وسط اعتقالات تتعلق بغزة.. ماذا وراء الإعلان عن حملة ضد الفساد بالأردن؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة عدها البعض متقدمة، قررت النيابة العامة في هيئة مكافحة الفساد الأردنية إيقاف قائد أبرز إطار نقابي عمالي في البلاد مع توقيف مراقبين في المجالس البلدية بالسجن على هامش التحقيق بقضايا اختلاس مالي وهدر للمال العام.

أثارت الحملة في الأردن ضد شخصيات توصف بأنها "قريبة" من السلطة، العديد من التساؤلات، بشأن توقيتها كونها تتزامن مع استمرار السلطات في شن اعتقالات بحق ناشطين يقفون مع القضية الفلسطينية، وإلى أي مدى قد تمتد لتشمل أطرافا أخرى تدور حولها نفس الشبهات؟

حملة مستمرة

وفي حملة مفاجئة، قرر مدعي عام النزاهة ومكافحة الفساد كف يد (إيقاف عمل) مازن المعايطة، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن عن إدارة الاتحاد.

وهذا إضافة إلى كف يده كرئيس للنقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص والحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة ومنعه من السفر.

وأوضحت هيئة النزاهة الأردنية خلال بيانها في 10 مارس/ آذار 2024، أنه "تقرر توقيف رئيس النقابة العامة للعاملين في البلديات، مازن همام المعايطة، وأمين الصندوق فيها- كونهما المفوضين بالصرف-، واثنين من ضباط الارتباط اللذين أفرزتهما أمانة عمان الكبرى، وحجز أموالهم ومنعهم من السفر".

وفي التفاصيل، أكد البيان أن "القضية سبق أن أحالتها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد إلى النيابة العامة بعد انتدابها مدقق حسابات لهذه الغاية، تبيّن لها أن هناك تجاوزات مالية بلغت أربعة ملايين و282 ألف دينار (نحو 6 ملايين دولار أميركي) وتجاوزات إدارية وقانونية استدعت إحالتها إلى القضاء".

ونقلت وكالة "عمون" الأردنية عن مصدر مسؤول (لم تكشف هويته) في 10 مارس، قوله إن "التحقيقات أثبتت أن الموقوفين ورئيس لجنة الخدمات الاجتماعية /رئيس الاتحاد أنفقوا المبلغ المشار إليه أعلاه دون وجه حق ولغايات لا تتوافق مع أهداف صندوق الخدمات الاجتماعية وإنما تم الاستيلاء عليها لحساباتهم الشخصية".

وأشارت إلى أن "مدعي عام النزاهة ومكافحة الفساد وجه للموقوفين تهم جناية استثمار الوظيفة والاختلاس وتزوير انتخابات الهيئة الإدارية لنقابة البلديات وجناية تزوير محاضر الهيئة الإدارية، فيما لم يتخذ قرارا بتوقيف رئيس الاتحاد (مازن المعايطة) نظرًا لكبر سنه ومرضه حسب تقارير طبيّة معتمدة قدّمها".

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "القدس العربي" في 11 مارس، "هناك توقعات بأن يجري توقيف أو التحقيق مع شخصيات بارزة في المجتمع المحلي وفي بعض المؤسسات خلال الأيام القليلة المقبلة".

وأكدت الصحيفة أن "الأوساط السياسية والحكومية عموما تترقب أنباء مثيرة قريبا بخصوص توسع مباغت في تحقيقات قضائية لها علاقة بهدر أموال أو بالمتاجرة بالمخدرات".

ولفتت إلى أنه "قبل ذلك تواصل التهامس على مستويات متعددة بعد اعتقال بعض الأشخاص بينهم رجال أعمال بارزون كما تردد على ذمة المتاجرة بأصناف من المخدرات وتوزيعها في قضية يتم بناؤها حاليا".

