مدير البحوث بمركز سوري لـ"الاستقلال": سيناريو الجمود فرصة للأسد ويستنزف نظامه

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

اعتبر الباحث السوري، مدير البحوث بمركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع أن مصطلح الحل السياسي في سوريا لا تتوفر عناصره حاليا، مشيرا إلى أن الصفقة المرتقبة في هذا الإطار ستراعي الشرط السياسي الإقليمي لا المحلي الوطني.

ورأى طلاع في حوار مع "الاستقلال" أن النظام السوري يدرك أن بوابة التطبيع والانفراج على باقي الدول سيكون مدخلها عربي.

وأوضح أن النظام يعتمد على إعلام قائم على التحشيد، وصنع صورة أنه قائم وموجود، وتحويل خطواته من أفعال عادية إلى انتصارات وإن كانت وهمية.

ولفت إلى أن التموضع الإيراني في سوريا ليس مركزا على الأداة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحسب، بل يأتي بعين أمنية، إذ تتحكم طهران بكل دوائر النظام، ولديها قدرة على صنع القرار على مستويات عديدة.

وأكد أن جمود الحل السياسي يأتي إعلانا لبقاء النظام السوري وفرصة له لاستغلال كل أدوات الدولة من جديد، وفي نفس الوقت هو استنزاف له، حيث لا يوجد إعادة إعمار ولا تعاف مبكر في البلاد.

وأشار إلى أن تحديات كبرى تواجه قوى الثورة والمعارضة السورية، من أهمها كيفية إنجاز الاستحقاقات فيما تبقى لها من مناطق تسيطر عليها ببوصلة وطنية.

وطلاع حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة دمشق، ويواصل دراسته الأكاديمية في العلوم السياسية بجامعة الشرق الأدنى في قبرص، وبدء عمله في مركز عمران منذ تأسيسه ولديه عديد من الأوراق حول الشأن السوري والإقليمي.

ومركز عمران مؤسسة بحثية مستقلة (مقره تركيا)، ويلعب دورا رائدا في البناء العلمي والمعرفي للمنطقة وسوريا دولة ومجتمعا وإنسانا.

إعادة تموضع

لماذا يروج نظام الأسد لمشاريع اقتصادية ميتة مثل السكك الحديدية من إيران أو خط الغاز العربي؟

سياسيا يمكن عنونة حراك النظام السوري تحت إستراتيجية استغلال الظرف، والقائم على تعزيز أي مبادرة حتى لو كانت دون أي جدوى لدفع عجلة التطبيع وفرض واقع جديد.

إذ ينطلق النظام وفق فهمنا لحركيته السياسية والأمنية منذ بداية الحراك الشعبي بمقاربة رئيسة قائمة على مبدأ الأولوية، وهي تعزيز الوجود وصيانته.

وهذه المقاربة تتبدل أدواتها وفق التحولات فتارة نجدها عسكرية وأمنية، وتارة دبلوماسية وأخرى سياسية.

ويرافق تحركات النظام السوري، الإعلام القائم على التحشيد وصنع صورة أنه قائم وموجود، وتحويل خطواته من أفعال عادية إلى انتصارات وإن كانت وهمية.

لأنه يصدرها إلى حواضنه على أنها انتصارات كبرى وأنها اعتراف من قبل دول حاربته بأنها استسلمت وبدأت تنسج معه عقودا في هذا الإطار.

إلا أن ذلك يجافي الواقع بحكم أن الظرف والسياق في كل المشاريع الاقتصادية التي تحدث عنها تتعلق بمصالح الدول وسياق المشهد السوري بشكل عام وليس بهذه النظرة.

لماذا تركز إيران على التغلغل اقتصاديا في سوريا بينما روسيا تمسك بالإطار السياسي؟

حتى نفهم التموضع الإيراني يجب أن نعيد تعريفه وخاصة بعد التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/ أيلول 2015، إذ استلمت روسيا بطبيعة الحال قيادة عربة دول حلف النظام السوري.

 وعليه عادت إيران إلى المقعد الخلفي، واستلمت روسيا الملف السياسي والأمني.

وفي نفس الوقت أصبح الإيرانيون هدفا مشتركا للعديد من الفواعل (الأميركيين، الإسرائيليين، الدول العربية)، وبات التموضع الأمني الإيراني نقطة عثرة في الحراك الروسي.

ما استوجب تعاطي موسكو معها، حيث أسست الفيلق الخامس والسادس، وكذلك عملت على استيعاب المليشيات دون رفضها أو طردها بحكم أن الظرف العسكري بحاجة لها.

لكن إيران هي الدولة الأكثر استثمارا في دعم النظام السوري وتقديم كل أدوات التمكين والبقاء، وعملت على صياغة إستراتيجية إعادة تموضع جديدة بعيون أمنية.

لكن إذا ما تتبعنا هذا التموضع الإيراني، فإنه يرتسم على خطوط تتمثل في مناطق وطرق إمداد إستراتيجية في سوريا، كالنقل والطاقة وأيضا بالمحيط الإسرائيلي.

