غرامات المتقاضين "بسوء نية".. مورد مادي لحكومة أخنوش وقمع للحق بالتقاضي

12

طباعة

مشاركة

تزامنا مع غلاء الأسعار وارتفاع الضرائب، وجد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش طريقة أخرى فريدة من نوعها لاستنزاف جيوب مواطنيه بتحكمه في القطاع القضائي.

ظهر هذا المسعى وفق قانونيين، إثر إعلان وزارة العدل عن مناقشة مجلس الحكومة في 24 أغسطس/آب 2023، ومصادقته على مشروع القانون رقم 02.23 الذي يتعلق بالمسطرة المدنية.

غير أن المشروع تضمن غرامات على المتقاضين "بسوء نية"، والتي ستعطي للجهاز القضائي سلطة تقديرية واسعة في هذا المستوى، بما يمس حقا دستوريا أصيلا، يتعلق بالحق في التقاضي.

وذكرت "وزارة العدل" في منشور على موقعها الإلكتروني، 24 أغسطس 2023، أن هذا المشروع يهدف إلى مراجعة قانون المسطرة المدنية، بقصد تحيين مقتضياته لتتلاءم والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة.

وأيضا "لتستجيب للحاجيات التي يعبر عنها المتقاضون وباقي الفاعلين المرتبطين بالمحيط القضائي"، وفق الوزارة.

وأشارت إلى أن هذا المشروع يأتي في ظل التوجه نحو تأسيس مفهوم جديد لإصلاح العدالة، يقوم على قضاء في خدمة المواطن قريب من المتقاضي ويلبي حاجياته بنجاعة وفعالية.

وبدوره، قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ، في تصريحات صحفية، إن مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية والذي يتضمن عددا من المستجدات من أهمها تبسيط الإجراءات القضائية ورقمنتها، يهدف لمواكبة التحولات العديدة في هذا القطاع والقوانين المنظمة لها والنيابة العامة.

ويجرى الحكم على كل من يتقاضى بسوء نية بغرامة مدنية تتراوح ما بين 10 آلاف درهم و20 ألف درهم، أي ما بين ألف وألفي دولار، لفائدة الخزينة العامة بصرف النظر عن التعويض الذي يطالب به المتضرر.

ويُذكر أن إعداد هذا المشروع الذي ينسخ قانون المسطرة المدنية الجاري به العمل في الوقت الحالي، بدأ منذ منتصف عام 2001 من خلال ما يفوق 43 صيغة.

وعانى المشروع من عثرات غير واضحة داخل حكومة أخنوش، قبل أن يجد طريقه إلى مسطرة التشريع، حيث جرى عرضه نهاية 2022 على الحكومة خلال مجلس حكومي، وتقرر تأجيل المصادقة عليه إلى وقت لاحق، دون ذكر الأسباب.

قضية هامشية

وأكد الباحث في الشأن القانوني محمد أبو ليلى، أن قضية سوء النية في التقاضي هامشية، وحديث الحكومة عنها دليل على أن وزير العدل ليست له رؤية لأولويات إصلاح جهاز والقضاء.

وقال أبو ليلى لـ "الاستقلال" إن إمكانية حصر وتحديد سوء النية في التقاضي بطريقة مباشرة ومضبوطة أمر غير ممكن، بل يخضع الحكم على هذا الأمر وتقييمه للسلطة التقديرية للقضاة.

وذكر الباحث القانوني أن المواطن الذي قد يُحكم عليه بسوء نية، ويُرفض ملفه أو دعواه لهذا السبب، قد يرفع تظلما أو شكوى يؤكد فيها أنه لم يرفع دعواه القضائية بسوء نية، بل بحثا عن حق ضائع أو آخر قد يضيع.

وأردف: "هناك إشكال آخر، يرتبط في طريقة الحكم على المتقاضي بأن دعواه تتصف بسوء نية، ذلك أنها توجب اطلاع القضاة أو هيئة الحكم على القضية، وفي هذا تضييع للوقت والجهد".

لا سيما أن وزارة العدل تقول إن الحرص عليهما شكل الدافع إلى سن هذا التشريع، أي التخفيف من هدر الوقت والضغط على الجهاز القضائي، وفق أبو ليلى.

