أزمة سد النهضة.. لماذا أظهرت أديس أبابا "العين الحمراء" للسيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا، ولا توجد قوة يمكنها منعنا من بنائه"، كلمات حاسمة عبر بها وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندرغاشيو، عن موقف بلاده الأخير من مفاوضات سد النهضة، واحتمالية اندلاع صراع شرس مع مصر.

اللهجة الشديدة، ونبرة التحدي التي تحدث بها وزير خارجية إثيوبيا، لم تختلف كثيرا عن خطاب وسائل الإعلام والصحف الإثيوبية، التي شنت هجوما عنيفا على مصر، ورئيس نظامها عبدالفتاح السيسي، ووصفتهم بـ"الأعداء، وبقايا الاستعمار".

إعلام إثيوبي دعا إلى حشد الأمة للتصدي لمحاولات النيل من مشروعهم القومي (سد النهضة)، والحيلولة دون التراجع أو التعرض لعمل عدائي متوقع من قبل المصريين.

مقال تهكمي

تصاعد السجال الإعلامي والسياسي، بين مصر وإثيوبيا، على خلفية التطورات الأخيرة بين البلدين، بعد امتناع أديس أبابا عن التوقيع على اتفاقية "سد النهضة" في العاصمة الأميركية واشنطن، ما عمق الخلافات، وأدخلها إلى طور التلاسنات، وظهرت على متن الصحف توصيفات أكثر شراسة وحدة.

في 12 مارس/ آذار 2020، نشرت صحيفة "كابيتال" الإثيوبية الأسبوعية مقالا لكاتبة، تحت اسم مستعار "ملكة سبأ"، حقق رواجا كبيرا، وتناقلته وسائل الإعلام العالمية.

المقال أكد أن "إثيوبيا ظلت تتعرض لتهديد واضح ومحاولات تخريب صريح من الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عهود موغلة في القدم لتثنيها عن الاستفادة من المسطحات المائية التي وهبها الله لها".

مضيفا: أنه "لا توجد قوة تمنع إثيوبيا من استغلال مواردها في التنمية، وهو ما رفضته القاهرة، واعتبرته تصعيدا غير مبرر. الوقت قصير لتعيد مصر ضبط ساعتها الدبلوماسية بالكف عن إطلاق التهديدات والأعمال التخريبية. تاريخ مصر المثبت والمستمر والمؤسف، يتسم بالتآمر من أجل إبقاء إثيوبيا ضعيفة ومتشظية ومتخلفة".

المقال شن هجوما حادا على السيسي بقوله: "الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تنحى للتو من رئاسة الاتحاد الإفريقي حيث كان يُفترض منه أن يضطلع بدور مهم في إيجاد حل إفريقي لمشكلة إفريقية".

وأردف: "السيسي أصر بأنانية وبشكل مخادع وغير لائق على إقحام وسطاء غير أفارقة للتدخل في مخالفة تامة لاتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل المبرمة في مدينة عنتيبي الأوغندية عام 2015".

الصحيفة ألمحت إلى أن القاهرة "ربما تكون منهمكة بشكل محموم، في التخطيط لشن حرب مفتوحة وسافرة، على إثيوبيا بهدف تدمير قرابة 70% مما أُنجز من أعمال بناء سد النهضة".

لكنها حذرت بالرد بالمثل قائلة: "إثيوبيا قد تبدو دولة من الوزن الخفيف إذا ما قورنت بتفوق القاهرة العسكري الظاهر بفضل ما تتلقاه من دعم خارجي، إلا أن مصر تملك أيضا سد أسوان العملاق، وتعيش في بيت من زجاج".

وختم الكاتب مقاله: "إنه لمن الإهانة لكل الأفارقة وأحفاد الأفارقة في جميع أرجاء العالم الذين هزموا الاستعمار بشجاعتهم، أن تطل مصر (برأسها القبيح)، وهي تسعى بشكل خطير لفرض أجندتها على إثيوبيا وجاراتها".

وجاء المنحى الأشد للصحيفة الإثيوبية، عندما ضمنت المقال بـ "كاريكاتير" مسيء للسيسي، حيث رسمته في صورة "جرو" مربوط في "قيد" ممسوك بيد كتب عليها "U.S.A"، وهو ما يعطي دلالة أن السيسي مجرد واجهة للاستعمار الغربي، كما وصفت صحيفة "كابيتال" الإثيوبية. 

طبول الحرب

التلويح المباشر بإمكانية الحرب، أو حدوث اشتباك عسكري بين أديس أبابا والقاهرة، كان في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عندما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد "إذا كانت هناك ضرورة للحرب فنستطيع حشد الملايين، وإذا كان البعض يستطيع إطلاق صاروخ، فالآخرون قد يستخدمون القنابل، لكن هذا ليس في مصلحتنا جميعا".

وأكد أن "الحروب لن تفيد أي طرف، لا مصر ولا السودان ولا إثيوبيا، السد سيُستكمل بطريقة لن تضر دول حوض النيل، نافيا وجود أي رغبة لدى بلاده في الإضرار بالمصريين".

وشدد آبي أحمد "يقول البعض أمورا عن استخدام القوة (من قبل مصر)، ينبغي التأكيد على أنه ما من قوة تستطيع منع إثيوبيا من بناء السد".

وقتها ردت الخارجية المصرية بالقول: إنها تتابع "بقلق بالغ وأسف شديد التصريحات التي نقلت إعلاميا ومنسوبة لرئيس الوزراء آبي أحمد، معربة عن صدمتها وقلقها البالغ".

