مع التهديد باجتياح رفح.. ماذا ينتظر إسرائيل من المقاومة الفلسطينية؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع تلويح إسرائيل المتصاعد بشن عملية عسكرية على مدينة رفح الواقعة في أقصى الجنوب على الحدود الفلسطينية المصرية، يبرز الحديث عن ثقل المقاومة الفاعلة هناك.

إذ تعمل الحكومة الإسرائيلية على تضخيم هدفها من العملية البرية في رفح عبر المزاعم بالقضاء على أحد أقوى التشكيلات التابعة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تنتشر هناك.

لكن إسرائيل التي فشلت في القضاء على كتائب القسام في شمال غزة منذ شنها عملية برية بالقطاع منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تريد ارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين الذين قصدوا مدينة رفح كملاذ آمن وحيد لهم من الإبادة الجماعية.

كتائب المقاومة

ولهذا فقد زعمت حكومة الاحتلال وجود 4 كتائب عسكرية لحركة حماس في مدينة رفح، وتسعى لتفكيكها هناك عبر العملية المزعومة.

لكن التحذيرات من حصول مذابح جديدة برفح ما تزال تتعالى ضد إسرائيل، خاصة أنه يوجد في رفح الصغيرة، النقطة الأقرب لمصر، مليون و400 ألف فلسطيني غالبيتهم من النازحين، مما يجعل الهجوم هناك معقدا للغاية.

وخاصة مع فشل قوات الاحتلال في تحقيق أهدافها منذ بدء العملية العسكرية في غزة من ناحية القضاء على المقاومة الفلسطينية أو اعتقال حتى عناصر أو قادة من حركة حماس.

ولهذا فإن إسرائيل تحاول التغطية على فشلها العسكري الذريع في غزة، للهروب نحو الأمام وتحديدا عبر شن عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

فقد أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجيش في 9  فبراير/شباط 2024 بوضع خطة مزدوجة لإجلاء المدنيين من رفح و"هزيمة" ما تبقى من كتائب حماس هناك.

وفر هؤلاء النازحون من مناطق شمال قطاع غزة وتكدسوا جنوبا بعدما قصفت إسرائيل منازلهم وأحالت أحياءهم ساحة حرب شاملة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأدى القصف على غزة إلى استشهاد أكثر من 28 ألف فلسطيني إلى جانب التسبب في دمار شامل ونقص في الضروريات الأساسية خاصة الغذاء والدواء والمياه.

وأمام ذلك، فإن مدينة رفح بوصفها جزءا من قطاع غزة وامتدادا له فإن المقاومة الفلسطينية موجودة هناك بحكم الجغرافيا وضمن تقسيمات الانتشار والتي ربما فرضها الاجتياح البري الإسرائيلي الأخير.

ولهذا فإن التركيز على وجود قوة للمقاومة الفلسطينية هناك هو أمر طبيعي، بخلاف ما تروج له إسرائيل من أن المعركة هناك شبه حاسمة فيما يخص القضاء على حركة حماس.

وبحسب تقديرات معهد دراسات الحرب الأميركي وتقارير إسرائيلية، فإن أبرز المعلومات عن "لواء رفح"، وهو اللواء الخامس في الهيكل العسكري لكتائب القسام، يترأسه القائد محمد شبانة.

ويبين أن المواقع الرئيسة لنشاط "لواء رفح"، هي هذه المدينة والمناطق المحيطة بها، مثل مخيمي يبنا والشابورة للاجئين.

ويشير المعهد إلى أن "لواء رفح" متماسك مع الاحتفاظ بالفاعلية القتالية، بينما لم يبلغ عن خسائر كبيرة في قيادته جراء الغارات الإسرائيلية على القطاع.

ويوضح أن إجمالي الكتائب: 3 كتائب (بالإضافة إلى رابعة مجهولة)، هي الكتيبة الشرقية، وكتيبة خالد بن الوليد (معسكر يبنا)، وكتيبة الشابورة، وهي كتائب فعالة قتاليا لكن قيادتها غير معروفة، إضافة إلى كتيبة النخبة التي لا يعرف عنها الكثير.

وتذكر تقارير صحفية أخرى، أن "لواء رفح" يحتوي على 5 كتائب قتالية من ضمنها كتيبة النخبة التي كانت جزءا من هجوم "طوفان الأقصى" داخل عمق مستوطنات غلاف غزة وأدت لمقتل وأسر المئات من الإسرائيليين في السابع من أكتوبر 2023.

وسبق أن أعلنت هيئة البث الإسرائيلية في 3 يناير 2024 أن شبانة قائد "لواء رفح" من بين أبرز قادة حماس في قائمة الاغتيالات، بعد استهداف نائب رئيس الحركة صالح العاروري في بيروت، بالإضافة إلى 7 آخرين.

ومن هؤلاء زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة، يحيى السنوار، ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وقائد جناحها العسكري محمد ضيف. ويقود شبانة "لواء رفح" منذ اغتيال إسرائيل 3 من قيادات القسام في عام 2014.

حضور عسكري واحد

ورغم هذا التفصيل عن قوة "لواء رفح" في المنطقة التي تهدد إسرائيل بشن عملية عسكرية فيها، فإن معارك شمال غزة المتواصلة أظهرت قدرة المقاومة على اعتراض قوات الاحتلال وامتلاك المرونة بالحركة داخل شبكات الأنفاق.

