تراجعت عن مقاطعة قطر.. كيف خرجت هذه الدول من عباءة رباعي الحصار؟

حسن عبود | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بدون شروط، استأنفت الدول التي انساقت وراء رباعي حصار وقطيعة دولة قطر، العلاقات مع الدوحة، رغم استمرار أزمة الخليج ومرور أكثر من 1000 يوم على بدئها.

الأزمة اندلعت في 5 يونيو/حزيران 2017 وأتمت يومها الألف في 29 شباط/فبراير 2020، دون أن يتراجع الرباعي "السعودية، الإمارات، البحرين، مصر" عن موقفه، ودون أن تخضع قطر للشروط التي وضعتها تلك الدول من أجل استعادة العلاقات.

الدول الأربع قطعت كافة أشكال العلاقات مع قطر، وأغلقت جميع المنافذ البحرية والبرية والجوية معها، بذريعة تمويل الإرهاب، وهي التهمة التي نفتها الدوحة وأكدت أن ما يجري محاولة للسيطرة على قرارها السيادي.

الجديد في الأزمة الخليجية، هو عودة العلاقات تدريجيا بين قطر ودول أخرى دفعها الرباعي لإنهاء أو تخفيض مستوى تواصلها وتنسيقها مع الدوحة. 

ووفق الأكاديمي العُماني والخبير في الشؤون الإستراتيجية د.عبدالله الغيلاني فإن "الدول التي استجابت للحصار ليس ذات وزن جيوسياسي في محيطها الإقليمي، بل هي مجموعة من الدول التي تعتمد موازناتها الداخلية على الدعم الخارجي بصنوفه المختلفة".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "ليس من بين تلك الدول قوة إقليمية ذات نفوذ سياسي أو مكانة إستراتيجية". وهنا نستعرض تلك الدول وأبرز الأسباب التي دفعتها لمقاطعة قطر ومن ثم العودة إليها.

العلاقات مع الأردن

شهدت العلاقات بين عمّان والدوحة قفزة كبيرة، خاصة بعد عودة تبادل السفراء منتصف 2019، وتقديم قطر مساعدات للأردن بقيمة 500 مليون دولار، حيث كات المملكة الهاشمية قد خفضت تمثيلها الدبلوماسي مع الدولة الخليجية نتيجة ضغوط دول الحصار. 

كما استقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، في عمّان، في 23 فبراير/شباط 2020 في أول زيارة رسمية له منذ العام 2014.

وأوضحت وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، أن المباحثات تناولت العلاقات المتينة بين البلدين الشقيقين، وسُبل توسيع آفاق التعاون بينهما، فضلا عن التطورات في المنطقة. 

وشكّل القرار الأردني بإعادة العلاقات خطوة مهمة في إطار انفكاك المملكة عن الضغط السعودي ـ الإماراتي الذي مورس عليها لقطع علاقتها مع قطر، بحسب مراقبين.

ويوضح لورانس روبين وهو أستاذ في كلية سام نان للشؤون الدولية في جورجيا، أن إعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الأردن وقطر توضح كيف أنه يجب على عمّان أن توازن بعناية بين المصالح والضغوط المحلية والإقليمية المتنافسة في بيئة المنطقة المتغيرة.

وقال في تحليل نشر في يوليو/تموز 2019: إن "إعادة العلاقات في شكل تبادل السفراء الرسميين بين عمّان والدوحة، لم يكن له علاقة تذكر بتغيير فوري في سلوك قطر".

ورأى أن ضم دول الحصار الأردن إلى جانبها جرى من خلال تعهدات بالمساعدة والاستثمار لبعض الوقت لدفع عمّان نحو المشاركة بالعزلة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، وكان الدافع الأردني اقتصاديا ومرتبطا ارتباطا وثيقًا بأمنه القومي.

ويواجه الأردن تحديات اقتصادية شديدة، بما في ذلك تكلفة سنوات من استيعاب اللاجئين، وارتفاع معدلات البطالة (19٪)، والدين العام الكبير (43 مليار دولار، أو ما نسبته 96.6% من الناتج المحلي الإجمالي)، وفق أحدث البيانات.

