صورتها العالمية هوت إلى الحضيض.. متى تضع واشنطن حدا لدعم إسرائيل؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

وسط الأحاديث الدولية والإقليمية المنددة بالدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في عدوانها الغاشم على غزة، قالت صحيفة عبرية يمينية متطرفة إنه "لا ينبغي شد الحبل الأميركي أكثر من ذلك".

وفندت صحيفة "ماكور ريشون" في تقرير المصالح الأميركية المعقدة في المنطقة، مشددة على أن دعم واشنطن لتل أبيب ليس مطلقا، وحدوده الأساسية هي "عدم الإضرار بالمصالح الأميركية في المنطقة".

وتشير الصحيفة إلى تعقد العلاقات وتشابكها بين أميركا وإسرائيل، مقرة بأن إسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة إلى حد كبير.

ولذلك، في رأيها، فإن المنادين بفك الارتباط الإسرائيلي بالولايات المتحدة ليسوا إلا مجموعة من الحالمين غير الواقعيين.

وضع خطير

في تصريح له أخيرا، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه "من المهم للغاية أن نلاحظ أن هذا وقت غير مستقر على نحو غير عادي في الشرق الأوسط. فنحن لم نر وضعا خطيرا مثل الذي نواجهه الآن في جميع أنحاء المنطقة، على الأقل منذ عام 1973".

وتذهب الصحيفة العبرية إلى أن "كلمات بلينكن القاسية تشير إلى درجة الضغط في الإدارة الديمقراطية، التي تجد نفسها تهاجم أهدافا للمبعوثين الإيرانيين في اليمن والعراق وسوريا". 

"ولأن العرق الأميركي البارد سيسيل على إسرائيل أيضا في نهاية المطاف"، تعتقد الصحيفة أنه "عندما يرتفع مستوى الضغط في واشنطن، من المفيد أن نتساءل: ماذا يريد الأميركيون؟ وما دوافعهم؟".

وفي هذا الصدد، تقول: "لنبدأ بما لن يحدث، ولسوء الحظ بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فنحن لن نشهد حربا أميركية ضد محور الشر". 

"ولأنها سياسة يعدها الديمقراطيون ومعظم الجمهوريين فاشلة"، توضح "ماكور ريشون" أن "الأميركيين يمتنعون عادة عن استخدام القوة العسكرية ضد الدول". 

وبشكل عام، تلخص الصحيفة سياسة الأميركيين بأنهم "يساعدون أصدقاءهم ويفرضون العقوبات على أعدائهم، ويردون -بشكل ضعيف إلى حد ما- عندما يتعرضون لهجوم". 

ولذلك، في هذه الأيام، الاحتمالات المتوقعة من الولايات المتحدة -في نظر الصحيفة- هي "الاسترضاء وممارسة القوة الناعمة".

ومع ذلك، وبصفتهم قوة عظمى عالمية، تؤكد الصحيفة على أن "الأميركيين يحرسون مصالحهم بشكل جيد حتى من دون حروب مباشرة". 

وأردفت: "ورغم أن المواطن الأميركي العادي ربما لا يعرف خريطة العالم، إلا أن واشنطن لديها القدرة على إحداث تأثير كبير على كل نقطة بالعالم تقريبا. ويتجلى ذلك، من بين أمور أخرى، في الوجود العسكري والدعم الاقتصادي".

فعلى سبيل المثال، في منطقة الخليج العربي، يمتلك الأميركيون قواعد عسكرية في جميع البلدان باستثناء إيران؛ في العراق والكويت والسعودية والبحرين والإمارات وعمان. 

وعلى الصعيد الاقتصادي، تذكر الصحيفة أن الأميركيين يدعمون بشكل مباشر العراق والأردن ومصر والفلسطينيين والعديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك إسرائيل. 

كما يستثمر الأميركيون الكثير من الجنود والأموال لتحقيق الاستقرار الإقليمي، ما يساعد على الاستقرار النسبي بسوق الطاقة والحفاظ على المصالح الاقتصادية في المنطقة وإنشاء تحالفات ضد الدول والعناصر المعادية، مثل إيران والحوثيين.

