال، فإن المذهب الزيدي، ليس مذهبا دينيا، بل مذهب سياسي سلطوي، سعى لاحتكار السلطة باسم الدين، ثم استعار أفكاره الفقهية من المذهب الحنفي، والمسائل العقدية من مذهب أهل الكلام (المعتزلة)، لتصديره كمذهب ديني.

فضلا عن ذلك، فإن المذهب الزيدي، منذ دخوله اليمن، على يد يحيى بن القاسم الرسي عام897م، قام على رقاب اليمنيين، حيث أعمل الرسي سيفه في رقاب اليمنيين؛ لإخضاعهم والاستيلاء على أراضيهم الزراعية وممتلكاتهم، تحت مسمى "الحق الإلهي" و"الأفضلية السلالية"، حسب تيار "أقيال".

كان يحيى الرسي الملقب بالإمام الهادي قد قدم من طبرستان (شمال إيران)، بعد أن فشل في تأسيس دولة "زيدية" هناك، وحل في جبال الرس بالحجاز، ثم قدم إلى اليمن عقب ذلك، ومات في اليمن، وله مقام في صعدة يتبرك به الحوثيون وشيعة إيران ولبنان وبقية الدول العربية.

يرى الأقيال أن مشكلة اليمن التاريخية بدأت منذ دخول الرسي إلى اليمن، عندما دشن تأسيس الدولة الزيدية في اليمن بمعارك دامية، استمرت بعد ذلك في ظل حكم الأئمة الزيدية لأكثر من ألف سنة، أي حتى عام 1962.

وكانت جماعة الحوثي قد أطلقت اسم "عملية الإمام الهادي" على هجومها الذي شنته الأسبوع الماضي على مديريات تابعة لمحافظة مأرب شرق صنعاء، لتكشف بذلك مدى العلاقة التي تربط الجماعة الحوثية بمؤسس الدولة الزيدية في اليمن.

حل جذري

يرى الأقيال أن جماعة الحوثي ليست إلا نتيجة طبيعة أفرزتها السلالية الهاشمية التي تدعي الأفضلية والأحقية في الحكم، وتعتبره "حقا إلهيا" ممنوحا من قبل الله لأبناء الرسول، وهي النظرية التي ينص عليها المذهب الزيدي التي تحصر الحكم في البطنين، أي في أبناء الحسن والحسين.

ولحل مشكلة الحوثي، من الناحية النظرية، وفقا للأقيال، فيجب استئصال الفكر السلالي العنصري الحاضن لفكر جماعة الحوثي، كما يرون ضرورة تجريم السلالية الهاشمية بموجب الدستور والقانون، كما تم تجريم النازية في ألمانيا.

يرى تيار الأقيال بأن القضاء على جماعة الحوثي، من غير القضاء على الفكر العنصري لدى السلالة الهاشمية، يرحّل المشكلة ولا يقضي عليها، ذلك لأن السلالية الهاشمية قادرة على إنتاج جماعة أخرى، وهو الأمر الذي حصل عندما تم القضاء على أسرة حميد الدين في عام 1962، ولم يتم تجريم السلالية الهاشمية، فكانت النتيجة أن أنتجت أسرة أخرى تمثلت بجماعة الحوثي.

شاعر اليمن الثائر محمد محمود الزبيري، الملقب بأبي الأحرار، قال في خطاب له عن بيت حميد الدين وهي أسرة هاشمية حكمت اليمن قبل قيام ثورة 1962:

"لماذا كرهنا بيت حميد الدين؟..ما كرهناهم لأنهم يلبسون ملابس معينة، ولا كرهناهم لأن أسماءهم فلان وفلان، ولا كرهناهم لطولهم أو عرضهم، ولا كرهناهم لأننا نريد أن نظلمهم ..أبدا. لقد كرهناهم لأنهم يريدون أن يملكوا رقابنا كلنا.. هي عائلة واحدة في اليمن .. عائلة واحدة .. تريد تملك رقابنا كلنا !!"

