فوضى تلوح بالأفق.. هل تذهب الكتل السياسية في العراق لإقالة الرئيس؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال العملية السياسية العراقية تراوح في مكانها منذ أكثر من أسبوعين على انتهاء المهلة الدستورية لتكليف رئيس حكومة جديد، وما زاد الطين بلة تهديد الرئيس برهم صالح بتقديم استقالته، إذا لم ترشح الكتل السياسية شخصية تحظى بموافقة المحتجين.

الرئيس رفض رسميا تكليف أي من الشخصيات الثلاث التي رشحتها كتلة "البناء" وهم: "وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، ووزير التعليم العالي الحالي قصي السهيل، ومحافظ البصرة أسعد العيداني".

وبامتناعه عن تكليف أحد هؤلاء المرشحين، واجه الرئيس اتهامات بتعمد المماطلة ورفض جميع الأسماء، حتى انتهت المهلة الدستورية في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ودخول البلاد في فراغ دستوري.

برهم صالح هدد بتقديم استقالته إلى البرلمان، رافضا الضغوط التي مارستها الكتل السياسية الشيعية الموالية لإيران، التي أصرت على ترشيح أسماء يرفضها الشارع كونها ليست مستقلة وشغلت مناصب حكومية.

اتهامات بالعمالة

مصادر سياسية طلبت عدم الكشف عن هويتها قالت لـ"الاستقلال": "قاسم سليماني موجود في بغداد إلى حين انتهاء المهلة الدستورية، وكان يتولى مهمة المفاوضات بين الكتل السياسية لاختيار مرشح يشغل منصب رئيس الحكومة".

وأكدت أن "الرئيس برهم صالح وصلته أسماء المرشحين المدعومين من إيران، لكنه لم يكلفها بحجة أن الكتلة التي قدمتهم ليست هي الأكثر عددا في البرلمان، وأن ثمة غيرهم من يدعي أنهم الأكثر عددا".

المصادر أشارت إلى أن "برهم صالح التقى قبل ذلك بنواب من البرلمان قدموا له كتابا رسميا يحمل تواقيع أكثر من 170 نائبا من مجموع 329 نائبا، تطالبه بترشح شخصية مستقلة تحظى بقبول الشارع"، لافتة إلى أن "الرئيس تعهد للنواب بترشيح شخصية مستقلة".

إصرار الرئيس على رفض المرشحين، دفع الكتل السياسية إلى شن حملة تشويه غير مسبوقة، إذ اتهمته بـ"العمالة" للولايات المتحدة الأمريكية، استجابة للمشروع "الصهيوأمريكي" في المنطقة.

وذهب كتلة "البناء" (150 نائبا) إلى اتهام الرئيس بالحنث في اليمين وخرق الدستور، فيما اتهم النائب محمد الغبان رئيس كتلة "الفتح" البرلمانية المنضوية في تحالف "البناء"، الرئيس بأنه يماطل في الأمر. لافتا إلى أنه "في حال احتكمنا إلى الآليات الدستورية وبعيدا عن الرفض أو القبول فإن (البناء) هي الكتلة الأكبر منذ العام الماضي ولدينا ما يثبت ذلك".

أزمة سياسية

ومع تأزم الوضع السياسي بسبب عجز الأحزاب والقوى عن التوصل إلى ترشيح شخصية لرئاسة الحكومة، طالبت كتل سياسية بإقالة الرئيس صالح، الأمر الذي فسره مراقبون بأن البلد قد يسير نحو الفوضى.

وأعلنت كتلة "صادقون"، الجناح السياسي لميليشيا عصائب أهل الحق الموالية لإيران، أنها جمعت توقيعات لإقالة رئيس الجمهورية، بتهمة "الخيانة العظمى".

وقال النائب عن الكتلة عدي عواد: "إجراء جمع التوقيعات لعزل رئيس الجمهورية من منصبه، جاء بسبب عدم تسميته رئيسا جديدا للوزراء".

وحول قانونية إقالة الرئيس، قال الخبير القانوني علي التميمي في تصريحات صحفية: "مساءلة رئيس الجمهورية تتطلب تصويت الأغلبية المطلقة للبرلمان، نصف العدد الكلي زائد واحد، وعند توفر أحد الأسباب الثلاثة: الحنث باليمين، أو خرق الدستور، أو الخيانة العظمى".

