أخنوش يحاول الاستثمار فيها.. هل يعيد المغرب تشغيل مصفاة سامير؟

12

طباعة

مشاركة

بعد إغلاق دام حوالي 8 سنوات، تتصاعد مطالبات العديد من الناشطين السياسيين والنقابيين بضرورة إعادة تشغيل مصفاة "سامير" الواقعة في مدينة المحمدية غربي المغرب (تتبع إداريا للدار البيضاء).

في هذا السياق، كشفت منابر إعلامية محلية وجود مساع من إحدى شركات رجل الأعمال ورئيس الحكومة عزيز أخنوش لاقتناء المصفاة البترولية.

وأضافت المنابر ذاتها، أن أخنوش كلف مكتب دراسات أجنبي بفحص وضع شركة "سامير" عن قرب قبل اتخاذ أي قرار.

وتأسست مصفاة "سامير" بعد استقلال المغرب سنة 1955، بهدف ضمان التحكم في احتياجات المملكة من المنتجات الطاقية، عندما قررت الرباط استيراد النفط الخام وإنشاء صناعة وطنية للتكرير تابعة للقطاع العام.

وفي سنة 1996 أصبحت الشركة خاصة وكان الهدف من ذلك تطويرها وتنمية النشاط الصناعي، إلا أن ما وقع كان عكس ذلك. وفتحت الدولة رأسمال المؤسسة وشرعت في أضخم عملية لطرح الأسهم بتاريخ بورصة الدار البيضاء.

وجرى فتح رأسمالها للعموم والمستثمرين المؤسساتيين عن طريق اكتتاب في مارس/آذار 1996، والذي كان يرمي إلى توسيع ملكية أسهمها ودخول مجموعة من حملة الأسهم.

لتدخل سنة 1997 مجموعة كورال والتي يملكها الملياردير السعودي محمد حسين العمودي لاقتناء أغلب أسهم الشركة.

واتضح بعد سنوات أن مجموعة العمودي لم تحترم أيا من التزاماتها التعاقدية وأدخلت المصفاة في دوامات من الأزمات المالية والأخطاء التدبيرية انتهت بسقوطها وتوقيف الإنتاج عام 2015.

إشكال قانوني

وسبق لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن عبر عن أمله في إيجاد من يشترى مصفاة "سامير" ويعيد تشغيلها.

وفي 18 فبراير/شباط 2022، أشار في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، إلى أن الدولة لديها إشكال قانوني مع المالك السابق لمصفاة "سامير"، إذ عرض الأمر على المحاكم الدولية.

وكان رجل الأعمال السعودي، العمودي قد رفع دعوى قضائية بواشنطن ضد المملكة المغربية، بسبب وضع مصفاة سامير تحت التصفية القضائية.

ووضع الملياردير تلك الدعوى، لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الذي يعد فرعا للبنك الدولي ويطالب فيها الدولة المغربية بدفع مليار ونصف المليار دولار.

ووضعت الشكوى من قبل "كورال المغرب" التابعة لكورال بتروليوم ومقرها الرئيس بالسويد.

وفي مطلع يونيو/حزيران 2022 قضت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بفتح مسطرة التصفية القضائية في حق مصفاة "سامير"، وذلك على خلفية الديون المتراكمة عليها.

وسبق للمحكمة الابتدائية أن قضت في مارس 2022 بفتح مسطرة التصفية القضائية في حق هذه الشركة، كما تضمن الحكم الابتدائي منح الإذن باستمرار نشاط الشركة لمدة 3 أشهر.

وهذا الحكم الابتدائي جاء بعد استنفاد المحكمة التجارية لمحاولات التسوية الودية وتعذر الوصول إلى اتفاق بين أطراف القضية. 

زواج السلطة والمال

وأمام انسداد أفق التوصل لحل أزمة مصفاة "سامير" التي كان يعول عليها المغرب لتوفير أكثر من 80 بالمئة من احتياجاته البترولية، دخل أخنوش مالك مجموعة "أكوا" القابضة على خط شراء هذه المصفاة، حسب ما أوردته منابر محلية.

وهو الأمر الذي يراه مراقبون، استمرارا من أخنوش في تضخيم استثماراته الشخصية، في وقت يتجاهل معاناة الشعب المغربي واحتجاجاته ضد الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأساسية وسوء الأوضاع الاقتصادية.

فهل يشتري أخنوش مصفاة سامير؟ وهل هي خطوة من رئيس الحكومة لخدمة المغاربة أم لتعزيز استثماراته الاقتصادية وأرباحه المالية التي تزداد يوما بعد يوم على حساب إرهاق جيوب المغاربة؟

حسن حمورو القيادي بحزب العدالة والتنمية الإسلامي (معارض)، لم يستبعد شراء أخنوش شركة "سامير" أو غيرها من المنشآت المتعلقة بالقطاعات المدرة للثروة.

وأضاف حمورو، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هذه المرحلة التي دخلتها الحياة السياسية الوطنية، عنوانها الأبرز مع الأسف هو زواج المال والسلطة، وتحالف السلطة والثروة".

