سخر من كورونا وسيّس الفيروس.. هكذا ساق النظام المصريين للموت

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"والذي ما زال يضحك، لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب.. أي زمن هذا؟" كلمات للشاعر الألماني برتولت برشت، تعبر بوضوح عن الفزع الذي يسود العالم إثر تفشي وباء كورونا في أنحاء العالم، وموت الآلاف من البشر وإصابة عشرات الآلاف.

في مصر، بدأ نزيف الموت يطرق الأبواب، مع الإعلان عن وفاة أكثر من مصاب بالفيروس القاتل، مع الحديث عن عدم شفافية نظام السيسي في التعامل مع الأزمة بدءا بالإنكار الكامل، ثم التهوين، وتخوين المعارضة، ونشر فوبيا الإخوان، وصولا إلى مرحلة الصدمة.

ضحية الفيروس

كثير من المواطنين كانوا يصدقون الرواية الحكومية، لكنهم استفاقوا على كذب محقق وموت محتم، مثلما حدث مع المواطن محمد سليم، الذي دافع بضراوة عن رواية النظام بأن مصر خالية من كورونا، قبل أن يموت هو بالمرض ذاته.

في 10 مارس/ آذار 2020، كتب المواطن المصري محمد عبد المنعم سليم، من منطقة حدائق حلوان، بجنوب القاهرة، عبر صفحته على فيسبوك، قائلا: "لا تصدقوا أي خبر يصدر عن مصر وأزمة كورونا.. الجزيرة ومكملين والشرق، قنوات كشفت عن نفسها ووجهها القذر لمحاربة مصر.. أي واحد يموت في العالم يقولوا ده جاي من مصر، وكأن مصر أصبحت مدينة صينية، حسبي الله في كل من يريد إثارة وفزع المصريين". 

بعدها شعر الرجل بالإعياء، وتم نقله إلى مستشفى الحميات، ثم نقل إلى الحجر الصحي بمحافظة الإسماعيلية وتأكد إصابته بفيروس كورونا.

في 17 مارس/ آذار 2020، مات محمد سليم، متأثرا بـ"كورونا"، وقالت ابنته رضوى: إن "والدها لم يكن يعاني من أي مرض، ولكنه أصيب بالفيروس قبل 5 أيام، وعقب شعوره بأعراض كورونا، تم نقله لمستشفى الحميات، وبعد التأكد من إصابته، نُقل إلى مستشفى العزل، إلا أنه توفي".

المواطن المصري المتوفى مثل الملايين غيره ممن تأثروا بالآلة الدعائية لإعلام النظام، فراح يهاجم قنوات المعارضة، مصدقا فكرة أن الفيروس مؤامرة تستهدف البلاد، ولم يأخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من المرض، فمات به.

استضافة كورونا

الاستهانة المبدئية بصعوبة الوضع، بدأت من داخل أروقة الإعلام المصري، ففي 9 مارس/ آذار 2020، فاجأ الإعلامي جابر القرموطي المشاهدين بالحديث عن استضافته لفيروس كورونا، في برنامجه "الكلام على إيه"، المذاع عبر قناة الحياة الفضائية.

القرموطي الذي زغم استضافة الفيروس، على الهواء مباشرة عبر الأقمار الصناعية، جاء حواره ساخرا، ومرحبا بالفيروس، بقوله: "لا يخوف أحدا وهذه إشاعات على الشبكات الاجتماعية فقط، وأن المصريين يبالغون في القلق بشأنه، وأنه يرى أن مصر في كفة، وباقي العالم في كفة أخرى".

ثم تابع: "يعني أبقى فيروس وقاعد في حالي وألاقي الناس بتتهمني إني جيت في رسالة واتساب على جروب الماميز.. أنا أتهزأ كده في بلدكم وتركبوني المرجيحة وهاتك يا قلش وتقولوا اتنين مالهمش أمان الكورونا والإخوان!".

خلال الحلقة، قام جابر القرموطي بأداء أغنية حملت عنوان "يابا يابا م الكورونا"، حيث ظهر بالجلباب الصعيدي، وكانت الأغنية على لحن أغنية شعبية قديمة، من الفلكلور المصري. 

وفي 29 فبراير/ شباط 2020، تحدث الإعلامي عمرو أديب خلال برنامجه "الحكاية"، على تليفزيون "MBC" بطريقة متهكمة، وأسلوب ساخر: "إحنا بنجلد نفسنا.. ويوم ما تيجي الكورونا، يبقى أهلا بالمعارك.. إحنا المصريين يا كورونا، إحنا عو يا كورونا ومش بنخاف". 