وأشارت إلى أن "بعض الاعترافات أشارت لتورط شخصيات بارزة لم يكشف عن هويتها بعد ومن بينهم سياسيون وردت أسماؤهم ضمن تحقيقات لها علاقة بالمخدرات".

 دوافع متعددة

وبخصوص توقيت الحملة الحالية، قال الإعلامي الأردني، رائد زهران، إن "مازن المعايطة لديه سمعة تتعلق بملفات فساد منذ مدة طويلة، رغم أنه قريب من السلطة، ويشغل رئاسة الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن، لذلك قد تكون فاحت رائحة فساده أخيرا أو مجرد جرة أذن".

وأضاف زهران لـ"الاستقلال" أن "من الصعوبة بمكان أن تفهم توقيت الحملة الحالية في ما إذا كانت مطاردة حقيقية للمتهمين بالفساد أم أنها ردع شخصيات معينة، إضافة إلى أنها من الممكن أن تكون صراعا داخل أجنحة السلطة على فرض أن المعايطة أو غيره ممن اعتقلتهم الدولة، مقربون من السلطات ومن أبرز رجالاتها".

وتابع: "لو لم يكن مرضيا عنه من السلطات العليا في الأردن لما بقي كل هذه المدة يشغل منصب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في البلاد، لذلك احتمالات الاطاحة به ومن معه تبقى عديدة وغير مفهومة".

ولفت إلى أن "الشعب الأردني لم يعد يهتم بمثل هذه الإجراءات كونه فقد الثقة أو حسن الظن في الإجراءات الحكومية، خصوصا أنه اليوم منشغل في قضية غزة والعدوان الإسرائيلي المستمر عليها".

واستبعد زهران أن "تكون الاعتقالات وكف يد هذه الشخصيات عن مناصبها، هي لإشغال الشعب وصرف أنظاره عن قضية العدوان على غزة، لأن السلطة أساسا تتبع أساليب الترهيب بحق الناشطين الذين يدعون ويحشدون إلى احتجاجات تخص الحرب الحالية على القطاع ضمن قانون الجرائم الإلكترونية".

وأقرّ البرلمان الأردني، قانون الجرائم الإلكترونية، في 2 أغسطس/ آب 2023، بعد جدل واسع وانتقاد شعبي لما فيه من تقييد لحرية التعبير ومبالغة في العقوبات المالية المفروضة، والتي عبّرت عنها مسيرة رافضة للقانون بالعاصمة عمان في يوليو/ تموز من العام نفسه.

وفي أول اختبار للقانون جرى تطبيقه على الناشطين الأردنيين المتضامنين مع غزة التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ اعتقلت السلطات الأردنية كل من دعا إلى الاحتجاج أو الاعتصام ضد الاحتلال واستمرار تصدير السلع الغذائية إليه من الأردن.

من جهته، قال الكاتب أسامة الراميني، خلال مقال نشره موقع "أخبار البلد" الأردني في 11 مارس، إن "إيقاف مازن المعايطة عن العمل كان الخبر الأهم الذي تداوله الأردنيون حتى أكثر من تحري هلال رمضان، وتحول إلى ترند (الأكثر تداولا)".

وأوضح أن "المعايطة الذي كان يحظى بدعم ذات يوم وحماية ورعاية قل ما تجدها لشخص آخر لم يتم توقيفه من المدعي العام، ليس لأن التهم المسندة إليه بسيطة على شكل جنح، بل هي خطيرة وتشكل جنايات، وعقوبتها من 3 إلى 7 سنوات أشغال شاقة مع دفع غرامات ومبالغ مرصدة في ذمته، بل بسبب (تقدمه في) العمر وتقديم وثائق رسمية تؤكد ذلك".

وتابع: "القانون ينظر لكبار السن بنظرة مختلفة، ولذلك جرى تحويل ملفه إلى الجنايات التي تنظر في القضايا المحالة إليها، والحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة، بالإضافة إلى منعه من السفر لحين صدور قرار قطعي".