وتساءل الزبيري:  "هل نحن عبيد ... خلقنا الله عبيدا؟ أم خلقنا أحرارا ..؟ لقد خلقنا أحرارا، ونحن رفضنا أن نكون عبيدا لهم، لا فرق بيننا وبينهم أبدا ولا بيننا وبين أحد ..!!"

وفي خطاب للرئيس المغدور إبراهيم الحمدي، ألقاه في منطقة سنبان التابعة لمحافظة ذمار ( وسط اليمن) عام 1977، قال فيه:

أذكركم بعشرات السنين من حكم بيت حميد الدين، وماذا صنعوا لنا، أذكركم كم قبّلنا أقدامهم، وكم اعتقدنا بأن طريق الجنة على أيديهم، وليس على أيديهم إلا طريق النار، وطريق الخراب، وطريق الدمار.

وأضاف الحمدي في خطابه الشهير: واليوم وقد رفض شعبنا تلك الأسرة الملعونة، وطردها إلى الأبد، ها نحن نرى أن الأجيال القادمة تأتي لتأخذ دورها على هذه الأرض، لتعيش حياة كريمة..!!

أفضلية مطلقة

كمظهر من مظاهر المفاضلة، فإن الأسر الهاشمية، في اليمن، تنكفئ على نفسها في علاقات النسب والمصاهرة، فلا تتزوج من سلالة غير هاشمية، ولا تزوّج شخصا من غير سلالة هاشمية، ذلك لأنها تعتقد أن السلالة الهاشمية من أفضل السلالات، ويجب الحفاظ على نقاء هذه السلالة من أن تختلط بسلالة أقل منها في الكفاءة.

كما تقتضي تلك الأفضلية أن للأسر الهاشمية الصدارة في كل شيء، بما في ذلك المركب والمجلس، ففي إنشاء منازل بعض الأسر الهاشمية العريقة، على سبيل المثال، فإن أماكن استقبال الضيوف، ويسمى في اليمن (الديوان)، تُبنى بمصطبة مرتفعة عن بقية المكان، وذلك لتخصيصها للزائرين من الأسر الهاشمية، فالهاشمي، وعلى خلاف بقية الزائرين، لا يجلس حيث ينتهى به المجلس، بل يجلس في المصطبة المرتفعة التي سبق وأن خصصت لأمثاله مسبقا.

في منشور على فيس بوك للكاتب والباحث عصام القيسي قال فيه: كانت مشكلتنا مع الهاشمية لا مع الهاشميين، لكن المشكلة أن معظم الهاشميين قد أصبحوا مع الهاشمية، وتتضح هذه الحقيقة بمجرد تعريف الهاشمية: إنها نزعة عنصرية تدعي أن الله قد اصطفى سلالة من الناس اصطفاء عرقيا ومنحها حقوقا استثنائية في السلطة والمال والكرامة!.

وتساءل الكاتب اليمني: كم عدد الهاشميين الذين لا يؤمنون بنظرية الاصطفاء العرقي والحق الإلهي وحقوق آل البيت؟!.

إذا قلت أغلبية، فلماذا لا نسمع صوت هذه الأغلبية؟! لماذا لا تصرخ مع اليمنيين؟! ألا تستطيع الكلام؟!. وإن قلت أقلية، فإن الأحكام تراعي الأغلبية لا الأقلية. فإذا قلنا إن الهاشميين عنصريون فهو حكم على الأغلبية لا على الأقلية، حكم على المجموع لا على الجميع!.

وتابع الباحث اليمني: "وعندما تغضب الأقلية من حكم كهذا فإنما تدلل على أنها ما زالت تعطي (الانتماء المنوي) اعتبارا وقيمة أكثر من الانتماء الوطني، أو الانتماء للحقيقة. وفي الحالتين لا كرامة لأحد لا يغضب إلا لكرامته وحدها، ولا يرمش له جفن إذا انتهكت كرامة الآخرين. والكرة في أيديهم إما أن يرفعوا أصواتهم مع أصوات اليمنيين، وإما أن يتحملوا وزر الفتنة التي لا تصيب الذين ظلموا منهم خاصة.