وفي 3 مارس/ آذار 2020، أعلن وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندرغاشيو أن "بلاده ستبدأ في ملء سد النهضة اعتبارا من يوليو/تموز 2020". 

وفي نفس اليوم ترأس عبدالفتاح السيسي اجتماعا موسعا لقيادات القوات المسلحة بوزارة الدفاع، بحضور وزير الدفاع والإنتاج الحربي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة.

ومع أنه لم يرد ذكر إثيوبيا أو النيل في البيانات والأخبار الرسمية التي صدرت عن الاجتماع والتي ذكرت أن السيسي أكد ضرورة الاستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولا إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، لكن وسائل الإعلام المصرية، ربطت ذلك الخبر، بوصول المفاوضات مع إثيوبيا إلى طريق مسدود.

دبلوماسية القسم

في 9 مارس/ آذار 2020، وعلى خلفية الهجوم الإعلامي المتبادل بين البلدين  قال وزير الري المصري محمد عبد العاطي: إن "رئيس الوزراء الإثيوبي لم يف بقسمه في القاهرة بعدم المساس بالأمن المائي المصري، وإنه يخشى توقيع اتفاق يلزمه بما يقول".

وأثناء زيارته للقاهرة في يونيو/حزيران 2018، طالب السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي أن يقسم على عدم إلحاق الضرر بمصر، فيما يخص مياه النيل، واستجاب الأخير، وأقسم بالله أن بلاده لن تضر مصر.

وخلال المؤتمر الصحفي أقسم أحمد، مرددا وراء السيسي: "والله لن نقوم بأي ضرر بمياه مصر"، فيما رد السيسي: "والله والله لن نضر بكم أبدا"، وحظيت الواقعة وقتها بالتهكم عبر وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها سابقة دبلوماسية غير معهودة، اخترعها السيسي، في إطار الفشل في التعامل مع أخطر الأزمات المتعلقة بأمن بلاده القومي.

وجاءت الحالة الجدلية الأكثر سخرية في التعامل المصري مع التهديد الإثيوبي، ما حدث في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بمدينة سوتشي الروسية على هامش القمة الروسية الإفريقية، عندما التقى السيسي، آبي أحمد، في لقاء شهد واقعة مثيرة بسبب طريقة جلوس آبي أحمد والتي اعتبرت مهينة للسيسي.

وأثارت الصورة المتداولة رواجا على مواقع التواصل، خاصة بعدما ظهر فيها رئيس وزراء إثيوبيا وهو يضع "قدما على قدم" بينما يجلس السيسي معتدلا، ما فسره البعض بأنه دليل على ضعف موقف مصر في مفاوضات سد النهضة بسبب وثيقة إعلان المبادئ التي وقعها السيسي في مايو/ آيار 2015، وبموجبها أنجزت أديس أبابا شوطا واسعا في بناء السد الذي يهدد حصة مصر التاريخية في مياه النيل.

أخطاء متراكمة

تعتمد مصر على النيل في الحصول على 90% من المياه، فيما تبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب، وتستهلك الزراعة معظمها بنسبة 80%، في حين تبلغ المياه الجوفية والأمطار حوالي 4.5 مليارات متر مكعب سنويا، لكن الاحتياجات الحقيقية تبلغ نحو 114 مليار متر مكعب، وهو ما جعل مصر تعاني من شح المياه وتدخل في نطاق الفقر المائي، فى كل فدان، بحسب البنك الدولي.

الصحفي المصري محمد مجدي، قال: "مصر تدفع ثمنا كبيرا لأخطاء متراكمة منذ عقود طويلة، عندما ولت وجهها شطر الغرب، كواجهة منفردة لحل أزماتها العضال، وأدارت ظهرها لإفريقيا، فأصبحت بلا ظهير حقيقي داخل القارة".

وأضاف مجدي لـ"الاستقلال": "نظام السيسي وحكومته، تعلم تماما أن إثيوبيا أصبحت قوة دبلوماسية نافذة في إفريقيا، وكلمتها مسموعة أكثر من مصر داخل الاتحاد الإفريقي، وغالبية الدول في وسط وشرق القارة، لها مصالح مشتركة مع أديس أبابا لا تقبل الفصال، وهي مقدمة عندهم على أي اعتبار آخر". 

وتابع: "الإثيوبيون يعلمون جيدا، أن مصر لن تدخل في معركة أو حرب طويلة الأمد، لأنها غير قادرة على تحمل التبعات الاقتصادية والمادية لها، خاصة وأن البعد الجغرافي الذي يفصل بين البلدين كبير، ويمر عبر السودان، وحكومة آبي أحمد، استطاعت ضمنيا أن تستقطب السودان، وبالتالي أصبحت الأمور أكثر صعوبة على مصر". 

الصحفي المصري يرى أن التراشقات الإعلامية، والتلاسنات بين البلدين، في مثل هذه الحالة "أمر طبيعي، فالأطراف المتصارعة، تستخدم كل ما لديها من قوة وضغط، لفرض الإرادة، ومع الأسف مصر لا تمتلك كثيرا من أدوات الضغط، وحتى الإعلام المصري أصبح يتسم بالقلق والاضطراب، على عكس الفترات الماضية، أما الإعلام الإثيوبي فينعت مصر صراحة بالعدوة، وعميلة الاستعمار".

وختم مجدي حديثه بالقول: "نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن تاريخ مصر عندما قادت حركات التحرر في إفريقيا للتخلص من الهيمنة الاستعمارية، لكننا بصدد الحديث أن كل الأبجديات القديمة في التعامل مع أزمة سد النهضة والأمن المائي لمصر يجب أن تتغير، لأننا أمام واقع شديد السوء".