إجراءات غير مبررة.. هل تحمي حكومة أخنوش لصوص المال العام في المغرب؟

جمال خطابي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جدل جديد في المغرب أثاره هذه المرة، وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بعد توعده جمعيات حماية "المال العام" بمنعها من رفع شكاوى قضائية ضد المنتخبين من برلمانيين ورؤساء البلديات، بشأن اختلاس المال العام.

ورأى حقوقيون وسياسيون، أن تصريحات وزير العدل تهدف إلى "خنق" نشاط المجتمع المدني وتكميم الأفواه والتراجع عن المكتسبات الدستورية ذات الصلة بالحقوق والحريات، وسط اتهامات لوهبي بالسعي لحماية "لصوص المال العام".

رجة حقوقية

وخلال جلسة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، في 19 أبريل/نيسان 2022، قال وزير العدل، وهبي، إن "تعديلا في القانون الجنائي سينص على أن وزير الداخلية هو من له صلاحية وضع شكايات لدى النيابة العامة بشأن اختلاس المال العام وليس الجمعيات".

واعتبر وهبي أن "من له الصلاحية لوضع شكايات (شكاوى قضائية) ومراقبة المال، هو من كان مصدرا للمال، أي وزارة الداخلية".

وبعد أن اتهم الوزير المغربي، بعض حماة المال العام بـ"ممارسة الابتزاز"، أشار إلى أن "هناك من ليست له جمعية ولم يعقد جمعا عاما ويقول إنه رئيس لجمعية حماية المال العام".

وتابع: "قد نصل إلى وقت لن نجد فيه أشخاصا يرغبون في الترشح، فبمجرد أن يترشح شخص ما يكون محط شكاية تؤدي إلى فتح أبحاث في حقه".

واستطرد وهبي قائلا: "إذا فتحت ضدي بحثا وأنا سياسي، وأمضي عاما أو عامين أمام المحاكم...أي شرعية ستظل عندي أمام الناس وأي احترام سيبقى لدي أمامهم؟"

لكن المحامي وعضو مكتب المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بمدينة الدار البيضاء، مولاي سعيد العلوي، قال لـ"الاستقلال" إن "تنزيل نوايا وزير العدل بما يسمح لجعل الاختصاص الحصري لتقديم شكايات بخصوص أفعال يرتكبها منتخبون تمس التدبير المالي، لوزارة الداخلية فقط دون غيرها... ستكون بلا شك رجة حقوقية بالمملكة".

وتساءل العلوي: "هل نوايا وزير العدل هي أن تتساوى هذه الجرائم الخطيرة مع تلك التي هي أقل ضررا على المجتمع والتي لا يتم تحريك المتابعة بشأنها إلا بشرط تقديم شكاية استنادا إلى المادة 372 من القانون الجنائي؟"

وتابع: "هل نوايا وزير العدل تمتد لتُلحق جرائم خطيرة من قبيل نهب المال العام والتي تمس الدولة والمجتمع وتسيء لصورة المغرب إقليميا ودوليا إلى تلك الجرائم التي لا تجوز المتابعة بشأنها إلا بناء على شكاية".

وزاد: "وهل سيحرص وهبي في مشروع تعديل (القانون الجنائي) أن يقترح كذلك أن تنازل وزارة الداخلية عن شكايتها يضع حدا للمتابعة حتى ولو تم تحريكها من طرف النيابة العامة!؟"

وأوضح العلوي، أن "من شأن منع جمعيات المجتمع المدني من حق تقديم شكايات في هذا النوع من الجرائم وجعله اختصاصا حصريا لوزارة الداخلية، أن يمس بالمقتضيات المنصوص عليها في المادة 40 من القانون الجنائي ولعل أهمها هو تلقي النيابة العامة للوشايات والشكايات".

 وأردف أن "منع الجمعيات من تقديم شكايات، يعد مساسا باستقلال النيابة العامة التي خولها المشرع مباشرة الإجراءات الضرورية كافة للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي بمجرد تلقي الوشايات فما بالك بتلقي شكايات بشكل مباشر".

وخلص العلوي، إلى أنه "ينبغي أن تكون الغلبة لروح العقل والمنطق السليم"، مبينا أنه "لا يمكن أن نتصور مفارقة قانونية بين أسمى قانون في الدولة وهو الدستور وبين الترسانة القانونية التي تضبط إيقاع المجتمع داخليا في إطار العلاقات التي تربطه وتحمي كيانه وأمنه واعتباره المعنوي وثرواته المادية واللامادية كذلك".

انتكاسة حقوقية

من جانبه، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، إن "تصريح وزير العدل يشكل انتكاسة حقوقية وردة على الدستور المغربي".

