خفايا خطيرة.. هل يحظر العراق استيراد فاكهة لبنان بعد اكتشاف "رمان الكبتاغون"؟

منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يعيش العراق بين فكي كماشة في تعاطيه مع ملف تهريب المخدرات، وذلك بحكم موقعه الجغرافي، إضافة إلى الحدود المنفلتة التي تسيطر عليها المليشيات الشيعية سواء على الحدود الشرقية الجنوبية المحاذية لإيران، أو الغربية الشمالية الرابطة مع سوريا.

ومنذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، تحوّل العراق إلى أحد البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع، إذ كان القانون قبل ذلك يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقا، لكنها ألغيت عام 2017، وفرضت مكانها عقوبة تصل إلى السجن مدة 20 عاما.

وتشكل قضية المخدرات تحديا خطيرا بالعراق، حيث تزايدت في السنوات الأخيرة تجارتها وتعاطيها بشكل لافت، خصوصا في مناطق جنوب وغرب البلاد ووسطها، الحدودية مع إيران وسوريا، والتي باتت طريقا أساسيا لتهريب هذه المواد، ولا سيما مادة الكبتاغون.

"رمان الكبتاغون"

وفي تطور جديد لعمليات تهريب المخدرات، كشف تحقيق أجرته صحيفة محلية عراقية عن ضبط السلطات الأمنية شحنة رمان قادمة من لبنان عن طريق سوريا، كجزء من ثمن زيت الوقود العراقي (الفيول)، لكن تبين أنها محشوة بكميات كبيرة من أقراص الكبتاغون المخدرة.

وقالت صحيفة "العالم الجديد" خلال تحقيق نشرته في 24 سبتمبر/ أيلول 2023، إن "قضية إرسال زيت الوقود العراقي إلى لبنان، انطوت على خفايا خطيرة جدا، تتعلق بالمقابل الذي يدفعه لبنان للعراق، إذ وصلت شحنة من فاكهة الرمان، كجزء من هذا الاتفاق، لكنها لم تكن سليمة".

وفي يوليو/تموز 2021، وقع العراق ولبنان، اتفاقا يقضي باستيراد الأخير مليون طن من زيت الوقود الثقيل (الفيول) لغرض تشغيل محطات الكهرباء، ووصلت أول باخرة إلى الموانئ اللبنانية محملة بـ31 ألف طن من هذه المادة في 16 سبتمبر من العام نفسه، والتي من المفترض أن تسدد بيروت ثمنها بتصدير فواكه ومنتجات لبنانية أخرى.

وفي يوليو 2023، وافقت الحكومة العراقية على تجديد اتفاقية تزويد لبنان بزيت الوقود، سنة ثالثة إضافية، بدءا من أكتوبر في العام نفسه، وزيادة العقد القديم للمادة ذاتها إلى 1.5 مليون طن سنويا، وإبرام عقد جديد للنفط الخام بمليوني طن سنويا.

وأفادت الصحيفة بأن "شحنة الرمان المحشوة بالكبتاغون التي وصلت للعراق قبل أشهر (لم تحدد التاريخ) كجزء من تسديد ديون زيت الوقود، جرى كشفها سريعا من الأجهزة الأمنية العراقية، وأحدثت ضجة كبيرة داخل مراكز صنع القرار، لكن سلطات بغداد أبقت الأمر سرا لحساسيته".

وأوضح التحقيق أن "ملف هذه الشحنة، كانت إحدى المواضيع التي دار النقاش حولها بين رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، نظرا لأن الطريق البري بين العراق ولبنان يمر عبر سوريا".

ولفتت صحيفة  "العالم الجديد" إلى أن "السوداني الذي زار دمشق في يوليو 2023، تحدث مع الأسد بصراحة تامة، وكشف له أن هذه الشحنة التي من المفترض أن تكون مقابل الفيول، قد وصلت مليئة بـ5 ملايين حبة كبتاغون المخدرة، لكن الأخير نفى صلة دولته بهذه العملية، ورمى بالمسؤولية على لبنان".

