البيت التركي في نيويورك.. ناطحة سحاب بناها أردوغان على أساس عثماني

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة تركية الضوء على تاريخ مبنى "البيت التركي" الجديد في مدينة نيويورك الأميركية، باعتباره رمزا يعكس ثقافة وتنوع تركيا.

ونشرت صحيفة "يني شفق" مقالا للخبيرة في العلاقات التركية الأميركية إيشيل أجيهان قالت فيه: "تم افتتاح البيت التركي المكون من 36 طابقا مقابل مقر الأمم المتحدة، والذي بدأ العمل عليه عام 2017 بحفل مهيب أقيم في 20 سبتمبر/أيلول 2021 بمشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان وممثلين رفيعي المستوى".

وشارك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في افتتاح البيت التركي الذي يتوقع أن يصبح أحد المعالم المهمة لنيويورك، رغم ازدحام جدول الأعمال في الاجتماع الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

كذلك كان من اللافت في حفل الافتتاح، مشاركة "إلبيدوفوروس لامبرينيديس"، المواطن التركي الذي عين رئيسا لأساقفة أميركا من قبل البطريركية اليونانية عام 2019.

فكرة الظهور

وبحسب أجيهان، كانت بعض الجمعيات التي افتتحها الأتراك الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة خلال عهد الدولة العثمانية، خلف المحاولات الأولى التي سعت لإنشاء "بيت تركي" في نيويورك، وقد أعلنت هذه الجمعيات عن مشروعها في بيان نشرته على صحيفة "ملييت" في 28 مارس/آذار 1961.

وجاء في البيان: "قررت المنظمات التركية في أميركا شراء مبنى يكون مقرا لها في نيويورك. وقد قال رئيس اتحاد الجمعيات التركية، محي الدين أكديك، إنه سيكون من الأفضل أن تعمل الجمعيات في المقر، وأن الأتراك الذين لا يعرفون بعضهم البعض في أميركا سيتمكنون من الالتقاء بهذا الشكل".

وهكذا، قرر "الاتحاد الثقافي التركي" و"الجمعية الخيرية القبرصية التركية" جمع الأموال عن طريق إصدار سندات لشراء المبنى.

وقالت أجيهان: "لقد كان الاتحاد الثقافي التركي الذي بدأ نشاطه في نيويورك عام 1933، من أوائل الجمعيات التركية التي أسسها الأتراك المهاجرون خلال العهد العثماني إلى الولايات المتحدة".

أما "الجمعية الخيرية القبرصية التركية" التي أسسها القبارصة الأتراك، فقد بدأت أنشطتها في نيويورك في نفس الفترة تقريبا، وكلا المؤسستين لعبتا دورا مهما في افتتاح البيت التركي بأميركا.

وأضافت: "كذلك، تولى محي الدين أكديك دورا مهما في تحقيق مشروع البيت التركي، إذ التقى مع الأتراك في الولايات المتحدة ووضع أسس المبادرة في نيويورك أثناء زيارة له قام بها إلى جامعة ولاية جنوب غرب تكساس عام 1960 بعد أن تمت دعوته ليلقي خطابا في يوم التخرج".

ورغم أنه تم جمع بعض الأموال لبناء البيت التركي عام 1961، إلا أنها لم تكن كافية، ومع ذلك لم تستسلم الجمعيات التركية ولم تتخل عن فكرة التأسيس.

أيام سوداء

وتابعت أجيهان قائلة: "وبحلول عام 1970، تأزمت العلاقات التركية الأميركية ودخلت منعطفا حادا لم يشهد البلدان مثلها في تاريخهما، ومع حظر الأسلحة الذي فرضته الولايات المتحدة على تركيا بعد عملية السلام في قبرص عام 1974، ازداد تأزم العلاقات ولاحت نقطة اللاعودة في الأفق".

