تنتهي مهمتها بنهاية 2023.. ما تداعيات انسحاب القوات الأممية من مالي؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في 30 يونيو/حزيران 2023، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 2690 الذي أنهى بموجبه مهام بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد في مالي.

وتنتهي مهام البعثة التي كانت تهدف لتحقيق الاستقرار والمعروفة اختصارا باسم "مينوسما" بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2023. 

وبحلول التاريخ المذكور، ستكتمل عملية الانسحاب التي انطلقت بتقليص تدريجي لعدد القوات المتمركزة في البلد الإفريقي.

تطرق معهد بحثي إيطالي إلى التداعيات المحتملة لهذا الانسحاب على المدى القريب والبعيد، محذرا بشكل خاص من خطر تنامي نفوذ "الجماعات المتطرفة".

وقال معهد تحليل العلاقات الدولية إن "هذه البعثة التي أنشئت منذ عشر سنوات، تمثل واحدة من بعثات الأمم المتحدة الأكثر كلفة سواء ماليا أو من ناحية الخسائر البشرية". 

ووجهت الحكومة المالية في الآونة الأخيرة انتقادات عديدة لهذه البعثة الأممية، خاصة منذ الانقلاب الأول عام 2020 واتهمتها بعدم القدرة على إدارة الأزمة في البلاد بشكل فعال.

سياق الصراع 

أشار المعهد الإيطالي إلى أن العلاقات توترت تدريجيا بين البعثة والسلطات في باماكو إلى أن طالب رئيس الدبلوماسية عبد الله ديوب رسميًا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالانسحاب الفوري للقوات الأممية في يونيو. 

وقال آنذاك: "للأسف، يبدو أن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي أصبحت جزءا من المشكلة بتأجيج التوتر بين طوائف الشعب". 

وفي هذا السياق، لفهم الأسباب والتداعيات الجيوسياسية والإنسانية الحتمية لهذا الانسحاب، من الضروري بحسب المعهد تحليل سياق الصراع في مالي والتوازنات الإستراتيجية في المنطقة.

اندلاع الأزمة الداخلية في مالي يعود رسميًا إلى يناير/كانون الثاني 2012، عندما هاجم مئات من المتمردين الطوارق (قبائل مسلحة) مدنًا في شمال البلاد بعد سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا. 

وأدى ذلك في مارس/آذار من نفس العام إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا أمادو توماني توري إثر انقلاب عسكري. 

وفي عام 2015، وقعت حكومة مالي والجماعات المسلحة المتمردة اتفاق الجزائر في محاولة لتهدئة الوضع. 

ومع ذلك، لاحظ المعهد الإيطالي أن الاتفاق تناول جزئيًا فقط المسائل المتعلقة بالصراع الذي لم يعد يقتصر في هذه المرحلة على الطوارق فقط. 

ويشرح بأن الاتفاق لم يتطرق إلى عنف الجماعات المتطرفة والتوترات العرقية وانعدام الأمن في المناطق الوسطى في مالي، وإنما ركز على التمرد الانفصالي في شمال البلاد الذي اندلع في عام 2012. 

علاوة على ذلك، لم تشارك فيه الفصائل المسلحة مثل الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة التي استغلت الوضع غير المستقر لتنفيذ هجمات، يضيف المعهد.

الوجود الأجنبي 

وأشار إلى أن السيطرة على الموارد الطبيعية تعد أساس النزاعات بين المجتمعات المحلية رغم تراجع كمياتها بشكل متزايد بسبب تفاقم آثار تغير المناخ الضارة. 

فيما تعد السيطرة على ممرات تهريب المخدرات والأسلحة والمهاجرين، أحد الأهداف الرئيسة للجماعات الجهادية، بحسب وصف المعهد.

أما فيما يتعلق بحضور القوى الإقليمية والدولية، يُبين أنها استثمرت موارد مالية وبشرية ضخمة خاصة بسبب الآثار المترتبة على زيادة عدم الاستقرار في البلاد على المستوى الإقليمي.

ومع ذلك، تقلص وجود القوى الغربية في البلد الإفريقي تدريجياً لا سيما منذ الانقلابين العسكريين في عامي 2020 و2021. 

ومنذ ذلك الحين، اتخذ المجلس العسكري مواقف حاسمة تهدف إلى تهميش بعض الجهات الفاعلة المحلية وقطع التعاون مع الشركاء والجهات الفاعلة العالمية مثل فرنسا والأمم المتحدة.

على وجه الخصوص، يعود الوجود الفرنسي في البلاد إلى عام 2013 الذي انطلقت فيه عملية برخان لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الإفريقي.

لكن في أعقاب الانقلابين اللذين شهدتهما البلاد وطرد السفير الفرنسي وتنامي نفوذ مرتزقة فاغنر الروسية شبه العسكرية في المنطقة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فبراير/شباط 2022 انتهاء المهمة الفرنسية.

أما أمميا، فقد أُنشئت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) أيضا في عام 2013. 

وبينما ركزت المهمة الفرنسية بشكل أساسي على مكافحة الجماعات المسلحة، هدفت الأمم المتحدة إلى دعم إطار اتفاق 2015 والمشاركة في إعادة تكوين قوات الأمن الحكومية وضمان حماية المدنيين.

عواقب الانسحاب

جزم المعهد الإيطالي بأن انسحاب قوات الأمم المتحدة، على الرغم من الانتقادات التي لا حصر لها، لن يؤدي إلى تحسين وضع البلاد على الأقل في الأمد القريب.

وأشار إلى أن الانسحاب التدريجي للقوات الأممية من البلاد لم يؤد في الواقع على المدى القصير حتى الآن إلا إلى تأجيج الصراع.

ويستمر الصراع من أجل السيطرة على باقي المناطق التي لا تزال خارج سيطرة الأطراف المتصارعة في إشارة إلى الانفصاليين والجماعات المسلحة والجيش النظامي.

ويذكر بأنه على الرغم من استعادة الجيش المالي أخيرا مدينة كيدال الإستراتيجية، في شمال البلاد والتي سيطر عليها الطوارق لسنوات، لا تزال الحاميات العسكرية معرضة بشكل خاص لهجمات المتمردين.

أما على المدى الطويل، فقد حذر المعهد الإيطالي من أن ما وصفه بالخطر الأكبر يكمن في "تعزيز القوة الجهادية في المنطقة"، وفق وصفه. 

وقال إن "الجماعات الجهادية تستعيد السيطرة تدريجيا، لا سيما في منطقتي غاو وميناكا الشماليتين، مستفيدة من انسحاب القوات المسلحة والقوات الفرنسية والأمم المتحدة".

 وذلك بعد مرور عشر سنوات من تكبدها هزائم ضد تحالف عسكري شكله كل من الجيش النظامي وقوات فرنسية وكذلك إفريقية.

وإلى جانب تحقيق الأطراف المتنازعة انتصارات عسكرية محتملة أو احتلال أراضٍ جديدة، يتوقع المعهد أن يأتي التأثير المباشر والملموس على السكان المدنيين لا سيما في شمال البلاد، بسبب انسحاب البعثة الأممية. 

ويستنكر بأنه في سياق يتأثر فيه 1.8 مليون شخص أي ما يعادل 10 بالمئة من السكان بانعدام الأمن الغذائي، يحرم ما يقرب من 587 ألف طفل من التعلم بسبب إغلاق نحو ألفي مدرسة.

وفيما يقترب عدد النازحين داخليا من نصف مليون شخص، يختم المعهد الإيطالي مؤكدا على ضرورة بذل الجهود لمنع وقوع أزمة إنسانية أخرى.