سقوط عمران خان.. هل يؤثر على العلاقات القوية بين باكستان والصين؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كان لسقوط رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في 10 أبريل/نيسان 2022، من منصبه عقب سحب ثقة البرلمان منه، دوي عالمي لا سيما في منطقة آسيا الوسطى، بما أنها إحدى مناطق نفوذ الصين، ومن نقاط العالم الساخنة المتصارع عليها دوليا. 

امتلك خان طوال فترة حكمه علاقات متميزة مع الصين أحد أهم حلفائه، ومن الركائز الأساسية التي يعتمد عليها في سياسته الخارجية، التي تميزت بخلافات حادة وجوهرية مع الولايات المتحدة والغرب.

الأهم أن فترة حكم خان كانت امتدادا مهما ومتطورا للعلاقات القديمة بين بكين وإسلام آباد، بدأت منذ تأسيس الجمهورية الباكستانية عام 1947، واعتراف النظام الباكستاني بجمهورية الصين الشعبية عام 1950، كواحد من أوائل أنظمة العالم التي أقدمت على ذلك. 

واليوم مع الاضطرابات الإقليمية والنزاع البارد بين الصين والولايات المتحدة في العمق الآسيوي، يأتي دور باكستان كملمح للصراع، خاصة في ظل الأزمات الداخلية التي تشهدها. 

تعاون استخباراتي 

يعد التعاون الاستخباراتي من القواعد الراسخة في بنية العلاقات الباكستانية الصينية، ودلل على ذلك ما نشرته مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، في 14 أبريل 2022، عندما ذكرت أن وزارة أمن الدولة الصينية دعت المخابرات الباكستانية للتعاون مع مخابرات طالبان نظرا لقلقها من الوضع الأمني في أفغانستان. 

وأضافت: "تواصلت الصين مع طالبان من أجل تأمين مصالحها، وذلك بمساعدة خبراء الاستخبارات الباكستانية". 

وقالت: إن "وفدا كبيرا من وزارة أمن الدولة الصينية عقد سلسلة غير مسبوقة من الاجتماعات مع كبار المسؤولين في جهاز استخبارات طالبان في كابول، بين 20 و23 مارس/آذار 2022، ولتسهيل هذه المناقشات بين المخابرات الصينية والقادة الجدد في كابول، استدعيت المخابرات الباكستانية الداخلية (ISI)، بشكل خاص لحضور هذه الاجتماعات المهمة". 

وأوردت المجلة الفرنسية، أن "الاتفاقية غير المسبوقة، جاءت في ظل تخوف الصين من امتداد 76 كم من الحدود المشتركة مع أفغانستان"، ما قد يسمح لأعضاء الحزب الإسلامي التركستاني بالعبور إلى أراضيها. 

وقد اتهمت وزارة أمن الدولة الصينية هذه المجموعة بتدبير هجمات في الصين وضد المواطنين الصينيين ومصالحها الموجودة في باكستان والسودان وأفغانستان وقيرغيزستان.

ورغم القلاقل القائمة في باكستان عقب الإطاحة بحليف الصين عمران خان، فإن بكين تضع ملف أمن آسيا الوسطى في صلب تفكيرها، وبالتالي لا يمكن السماح بتدهور العلاقات مع إسلام آباد تحت أي ظرف. 

ويتعزز ذلك مع شعور الصين بالقلق من احتمالية انتشار الفوضى في جميع أنحاء المنطقة الأوسع، ما قد يهدد مبادرة الحزام والطريق، والتي يجب أن تمر عبر ممر "واخان" شديد الحساسية في مقاطعة بدخشان شمال شرقي أفغانستان.

وكذلك تأمل الصين في استخراج الليثيوم والنحاس لاحقا في أفغانستان، لكنها استبعدت هذه المناجم من مشاريعها في الوقت الحالي بسبب الوضع الأمني.

مع وجود توجس أصلا بسبب نقص الضمانات التي تقدمها وكالة الاستخبارات الباكستانية، التي لا تزال لها اليد العليا في تطورات المشهد الأفغاني، بحسب ما تناولته "إنتيليجنس أونلاين". 

دور خان 

منذ بداية رئاسته للوزراء في 18 أغسطس/آب 2018، اعتمد عمران خان إستراتيجية الحياد، بدلا من التبعية المطلقة والتحالف الكامل مع الولايات المتحدة.

وسرعان ما عزز علاقاته مع القوى الدولية الكبرى، فوقع عام 2019 أكبر صفقة سلاح مع روسيا بقيمة 9 مليارات دولار.

وسبقها عمران خان في 2018 بتوقيع صفقات تسلح تاريخية بقيمة 6.4 مليارات دولار مع الصين.

لكن النقطة الأخطر كانت موافقة حكومته على مشروع طريق الحرير الصيني، وهو ما عدته واشنطن ضربة قاصمة لمحاولاتها حصار بكين.

وجاء الرد الأميركي سريعا في أغسطس 2019، عندما أوعزت واشنطن إلى الهند بضرورة إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لولاية جامو وكشمير الباكستانية التي تحتلها.

ولاحقا عملت نيودلهي على تغيير هوية الولاية عبر التهجير القسري للسكان ونزع الهوية الوطنية منهم، وتدمير دور عبادتهم الإسلامية، كمعاقبة لخان على توجهاته نحو الصين. 

وكانت صحيفة "صنداي تليغراف" قد ذكرت في 20 يناير/ كانون الثاني 2019، أن "باكستان في صلب خطة الصين لإحياء طريق الحرير القديم من خلال المبادرة التي تعرف باسم (الطريق والحزام)، والتي تشمل بناء سكك حديدية وموانئ".