ورأى أنه إذا تمت الصفقة فإنها "ستخدش المسار الذي قطعته بلادنا في مجال الديمقراطية، على اعتبار أن زواج المال والسلطة من أكبر مقوضات الديمقراطية".

وأكد أن منشأة "سامير" لها أهمية كبيرة في مجال حيوي وهو المحروقات، ويرى أن إعادة تشغيلها خاصة في هذه الظرفية الدولية، سيؤمّن للمغرب حاجياته من المحروقات والمواد البترولية الأخرى التي يجري الصراع على إنتاجها وتوريدها وتخزينها وتسويقها.

وشدد على أن الدولة مطالبة بتشغيل هذه المنشأة، لتأمين المخزون الإستراتيجي من المواد الطاقية، مستدركا "لكن ليس ببيعها لرئيس الحكومة".

وتابع أنه "إذا كان الأمر يتعلق بالرغبة في الإبقاء على رأس المال الوطني مستحوِذا عليها، فهذا ليس عيبا في حد ذاته، ولكن العيب في أن يتولاها شخص يرأس الحكومة أو له علاقة مباشرة بالسلطة وبمواقع القرار".

مقامرة بالاستقرار

ورأى حمورو، أن "تمكين أخنوش وهو رئيس حكومة من منشأة "سامير" فيه مخاطرة ومقامرة، وستكون له انعكاسات سيئة حاضرا ومستقبلا، لأنه رئيس حكومة وفاعل سياسي".

وأردف أنه "وفق مقاربة زواج المال والسلطة فإن أكبر متضرر سيكون هو الاستقرار الاجتماعي بالنظر لتداعيات ذلك على القدرة الشرائية، وبالتالي على الوضع الاجتماعي".

وخلص حمورو، إلى أنه "إذا اجتمعت الثروة بالسلطة كان الفساد ثالثهما"، مبينا أن "الفساد يكاد يكون هو الطريقة الوحيدة التي يمارس بها رجال الأعمال السياسة، لحماية مصالحهم ومصالح عائلاتهم".

بدوره، قال الباحث في السياسات المالية سليمان صدقي، إنه "بطبيعة الحال لا المعايير القانونية ولا الدستورية ولا الأخلاقية تسمح لمسؤول أو موظف حكومي أن يشارك أو يكون طرفا في عمليات الشراء والتعاقد مع الدولة أو من يقوم مقامها في أي قطاع".

وأكد صدقي، في حديث لـ"الاستقلال" أن من شأن ذلك أن يكون له آثار وخيمة على مناخ الأعمال".

وأضاف أنه في حالة مصفاة "سامير" فإن حيازتها من طرف شركات أي مسؤول حكومي يجسد خرقا واضحا للقواعد الدستورية والقانونية.

وأردف: "هذا الأمر يضع قطاع المحروقات في رحمة شركات مهيمنة، استيرادا وتكريرا وتخزينا وتوزيعا".

خاصة أن عددا من التقارير الرسمية أثبتت تورطها في المضاربة بالأسعار وتحقيق أرباح خيالية في عز أخطر أزمتين اقتصاديتين عرفهما المغرب خلال العقدين الحاليين (جائحة كورونا 2020 والتضخم 2022 و2023)، ضاربة بعرض الحائط مصالح الدولة والمواطنين"، وفق تقديره.

الحل الأنسب

ويرى صدقي، أن الحل الأنسب لمعالجة إشكالات شركة "سامير" هو تأميمها لتصبح عمومية تابعة للدولة، وعدم تركها لقمة سائغة بين أيدي جشع المستثمرين في قطاع المحروقات المغاربة أو الأجانب.

وعدّ أن بيعها لأحد المسؤولين أو الشركات التابعة لهم "مغامرة غير محسوبة العواقب على استقرار الأسعار وأمن البلد، لكون الطاقة قطاعا إستراتيجيا حساسا للغاية، له تأثير مباشر على القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، والشرائية للمواطن البسيط".

وأوضح صدقي، أن شركة "سامير" قادرة في حالة إعادة تشغيلها على تحقيق استقلالها وتوازنها المالي وعلى تحصيل أرباح مالية مهمة على المدى المتوسط.

ورأى أن نموذجها الاقتصادي "استثنائي" يعتمد على عوامل عدة تسهم في استدامة وربحية هذا النموذج المالي، على رأسها توفرها على امتيازات "ريعية" بصفتها شركة تكرير البترول الوحيدة في المغرب.

وهو ما يمكنها من احتكار شبه كلي لسوق المحروقات، إضافة إلى توفرها مسبقا على سوق مهم لتصريف كل إنتاجها بأسعار تنافسية وبهامش ربح معقول. 

وإضافة إلى ما سبق، تتوفر مصفاة "سامير" على بنيات تحتية مهمة تصل قدراتها الإنتاجية لحوالي 10 ملايين برميل سنويا.

وأيضا فهي تحتوي على موارد بشرية راكمت خبرات طويلة داخل المصفاة، وعلى قدرات تخزينية كبيرة، فضلا عن وجودها في بيئة آمنة ومستقرة للاستثمار، وفق صدقي.