لوبوان: لهذا يواصل ترامب هجماته على الجنائية الدولية

12

طباعة

مشاركة

بعد منظمة الصحة العالمية، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرسوما يجيز تجميد الأصول وحظر التأشيرات ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، وهي عقوبات تهدف إلى عرقلة فتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان.

بهذه الكلمات نشرت الكاتبة فالنتين أراما مقالا لها في مجلة "لوبوان" الفرنسية عن العداء بين الولايات المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية والذي يعود إلى ما قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

وقالت فالنتين: "في ذروة وباء كورونا المستجد (كوفيد -19) الذي هز الكوكب، أصرت واشنطن على جعل الدولة الصينية تدفع ثمن تقصيرها".

وعلى مدار عدة أسابيع، اتهم سياسيون – على رأسهم دونالد ترامب - الصين بالتأخر في التحذير من خطورة الوضع وتقليل عدد الوفيات المرتبطة بالفيروس التاجي.

وخلال هذه الفترة، تضيف الكاتبة، ضاعف المحامون والناشطون والجمهوريون المنتخبون طلبات الشكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشيرين إلى ضرورة معاقبة الدولة الصينية. 

لكن هذا مستحيل، تبين فالنتين، لأن الولايات المتحدة لا تعترف بالمحكمة الجنائية، حيث لم تصادق على نظام روما الأساسي، كما أنه أمر مثير للدهشة عندما نعرف عداء البلاد تجاه المنظمة الدولية.

وأكدت أنه منذ 11 يونيو/ حزيران 2020، أصبحت المحكمة الجنائية الدولية مرة أخرى هدفا للولايات المتحدة. وتابعت: "وقع دونالد ترامب بالفعل مرسوما رئاسيا يعلن عن عقوبات اقتصادية ضد قضاة ومسؤولي المحكمة". 

كما اتهم ساكن البيت الأبيض المحكمة بفتح تحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها الولايات المتحدة خلال الحرب الأفغانية، الأمر الذي سيكون بمثابة "تهديد للأمن القومي"، بحسب ترامب.

وفقا لرافائيل نوليز- جولدباخ، باحثة في القانون الدولي في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) ومدرسة الأساتذة العليا (ENS): "هذا مثال واضح على التوترات التي تؤثر على العدالة الدولية، والتي تُستخدم هنا كأداة سياسة واقعية، وتؤكد بشكل تمام موقف الولايات المتحدة تجاه العدالة الدولية". 

انتهاكات الاستجواب

وأشارت كاتبة المقال إلى أن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية يستهدف حركة طالبان، والجيش الأفغاني، وأيضا التقنيات المستخدمة أثناء استجواب المعتقلين التي كان يقوم بها الجنود الأميركيون أو عملاء وكالة المخابرات المركزية "سي أي أيه" في مراكز الاستجواب السرية التي تم إنشاؤها بعد عام 2003.

واعتمد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والقضاة بشكل خاص على تقارير مجلس الشيوخ الأميركي، التي نشرت بعد لجان التحقيق، إذ تشير إلى ممارسات الاستجواب مثل الإغراق (التعذيب بالماء)، وكذلك العزل، أو تعريض المعتقلين للضوء على مدار 24 ساعة أو تعريتهم.

وأوضحت أن المدعي العام طلب فتح تحقيق في عام 2017، لكن أعلنت المحكمة أخيرا عدم أهليتها في عام 2019، غير أن المدعي العام قدم استئنافا ضد هذا القرار.

وكرد فعل، أصدرت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات ضد المحكمة. وفي أبريل/ نيسان 2019، تم التوقيع في واشنطن على مرسوم رئاسي لإلغاء تأشيرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، وهو عمل رمزي واضح.

وبسبب تعليقه، لم يسفر التحقيق عن إصدار أي أمر اعتقال، ولكن في 5 مارس/ آذار 2020، تطور الأمر، وسمحت دائرة الاستئناف للمحكمة مرة أخرى بفتح تحقيق بشأن أفغانستان (دولة صدقت هي نفسها على نظام روما الأساسي)، مما أثار غضب واشنطن مرة أخرى.

ضغط رمزي

وكطريقة لرفع الضغط قليلا بينما تحقق المحكمة الجنائية الدولية أيضا في جرائم حرب بفلسطين، قال البيت الأبيض في بيان: إنه "على الرغم من الدعوات المتكررة من الولايات المتحدة وحلفائنا للإصلاح، فإن الجنائية لم تفعل شيئا ولا تزال تجري تحقيقات ذات دوافع سياسية ضدنا أو ضد حلفائنا، بما في ذلك إسرائيل". 

وفي مواجهة هذا التحقيق الجديد، أعلن دونالد ترامب تجميد جميع الممتلكات والأصول المالية لأعضاء المحكمة الجنائية الدولية المكلفة بالتحقيق في أفغانستان، حيث من خلال هذه العقوبات، تأمل الولايات المتحدة في ثني السلطة القضائية عن محاكمة الجنود الأميركيين المتورطين في الصراع الأفغاني.

لكن مرة أخرى، يبقى الضغط رمزيا إلى حد ما، تقول فالنتين. ووفقا لها، لا تستطيع الجنائية الدولية فرض عقوبات على أي دولة، وبإمكانها فقط أن تقرر براءة المتهم أو إدانته. 

وكجزء من التحقيق في الجرائم التي يحتمل ارتكابها خلال الحرب في أفغانستان، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال فقط ضد أفراد.

وتؤكد رافائيل نوليز-جولدباخ: "هذه فرضية غير محتملة إلى حد ما، طالما أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها شرطة وتعتمد بالكامل على تعاون الدول، وللحكم على أميركي أثناء المحاكمة، يجب أولا أن يعتقل هذا الشخص ثم ينتقل إلى لاهاي (مقر الجنائية)".

"اعتداء خطير"

وترى الباحثة، أن هذا الخلاف يوضح بشكل جلي الجدل القائم حول العدالة الدولية، مع مراعاة "حدود كبيرة" للغاية.

وقد يتساءل المرء ما هو الهدف من فتح هذا النوع من التحقيق وإصدار أوامر اعتقال لا يمكن تنفيذها؟

ولكن على العكس، تقول الباحثة: "التقاعس التام سيؤدي إلى صورة كارثية، يجب ألا نعطي انطباعا بأنه لا يوجد عدالة عندما يتعلق الأمر بالأقوياء".

وفي ردها على قرار ترامب، أعربت فرنسا ثم الاتحاد الأوروبي عن "استيائهما" من إعلان القرار الأميركي، إذ قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيان: إن "هذا القرار يمثل اعتداء خطيرا على المحكمة وأبعد من ذلك، فإنه يطعن في تعددية الأطراف واستقلالية القضاء".

وأشار لودريان إلى أن المحكمة الجنائية تلعب دورا رئيسيا في مكافحة الإفلات من العقاب لمرتكبي أخطر الجرائم، وبذلك تسهم في السلام والاستقرار الدوليين.

كما دعا الوزير الفرنسي واشنطن إلى إعادة النظر في قرارها، مع التأكيد على أن باريس "ستواصل العمل حتى تتمكن المحكمة من أداء مهمتها بطريقة مستقلة ومحايدة، وفقا لنظام روما الأساسي".