ووعدت الصين باستثمار 46 مليار دولار في باكستان، وهي الخطة القائمة والمستمرة حتى اليوم، رغم الإطاحة بخان من منصبه. 

أهمية باكستان 

في 7 يونيو/ حزيران 2021، كتب الدبلوماسي والباحث المتخصص في الشأن الباكستاني عارف كامل، ورقة بحثية لـ "مركز الجزيرة للدراسات" عن طبيعة وأبعاد العلاقات الباكستانية الصينية، وملامحها وتطوراتها.

قال فيها: "إن العلاقة الباكستانية الصينية توصف عموما بأنها الصداقة الملائمة لكل الظروف مع إتباعها عادة بتعبيرات أخرى متكررة مثل: أعمق من المحيطات، وأطول من جبال الهيمالايا".

وذكر أن "العلاقة الإستراتيجية ترتكز على الاحترام المتبادل للمصالح الحيوية للجانبين، فدعم الصين الثابت لاستقلال باكستان وسيادتها وسلامة أراضيها، سياسة ثابتة، وبالمثل تلتزم إسلام أباد بصرامة بسياسة بكين الموحدة ومعارضة أي توجهات انفصالية، سواء المتعلقة بالتبت أو إقليم سينجيانغ".

ربما يفسر هذا الأمر تصريحات عمران خان في يناير 2019، بأنه لا يعلم شيئا عما يتعرض له المسلمون في إقليم شينجيانغ الصيني، وليست لديه فكرة عن السجون الجماعية التي احتجزت فيها السلطات في الإقليم مئات الآلاف من مسلمي أقلية الإيغور، فيما قال إنها معسكرات تعليمية أو تربوية.

وأضاف حينها أنه حتى لو كان الأمر كما يجري تداوله، فإنه لن ينتقد السلطات الصينية علنا، بل سيطرحه في أحاديثه الخاصة مع المسؤولين "لأن الصينيين يعملون هكذا"، وفق تصريحاته.

لذلك فإن عارف كامل أورد في بحثه أن "تطور معادلة الصداقة الملائمة لكل الظروف بين باكستان والصين هو إدراك وانعكاس لموقع إسلام أباد الجغرافي والسياسي على مفترق طرق بين مناطق: آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغرب آسيا".

وبعبارة أكثر تحديدا، تكمن فوائد هذا التطور في ناحيتين، كونه حصنا يحول دون تطويق الصين، وكونه جسرا للتواصل التجاري لبكين مع بحر العرب، وفق قوله.

وفي 21 مايو/ أيار 2021، صرح الرئيس الباكستاني عارف علوي أن " العلاقات بين باكستان والصين تتطور بقوة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1951، وأصبحت مثالا يحتذى به للدول الأخرى في العالم". 

وقال "أعلى من الجبال، وأعمق من المحيطات، وأحلى من العسل" وهي العبارة التي تستخدم بشكل متكرر في باكستان لوصف الصداقة القائمة في جميع الأجواء بين البلدين، وهي "وصف مناسب للغاية للسنوات الـ70 الماضية".

خريطة التعاون 

ومن هنا تقوم العلاقات الباكستانية الصينية على مرتكزات رئيسة، وخريطة تعاون واضحة مرسومة بعناية ومحددة المعالم.

وهي الخريطة التي تحدث عنها وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في 23 مارس/ آذار 2022، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الباكستاني (آنذاك) شاه محمود قريشي.

وقد حدد الوزير الصيني أربع مجالات  لتعزيز العلاقات بين الصين وباكستان، مبينا أن النقطة الأولى تتمثل في دعم بعضهما البعض بشكل قوي، وبغض النظر عن التغيرات التي تحدث في الوضع الدولي وفي بلادهما.

وعبر عن هذه النقطة قائلا: "ستتمسك الصين بسياستها الودية تجاه باكستان، وستدعم بقوة الشعب الباكستاني في سلوك طريق تنمية تناسب ظروفه الوطنية"، وكذلك: "ستدعم بكين إسلام أباد في الدفاع عن سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها". 

أما النقطة الثانية فهي أن: "على الصين وباكستان تعزيز تكامل إستراتيجيات التنمية الخاصة بهما وبناء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني بجودة عالية والبقاء ملتزمين بتعزيز مشروعات التعاون الرئيسة وتوسيع التعاون في التنمية الخضراء والرقمنة والحد من الفقر". 

والثالثة: "تدعم الصين باكستان في معاقبة مرتكبي هجوم داسو الإرهابي بشدة، وتقدر جهودها لتعزيز أمن الأفراد الصينيين والمشروعات الصينية في إسلام أباد". 

والهجوم المذكور وقع في 14 يوليو/تموز 2021، وقتل فيه 13 شخصا، بينهم 10 صينيين، واستهدف حافلة تقل عمالا في مشروع بناء سد "داسو" بولاية خيبر بختونخوا.

والرابعة، بحسب وزير الخارجية الصيني: "تعزيز التنسيق في القضايا الدولية والإقليمية مثل أفغانستان وأوكرانيا، والممارسة المشتركة للتعددية الحقيقية، وحماية الأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية بجدية، ومعارضة سياسات القوة والتنمر والعقوبات أحادية الجانب". 

وهي السياسة التي حرصت بكين على الالتزام بها تجاه جارتها، رغم جميع المتغيرات الواقعة.

ففي 11 أبريل 2022، وبعد يوم واحد من إسقاط عمران خان، أعلنت الصين، عبر المتحدث الرسمي لوزارة خارجيتها، إنها ستحافظ على سياسة العلاقات الودية مع باكستان بغض النظر عن كيفية تغير الوضع السياسي فيها.