وأوضح الغلوسي، لموقع "اليوم 24" المحلي، أن "الفصل 12 من الدستور ينص على أنه الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، تساهم في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، بمعنى أن للجمعيات دورا رقابيا في تقييم القرارات العمومية والمشاركة في تفعيلها".

وتساءل: "كيف يتأتى لوزير العدل وهو رجل قانون أن يدفع البرلمان من خلال هيمنة الحكومة على التشريع وعلى البرلمان أن يساهم في التضييق على الحريات والحقوق الواردة في الدستور".

وشدد المتحدث ذاته، على أن "البرلمان لا يمكنه مطلقا أن يساهم في تقييد الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، كما لا يُعقل أن تسمح المؤسسة البرلمانية وباقي الفاعلين بأن يساهم وزير العدل في خرق مقتضيات وبنود الدستور...".

وقال الغلوسي، إن تصريحات وزير العدل "تتعارض مع الدستور ومع اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب عام 2007، ومع القوانين الوطنية خاصة القانون الجنائي".

ولفت إلى أن "تصريح الوزير ورغبته الجامحة في تقييد دور المجتمع المدني، تشكل تدخلا في دور السلطة القضائية وانتكاسة حقوقية ومسارا خطيرا وغير مسبوق بأدوار المجتمع المدني الرقابية التي كفلها له الدستور".

ورأى الغلوسي، أن "ما قاله الوزير وهبي يتناقض أيضا مع القانون المتعلق بحماية المبلغين والشهود الوارد في بند القانون الجنائي، والذي يُلزم أي شخص ذاتيا أو طبيعيا بالإبلاغ عن الجرائم كيفما كان نوعها وإلا تعرض للمساءلة في إطار جريمة (عدم التبليغ)".

وأشار إلى أن "المسطرة (القانون) الجنائية تُلزم النيابة العامة بتحريك أبحاث ومساطر بناء على وشايات وإلا فإنها ستتعرض للمساءلة"، متسائلا: "كيف يحق لوزير العدل أن يتدخل في دور السلطة القضائية وأن يقيد دور النيابة العامة في تحريك الأبحاث والمتابعات".

من جهته، أكد رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، أن "تصريحات الوزير ترمي إلى تكريس عدم مراقبة المجتمع المدني لأصحاب المسؤوليات".

وأضاف غالي، لموقع "هسبريس"، أن المفهوم من التصريح هو "سحب تتبع المال العام من الجمعيات"، واصفا هذا الأمر بأنه "تدخل فادح في عمل السلطة القضائية وفي حق تقديم الشكاية المكفول لجميع المواطنين".

وطالب "رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، بفتح تحقيق مع وزير العدل، بشأن اتهامه لجمعيات تعنى بحماية المال العام.

كما طالب غالي، بتوضيحات لحديث وهبي عن ممارسات أشخاص ضمن جمعيات حماية المال العام، مؤكدا أنه معني بتقديم شكايات في حال وجود دلائل، و"إلا فهو يتستر عليهم".

سيف ذو حدين

بدورها، عددت "الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان"، حزمة من التعديلات والإجراءات التي اتخذتها حكومة عزيز أخنوش، من قبيل مقترح وهبي لتعديل قانون يمنع جمعيات مراقبة المال العام من وضع شكايات ضد المختلسين لدى النيابة العامة، وسحب قانوني معاقبة الإثراء غير المشروع من البرلمان، ومنع الاستيلاء على الملك العمومي.

ورأت الهيئة، عبر في فيسبوك، أن "هذه التعديلات والإجراءات لا يمكن فهمها إلا على أنها استعدادات لفساد عظيم لحكومة أخنوش خلال ولايتها".

وفي وقت الذي ينتقد حقوقيون تصريحات وزير العدل بخصوص منع الجمعيات من تقديم شكايات ضد ناهبي المال العام ويعدونها حماية لـ"المنتخبين الفاسدين"، يرى آخرون أن حق الجمعيات في تقديم الشكايات "موضوع مركب" ينبغي التعامل معه بحذر حتى لا يتحول لـ"آلية ابتزاز" المنتخبين وطريقا لاغتناء بعض الناشطين المدنيين. 

المحامي رضا بوكمازي، رأى أن "ولوج جمعيات المجتمع المدني للقضاء الزجري له إيجابياته، من خلال إسهام المجتمع المدني الجاد والمستقل والمسؤول في تتبع حماية المال العام ومحاربة الفساد".

واستدرك بوكمازي متسائلا: "لكن هل جميع جمعيات المجتمع المدني المهتمة بحماية المال العام تتمتع بشرط النزاهة والاستقلالية والمسؤولية؟، وهل تستعمل هذه الآلية القانونية بشكل معقول ومنصف؟".