مكانة خاصة

وبشكل خاص، تقول الصحيفة إنه "ضمن هذه المجموعة المتفرعة والمعقدة من المصالح الأميركية، تحظى إسرائيل بمكانة خاصة".

موضحة أنه "منذ عام 1948، تلقت إسرائيل حوالي 40 بالمئة من إجمالي ميزانية المساعدات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وهو ما يساوي مئات المليارات من الشواكل".

أما بالنسبة للاختلافات السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين، توضح "ماكور ريشون" أن "الديمقراطيين أكثر حساسية للقضية الفلسطينية وأكثر ميلا إلى الاسترضاء".

لكن أيا منهما -كما تقول الصحيفة- "لن يقبل موقفا تلحق فيه إسرائيل الضرر بالولايات المتحدة في مصالح إقليمية مهمة". 

ولذلك، يعتقد الديمقراطيون أنهم "سيفتقدون الرئيس الأميركي جو بايدن في حال انتخاب ترامب، الذي يرى أن الحكومة الإسرائيلية تضر بشكل كبير بالمصالح الأميركية في المنطقة".

ومن زاوية أخرى، تعكس الصحيفة العبرية سياسة الديمقراطيين من خلال ما يحدث اليوم، مشيرة إلى أنهم لم يُعجبوا بالحكومة الإسرائيلية اليمينية منذ البداية.

والآن، يلخص الديمقراطيون المشهد بأن "الإيرانيين وحزب الله والحوثيين وغيرهم يقولون للأميركيين إننا نرد على هجوم إسرائيل على غزة من خلال زيادة مستوى العنف".

وهكذا، تنظر الإدارة الأميركية للمشهد على أن "إسرائيل تعمل على تقويض استقرار المنطقة، وهو ما يعرض الأميركيين للهجوم بسبب الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يقدمونه لإسرائيل".

وفي غضون ذلك، تعتقد الإدارة الأميركية أن دعم استمرار الحرب قد يكلفها غاليا، من خسارة الانتخابات، إلى اندلاع أعمال عنف إقليمية، إلى تصاعد العنف العالمي.

ولهذا السبب، تزعم الصحيفة العبرية أنهم "يبحثون عن طريقة للتخلص من التزامهم تجاه إسرائيل، في حين يركزون بشكل كبير على التهدئة السريعة للتوتر في المنطقة".

ووسط هذه الدوامة، تشير الصحيفة إلى أن "إسرائيل تصر على مواصلة القتال، بل وتحافظ على جبهة دموية ضد السنة والشيعة على السواء". 

وهو ما ينظر إليه الديمقراطيون على أنه "وسيلة إكراه وضغط"، لا سيما بعد تقديم واشنطن الدعم السياسي لعدة أشهر للعمل الحر ضد حماس واستخدامها حاملات الطائرات لوقف الحرب في الشمال وتوفير الأسلحة الهجومية والدفاعية وتقديم المساعدة المالية. 

وبحسب الصحيفة، من وجهة نظر الإدارة الأميركية ما فعلوه مع إسرائيل منذ بداية الحرب دفعوا ثمنه على المستوى الداخلي والدولي.

والآن، تستنكر الصحيفة أنه "عند سعيهم إلى التهدئة، تتجاهل إسرائيل احتياجاتهم في عام انتخابي".

فوات الأوان

وبعد توضيحها مليا كيف تتجاهل الحكومة الإسرائيلية الولايات المتحدة، تسخر "ماكور ريشون" من عبارة "الولايات المتحدة تحتاج إلى إسرائيل كما تحتاج إسرائيل إلى الولايات المتحدة". 

لافتة بعد ذلك إلى أن "إسرائيل في الحقيقة بحاجة إلى الأميركيين عسكريا، كما تحتاج نفوذهم الإقليمي، بما في ذلك ما يتصل بالقضية الإيرانية. إضافة إلى أنها تعتمد على الرافعة الأكبر على الإطلاق؛ الهيمنة الأميركية على الساحة الدولية".