وشدد على أن موضوع التقاضي بسوء نية قد يكون في حالات محدودة جدا في مجموع القضايا التي تروج بالمحاكم، ولذلك تعد ملفا ثانويا لا يشغل القانونيين ورجال العدالة على الصعيد الدولي.

وعليه، يتابع المتحدث ذاته: "يتضح أن وزير العدل أساء التقدير في هذا الموضوع، وأولى اهتماما كبيرا لقضية هامشية، لن يؤدي القضاء عليها إلى إصلاح حقيقي لمنظومة العدالة، نظرا لأثرها المحدود".

وذكر أن وزير العدل، كان عليه الاهتمام بقضايا وإشكالات أخرى تؤثر على الجهاز القضائي، وعلى رأسها التأخر في البت في القضايا، وقلة عدد القضاة والعاملين في الجهاز القضائي.

وكذلك ارتفاع عدد المعتقلين احتياطيا، وتقادم مجموعة من النصوص القانونية، وظاهرة شهود الزور، وغيرها.

أصوات داعمة

بالنسبة لرئيس نادي قضاة المغرب عبد الرزاق الجباري، فإن من أهم المستجدات التي جاء بها المشروع، ما نصت عليه المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد.

وأبرز أنها لم تقف عند حدود إلزام كل متقاض بممارسة حقه في التقاضي بحسن نية، بل نصت على غرامة مدنية ثقيلة كجزاء على من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية.

وشدد الجباري لموقع "هسبريس" المحلي، 26 أغسطس 2023، أن هذا المستجد يعد تقدما تشريعيا محمودا.

وتابع: "إذ إن قانون المسطرة المدنية الحالي لم ينص سوى على قاعدة التقاضي بحسن نية دون إشفاعها بأي جزاء من الجزاءات، وذلك في الفصل 5 منه".

وذكر الجباري، أن ثبوت سوء نية المتقاضي من عدمه، حسب نص المادة 10 من المشروع، موكول إلى السلطة التقديرية للمحكمة التي ستقدر مدى توفره في إطار الموازنة بين الحق والواجب.

وأوضح: "ذلك أن ما قد يبدو سوء نية للبعض قد لا يبدو للبعض الآخر كذلك، خصوصا أن الأمر مرتبط بحق التقاضي المكفول دستوريا بموجب الفصل 118 من الدستور، وأن هناك خيطا رفيعا بين هذا الحق وواجب ممارسته بحسن نية".

وقال المسؤول القضائي، إن "المشرع حسنا فعل عندما وضع معيارا للتفرقة بينهما، حيث ربط ممارسة ذلك الحق بما لا يعرقل حسن سير العدالة".

وهو ما يفهم منه أن كل عرقلة لحسن سير العدالة تعد قرينة لسوء نية المتقاضي.

وسجل الجباري أن "المادة 10 لم تحدد كيفية إصدار المحكمة لحكمها بالغرامة المذكورة، هل بموجب حكم عارض مستقل أم في الحكم البات في الجوهر أم بمقتضى أمر ولائي".

حق التقاضي

من جانب آخر، يرى صبري الحو، المحامي والخبير في القانون الدولي، والرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي بجهة درعة-تافيلالت، أن مسعى تغريم من يلجأ إلى القضاء أمر غير دستوري وخلفياته حسابية ومادية أساسا.

وقال الحو في مقال رأي نشره عبر موقع "لكم" المحلي، 26 أغسطس 2023، إن كثرة الأرقام المفروضة كغرامات على إثر خسران قضية أو عدم الاستجابة لطعون، مثيرة للانتباه في مشروع قانون المسطرة المدنية.

وذكر أن مشروع المسطرة المدنية أحدث غرامات جديدة، ورفع من الحد الأدنى والأقصى من بعضها الموجود في القانون الحالي.

كما رفع من قيمة بعض الغرامات القائمة، والتي هي مجرد وديعة تفرض للقبول الشكلي لبعض الطعون غير العادية، ويحكم القضاء بمصادرتها لفائدة خزينة الدولة في حالة رفض الطلب، كما قال.

"إذ تتوزع كل هذه الغرامات بدءا من الفصل 7 و62 و92 و128 و126 و202 و308 و483 إلى غاية الفصل 573 من المشروع".