وأضاف نافيا وجود الفيروس في مصر: "إحنا مش بدعة بين الدول، ليه محسسني إننا البلد التي لم يظهر بها الكورونا، وهتفضل طاهرة.. لو جت مصر أهلا وسهلا، المهم نكون جاهزين، وفي دول كبرى عندها مشاكل، والمفروض نحمد ربنا اننا معندناش حاجة". 

فوبيا الإخوان 

الإعلام المصري، بالإضافة إلى التهوين من خطورة الفيروس، ذهب إلى تسييس الواقع، وإلهاء الجماهير بالقضايا الخلافية المستمرة منذ سنوات، ففي 18 مارس/ آذار 2020، قال الإعلامي أحمد موسى: "جماعة الإخوان أخطر على المصريين من فيروس كورونا، والله جماعة الإخوان الإرهابية وجمال عيد أخطر على الـ 100 مليون مصري من كورونا".

ونفى موسى خلال برنامجه "على مسؤوليتي" على قناة صدى البلد، انتشار كورونا بمصر، وأرجع صور المرضى، بأنها مجرد شائعات تروج لها القنوات المعادية، وتعود إلى صور تم التقاطها في الجزائر.

ومضى الإعلامي إبراهيم عيسى، على خطى أحمد موسى، في هجومه على جماعة الإخوان، حيث غرد على تويتر، في 16 مارس/ آذار 2020، قائلا: "كل ساعة تمر على مصر نكتشف فيها أن جماعة الإخوان المسلمين بكراهيتها وحقدها، ووضاعتها، وخيانتها فيروس أسوأ ألف مرة من فيروس كورونا".

وتجاوز الحد هجوم الأذرع الإعلامية، بل وصل إلى كبار المسؤولين في الدولة، ومنهم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الذي نشر عبر الموقع الرسمي للوزارة، قائلا: "جماعة الإخوان اختل توازنها العقلي، وفاق إجرامها كل التصورات الإنسانية، وصارت خطرا يهدد العالم بأسره، وندعو العالم كله للتعرف على حقيقتها الضالة، فبعض عناصرها المجرمة تدعو لنشر فيروس كورونا بين الأبرياء".

وتابع: "دعا بعض أعضاء الجماعة الضالة المصابين من عناصر الجماعة  بفيروس كورونا لنشره بين رجال الجيش والشرطة والقضاء والإعلام وغيرهم من أبناء المجتمع الأبرياء، بما ينم عن أقصى درجات اختلال توازن الجماعة العقلي والنفسي والإنساني".

أما البرلماني أحمد خليل، عضو حزب مستقبل وطن، الموالي لنظام السيسي، فبدلا من وضع الخطط، والتساؤلات لمواجهة خطر تفشي الفيروس، ذهب إلى مهاجمة الإخوان، وقال: "قنوات الإخوان اعتادت نشر أرقام مفبركة عن عدد المصابين بفيروس كورونا، لنشر الفوضى في البلاد وزعزعة استقرار وأمن الدولة المصرية".

جاءت تلك الحملات الإعلامية، في توقيت بالغ الحساسية، حيث بدأ الفيروس في التفشي داخل مصر، وبدأ الإعلان عن حالات وفاة، بعد أن كانت الحكومة من قبل منكرة لإمكانية الوصول إلى هذه المرحلة. 

غياب الشفافية

في 1 مارس/ آذار 2020، استبقت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، الأحداث وقالت: "فيروس كورونا غالبا سيأتي إلى مصر وإذا جاء فإن 82% من المصابين لا يحتاجون إلى مستشفى أو علاج، هيقعد في البيت شوية وهيخف".

وأردفت: أن "15% من المصابين فقط سيحتاجون الذهاب إلى المستشفى"، مؤكدة على استعداد الوزارة بشكل تام. 

ورفضت وزارة الصحة، في ذلك الوقت، الاعتراف بوجود أي حالات إصابة، كما أعلنت عن شفاء الإصابة الأولى التي اكتشفت في يناير/كانون الثاني 2020، مؤكدة خلو البلاد من الفيروس، رغم الشواهد القوية التي كانت تؤكد بوجود حالات.

ومع عدم وجود شفافية واضحة من الحكومة، حول بؤرة انتشار الفيروس، وأعداد المصابين به، والإجراءات المتخذة حيال ذلك، بدأت أخبار وجود كورونا في مصر، تظهر عبر المنظمات الدولية.