وخاصة أن المقاومة الفلسطينية ما تزال تعمل على تكتيكات عسكرية بمناطق غزة لتنفيذ عمليات نوعية سريعة بالقوات الاحتلالية الراجلة وإيقاع قتلى ومصابين في صفوفهم، ثم الانسحاب قبل رصدهم من الطائرات الإسرائيلية.

ويجمع كثير من الخبراء العسكريين أن ثقل المقاومة الفلسطينية وتكتيكاتها في خانيونس ستكون حاضرة في معارك رفح في حال شن الاحتلال عملية برية هناك كما يتوعد.

إذ إن مجموعات المقاومة الصغيرة التي يقدر عددها في غزة ما بين 30 - 40 ألف مقاتل، وتقاتل بأسلحة بسيطة دون دبابات أو ناقلات جند أو طائرات، تمارس ذات التكتيك على كامل جغرافيا القطاع في الوقت الراهن.

لكن بالنظر إلى قدرات المقاومة الفلسطينية فإن معظم المحللين العسكريين يشيرون إلى أن معركة رفح ستكون من أشرس المعارك.

فرغم أن معبر رفح يشكل في الوقت الراهن مأزقا معقدا لحكومة الاحتلال، فإن المراقبين يؤكدون أن إسرائيل لن تحقق هدفها الحربي المتمثل في الإطاحة بحماس إذا لم تستولِ على مدينة رفح.

لكن هذا ليس بالسهل عسكريا على تل أبيب، وخاصة مع الحديث عن وجود معظم كتائب حماس المتبقية هناك.

وذلك، رغم رغبة إسرائيل في قطع الطريق مستقبلا للمقاومة عبر منفذ رفح بوصفه شريانا غير مكشوف للحصول على الأسلحة والإمدادات على مدار السنوات السابقة.

فقد أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 11 فبراير 2024 أن مهمة الجيش الإسرائيلي في المناورة البرية في رفح هي تفكيك أربعة ألوية تعد أضعف بكثير من تلك الموجودة في خانيونس، لكن التحدي يكمن في كيفية القتال في ظل وجود نحو 1.4 مليون مدني هناك.

وقالت الصحيفة، إن إسرائيل "تريد أن ترى في المستقبل القريب شيئين في سياق الحرب في غزة: الأول هو صفقة الرهائن، والثاني التعامل مع محور فيلادلفيا" (منطقة منزوعة السلاح بين مصر وإسرائيل بموجب اتفاقية عام 1979) وهو الطريق الأمني ​​الذي يبلغ طوله 14 كيلومترا.

بالمقابل، حذرت مصر من أن أي عملية برية هناك أو نزوح جماعي عبر الحدود من شأنه أن يقوض معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل منذ أربعة عقود، وفق ما نقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر.

المعركة الحاسمة

ومع ذلك تخشى إسرائيل المواجهة البرية مع كتائب القسام ووحداته المنظمة في رفح.

إذ قال مسؤول إسرائيلي لموقع "تايمز أوف إسرائيل" في 9 فبراير 2024 إن العملية في رفح لن تكون هجوما واسع النطاق من قبل فرقة كاملة مثل العملية الحالية في خانيونس، ولكن بدلا من ذلك سيتم تنظيمها حول غارات مستهدفة محددة.

ويرى المحلل والخبير العسكري إسماعيل أيوب، أن "قادة الاحتلال يسوّقون إلى أن لواء رفح هو أقوى تشكيلات كتائب القسام وهذه اتهامات باطلة من أجل القيام بالعملية العسكرية المرتقبة التي تحذر منها كل دول العالم خشية وقوع مجازر دموية جديدة بحق الفلسطينيين". 

وأضاف أيوب قائلا لـ "الاستقلال": "من الناحية العسكرية فإنه طالما أن المقاومة الفلسطينية تخرج من خلف خطوط العدو وتستهدف الاحتلال حتى في المناطق التي يزعم أنه سيطر عليها فإن المقاومة في رفح هي جاهزة لكل احتمال".

وخاصة في "ظل الفشل العسكري الذريع للجيش الإسرائيلي رغم فارق التسليح بين الاحتلال والمقاومين"، وفق أيوب.

ومضى الخبير العسكري يقول: "إن إسرائيل خلال الاجتياح البري لشمال غزة لم تتمكن من أسر مقاوم فلسطيني واحد أو سحب جثة أحد الشهداء منهم، أو تحرير أسير من الأسرى الإسرائيليين، أو حتى السيطرة على منطقة بالمفهوم العسكري بمعنى لا يكون فيها أي نوع من أنواع المقاومة".

 ولا سيما "أننا نرى أن المقاومة موجودة في حي الزيتون وفي جباليا والشيخ رضوان وكل المناطق التي دخلها الاحتلال، وبالتالي هناك فشل ذريع في إدارة المعركة البرية في غزة"، وفق أيوب.

وهذا "يحسب للمقاومة الفلسطينية بأنها تمكنت من إدارة المعركة بشكل جيد مع ضعف القدرات العسكرية".

وذهب أيوب للقول: "الهدف الأساسي للمحرقة الإسرائيلية في غزة هي خلق بيئة غير صالحة للحياة وليس استعادة الأسرى أو تدمير حركة حماس بل تدمير القطاع من أجل تهجير الفلسطينيين إلى بلاد أخرى".