وأردفت: "وهنا، قرر سليمان ديميريل، الذي استلم رئاسة الوزراء من بولنت أجاويد، إغلاق القواعد العسكرية والاستخباراتية الأميركية في تركيا وتسليمها للقوات المسلحة التركية ردا على هذا الموقف الأميركي، وسمح باستمرار عمليات الناتو فقط في قاعدة إنجرليك".

كانت تركيا قد أصبحت في عزلة مع الحظر الذي فرضته أميركا، خاصة وأنها كانت تصارع على الناحية الأخرى، الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة وانعدام الاستقرار السياسي مع الحكومات الائتلافية آنذاك، لذلك، بدأ الفكر المناهض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يتصاعد بسرعة في تركيا، وفقا للكاتبة.

واستطردت: "وفي ظل مثل هذه الظروف، اعتلت مسألة شراء مبنى للبيت التركي، الأجندة مرة أخرى. فمع جلوس ديميريل في منصب رئاسة الوزراء عام 1977، بدأ ممثلو الولايات المتحدة ووزير الخارجية آنذاك إحسان صبري تشاغلايانغيل، يتحركون ذهابا وإيابا بين تركيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة لتحسين العلاقات التركية الأميركية".

وأضافت: وخلال إحدى هذه الزيارات، أخبر الأتراك في الولايات المتحدة الصحفي دوغان أولوتش أنهم جمعوا بعض الأموال لتأسيس البيت التركي، لكنه لم يكن كافيا. وأرسلوا مع أولوتش رسالة إلى تشاغلايانغيل يطلبون منه الدعم لاستكمال المشروع.    

ويبدو أن الفكرة ظهرت كفرصة جيدة بالنسبة لتشاغلايانغيل؛ لتحسين علاقات تركيا مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

وبدأ تشاغلايانغيل العمل على تأسيس البيت التركي عام 1977، ليضم مقرات جميع ممثليات المؤسسات الرسمية التركية، مع أن تحقق هذا الطلب كان كحلم في وقت كان يقول فيه ديميريل: "إن تركيا بحاجة إلى 70 سنة".

ولفتت الكاتبة: "وبالطبع كان وراء شراء المبنى أبطال لم يبرزوا في القصة، وأولهم كان محافظ البنك المركزي في ذلك الوقت، جعفر الطيار صادقلر".

مركز ثقافي

وقد تحدث صادقلر عن مساهمته في شراء هذا المبنى في كتابه الأخير بعنوان "ليست هناك حاجة لحب آخر.. 50 عاما في خدمة الوطن".

وقال: "بصفتي رئيسا للمركز، قمت بزيارة إلى نيويورك عام 1977. وخلال زيارتنا، أفاد القنصل العام التركي في نيويورك، صدقي جوشكون والممثل المالي، توران كيفانتش أن المبنى المكون من 11 طابقا والذي يقع مقابل مبنى الأمم المتحدة مباشرة أي حيث البيت التركي حاليا، معروض للبيع وأنها صفقة رابحة".

وأضاف "ذهبت وعاينت المبنى... كان السعر المعلن عنه يساوي 3.2 ملايين دولار، وكانت حقا صفقة رابحة.. لكن كان يجب أن يتم تخصيص مبلغ من ميزانية وزارة الخارجية، كما كان يجب استلام أمر شراء من أنقرة لشراء مثل هذه المباني".

وتابع: "لم يكن هناك وقت لهذه الإجراءات، فإما أن نقوم بدفع هذا المال ويصبح المبنى لنا، أو نفوت هذه الفرصة ويشتريها الكويتيون. وهكذا، أعطيت الأوامر، ووفرنا ​​المبلغ المطلوب من خلال عملاتنا الأجنبية في الاحتياطيات الفيدرالية في نيويورك. لقد خاطرت وتحملت كل المسؤولية... وتم شراء المبنى، ثم أكملت وزارة الخارجية الإجراءات".

وتعلق الكاتبة: "تبلغ القيمة الحالية للبيت التركي 1.5 مليار دولار، بعد أن تم شراؤه قبل 44 عاما بالضبط بـ3.2 ملايين دولار، الأمر الذي يؤكد أنه تم اتخاذ القرار الصحيح في ذلك الوقت".