وأشارت إلى أن "وفدا لبنانيا التقى السوداني أثناء تواجده في دمشق، وهو الآخر أبعد التهمة عن بلده، وأكد له أن لبنان لا صلة له بشحنة الرمان من الأصل، وأنها وردت العراق من سوريا، ما ترك السوداني في حيرة، ولم يفض النقاش لنتيجة محددة".

وفي يوليو 2023، زار السوداني دمشق والتقى الأسد، وعقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا، كشف خلاله الأول أن من ضمن الملفات التي جرى بحثها بين الطرفين، هو إيجاد آليات للتنسيق والتعقب والمتابعة لمواجهة آفة المخدّرات.

حادثة مشابهة

وفي وقت لم يصدر فيه الجانبان العراقي واللبناني أي رد على التحقيق حتى 30 سبتمبر 2023، فإن وزير داخلية لبنان السابق، أشرف ريفي، طالب حكومة بلاده بتوضيح حول ما نُشر في العراق عن وجود الكبتاغون في شحنة من الرّمان اللبناني وصلتهم عبر سوريا.

وكتب ريفي عبر حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) في 27 سبتمبر، قائلا: "نطلب من الحكومة توضيحا حول ما نُشر في العراق عن وجود الكبتاغون في شحنة من الرّمان اللبناني وصلتهم عبر سوريا ضمن سداد مستحقات النفط. حق اللبنانيين أن يعرفوا الحقيقة أُسوة بالعراقيين، وننتظر الجواب".

لكن ما يدفع إلى احتمالية تصديق التحقيق الصحفي، هو وجود حادثة سابقة مشابهة حصلت مع السعودية عام 2021، والتي على أساسها أوقفت الرياض استيراد الفاكهة اللبنانية، والتي كانت البلاد تعتمد عليها بنسبة تصل إلى 90 بالمئة.

وأعلنت جمارك ميناء جدة السعودي، في 23 أبريل 2021 عن "إحباط محاولة تهريب كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون بلغت أكثر 5.3 ملايين حبة، مُخبأة ضمن شحنة فاكهة الرمان قدمت من لبنان".

لكن الجهات اللبنانية تنصلت حينها من المسؤولية، إذ قال رئيس نقابة مصدري الفاكهة والخضار، نعيم خليل، إن شحنة الكبتاغون التي أعلنت السعودية ضبطها "ليست لبنانية بل مرت بالترانزيت من سوريا"، وفق موقع قناة "فرانس 24" في 26 أبريل 2021.

وعن مدى اتخاذ العراق خطوة مشابهة لما صدر من السعودية، قال الباحث في الشأن العراق، لؤي العزاوي، إن "عشرات البضائع تضبط بشكل يومي في العراق محملة بالمخدرات في المنافذ الحدودية مع إيران، والموضوع مع سوريا لا يقل خطورة عن ذلك".

وأضاف العزاوي في حديث لـ"الاستقلال" أنه "رغم ضبط هذه المواد المخدرة بشكل يومي، لكن السلطات العراقية لم تتخذ أي إجراء يقضي بمنع استيراد الخضار والفواكه، وباقي السلع والبضائع الكثيرة التي يتم استيرادها من إيران، وحتى سوريا".

ولفت الباحث إلى أن "الحدود العراقية تمسكها المليشيات المرتبطة بإيران والقريبة من النظام السوري أيضا، وهذا يسهل مرور المخدرات إلى العراق كونها شريكا في هذه التجارة، على العكس من منافذ السعودية التي تديرها الدولة وحريصة على سلامة شعبها وإنقاذه من هذه السموم".

وفي 10 سبتمبر 2022، نشر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تقريرا يتحدث عن تصنيع المخدرات وزراعة الحشيش في مناطق النفوذ الإيراني بمحافظة دير الزور (المحاذية للحدود الغربية العراقية) والمليشيات المتورطة في هذا الملف.

