أزمة سياسية على منصات التواصل بين الهند وجزر المالديف.. ما علاقة الصين؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

شهدت بداية عام 2024 توترا في العلاقات بين الهند وجارتها جزر المالديف عقب نشر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي صورا له في جزيرة لاكشادويب الهندية مقترحا على السياح الباحثين عن المغامرة وضع هذه الجزر ضمن قائمة زياراتهم.

على الطرف المقابل، انتقد مسؤولون في حكومة المالديف بشدة زيارة مودي لمجموعة الجزر الواقعة نحو 130 كيلومترا شمال جزر المالديف، ووصفوه بـ"المهرج" و"دمية إسرائيل" و"الإرهابي".

دعوات مقاطعة

وذكر معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي أن هذه الاتهامات "تسببت في حملات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي في الهند تدعو لمقاطعة السياحة في جزر المالديف".

ثم أوقف رئيس المالديف محمد مويزو عن العمل ثلاثة مسؤولين حكوميين بسبب إدلائهم "بتصريحات مسيئة" على وسائل التواصل الاجتماعي، ضد مودي.

ورغم ذلك، رأى المعهد أن "الحادثة غير معزولة وإنما تندرج في سياق التدهور الملحوظ في العلاقات بين الجارتين الآسيويتين والذي انطلق عام 2023 مع صعود الرئيس الجديد محمد مويزو إلى السلطة".

وكان مويزو قد كشف نوايا منذ انتخابه في تقليل التبعية للهند من خلال تطوير سياسة خارجية أكثر استقلالية، فضلا عن تحسين العلاقات مع بكين. 

كما أنه لم يخف خلال الحملة الانتخابية مواقفه المؤيدة للصين والابتعاد عن الهند، وكان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها، مطالبة نيودلهي سحب القوات المتمركزة في بلاده.

وفي يناير/ كانون الثاني 2024، أدى مويزو زيارة دولة إلى الصين هي الأولى إلى الخارج منذ توليه السلطة.

 وجرى خلالها توقيع 20 اتفاقية ثنائية في مختلف القطاعات، شملت الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة والسياحة وأيضا اتفاقيات في سياق مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. 

وعلى وجه الخصوص، أعرب الرئيس مويزو عن رغبته في إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين في أسرع وقت ممكن، وهو ما لم تحققه السلطة السابقة. 

علاقات متقلبة

مرت العلاقات بين الهند وجزر المالديف بالعديد من التقلبات على مدى العقود الماضية. 

في عام 1988، تدخلت القوات الهندية في محاولة الانقلاب ضد الرئيس المالديفي آنذاك مأمون عبد القيوم وانسحبت على إثر ذلك. 

وفي عام 2009، قرر الرئيس محمد نشيد تعزيز العلاقات مع نيودلهي بتوقيع اتفاقية أمنية نصت على نشر قوات عسكرية هندية في بلاده.

وتشارك القوات الهندية المتمركزة في جزر المالديف، والتي يبلغ عددها حوالي 90 جنديا، بشكل رئيس في الأنشطة الإنسانية والمراقبة البحرية والبحث والإنقاذ أو العمليات الطبية.

 وعلى مر السنين، كانت هناك مخاوف من تدخل الوجود العسكري الهندي في الأرخبيل في السياسة الداخلية المالديفية، فضلا عن انتقادات للتبعية المفرطة لنيودلهي.

ومع وصول الرئيس عبد الله يمين، تدهورت علاقات البلدين بين عامي 2013 و2018، بعد أن اقتربت جزر المالديف بشكل كبير من الصين خاصة في سياق مبادرة "الحزام والطريق".

وفي عام 2018، قام  الرئيس المنتخب آنذاك إبراهيم صليح، بإصلاح العلاقات مع نيودلهي التي استرجعت مكانتها بوصفها الشريك الإستراتيجي الرئيس للأرخبيل.

وفي الوقت الراهن، لفت المعهد الإيطالي إلى أن "ميل الرئيس مويزو تجاه الصين لا يخلو من المخاطر، سواء بالنسبة لجزر المالديف أو الهند التي تراقب تطور الأحداث الجارية بقلق بالغ". 

جدير بالذكر أن نسبة السياح الهنود الزائرين للأرخبيل ارتفعت من 6 بالمئة عام 2018 إلى ما يقرب من 15 بالمئة عام 2022.