ولفت إلى أن "الممارسة أثبتت عكس ذلك، ناهيك عن شرطي المعرفة والخبرة الدقيقة في موضوع حماية المال العام، واللذين لا يتوفران بالضرورة في كل من يحمل صفة جمعية مجتمع مدني".

وشدد بوكمازي، في حديث لـ"الاستقلال"، على أنه ليس مع رأي الإبقاء على آلية تقديم الجمعيات للشكايات بشكل مفتوح، منبها في الوقت ذاته، إلى أن "الإجراء الذي أعلن عنه وزير العدل سيف ذو حدين".

وأوضح أن مشكلة تقديم الشكايات من قبل بعض جمعيات حماية المال العام، أصبحت مدخلا لابتزاز المواطنين، خاصة في الملفات البعيدة كل البعد عن حماية المال العام.

تصعيد اللهجة

غير أن بوكمازي يرى أن "حرمان الجمعيات من آلية تقديم الشكايات سيؤدي لتضييع فرصة قانونية لها أن تساهم في محاربة الفساد وحماية المال العام، بشرط عدم استغلال الجمعيات لهذه الآلية في الابتزاز والاغتناء".

وذكر أن "الممارسة أثبتت العكس حيث إن عددا مهما من الشكايات تتسم بالكيدية وتسيء لعدد من المواطنين وحتى بعد الحصول على البراءة، فإن الهدف من الشكاية الكيدية يكون قد تحقق من خلال الإساءة لمسار عدد مهم من السياسيين والفاعلين في تدبير الشأن العام". 

ورأى أن "هذا الأمر يقتضي الحد من اللجوء المباشر للقضاء الزجري، مقابل أن يكون لجمعيات حماية المال العام الحق في توجيه الشكايات للقضاء المختص وهو القضاء المالي أي المجالس الجهوية للحسابات (هيئة رسمية) والمجلس الأعلى للحسابات (رسمية) أو هيئات الرقابة، من بينها المفتشية العامة للإدارة الترابية (رسمية)، ومفتشية المالية (رسمية)".

وبين أنه يحق لهذه المجالس والهيئات، إذا تبين لها جدية الشكايات وتضمنها لعناصر الفعل الجرمي المرتبط باختلاس المال العام أو تبذيره، أن تحيل الأمر مباشرة على الوكيل العام لدى محكمة النقض للنظر فيها.

وأشار بوكمازي، إلى أنه "هناك العديد من المواطنين الذين يدبرون الشأن العام المحلي يصبحون ضحية لهذا النوع من الشكايات التي غالبا لا تكون جدية وتتسم بالكيدية".

وأمام الجدل الذي أثارته تصريحات وزير العدل، صعَّدت وزارة الداخلية من لهجتها، ضد الجمعيات التي لا تتوفر على الصفة القانونية المطلوبة التي تؤهلها لممارسة أنشطتها.

وفي 25 أبريل/نيسان 2022، أكدت وزارة الداخلية، بوصفها القطاع الحكومي المسؤول عن تدبير القوانين المتعلقة بالوضعية السليمة للجمعيات، أنها تحتفظ بحقها في تفعيل القانون في حق الهيئات الجمعوية المخالفة.

وذكر بيان للوزارة، أن بعض الهيئات المدنية "تقوم بإصدار بلاغات حول أنشطتها أو مواقفها أو إعلان قراراتها، رغم عدم توفرها على الصفة القانونية التي تخول لها ذلك، بسبب عدم ملاءمتها مع المقتضيات القانونية أو لعدم تجديد أعضاء مكاتبها".

ويأتي هذا البلاغ بعد أسبوع واحد من تصريحات وزير العدل بخصوص منع الجمعيات من تقديم شكايات ضد ناهبي المال العام من منتخبين ورؤساء جماعات ترابية.

وهو الأمر الذي رأى فيه بعض المراقبين دعما لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، لزميله في الحكومة، وزير العدل وهبي.

غير أن الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، لم يعبر عن دعم حكومة أخنوش لمقترح وزير العدل.

وفي 21 أبريل 2022، أكد بايتاس، خلال ندوة صحفية عقب اجتماع مجلس الحكومة، أنه "من السابق لأوانه الوصول إلى ما أعلن عنه وزير العدل، عبر قانون جاهز يفرض شيئا معينا أو يفرض قيودا معينة".

وأفاد الوزير، أن اعتماد تعديلات جديدة بالقوانين الموجودة "يجب أن تمر من مجموعة من مسارات المصادقة بما فيها مجلس الحكومة والبرلمان، وغير ذلك".