وفي حين أن المجتمع الدولي لا يزال مصدرا مهما للمساعدات الخارجية، يعتمد الأردن بشكل كبير على راعيه الإقليمي، المملكة العربية السعودية للحصول على الدعم الاقتصادي والطاقة.

وبعد ثورات الربيع العربي، أرسلت دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء قطر) 5 مليارات دولار إلى عمّان. ويعمل 650 ألفا من أصل 800 ألف عامل أردني في الخليج بالسعودية والإمارات، كما تشكل التحويلات المالية من البلدين الخليجين حوالي 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للأردن.

ويتعرض الأردن لضغوط اقتصادية متزايدة خاصة بعد أن تسببت تدابير التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي في احتجاجات واسعة النطاق نتجت عن ارتفاع الأسعار وخفض الدعم، مما أدى في النهاية إلى استقالة رئيس الوزراء السابق هاني الملقي منتصف 2018.

وتعهدت السعودية إلى جانب الإمارات والكويت، بتقديم 2.5 مليار دولار كمساعدة آنذاك. ويقول لورانس روبين: إنه "نظرا لأهمية السعودية للأردن، من المحير أن تتحدى عمّان المصالح السياسية لراعيها الإقليمي الرئيسي".

ومع ذلك، يبدو أن هذه الخطوة (العودة إلى قطر)، هي جزء من تأكيد استقلال السياسة الخارجية لدى المملكة الهاشمية، مدفوعة بالاحتياجات الاقتصادية وإعادة التوازن للمصالح الإقليمية، وفق تقديره.

ويؤكد الأكاديمي الغيلاني لـ"الاستقلال" أن معظم دول المنطقة العربية وجوارها الإقليمي تعرضت لحملة ابتزاز اقتصادي وقرصنة سياسية ولكنها أبدت ممانعة ورفضا للحصار ولم يذعن لحملة الابتزاز تلك إلا الضعفاء الذين لا حيلة لهم. 

دول إفريقية

في عام 2018 غادرت 3 دول إفريقية معسكر الدول المؤيدة لحصار قطر، وأعادت العلاقات معها، وهي السنغال وتشاد وموريشيوس.

ففي 2 فبراير/شباط 2018، أعادت تشاد علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة بعد قطع العلاقة لنحو 7 أشهر. وفي أغسطس/آب من نفس العام، قررت السنغال إعادة سفيرها إلى الدوحة بعد أن استدعته للتشاور مع بداية الأزمة الخليجية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلنت وزارة الخارجية القطرية تسلم نسخة من أوراق اعتماد سفير جمهورية موريشيوس، لدى قطر راشد علي صوبيدار، لتكون بذلك ثالث دولة إفريقية مُقاطعة تعيد علاقاتها مع الدوحة.

واعترف مسؤول قطري طلب عدم الكشف عن هويته لموقع "ذا أفريكان ريبورت" بأنه "كانت هناك لحظة ذعر بالنسبة للدوحة، حيث أن هذه الحلقة (المقاطعة) اعتبرت بمثابة بداية وعي جديد في قطر، وبناء على ما جرى، لم يعد من الممكن إهمال القارة (السمراء)".

ولفترة طويلة، حصرت قطر اهتمامها بإفريقيا في المغرب والجزائر وتونس فقط. ويضيف الموقع الإفريقي في تقرير نشر في أبريل/نيسان 2019: "كانت منظمة قطر الخيرية غير الحكومية الدليل الوحيد في كثير من الأحيان على الوجود القطري في العديد من البلدان".

ويوضح المسؤول القطري الذي تحدثت إليه الصحيفة: "كان علينا أن نفعل المزيد في القارة، حتى لو كان ذلك فقط من أجل مواجهة اللوبي الإماراتي العدائي".

وسبق لرئيس جزر القمر أزالي أسوماني القول: "لقد قررت أن أتبع السعودية، الدولة الشريكة لأكثر من 40 عاما، بينما قطر موجودة هنا فقط منذ عام 2008"، بحسب ما نقل الموقع.