الفساد بالأرقام

وبحسب الإحصاءات الرسمية عن الحرب ضد الفساد في الأردن، فهذه هي المرة الأولى تقريبا منذ سنوات، التي يجري الإعلان فيها التحرك ضد شخصيات معروفة وقريبة من الدولة بهذه التهمة، وتحديدا منذ عام 2016 وحتى نهاية عام 2023، لم يعلن القبض على شخصية بارزة.

وفي 9 ديسمبر 2023، نشرت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" تقريرا تحدثت فيه عن الجهود التي تبذلها السلطات منذ سبع سنوات وتحديدا بدءا من عام 2016، في الحرب على الفساد والوقاية منه والمستمرة منذ 18 عاما.

وأشارت إلى أن "هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لم تغمض لها عين طيلة آخر هذه المدة، واستطاعت فيها استرجاع مال عام من فم الفاسدين من 2019 إلى 2022، وصل إلى نحو 517 مليون دينار (الدينار الأردني الواحد يعادل 1.41 دولار أميركي) بطريقة مباشرة وغير مباشرة".

وأوضحت الوكالة أن "الهيئة تعاملت منذ 2016 إلى 2022، مع أكثر من 20 ألف ملف ومعلومة تتحدث عن جنايات وجنح فساد متوقعة أو تدور حول بعض القضايا لم تهمل أيا منها، وحقَّقت بها وتعقبتها قانونيًا خطوة بخطوة، منها ما جرى تحويله للقضاء".

ولفتت إلى أن آخر 7 تقارير أصدرتها منظمة الشفافية الدولية لمؤشر مدركات الفساد الخاص بـ 180 دولة حول العالم من بينها الأردن، تبين أن الأخير بمرتبة بين 57 – 61 أي أنه من بين أول 60 دولة كأكثر الدول مكافحة للفساد، وهذا بين عامي 2016 إلى 2022".

وبحسب الوكالة الرسمية، فإنه في عام 2022، حلّ الأردن في المرتبة الرابعة عربيا و61 عالميا على سلم المؤشر، وخلال العام 2021 حصل على المرتبة الـ 58 كأكثر الدول مكافحة للفساد.

وتابعت: في العامين 2019 و2020، جاء الأردن في بالمرتبة الـ 60، وفي العام 2018 حلَّ بالمرتبة الـ 58، وعام 2017 كان في المرتبة 59، وانتهى العام 2016 في المرتبة 57.

ولفتت إلى أن "السلطة القضائية وخلال عام واحد أدانت 205 أشخاص بجرائم فساد مختلفة، وقررت بحقهم عقوبات وصلت في بعضها إلى السَّجن أكثر من 20 عاما، وإلزامهم بإعادة المال العام الذي حصلوا عليه بطرق غير قانونية، وفُرضت عليهم غرامات مالية لتحقيق الردع العام والخاص".

في عام 2005، صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وإنشاء هيئة مستقلة فيما بعد لمكافحته، فيما صدر عام 2006 قانون هيئة مكافحة الفساد، والذي حدد أهداف الهيئة ومهامها وبين الأفعال التي تعد فسادا.

وشكَّل الأردن بعدها لجنة ملكية لوضع ميثاق وطني للنزاهة، وكان قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016 أحد مخرجاته.

وجرى بموجبه دمج هيئة "مكافحة الفساد" و"ديوان المظالم" تحت عنوان هيئة "النزاهة ومكافحة الفساد".

ورغم الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية، لكن المملكة شهدت في مايو/ أيار 2011، ولاسيما في العاصمة عمان ومدن الكرك والطفيلة مسيرات حاشدة توحدت على المطالبة بمحاربة الفساد والدعوة لرحيل الحكومة والبرلمان، مرددين هتافات عدة منها: "زنقة زنقة دار دار.. باعوا الأردن بالدولار"، و"أحرار الوطن في السجون.. والفاسدون يتسوقون".