وبحسب وصف الصحيفة، فإن "القوة العالمية الأميركية هائلة بالشكل الذي يليق بقوة عظمى".

فعلى سبيل المثال، يمكن للأميركيين فرض عقوبات عالمية على الاستيطان أو يمكنها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

كما تشير إلى أن واشنطن في استطاعتها عدم استخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، وهو ما سيجبر تل أبيب على التصويت على قرار ملزم بإنهاء الحرب في غزة.

وبناء على ذلك، تميل الصحيفة إلى مبدأ "موازنة الضرر بالمنفعة"، وهو ما يميل السياسيون الإسرائيليون إلى إخفائه.

"ولأن الصبر الأميركي بدأ ينفد، وبعد إرسالهم إشارات كافية مثل التلميحات بشأن الاستيطان والاعتراف بالدولة الفلسطينية"، تدعو الصحيفة إلى "الاستعداد أمام خفض آخر في حدة القتال، والذي سيصاحبه تكثيف في حدة الخطاب".

وفي رأي الصحيفة، "في ظل هذا الواقع، يُعد تجاهل المصالح والطلبات الأميركية خطأ مكلفا".

وحتى لو كانت رؤية الحزب الديمقراطي وسياساته خاطئة بشكل عام، تشدد الصحيفة على أن "هذا هو الواقع في ظل المشهد الذي نعيشه الآن".

وتحذر "ماكور ريشون" من "شد إسرائيل الحبل الأميركي أكثر من ذلك".

منوهة أن "الأمور إذا أوشكت على التمزق، فسوف يدرك العديد من الإسرائيليين، بعد فوات الأوان، مدى تورط البلاد".

حساب المكاسب

ومن ناحية أخرى، تلفت الصحيفة الأنظار إلى أن "القيود السياسية أمر حقيقي للغاية، ولا سيما عندما تصاحبها قيود عسكرية واقتصادية".

"ورغم أن إسرائيل دولة ذات سيادة"، كما وصفتها الصحيفة العبرية، إلا أنها "تشكل أيضا جزءا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة". 

وفي هذا السياق، تقول: "إن الأميركيين يأخذون في الحسبان احتياجاتنا ومساعدتنا، لكنهم يتوقعون منا لعبة جماعية. وهذا ليس توقعا غير عادل، لأننا في الحسابات العامة نكسب من الولايات المتحدة أكثر بكثير مما نخسره". 

وفي نهاية التقرير، تبرز الصحيفة أن الدرس الأساسي المستفاد من هذا الموقف هو أن "الخطأ كان خطأ إسرائيل".

وأضافت أن "أولئك الذين اعتقدوا أن هناك سنة كاملة قبل أن تبدأ العملية بكثافة عالية في غزة، أظهروا افتقارهم إلى الفهم وأنهم في الأصل هواة". 

وبشأن وضع الولايات المتحدة في المنطقة، تقول الصحيفة إن "المجموعة المعقدة من المصالح الأميركية في المنطقة تشكل قيدا حقيقيا، ولابد من الاعتراف به". 

حيث ترى أنه "يفرض على إسرائيل أن تتصرف -تحت أي إدارة- على افتراض أن جدولها الزمني محدود".

ولهذا السبب، تعتقد "ماكور ريشون" أن "إسرائيل يجب أن تكون مستعدة أثناء الصراع للضرب بسرعة وبكل قوة على الأهداف الأكثر إستراتيجية لأعدائها". 

ومن وجهة نظرها، "يتطلب مثل هذا الاستعداد الحفاظ على الانتباه الشديد والتخطيط الحديث الدقيق والاستخبارات المستمرة والتفكير الإستراتيجي الخلاق وجيش ضخم مدرب".

والأهم من ذلك، كما توضح الصحيفة، "هو ممارسة سيناريوهات ابتكارية غير تقليدية، وهو ما لا يجيده قادة إسرائيل الحاليون".

الكلمات المفتاحية