 

لذلك، يشرح المعهد أن نجاح دعوات مقاطعة جزر المالديف كوجهة سياحية من شأنه أن يتسبب في خسارة البلاد جزءا كبيرا من مداخيل السياحة التي بلغت ما يقرب من 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023.

عامل الصين

واستبعد المعهد الإيطالي أن تحل بكين محل نيودلهي على المدى القصير من ناحية التعاون في قطاع الدفاع والأمن، وذلك رغم الاتفاقية الثنائية الأخيرة التي تعهدت الصين على أساسها بتقديم "مساعدة عسكرية" إلى ماليه.

لا سيما أن الهند تواصل تلبية حوالي 70 بالمئة من الاحتياجات الدفاعية لجزر المالديف، لذلك من المستبعد جدا أن تقرر الأخيرة الاعتماد على دول أخرى. 

وزاد أن التقارب مع الصين من شأنه أن يدفع البلاد إلى الوقوع في "فخ الديون" على غرار  ما حدث مع دول أخرى في المنطقة، يذكر منها باكستان وسريلانكا.

على الجانب الهندي، لاحظ المعهد أن "الاهتمام بالحفاظ على العلاقات مع الأرخبيل المجاور لا زال قائما، رغم ابتعاد الأخير لمسافات".

ويرى أن "المرور المحتمل لجزر المالديف إلى مجال النفوذ الصيني من شأنه أن يلحق أضرارا جسيمة ليس بالعلاقات الثنائية فحسب، بل وأيضا بالنموذج الأمني ​​الهندي بالكامل في منطقة المحيط الهندي، حيث تحاول الصين منذ عدة سنوات التسلل على حساب مصالح نيودلهي".

وفي هذا السياق، رأى المعهد أن "اهتمام الحكومة الهندية المتزايد بجزر لاكشادويب، لا يرمي إلى تطوير المنطقة من الناحية الاقتصادية فحسب، وإنما تحويلها إلى وجهة سياحية على المستوى الوطني والدولي". 

وكذلك تطويرها على المستوى العسكري، كما تبين من إنشاء البنى التحتية كالموانئ والمطارات سواء للأغراض المدنية أو العسكرية.

ومن خلال بناء القواعد العسكرية، تسعى نيودلهي، بحسب المعهد الإيطالي، إلى جعل الجزيرة موقعا متقدما حقيقيا في المحيط الهندي.

 وقال إن "هذا يمثل مثالا واضحا على مدى وعي نيودلهي بضرورة الدفاع عن أمنها القومي، فضلا عن مصالحها في المنطقة من أي تهديد خارجي وفي مقدمته التهديد الصيني".

وأكد أن "التطورات المتعلقة بإقليم لاكشادويب تشكل لحظة فارقة فيما يتعلق بوضع نيودلهي، وسيكون لها بالتأكيد آثار على الديناميكيات الإقليمية والمصالح البحرية العالمية".

وبالعودة إلى جزر المالديف، أشار المعهد إلى أن الأرخبيل يشعر بالحاجة إلى تنويع سياسته الخارجية من أجل تجنب الاعتماد المفرط على الهند كما حدث حاليا في سياق ما يسمى بسياسة "الهند أولا"، إلا أن السياسة العكسية أي ما يعرف بـ"الهند OUT"، قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم يتم تعديلها.

وجزم بأن البلاد لا يمكنها الاستغناء تماما عن نيودلهي في قطاع الدفاع والأمنـ وكذلك في العلاقات التجاريةـ مستشهدا على سبيل المثال بأن الواردات من الهند، وخاصة المواد الغذائية، بلغت أكثر من 400 مليون دولار عام 2021.

ويفترض أن بديل التخلي التام عن الهند، الأمر غير المرجح في الوقت الحالي، قد يكون إعادة إنتاج نفس الوضع مع جهة فاعلة أخرى، في إشارة إلى الصين هذه المرة.

ويرى المعهد أن الأنسب لجزر المالديف "الحفاظ قدر الإمكان على مسافة متساوية بين القوتين وأن تدرك بأنه ليس من الممكن التخلي عن أي منهما".

وأضاف أن "عليها كذلك إدراك أن الانجرار إلى التنافس الجيوسياسي بين نيودلهي وبكين في منطقة المحيط الهندي، قد يترتب عنه عواقب لا يمكن التنبؤ بها وتحملها".