وتنص المادة (61) من الدستور العراقي، سادسا/أ على "مساءلة رئيس الجمهورية بناء على طلب مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب"، وفي الشق الثاني بـ: "إعفاء رئيس الجمهورية، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، بعد إدانته من المحكمة الاتحادية العليا، في حالة الحنث في اليمين الدستورية، أو انتهاك الدستور، أو الخيانة العظمى".

وأوضح التميمي، أن "البرلمان يقوم بإرسال النتيجة إلى المحكمة الاتحادية وفق المادة 93/ 6، فإذا أدانته (رئيس الجمهورية) وفق ذلك تقوم المحكمة الاتحادية بإعادة قرار الإدانة إلى مجلس النواب، بعد ذلك يجب على المجلس أن يصوت بالأغلبية المطلقة على الإعفاء".

وأضاف: "إذا ما حصل هذا الدرب الطويل.. يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال 30 يوما من قرار الإعفاء كما نصت المادة 70 من الدستور".

وجاء في المادة (70/ أولا) أن "ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، وإذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة، يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات، ويعلن رئيسا من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني".

وفي حديث لـ"الاستقلال" توقع الباحث في الشأن السياسي حسن الخزرجي أن "العراق ذاهب إلى الفوضى إذا أقدمت الكتل السياسية على إقالة رئيس الجمهورية، لأن ذلك سيدخل البلد في دوامة البحث عن رئيس جديد تتوافق عليه الكتل، ثم يسعى الرئيس الجديد لتكليف رئيس حكومة".

وأشار إلى أن "عملية اختيار رئيس حكومة أخذت وقتا طويلا بسبب الضغوطات الأمريكية والإيرانية على رئيس الجمهورية، فكيف إذا أقيل برهم صالح؟، أتوقع أن الأمر سيزداد سوءا إذا جرت إقالة الرئيس".

ولفت الخزرجي إلى أن "القانون يتيح لرئيس البرلمان أن يكون رئيسا للجمهورية في الوقت نفسه، في حال أقيل الأخير لحين انتخاب شخصية تخلفه من أعضاء البرلمان".

ولم يستبعد الباحث السياسي أن "تكون إيران وراء الضغط على الكتل السياسية لإقالة الرئيس العراقي، لأنه لم يخضع لضغوطاتها، وبالتالي فإنها لن تترك الأمر يمر بهذه السهولة".

سيناريوهات متوقعة

تلويح الرئيس بالاستقالة، ومطالبة كتل سياسية بعزله، زادت من تعقيدات المشهد السياسي، فقد توقع مراقبون سيناريوهات عدة لما ستؤول إليه الأزمة التي تمر بها البلاد.

المحلل السياسي الدكتور ريبوار عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين بأربيل، قال في تصريحات صحفية: "الرئيس رمى بالكرة في ملعب الكتل السياسية في وضع حساس للغاية".

ورأى أن "برهم صالح أراد من خلال استعداده وضع استقالته تحت تصرف البرلمان أن يضغط على الكتل السياسية لتقديم شخصية غير متحزبة، وتحظى بقبول الشارع العراقي".

أما الباحث في الشأن السياسي سعدون التكريتي، فأشار إلى أن "قبول استقالة برهم ستدخل البلد في أزمة أكبر من أزمة الحكومة، لأن الدستور حدد مدة شهر لاختيار رئيس جديد".

ورجح الباحث العراقي أن "يتوصل الجميع إلى مرشح ربما يكون مدعوما غربيا، ومقبولا إلى حد ما من قوى الحشد الشعبي وإيران، ويعني القبول بالأمر الواقع، تجنبا للمزيد من الانهيار".

وعلى ما يبدو فإن التوصل إلى مرشح جديد لرئاسة الحكومة هو أقرب السيناريوهات، إذ كشف النائب عن تحالف الفتح، عبدالأمير التعيبان، عن زيارة وفد من تحالف "البناء" إلى رئيس الجمهورية، برهم صالح، للتشاور بشأن حل أزمة تقديم مرشح لرئاسة الحكومة بعد رفض العيداني.

وقال التعيبان في تصريح صحفي: "هناك حراك سياسي متواصل من أجل الإسراع بتقديم مرشح لرئاسة الحكومة بعد أن تم سحب ترشيح أسعد العيداني بشكل رسمي".

وأضاف أن "تحالف البناء ذاهب باتجاه اختيار مرشح يمتلك المواصفات المطلوبة من قبل الشعب من حيث الاستقلالية، وليس من مزدوجي الجنسية وكذلك أن تكون لديه خبرة إدارية".