وأكد التقرير وجود سبعة معامل لصناعة حبوب الكبتاغون المخدرة، وأراض لزراعة الحشيش بقيادة "حزب الله" اللبناني، والحرس الثوري الإيراني في مناطق نفوذ المليشيات ضمن محافظة دير الزور، غرب نهر الفرات، التي حولتها طهران إلى "محمية إيرانية" على الأراضي السورية.

أرقام مرعبة

وعن تفشي ظاهرة المخدرات في العراق، كشف المتحدث باسم مديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية، العقيد بلال صبحي، إنه "جرى القبض على أكثر من 10 آلاف متهم بتعاطي وتجارة المخدرات خلال الأشهر الأولى لعام 2023، وضبط 3.5 طن من المواد المخدرة".

وأكد صبحي لشبكة "روودو" العراقية في 1 سبتمبر 2023، أنه "خلال اليومين الماضيين، نفذت مديرية مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، عملية أمنية في بغداد، ضبطت خلالها 15 طنا من المواد المخدرة داخل أحد المنازل في العاصمة".

وأشار صبحي إلى أنه "ألقي القبض على متهمين اثنين وتمت إحالتهما إلى القضاء، وفق أحكام القانون الصادر عام 2017"، مبينا أن "عملياتنا مستمرة بشكل يومي، وهناك غرفة عمليات مشتركة برئاسة وزير الداخلية (عبد الأمير الشمري) تعمل على ملاحقة المدمنين والمتاجرين بالمواد المخدرة".

من جانبه، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية السابق، علي البياتي، إن الأعداد المعلنة رسميا للعام 2022 تمثلت باعتقال 14 ألف شخص بين متعاط ومتاجر، بينهم 500 من النساء والأحداث (القاصرين)، وفق موقع وكالة "الساعة" العراقية في 27 سبتمبر 2023.

وأشارت الوكالة إلى أن أعداد المدمنين في العراق ارتفعت بشكل كبير بسبب انخفاض أسعار المواد المخدرة ووفرتها، الأمر الذي أدى إلى زيادة بنسبة 40 بالمئة في أعداد المدمنين منذ العام 2017، وزيادة في أعداد تجار المخدرات بلغت 30 بالمئة.

وفي مارس/ آذار 2023، أعلنت السلطات الأمنية العراقية ضبط أكثر من ثلاثة ملايين حبة من الكبتاغون المخدرة على الحدود مع سوريا (غرب البلاد)، وهي نوع من الأمفيتامين المحفّز، التي ازداد تهريبها بشكل كبير خلال السنوات الماضية في الشرق الأوسط.

وفي 8 أبريل 2023، نقلت صحيفة "الصباح" الرسمية عن وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، قوله إنهم بصدد "فتح مصحات قسرية ليجري التحفظ فيها على المتعاطين ممن يلقى القبض عليهم، بدلا من زجهم في السجون أو المواقف التابعة لمراكز الشرطة".

وأشار الوزير العراقي إلى أن "تلك المصحات سيجرى تأهيلها بالتعاون مع وزارة الصحة، وستكون النجف من المحافظات الأولى بهذا المجال"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.

وفي 10 يوليو 2023، عد رئيس الوزراء العراقي، ظاهرة تفشي المخدرات في البلاد بأنها "تحدٍ أمام الدولة يجب مواجهته بكامل الإمكانيات"، وذلك خلال رئاسته اجتماعا خُصص لبحث جهود الأجهزة المختصة، في مجال مكافحة هذه المواد والحدّ من تعاطيها وانتشارها.

ووجه السوداني، وفق بيان لمكتبه، ببحث إنشاء مراكز لتأهيل المتعاطين في جميع المحافظات، وتشديد التدقيق والإجراءات في المنافذ الحدودية، لمنع أي خرق في هذا المجال، وكذلك التأكيد على وزارتي التربية والتعليم للاضطلاع بالأدوار التوعوية بمخاطر هذه السموم، وتأثيراتها التخريبية في المجتمع.