ووفقا لأجيهان، كان الافتتاح الذي تم في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1977 للمبنى الذي كان يحتل مكان ناطحة سحاب البيت التركي الحالي التي وضع الرئيس أردوغان حجر أساسها عام 2017 وتقع في واحدة من أفضل الأماكن بنيويورك، قد أشعل في تركيا الحماس وملأ شعبها فخرا، تماما كما حدث في 20 سبتمبر/أيلول 2021.

وأوضحت: "فقد وفر البيت التركي الذي اتخذ مكانه مقابل مقر الأمم المتحدة، أرضية قوية لإنهاء التوترات في العلاقات التركية الأميركية، وتحسين صورة تركيا والقيام بالأنشطة الدبلوماسية العامة".

ونشرت صحيفة "ملييت" الخبر لقرائها بعنوان "اجتماع الممثلين الأتراك في البيت التركي في نيويورك" بالشكل التالي: "تم افتتاح البيت التركي الذي يضم ممثلين مختلفين لتركيا في نيويورك في اليوم السابق، بحفل حضره وزير الخارجية تشاغلايانغيل ووزير المالية جهاد بيلغيهان. وقد حضر الحفل بعض النواب الأتراك والجالية التركية أيضا".

وقالت: "لقد استضاف البيت التركي حفلا كبيرا بمناسبة عيد الجمهورية التركي في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1977، بعد أقل من شهر من افتتاحه، وحضر الحفل مسؤولون من الأمم المتحدة، وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم، وكذلك ممثلو 149 دولة، وأعضاء الكونغرس الأميركي، ونجوم السينما المشهورون".

وعقبت: "أصبح البيت التركي ميدانا يضم أنشطة خلفت وراءها التوترات السياسية، فمثلا تم افتتاح معرض الرسام الكبير فكرت معلى في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وحضره مسؤولون من متحف متروبوليتان بنيويورك -أحد أهم المتاحف في العالم- ومندوبون فرنسيون وصينيون، كذلك استضاف البيت معرض صور شاكر أجزاجيباشي بعد عام من ذلك، أي في 1978".

هجوم إرهابي

وقالت أجيهان: بينما كان كل شيء يسير على ما يرام، حدث انفجار في البيت التركي بنيويورك بعد مرور شهر على انقلاب "12 أيلول" في تركيا، ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 1980 أصيب 4 أشخاص بانفجار عبوة ناسفة وضعتها منظمة "JCAG" الإرهابية أمام البيت التركي.

وأردفت: "في نفس الدقائق، تعرضت وكالة سياحة وسفر تركية في هوليوود للقصف بالقنابل من قبل إرهابيين، ورغم أن هذه الأحداث كان لها تأثير كبير على أنشطة البيت التركي، إلا أن نجاح تركيا في تأسيس البيت التركي وافتتاحه رغما عن جميع الصعوبات والتحديات والأزمات في السياسة الداخلية والخارجية، كان أمرا يستحق التقدير".

وقالت أجيهان: "اليوم، يمكن للبيت التركي أن يلعب دورا مهما في تقوية العلاقات التركية الأميركية وتحسينها وتجاوز التوترات السياسية من خلال القيمة التي يضيفها للمدينة بموقعه المميز وهندسته المعمارية الفريدة، إلى جانب الأنشطة الثقافية التي سيجريها في نيويورك، العاصمة الفنية والثقافية للولايات المتحدة".

وختمت مقالها قائلة إن "حقيقة كوننا أول من قام بنشاط ثقافي في البيت التركي، يعني الكثير بالنسبة لي، إذ قمنا بعرض الحلقة الأولى من الفيلم الوثائقي (أميركا العثمانية) الذي يحكي عن العالم العثماني الصغير الذي أسسه الأتراك والمجموعات العرقية المختلفة في أميركا بعد أن هاجروا إليها في عهد الإمبراطورية العثمانية".