في 28 فبراير/ شباط 2020، أكد "ديفيد وليامز" مسؤول الصحة بمقاطعة تورنتو الكندية، إصابة جديدة بفيروس كورونا سجلت "لأحد السائحين العائدين من مصر، وعمره 80 سنة، عاد من رحلة سياحية إلى مصر يوم 20 فبراير/ شباط 2020".

وفي 29 فبراير/ شباط 2020، ذكر موقع تليفزيون "فرانس تي في انفو" الفرنسي، أن وزير الصحة الفرنسي "أوليفيه فيران"، أعلن أن "هناك 6 حالات، مصابة بكورونا، مُسجلة في مدينة آنسي (جنوب شرق البلاد)، تتعلق بمسافرين عائدين من رحلات مُنظمة إلى مصر". 

وفي نفس اليوم، أعلن "مركز مكافحة الأوبئة" في تايوان، عن إصابة امرأة عائدة من الشرق الأوسط، وأن السيدة الستينية كانت في جولة سياحية إلى مصر ودبي، وعادت إلى تايوان في 21 فبراير/ شباط 2020، بعد أن شعرت بإعياء أثناء زيارتها إلى مصر".

تلك المستجدات الطارئة، دعت منظمة الصحة العالمية، إلى إصدار بيان، قالت فيه: إنها "على علم بالتقارير الصادرة عن السائحين الفرنسيين والآخر الكندي والذين ثبت مؤخرا إصابتهم بفيروس كورونا بعد عودتهم من مصر".

وأكدت المنظمة: أن "الحالات المؤكدة في فرنسا كانت في زيارة سياحية لمصر، وما زال مصدر ومكان الإصابة قيد التحقيق، وأنها بلغت وزارة الصحة والسكان بجمهورية مصر العربية فور تلقيها الإخطار".

وأضافت: "تقوم مصر بتنفيذ فحص دخول المسافرين القادمين من هذه الدول فقط بناء على تقييم ذاتي قامت به وزارة الصحة والسكان، حيث خلص التقييم أن فحص جميع المسافرين من جميع البلدان يستهلك الموارد".

وضع مخيف

مع انتشار فيروس كورونا على نطاق عالمي، ودخول الأزمة إلى مستويات مفزعة، بدأت وزارة الصحة المصرية، الإعلان عن وجود حالات في البلاد، وفي 18 مارس/ آذار 2020، وردت بيانات عن تسجيل 30 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها للفيروس، ليرتفع عدد المصابين إلى 210 حالة، بالإضافة إلى تسجيل 6 حالات وفاة، حسب البيانات الرسمية. 

وفي نفس اليوم صرح الدكتور فاروق الباز، العالم الأسبق بوكالة ناسا، بأن السفيرة نبيلة مكرم عبيد، أبلغته بخبر يفيد بوجود آلاف من الإصابات بفيروس كورونا في مصر.

ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، دراسة كندية أثارت خلافا على نطاق واسع في مصر، وقالت: إن "عدد المصابين بفيروس كورونا في مصر، أعلى بكثير مما أعلنته السلطات الرسمية"، وقدرت أن "عدد المصابين بالفيروس في مصر قد يبلغ 19 ألفا"، وذلك وفقا لبيانات رسمية عن حركة السفر ومعدل المصابين الذين غادروا مصر في الأيام الأخيرة.

وفي 14 مارس/ آذار 2020، نشر موقع "إيجيبت واتش"، تقريرا بعنوان "هل تصبح مصر المركز الجديد لفيروس كورونا؟"، مرفقا فيديو حصريا لنقل أول حالة وفاة من مستشفى الأمراض الصدرية بمحافظة الدقهلية شمالي القاهرة.

وذكر الموقع أن وفاة عطيات محمد إبراهيم في قرية السماحية الكبرى بالدقهلية، أثارت الرعب بين المواطنين الذين يخشون من تفشي الفيروس القاتل.

ونقل الموقع عن إحدى أفراد أسرة الراحلة عطيات، تشكيكهم بالرواية الرسمية، التي تقول: إن المتوفاة البالغة من العمر 60 عاما، خالطت سيدة إيطالية مصابة بـ"كورونا".

ونتيجة لحالة الفزع التي سادت القرية بعد وفاة عطيات إبراهيم، اندفع العشرات من السكان المحليين نحو المستشفيات طلبا لإجراء الفحوصات اللازمة، ما أدى إلى إجبار مستشفى الصدر على الإغلاق.