وشدد على أن ما جاء به المشروع، يفتح النقاش واسعا حول دستورية حق التقاضي، ومبدأ مجانيته في هذا المشروع، والبحث في جدوى وطبيعة الغرامة التي تحاول الحكومة فرضها وتكييفها من الوجهة القانونية ومن وجهة الضبط القانوني.

وأضاف: "كما يفتح النقاش حول كيفية تحول الإفراط من فرض الغرامات إلى عقاب ضمني وغير شرعي، لأنه يتم دون ارتكاب أي مخالفة جنائية وغير منصوص عليها في القانون، بل لمجرد ممارسة حق التقاضي الأساسي الدستوري".

وأوضح الخبير القانوني، أن قوانين المصاريف القضائية المعمول بها حاليا، وفق ما هي محددة في الميدان المدني أو الجنائي؛ يفترض في هذه التحملات المالية أن خزينة الدولة لا تتهاون ولا تتسامح ولا تؤجل في استخلاص هذه المصاريف والغرامات".

فهي تستوفيها أولا وقبل الخدمة، وهي في معزل عن من يتحملها من الأطراف في نهاية مسار الدعوى والطلب والمسطرة، كما قال.

أهداف مادية

لكن، يستدرك الحو أن الغرامات المطروحة حاليا في مشروع المسطرة المدنية إنما قررت مسا بمصلحة طرف مطلوب في دعوى مثارة أمام القضاء.

وهي غرامة الأحق ومالك الصفة والمصلحة في طلب الحكم بها أو الحكم له بها بقوة القانون هو الطرف المتضرر وليس خزينة الدولة.

وأرجع ذلك إلى أن الدولة استوفت ما لها في إطار مصاريف الدعوى أثناء تسجيلها أو بعد نهايتها في إطار المراقبة البعدية لأداء المصاريف من قبل إدارة التسجيل.

ورأى المحامي أن الخلل في منطق هذه المعادلة يطرح أسئلة حول الغايات الحقيقية التي تتحكم في توقيع هذه الغرامات على المتقاضين كطالبين أو ممارسين للطعون أمام المحاكم بمختلف درجاتها.

وأول الأجوبة التي تتبادر لذهن الجميع، يقول الحو، هو قمع المتقاضين عن مجرد التفكير في استعمال حقهم الدستوري بالتقاضي المجاني من حيث المبدأ.

وأردف: "ستصبح ممارسة هذا الحق محفوفة بمخاطر تبعات مالية أخرى في حالة عدم نجاح دعواهم عند تشريع هذا المشروع".

وأشار الكاتب إلى أن الإحصائيات تنطق بأن جل القضايا يجرى إسقاطها وعدم قبولها بسبب الإفراط حتى التخمة في تعدد وتعقد الشكليات واختلاف وتنوع الآجال وعدم توحيدها.

ويرى الحو أنه "كان حري بالحكومة والوزير المكلف بقطاع العدل، الذي كان محاميا ممارسا، أن يكرس جزءا من جهده وخبرته لتقديم مشاريع تذلل تعقيدات المساطر وتبسط الإجراءات".

وأوضح الخبير القانوني أن الدولة حاليا لا تتحمل نفقات دعاوى وطلبات وطعون الأطراف خلافا لمجانية التقاضي، الأمر الذي يجعل الغرامات المذكورة "اعتباطية".

وبين، أنها تمنع من ممارسة حق أساسي في التقاضي يضمنه الدستور، وتكفله الشرعة الدولية، وينص عليه القانون الدولي لحقوق الانسان.

هذا المشروع، يقول الحو، يجعل الدولة في تناقض صارخ بين شعار مجانية التقاضي والقيود المالية التي تفرض أثناء اللجوء إليه والغرامات المحتملة في حالة الحكم بنتيجة سلبية لصالح الطالب أو الطاعن.

وتابع: "على ما يبدو فإن خلفيات وهدف المشروع هو البحث عن موارد مالية جديدة لخزينة الدولة، وعن وسائل قانونية رادعة للمواطنين في مباشرة الدعاوى، وثنيهم عن سلوك بعض الطعون، لاتقاء وتجنب إرهاق القضاء بكثرة القضايا".