غاز نيجيريا في 2022.. منافسة مستمرة بين الجزائر والمغرب لنقله إلى أوروبا

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

المنافسة بين الجزائر والمغرب احتدمت طوال عام 2022، لتفعيل مشاريعهما الخاصة لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا التي تواجه تحديات كبيرة في الوقت الراهن لفطم اقتصاداتها عن الغاز الروسي الرخيص.

وسلطت صحيفة "فاينانشال أفريكا" الفرنسية الضوء على ملامح هذه المنافسة الحامية، مستعرضة تفاصيل عن تكلفة كل مشروع والتحديات الأمنية والجيوسياسية التي تواجهه وقد تؤثر على مستقبله.

منافسة حامية

وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين جزائريين كانوا قد أعلنوا في يوليو/ تموز 2022، عن مصادقة بلادهم على مذكرة تفاهم مع كل من النيجر ونيجيريا بشأن بناء خط غاز عابر للصحراء.

ومن المقرر أن يبدأ هذا الخط من "واري" في نيجيريا، ويمر بالنيجر، لينتهي بـ"حاسي الرمل" في الجزائر، حيث سيتصل بخطوط أنابيب قائمة تقوم بإمداد الغاز إلى أوروبا.

وفي لقاء أجراه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2022، مع وسائل إعلام محلية، صرح أن هذا المشروع الكبير يواجه "تشويشا".

ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى وجود تصريحات متناقضة أصدرها مسؤولون نيجيريون خلال العامين الأخيرين بشأن مشاريع أنابيب الغاز لنقله إلى أوروبا.

إذ أُعلن الوصول إلى مذكرات تفاهم أو بروتوكولات تعاون مع الجزائر تارة، وتارة أخرى مع المغرب.

ويسعى المغرب أيضا لتحويل مسار الأنبوب إلى إسبانيا، مرورا بأراضيها المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، في إقليم الصحراء.

وحسب المسؤولين الجزائريين، فقد تم الاتفاق على تولي الجزائر مسؤولية إنشاء مقطع من أنبوب الغاز الذي يربط نيجيريا بالحدود الجزائرية.

وبالرغم من هذا التناقض، فحتى الآن لم تُبرم أي عقود رسمية نهائية مع الجزائر أو المغرب، والأمر لا يزال برمته في إطار البحث والدراسة.

وحسب "فاينانشال أفريكا"، فإن الوضع الجيواستراتيجي يفرض على نيجيريا توضيح موقفها بشكل نهائي، حتى يتم تنفيذ المشروع، مؤكدة ضرورة  مراعاة جدوى المشروع لتقييم ربحيته بالنسبة للشركاء.

لكنها أوردت دراسة مهمة أجرتها شركة الأبحاث والاستكشافات "IRIS"، في 19 أغسطس/ آب 2021، تقول إن هذا المشروع قد يتجاوز الإطار الاقتصادي الربحي.

إذ إن العامل الرئيس وراء إنجاز هذا المشروع -وفقا للدراسة- يتمحور حول القضايا الجيوستراتيجية المهمة للمنطقة. 

كما أشارت إلى هيمنة صناعة النفط والغاز على قطاع الطاقة في نيجيريا، التي تمثل إيراداته نحو 75 بالمئة من إيرادات الميزانية الوطنية، و95 بالمئة من إجمالي عائدات التصدير.

كما يقدر احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد بنحو 5300 مليار متر مكعب.

تفاصيل كاشفة

وتقدر شركة IRIS تكلفة مشروع خط أنابيب الغاز المغربي النيجيري البالغ طوله حوالي 5660 كيلومترا بنحو 30 مليار دولار، بمدة إنجاز تتراوح ما بين 8 إلى 10 سنوات.

يذكر أن الأنبوب سيمتد على طول ساحل غرب إفريقيا مرورا بـ14 دولة، هي: نيجيريا، وبنين، وتوجو، وغانا، وساحل العاج، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا كوناكري، وغينيا بيساو، وغينيا الإستوائية، وغامبيا، والسنغال، وموريتانيا، والمغرب.

وتم الإعلان عن هذا المشروع في ديسمبر/ كانون الأول 2016، خلال زيارة وفد مغربي إلى نيجيريا.

وفي مايو/ أيار 2017، تم توقيع اتفاقيات تعاون في الرباط لإلزام الطرفين بإنجاز دراسة جدوى (اكتملت في يوليو/ تموز 2018)، وكذلك دراسة أولية للتفاصيل، أجريت في الربع الأول من عام 2019.

أما بالنسبة لخط أنابيب الغاز الرابط بين واري في نيجيريا وحاسي الرمل في الجزائر مرورا بالنيجر، بطول 4128 كيلومترا.

فقد قدرت المفوضية الأوروبية تكلفته بما يقرب من 20 مليار دولار، والتي ارتفعت من 5 مليارات دولار في بداية الاتفاقية، مع سعة سنوية تبلغ ثلاثين مليار متر مكعب.

وتم توقيع اتفاقية المشروع التي نشأت فكرته في الثمانينيات، بتاريخ 3 يوليو/ تموز عام 2009.

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2021، قال وزير الطاقة النيجيري في مقابلة مع قناة CNBC Arabia التلفزيونية، إن بلاده بدأت تنفيذ بناء خط أنابيب الغاز إلى أوروبا عبر ثلاثة خطوط أنابيب تشغيلية في الجزائر.

كما أوضح بالقول: "لدينا خط أنابيب TRANSMED، وهو أكبر خط أنابيب في حلقة GO3 بطول 550 كيلومترًا عبر الأراضي الجزائرية، و370 كلم في التراب التونسي باتجاه إيطاليا".