فالوجود في الجنوب السوري وعلى حدود الأردن أيضا، لم يعد مليشياويا، بعد ارتداء المليشيات البدلة العسكرية الرسمية للفرقة الرابعة.

كما أن بيع العقارات وصل إلى حدود مزارع سعسع بريف دمشق وغيرها، سواء من قبل حزب الله اللبناني وغيره، من أجل تسهيل حركة اقتصاد المخدرات، الذي يشكل عنصر تمويل ذاتي لهذه المليشيات.

كل ذلك، يدلل على أن التموضع الإيراني في سوريا ليس مركزا على الأداة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل يأتي بعين أمنية، إذ تتحكم طهران بكل دوائر النظام، ولديها قدرة على صنع القرار على مستويات عديدة محلياتية وحتى حكومية.

استغلال الهوامش

خلال عام 2021 حاولت دول عربية الترويج لدعم اقتصاد النظام السوري، ما الهدف من ذلك؟

هذا ينطلق من السياسة العربية التي تنسج محدداتها الإقليمية وفق عاملين: الأول، أمني محلي، والثاني خارجي وفق الفاعل الأميركي ومحدداته بالمنطقة.

وإذ ما أخذنا هذه الفرضية نجد أن تحولات الربيع العربي، وما أظهره من قوى مناوئة لبعض الدول جعلها تعيد النظر في حساباتها وتخلق ديناميات مثبطة لهذا التيار.

لأن هذه الدول تحمل أخطارا أمنية عليها، وبالتالي هذا يستوجب بمكان ما عدم مناصرة هذا التيار وهنا ستأتي النتائج للطرف الآخر.

كما أن الولايات المتحدة بدأ عدم اهتمامها بالشرق الأوسط في إدارة جو بايدن، وبالتالي فإن التحولات التي حصلت في المنطقة هي نتيجة هذا الأمر.

لذا نجد أن الدول العربية بدأت تبحث عن مثلث قوة في المنطقة فوجدته محصورا في تركيا وإيران وإسرائيل.

وعليه انطلق قطار التطبيع مع إسرائيل، وهذا كان عاملا داعما أمنيا لهذه الدول، وتم الدفع بقطار التطبيع مع تركيا.

وفي هذا الإطار تستعد الدول العربية إلى عودة المنطقة والنظام الإقليمي إلى ما قبل 2011.

بمعنى إعادة إنتاج الصيغ القديمة كصيغ حكم وتفاعلات وأولويات، وهذه هي الغاية العامة لأن هذه المعادلة تحقق التوازن المحلي بالنسبة لها والأمان الإقليمي.

لذا نجد الدول العربية كانت تدفع بتجهيز سياساتها باتجاه النظام السوري في حال ظهرت أي تحولات تكون هي صاحبة اليد الطولى في المشهد السوري والعودة السريعة.

أما رئيس النظام السوري بشار الأسد، فكان له في هذا الأمر خطان.

الأول تكتيكي، فرضته موجبات ما بعد الحرب، التي تستوجب منه الدخول في عديد من القضايا التنموية والحكومية وحتى ما يرتبط بالتعافي المباشر سواء على المستوى الأمني والمدني أو الحكومي، ما يتطلب عقد اتفاقيات مع الدول العربية.

أما الخط الثاني، فهو إستراتيجي قائم على استغلال الهوامش التي يتيحها المشهد السوري، وتعزيز حضوره رويدا رويدا مع الدول العربية، وإن كان هذا التجهيز عابرا للسياسة، ولا يستهدف العلاقات السياسية المباشرة، التي باعتقاده أن عامل الزمن في هذا الخط كفيل بأن يجعل السياسي تحصيل حاصل.

ما تقييمكم لتصريحات وزير خارجية النظام فيصل مقداد حول عدم الاهتمام بالعودة للجامعة العربية؟

التصريح هذا استهلاك إعلامي لا غير، ويأتي في سياق الرد والمناكفة على تصريحات عربية سعودية وقطرية.

ولن تكون هذه التصريحات مؤثرة على الحركة العامة القائمة على استثمار أي مؤشرات يمكن تعزيزها وجعلها ذات نتائج ملموسة تعزز أدوات تنمية النظام السوري ودعمه المالي والاقتصادي.

إذ إن النظام السوري يدرك أن بوابة التطبيع والانفراج على باقي الدول سيكون مدخلها عربي.

برأيك لماذا تركت الولايات المتحدة لروسيا أن تقود مفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والنظام السوري؟

لا أظن أن الولايات المتحدة هي من تركت بقدر ما كان هو فتح مجال لحليفها المحلي لأن يكون أكثر حركة ودينامية.

بمعنى عدم إعلان مفاوضات مباشرة أميركية روسية في هذا الملف، وهذا ما كانت تريده موسكو وترفضه واشنطن، إذ إن الرئيس السابق دونالد ترامب وأيضا الحالي جو بايدن لا يريدان أن تكون سوريا ملف تفاوض مع الروس.