خطاب متطرف

يواجه تيار الأقيال اتهامات بطرح خطاب متطرف، يدعو من خلاله إلى استئصال سلالة يمنية، ويحارب العنصرية بعنصرية مضادة، ففي الوقت الذي تنطلق الهاشمية من منطلقات سلالية وتدّعي الأفضلية، فإن الأقيال ينطلقون من منطلقات قومية ويدعون الأفضلية والامتياز.

كما يواجه التيار اتهاما بدعوته إلى استئصال مذهب ديني معتبر، وهو المذهب الزيدي الذي أسسه الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

الكاتب الصحفي والناشط في تيار "أقيال"، حفظ الله العميري، قال لـ"الاستقلال": "نحن كتيار أقيال لا ندعي الأفضلية، نحن دعونا الهاشميين ليكونوا مواطنين يمنيين، لا يحملون أي شعور بأي امتياز ولا يدعون أي أفضلية، ولا يمارسون، ضد اليمنيين، أي ممارسات قائمة على فكرة أفضلية السلالة، ولا يحتكرون أي سلطة باسم الدين والإله".

يضيف العميري: "لو كانت هناك أفضلية لأحد في اليمن، فهي لنا نحن الأقيال، فنحن أصحاب الأرض منذ 4 آلاف عام، وهم أتوا إلينا ضيوفا أكرمناهم، فأعملوا السيوف في رقابنا لأكثر من 1000 عام، وها نحن اليوم نرى ممارسات الحوثي أمامنا".

يتابع الصحفي اليمني: "الهاشميون، في اليمن، بين أمرين: إما أن يعيشوا مواطنين مثلنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، نكون متساوين في الحقوق والواجبات، وليس لأحد فضل على أحد، ونمارس السلطة عبر الأدوات السياسية، أو أن يعودوا من حيث أتوا".

العضو البارز في تيار "أقيال" قال: "في واقع الأمر، لنا تجربة تاريخية مع الهاشميين، تمتد لأكثر من ألف عام، عاشها آباؤنا وأجدادنا ووثقتها كتب التاريخ المليئة بالأحداث، ويشهد لها الحاضر، هذه سلالة لن تقبل بأن تكون مساوية للآخرين في الحقوق والواجبات، وإذا رضيت فإنما هو من باب الالتفاف والتحايل على الآخرين".

وعن الخطاب المتطرف لدى تيار الأقيال، يقول العميري: "الخطاب المتطرف خطاب فردي، لا يعد من أدبيات التيار، نحن خطابنا واضح، وأدبياتنا واضحة، ومعركتنا مع السلالية الهاشمية معركة صفرية، ومع هذا فإننا نسعى لعقلنة الخطاب الفردي".

أما عن الدعوات لاستئصال المذهب الزيدي، فيقول العميري: "هذا مذهب سلطوي، جاء ليصادر حق اليمنيين، ويملك رقابهم باسم الدين وسلالة النبي، نحن ندعو لاستئصال الجزئية التي تصادر حق الآخرين وتقتلهم، وهي نظرية، حصر الحكم في البطنين، مع احتفاظ المذهب بأفكاره الفقهية والعقدية".

يتابع العميري: "أؤكد للجميع بأن المشكلة الحوثية، التي تعد من أشد تعقيدات الأزمة اليمنية، لن تُحل إلا بالقضاء على السلالية الهاشمية، الحاضن الفكري للجماعة، لأنها هي التي أنتجت هذه الجماعة، وهي التي تزودها بعوامل بقائها، وستكون قادرة على إنتاج غيرها، وذلك ما رأيناه منذ يحيى الرسي، مرورا ببيت حميد الدين، وانتهاء بالحوثي".

ويختم العميري بالقول: "القومية اليمنية هي العقيدة القتالية التي يجب أن يحارب اليمنيون الحوثيين من خلالها، ويجب أن يلتف حولها اليمنيون، لتجريم الهاشمية السلالية والقضاء على الحركة الحوثية، وبغير هذه الرؤية، سيظل اليمنيون فاقدي البوصلة".