وتؤثر العوامل الاقتصادية بشدة على اختيار الحلفاء خاصة في دول إفريقيا، فعلى سبيل المثال، بعد أسبوعين فقط من قرار تشاد قطع العلاقات مع الدوحة، نظَّمت الإمارات مؤتمر "التنمية والاستثمار في تشاد" الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس وشارك فيه وزير الدولة الإماراتي سلطان الجابر.

وأعلن الجابر في المؤتمر الذي حضره الرئيس التشادي إدريس ديبي مساهمة صندوق أبوظبي بـ150 مليون دولار من أجل دعم خطط التنمية الشاملة في جمهورية تشاد للأعوام 2017 ـ 2021.

لكن، على ما يبدو فإن المقابل المادي الذي دعمت به الإمارات تشاد كان ضعيفا ولا يتناسب مع اتخاذ قرار خطير مثل قطع العلاقات مع قطر، ما دفعها نحو التراجع واستئناف علاقتها مع الدوحة.

وبرزت أزمة تشاد مع انخفاض أسعار النفط، حيث لم تتمكن من سداد ديونها، فعرضت الدوحة مساعدتها في فبراير/شباط 2018، مما أدى إلى إعادة التفاوض بشأن استعادة العلاقات، وفق الموقع الإلكتروني الإفريقي.

أخرى في الطريق

وبدورهما، أعلنت كل من المالديف وموريتانيا أنهما تدرسان إعادة العلاقات مع قطر بعد القطيعة التي تسببت بها دول الحصار.

ففي أغسطس/آب 2019 نقلت صحيفة "ذي إديشن" المالديفية عن وزير خارجية البلاد عبد الله شهيد قوله: إن حكومته تعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وذلك بعدما قطعت الحكومة المالديفية السابقة هذه العلاقات في يونيو/حزيران 2017.

وقال وزير الخارجية المالديفي ردا على سؤال من أحد أعضاء برلمان بلاده: إن إجراءات اتخذت لإعادة العلاقات بين المالديف وقطر، وإن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ليتم الانتهاء منه، مضيفا: "قطع العلاقات يجب أن يكون آخر الحلول في السياسة الخارجية، حتى وإن كان البلدان المعنيان في حالة حرب فإنهما يبقيان على علاقاتهما السياسية لاعتبارات عديدة".

وانتقد الوزير شهيد السياسة الخارجية للحكومة السابقة في عهد الرئيس عبدالله عبد القيوم، قائلا: إنها تسببت في عزلة المالديف على الساحة الدولية. وكان موضوع إعادة العلاقات بين المالديف وقطر أحد التعهدات الانتخابية للرئيس المالديفي محمد صليح الذي تولى السلطة أواخر العام 2018.

وقوبل قرار الحكومة المالديفية السابقة قطع الصلات مع قطر بانتقادات واسعة من الرأي العام المحلي، إذ اتُّهمت الحكومة بالرضوخ للنفوذ السعودي، وهو ما نفته السلطات مرارا قائلة: إن قرار قطع العلاقات لن يضر بشعب المالديف.           

وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، قال وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد: إن الأزمة بين بلاده وقطر سيتم حلها، مضيفا أن الحكومة أبقت على ميزانية السفارة الموريتانية في الدوحة لأنه في أي لحظة قد تعود العلاقات.

وردا على القرار الموريتاني، شهدت العاصمة نواكشوط آنذاك مسيرة بالسيارات للتنديد بقطع العلاقات مع الدوحة، ردد خلالها المشاركون -الذين رفعوا أعلاما قطرية- شعارات تشيد بدور قطر وبسياساتها في المنطقة العربية والإسلامية.

وكانت الإمارات قد مارست إملاءات سياسية على النظام الحاكم في موريتانيا، وأشركته بأزمتها مع تيارات ما تسميها بـ"الإسلام السياسي" في المنطقة، فأقدم على إغلاق "مركز تكوين العلماء" في سبتمبر/أيلول 2018.

وهذا المركز محسوب على المعارضة الموريتانية، وقيل: إن إغلاقه جاء استجابة للرغبة الإماراتية بالنيل من المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين.