كما أن الولايات المتحدة تدرك بأنه حتى المفاوضات بين قسد والنظام السوري، ورقية وغير قابلة للتنفيذ، وبالتالي فإن واشنطن على الأرض هي المتسيدة حتى وإن كان عدد القواعد العسكرية أقل.

فعندما ننظر إلى القواعد الأميركية حاليا التي انخفضت إلى خمسة تقريبا، نراها أصبحت نقاطا إستراتيجية كبرى محصنة ولديها مدارج ومخازن وكل اللوجستيات المرتبطة بالقاعدة الإستراتيجية.

إضافة إلى أنها سياسة أميركية أيضا في إغراق الروس وجعل دورهم دبلوماسيا لا غير، وعدم فتح المجال لهم للتغلغل على الأرض.

مؤشرات غائبة

ما أفق الحل في سوريا وهل سيشهد 2022 أي انفراجة؟ 

مصطلح الحل السياسي في سوريا، لا تتوفر عناصره ودوافعه والمؤشرات الدالة عليه فيما أفرزته السنوات العشر الماضية.

هناك تحويل مناطق نفوذ أمنية إلى حدود إدارية تتصلب شيئا فشيئا مع بقاء الخواصر الرخوة، ما أفرز تمترسا للجغرافيا فيها أنماط حوكمة متباينة ودولة مركزية فاشلة لا تسيطر على الأطراف ومستنزفة باستحقاقات كبيرة لا تقوى على مواجهتها.

أيضا مؤشرات التوافق السياسي لا تزال غائبة، فالفاعل الأميركي حدد قواعده واكتفى، والروسي كذلك ثبت معادلاته في المشهد واكتفى، والتركي حقق معادلته الأمنية عبر الوجود في شمال سوريا، والإيراني بدأ بإعادة تغيير مواضعه من جديد.

وعليه فإنه لا يوجد محفزات للتوافق السياسي بقدر ما هو تمترس جغرافي وبهذا المعنى يمضي المشهد باتجاه خلق بيئات ضمن هذا التجميد تدعم مقاربات لما تبقى من استحقاقات ضمن هذا الواقع.

وهنا نتكلم عن تقسيم ملفات الاستحقاقات الكبرى كإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي المبكر وغيرها، وفي هذا الإطار سيكون الدستور إن استمر في حركته الطويلة انعكاسا لهذا الواقع.

وبالتالي فإن صفقة الحل السياسي بسوريا، ستراعي الشرط السياسي الإقليمي لا المحلي الوطني، ما يعني أننا لا نتكلم عن انفراجة بقدر ما نتكلم عن كارثة محتملة.

لذلك فإن التحديات التي تواجه قوى الثورة والمعارضة السورية، كبرى في هذا السياق، متمثلة في كيفية إنجاز استحقاقات فيما تبقى لها من مناطق ببوصلة وطنية.  

هل يعتبر الجمود في الحل السياسي ورقة رابحة للنظام السوري بعد 11 عاما على الثورة؟

يشكل سيناريو التجميد والمراوحة في المكان، خطرا بمكان ما وفرصة بمكان آخر، إذ يحوي النقيضين.

فالتجميد يعني إعلانا لبقاء النظام السوري وفرصة له لاستغلال كل أدوات الدولة من جديد، الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية والحكومية، للتفاعل وتحسين الظروف وتهيئتها لخلق واقع يعرف بالتكيف أو التطبيع.

وهذه فرصة جيدة للنظام لإعادة نسج تحالفاته القديمة، وترتيب الاستحقاقات الأمنية الضاغطة عليه، فالمناطق التي لا يسيطر عليها بحاجة لتوافقات سياسية مع فواعل لا يمكنه حاليا التواصل معها.

وبالتالي قد يكون الوضع الراهن فرصة للقضم بمكان بعد التوافق مع روسيا.

كما أن جمود الحل السياسي استنزاف للنظام في نفس الوقت، فلا يوجد إعادة إعمار، ولا عودة مهجرين ولاجئين، ولا تعاف مبكر في البلاد، والأهم لا يوجد نص سياسي ينص على بقاء النظام.

ما يعني مواجهة جديدة للاستحقاقات المحلية التنموية والإدارية والاقتصادية والبشرية، وخاصة مع وجود بنية تحتية مدمرة.

والثورة السورية فكرة حملها أشخاص ومجموعات، ولم ترتبط بجغرافيا ولا بعلاقات دولية ولا بمصالح متداخلة، وبالتالي السنوات العشر الماضية كانت محفزة للتحولات وخلق الفرص.

لذلك نحن نرى على المستوى التنظيمي المجتمعي والنقابي والحوكمة ومجموعات الضغط الدولية وحتى الحقوقية والتوثيقية، أن الثورة قدمت ولا تزال تقدم تطورا ملحوظا ضمن التحديات الموجودة.