دراسة قديمة عن العلاقات المدنية العسكرية

أحمد ماهر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في دراسة للباحثة د. صفاء موسى تم نشرها عام 1989 في مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وكانت بعنوان "نهاية النظم العسكرية والانتقال إلى الديمقراطية في العالم الثالث".

تتحدث فيها د. صفاء موسى عن شرعية النظام العسكري وتبرير إطالة مدة الحكم، فلقد جرت العادة في دول العالم الثالث تحت النظام العسكري أو الشبه عسكري على المزج بين هدفين أساسيين وهما الحفاظ على ما يسمى "الأمن القومي" من وجهة نظر العسكريين، وكذلك تحسين الحالة الاقتصادية في أسرع وقت وهو ما تستغله الأنظمة العسكرية أو الشبه عسكرية للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة بحجة عدم تحقيق الأهداف.

وتكون الذرائع الرئيسية للعسكريين للاستيلاء على السلطة هي ذريعة تدهور الأوضاع الاقتصادية أو الحفاظ الأمن القومي أو وقف الخلافات السياسية والجدال بين السياسيين المدنيين.

ومع إطالة الحكم وغياب قنوات فعالة للتعبير عن الرأي وكذلك عند الاستعانة ببعض التدابير القمعية تصبح شرعية استمرار مثل هذا النظام السلطوي مرهونة بتحقيق نجاحات اقتصادية أو وعود الاستقرار.

ولكن مع الفشل المتتالي للأنظمة السلطوية العسكرية أو الشبه عسكرية في تحقق تلك الوعود أو زيادة النمو الاقتصادي والرخاء والاستقرار والأمن وتحسين مستوى المعيشة تبدأ الجماهير مرة أخرى في التذمر والاعتراض، وهذا قد يتسبب مرة أخرى في عدم الاستقرار خصوصا مع غياب قنوات الاتصال والتعبير عن الرأي، فعدم وجود قنوات فعالة تتيح حرية التعبير عن الرأي وعدم وجود وسائل لاستيعاب المطالب والرد عليها يؤدي إلى لجوء القطاعات المعترضة إلى وسائل أخرى بعيدا عن الوسائل السليمة أو بعيدا عن الحياة السياسية التمثيلية مما قد يؤدي بدوره إلى العنف أو الاضطرابات.
 
ومن المتعارف عليه في كل تجارب التدخل العسكري تبدأ المؤسسة العسكرية عهدها في السلطة بإغلاق البيئة السياسية واتخاذ تدابير قمعية ضد من يتم اعتبارهم خطرا محتملا أو مهددين للاستقرار، فتكثر حالات المفقودين وتعذيب المحتجزين وإلغاء الأحزاب أو تهميشها على الأقل، بالإضافة للرقابة الصارمة على الإعلام والسيطرة على السلطة القضائية.

وتكون هناك قناعات بأن إغلاق المجال السياسي هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار ولتحقيق معدلات النمو المنتظرة، وتكون تلك الإجراءات القمعية وسط تأييد شعبي واسع هربا من الانسداد السياسي وسوء الأحوال المعيشية التي تصاحب التجارب السياسية الفاشلة.

وفي أحيان كثيرة قد يتم اللجوء إلى إجراءات الديمقراطية الشكلية لتقليل الانتقادات الدولية كتنظيم انتخابات محددة نتيجتها سلفا أو السماح ببعض الكيانات السياسية الموالية، ويتم تعويض غياب الحقوق السياسية بمحاولة تحقيق تقدم اقتصادي سريع لامتصاص الغضب وتقليل الانتقادات ودعم الشرعية الجديدة بعد الاستيلاء على السلطة، وهو ما يؤدي إلى اللجوء لوسائل قد تساهم في زيادة الأزمة الاقتصادية على المدى الطويل مثل تكثيف الاعتماد على التمويل الخارجي والقروض والمنح.

وتسهيل الاستيراد اللازم للتصنيع والبناء أو نصف المصنعة، وعلى المدى المتوسط أيضا تؤدي تلك الاجراءات إلى تراكم الديون والحد من القدرة الاستيعابية للسوق المحلية، ويصبح الأمر كارثيا في حالة حدوث هزة اقتصادية عالمية أو خطأ ما، فينهار النظام الاقتصادي بشكل مفاجئ وحينها تتصاعد الاحتجاجات بشكل سريع.

وفي معظم التجارب المشابهة في أمريكا الجنوبية ساهم الاهتمام بتحقيق نمو اقتصادي سريع على حساب عوامل التنمية مثل تطوير الصحة والتعليم والتصنيع والبحث العلمي إلى الوصول لأزمة سياسية جديدة أو تحركات شعبية عنيفة، فاستمرار سوء الأحوال المعيشية واستمرار المشكلات الاقتصادية يؤديان بدورهما لتقليل التأييد الشعبي للحكم العسكري.

وتتكرر الاحتجاجات والقمع والأزمات السياسية، التي قد تؤدي بدورها إلى حدوث انقلاب عسكري جديد وإعادة الكرة مرة أخرى، وفي أحيان أخرى قد يتم التوصل إلى محادثات واتفاق بين الطبقة العسكرية وطبقة السياسيين بهدف الوصول لخارطة طريق تضمن الخروج الآمن وتحقيق العدالة الانتقالية.

ولكن تلك التجارب التي انتهت إلى عدالة انتقالية وانتقال ديمقراطي تدريجي كان بها عامل مشترك، وهو وجود قوى سياسية ناضجة استطاعت تطوير نفسها والتعلم من أخطائها وصياغة خط واضح وخطة مستقبلية للعدالة الانتقالية قابلة للتحقيق، رغم القمع والتضييق الذي مورس ضدهم لعدة عقود.