ووصل تغلغل أبوظبي إلى حد الانزعاج من سفر الأمين العام المساعد للحكومة الموريتانية، إسحاق الكنتي، إلى قطر، وتمكنت من منعه من المشاركة في برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

دوافع التراجع

الكاتب والباحث الموريتاني عبدالرحمن ولد غدة، أفاد أن هناك عاملين أسهما في تشكيل موقف يدعم الحياد في الأزمة الخليجية داخل الحزب الحاكم في موريتانيا.

الأول هو زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في ديسمبر/كانون الأول 2018، الخاطفة إلى نواكشوط، والتي كانت نتائجها معدومة جدا، ودون التوقعات والآمال باستثمارات مليارية بحسب الوعود.

أما العامل الثاني، حسب ما صرح في وقت سابق لـ" الخليج أونلاين"، فهو "موقف السعودية والإمارات الأخير من الرئيس السوداني (المعزول)، عمر البشير، وتخليهما عنه ودعم الانقلاب عليه بعد أن قدم خدمات بلا حدود لهما".

وأشار إلى أن "هذا الأمر جعل حلفاء الرياض وأبوظبي، ومنهم قيادات في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، يعيدون حساباتهم في جدوى العلاقة مع الدولتين الخليجيتين وعائداتها على البلاد".

وأضاف ولد غدة: أن "أبوظبي والرياض قدمتا مساهمات خلال الأعوام الماضية، لكنها محدودة حققت منافع للرئيس (السابق محمد ولد عبدالعزيز) والدوائر المقربة منه، دون أن يكون لها عوائد تذكر على الدولة وبناها التحتية، وهذا سبب إضافي لإثارة سخط الشارع الموريتاني وعدم رضاه عن تحول نواكشوط إلى تابع إقليمي".

وتجدر الإشارة إلى أن الشارع الموريتاني عبّر عن سخطه من تماهي حكومته مع التحالف السعودي الإماراتي خلال زيارة ابن سلمان إلى نواكشوط، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2018، ومنذ ذلك الحين، تبرز مطالبات للمعارضة والناشطين بضرورة إعادة العلاقات مع قطر وتعتبر قطعها "خطأ إستراتيجيا".

وبعد مضي السنة الأولى للحصار، بدأت منظومة الحصار تتهاوى ومرد ذلك إلى جملة من العوامل الجيوستراتيجية والأخلاقية، وفق ما يرى الأكاديمي العُماني والخبير في الشؤون الإستراتيجية د.عبدالله الغيلاني.

وهذه العوامل كما تحدث الغيلاني لـ"الاستقلال" تتمثل في "خروج الأزمة من كونها نزاعا سياسيا، إلى إهلاك إنساني لشعب بأكمله، سقوط المصداقية الأخلاقية لدول الحصار، فاعلية الدبلوماسية القطرية التي استطاعت تفكيك ذرائع الحصار وتفنيد ادعاءات الدول الأربع".

وواصل: "من هذه العوامل أيضا صمود قطر السياسي والاقتصادي، والممانعة الإيجابية التي أبدتها الكويت وعمان وتصديهما لمحاولات عزل قطر إقليميا وإخراجها من منظومة التعاون الخليجي، إضافة إلى عدم استجابة القوى الدولية والإقليمية وخاصة مؤسسات الدولة الأميركية والاتحاد الأوروبي للحصار".

ويعتقد أن تلك العوامل دفعت هذه الدول إلى إجراء مراجعات جيوستراتيجية أفضت إلى إعادة تموضع إزاء الأزمة وقادت بالتالي إلى التمرد على إملاءات دول الحصار وإعادة العلاقة مع الدوحة، حيث لعبت قوة قطر الناعمة دورا مركزيا في اختراق الحصار.

وعزز من ذلك، وفق رأيه "تماسك المجتمع القطري، وإخفاق دول الحصار في إكراه قطر على الإذعان لمطالب التنازل عن السيادة الوطنية، إضافة إلى أن قوة الجذب الاستثماري للاقتصاد القطري ساهمت في كسر الإغراءات الإماراتية والسعودية".