وأضاف: لدينا أيضا أنبوب MEDGAZ المتجه مباشرة إلى إسبانيا من بني صاف. إلى جانب أنبوب GME عبر المغرب، والذي قررت الجزائر التخلي عنه، بعد انتهاء العقد في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021". 

وبعد تصريحات الرئيس الجزائري والمسؤولين في بلاده، عاد ملف الخلاف بين الجزائر والمغرب بخصوص هذا المشروع إلى الواجهة مرة أخرى.

ووفقا لتقارير متعددة، يعد هذا المشروع إستراتيجيا بالنسبة للجزائر، حتى تتمكن من الإيفاء بالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بصادرات الغاز التقليدي نحو أوروبا.

وحسب الصحيفة، فإن إنجاز مشروع أنابيب الغاز النيجيري الأوروبي يستلزم توفر ثلاثة شروط.

يتمثل أولها في رصد التمويل الكافي، في الوقت الذي تعاني فيه المغرب ونيجيريا من ديون خارجية عالية حسب صندوق النقد الدولي، والتي تقدر بـ22 مليار دولار بالنسبة للمغرب، وبـ76 مليار دولار لنيجيريا نهاية عام 2022. بينما تتمتع الجزائر -في المقابل- بدين خارجي منخفض.

إلى جانب ضرورة موافقة ومساهمة أوروبا ماليا، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إنجاز هذا المشروع دون تحقيق هذا الشرط الأساسي.

ثانيا، يجب أن يأخذ القائمون على المشروع في الحسبان المنافسة الدولية التي ستؤثر على ربحيته، في ظل وجود احتياطيات أخرى ضخمة ومنخفضة التكلفة، في كل من روسيا (45 ألف مليار متر مكعب) وإيران (30 ألف متر مكعب) وقطر (20 ألف متر مكعب).

إشكالات كبيرة

وتطرح الصحيفة إشكالا آخر، يتمثل في التكلفة العالية لإنشاء خط الأنابيب على طول كورنيش غرب إفريقيا مقارنة بمنافسيه، مثل خط أنابيب الغاز الشهير الرابط بين سيبيريا والصين، وخط قطر وإيران، الأقرب إلى البؤر الصناعية الآسيوية.

كما أشارت إلى عوامل أخرى، ذكرت منها وجود مخزونات غاز كبيرة في البحر الأبيض المتوسط ​​(20.000 مليار متر مكعب من الغاز) تتسبب في إحداث توترات بين اليونان وتركيا.

ودخول ليبيا في منافسة مع الجزائر في إفريقيا مع احتياطيات تبلغ نحو 2000 مليار متر مكعب لم يتم استغلالها، بالإضافة إلى اكتشافات الاحتياطات الكبيرة في موزمبيق (أكثر من 4500 مليار متر مكعب من الغاز).

وتستدل بالتجربة المؤسفة لمشروع جالسي (GALSI) -خط أنابيب الغاز الرابط بين الجزائر وسردينيا، الذي كان من المقرر تشغيله في عام 2012، بتكلفة أولية قدرها 3 مليارات دولار بسعة 8 مليارات متر مكعب من الغاز.

والمشروع كان سيزود كورسيكا بالغاز أيضا، ودافعت عنه سوناطراك من خلال مؤتمر غرفة التجارة في كورسيكا في عام 2012 بشأن مشروع جالسي (GALSI)، إذ خصصت مبالغ كبيرة بالعملة الأجنبية لدراسات الجدوى. لكنه فشل بعد رفض المسؤولين المنتخبين في سردينيا المصادقة عليه. 

وأشارت الصحيفة أيضا إلى ضرورة الانتباه لتأثير الغاز الصخري الأمريكي، إذ يرتبط ذلك بدراسة السوق التي تؤثر على قرار إطلاق مثل هذا الاستثمار.

ومن هنا جاءت مقاربة إطلاق دراسة السوق لتحديد الطلب على الغاز قبل اتخاذ قرار بشأن مدى جدوى الالتزام بهذا المشروع.

وتتضمن هذه الجدوى تحديد عتبة العائدات بناء على المنافسة من المنتجين الآخرين وتكلفة وتغيرات أسعار بيع الغاز، مع الأخذ في الحسبان القرار الأوروبي الأخير بتسقيف أسعار الغاز. 

 ويأتي هذا بعد أن قامت المفوضية الأوروبية بتفعيل آليات تصحيح السوق بدءا من فبراير/ شباط 2023، بمجرد أن تصل أسعار المؤشر القياسي الأوروبي TTF إلى 180 يورو لكل ميغاواط ساعي (MWh) لمدة ثلاثة أيام.

ويتمثل الشرط الثالث في أخذ الأمن والاتفاقيات مع دول معينة في الحسبان، إذ يمر مشروع الأنبوب بعدة مناطق غير مستقرة في الوقت الحالي، مما قد يعرض استمرارية الإنتاج للخطر، بسبب وجود مجموعات من المسلحين في دلتا النيجر، تمكنوا بالفعل من زعزعة استقرار المنطقة في السابق.

وإذا تكررت مثل هذه الأعمال المسلحة، فقد يتعرض المشروع وربحيته للخطر، لذا سيكون من الضروري إشراك دول الساحل عن طريق التفاوض على رسوم العبور، في سبيل تقييم المخاطر الاقتصادية والسياسية والقانونية والأمنية بشكل جيد.

وأخيرا، أوصت الصحيفة بضرورة أن تكون الجزائر متيقظة لتقلبات أسعار الغاز العالمية، نظرا لاعتمادها بشكل كبير على المحروقات، لأن اقتصادها قائم بشكل كبير على هذه القطاع، إذ يوفر الغاز ما يقترب من 40 بالمئة من إيرادات الجزائر من العملة الصعبة.