اتفاق أمني جديد بين واشنطن والمنامة.. هل يكون طعما لباقي دول الخليج؟

منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يحمل توقيع الولايات المتحدة "اتفاقا أمنيا" مع مملكة البحرين إعلانا إستراتيجيا كبيرا في الشرق الأوسط، فهو يضمن للمنامة دعم واشنطن لها في حالة تعرضها لهجوم أجنبي، لكنه يرمي "طعما" لتقليد هذا النموذج من قبل باقي دول الخليج العربي.

ووقعت الولايات المتحدة في 13 سبتمبر/أيلول 2023 اتفاقا في مقر وزارة الخارجية الأميركية بواشنطن، مع البحرين لتعزيز الروابط الدفاعية والاقتصادية بين البلدين.

اتفاقية التكامل الأمني

أطلق على المعاهدة تسمية "اتفاقية التكامل الأمني الشامل والازدهار"، وتهدف إلى تعزيز التبادل العلمي وفرص الاستثمار والتعاون على صعيد الطاقة المتجددة كذلك.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبيل مراسم التوقيع مع ولي عهد البحرين رئيس الوزراء سلمان بن حمد آل خليفة، إن الاتفاق سيتيح "لنا تحديد التهديدات أو الاستجابة لها بشكل أفضل عند ظهورها".

ويتخذ الأسطول الخامس الأميركي قاعدة له في البحرين التي يسود التوتر علاقاتها مع إيران المجاورة، إلا أن الاتفاق سيوطد العلاقات بين واشنطن والمنامة على المستويين الرمزي والعملي من خلال تعزيز التعاون، لا سيما عبر تبادل المعلومات الاستخبارية.

وأضاف بلينكن أن "جوهر الاتفاق هو هدف مشترك: العمل معا لبناء منطقة أكثر أمانا وازدهارا وأكثر ارتباطا بالعالم".

وفيما وصفه بلينكن بأنه "تدبير هو الأول من نوعه"، ينص الاتفاق على التزام البلدين العمل معا على "تقنيات ذات موثوقية"، في إشارة إلى تجنب مزودين، غالبا الصين، تعد الولايات المتحدة خدماتهم غير آمنة.

بدوره قال ولي عهد البحرين إن الاتفاق سيركز "ليس فقط على الأمن والدفاع وهما أساسيان، إنما أيضا على الاقتصاد والشعب والتكنولوجيا التي ستكون الأساس لبنية عالمية جديدة".

ووصف مسؤولون أميركيون الاتفاقية بأنها ملزمة قانونا، لكنها لا تنطوي على المادة الخامسة المتعلقة بالدفاع المشترك، والتي تشكل جزءا من معاهدة حلف شمال الأطلسي "الناتو".

ورأى البيت الأبيض أن الاتفاقية ستسهم في إضفاء الطابع الرسمي على الخطوات التي تتخذها القيادة المركزية الأميركية لدمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي بالمنطقة ورفع "الوعي بالمجال البحري"، حسبما أفادت نشرة حقائق صادرة عن البيت الأبيض.

أهمية البحرين

وعام 2011 فرض الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على البحرين حظرا على الأسلحة، قبل أن يرفع في عهد خلفه دونالد ترمب الذي أشاد بتطبيع العلاقات بين المنامة وتل أبيب.

ولهذا فإن الاتفاق الجديد وفق الخبراء خطوة تندرج في إطار دعم واشنطن للمملكة الخليجية التي كانت قبل عقد من الزمن خاضعة لحظر الأسلحة.

لكن هذا الاتفاق بين الولايات المتحدة والبحرين، مرتبط بتطبيع الأخيرة علاقاتها عام 2020، مع إسرائيل.

إذ جاء كذلك عقب افتتاح وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين في 4 سبتمبر/أيلول 2023 مقرا جديدا للسفارة الإسرائيلية في المنامة.

وخلال الزيارة المذكورة زار الوزير الإسرائيلي مقر الأسطول الخامس الأميركي في المنامة، وذلك بعد نحو عامين من انضمام إسرائيل إلى القوات المنخرطة في مهام القيادة الأميركية الوسطى في المنطقة والتي تشمل المياه الفاصلة بين دول الخليج وإيران ومياه البحر الأحمر.

إذ تشهد هذه المنطقة حوادث متكررة وهجمات ضد ناقلات نفط وسفن تجارية إسرائيلية وغيرها، اتُهمت إيران بالوقوف خلفها.

والأسطول الأميركي الخامس يتخذ من البحرين مقرا له، ويضطلع بالأمن البحري الإقليمي وينشر الآلاف من جنود البحرية لتخفيف التوترات الإقليمية الناجمة عن مضايقات إيران ومصادرة السفن التجارية.

ويوجد في البحرين، مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية. وينتشر آلاف من أفراد الجيش الأميركي في البلد الخليجي الذي يعد أحد الحلفاء الرئيسيين لواشنطن من خارج حلف شمال الأطلسي.

وسبق أن تحدث مسؤول أميركي لوكالة الأنباء الفرنسية في أغسطس/آب 2023 عن خطط لنشر "حراسة أمنية" مكونة من عناصر من البحرية على متن ناقلات تجارية تمر من مضيق هرمز وبالقرب منه "لتشكل طبقة دفاعية إضافية لهذه السفن المعرضة للخطر".

وتأتي الاتفاقية بين المنامة وواشنطن في وقت تتبع فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نهجا أكثر واقعية في محاولاتها لبناء تحالف واسع في الشرق الأوسط لردع طهران مع التصدي لغزو بكين الدفاعي والتكنولوجي في المنطقة.

مواجهة الصين

ولذلك ينظر إلى هذا الاتفاق على أنه يرمي بشكل أو بآخر لإضعاف الولايات المتحدة لأي اتفاقات أمنية من قبل دول المنطقة مع الصين التي بدأت بتعزيز قوتها الاقتصادية مع بلدان الخليج أخيرا.

وتأتي خطة تعزيز الوجود العسكري لواشنطن في وقت تشهد منطقة الخليج نشاطا دبلوماسيا معززا، شهد تعميق الروابط بين دوله والصين.

إذ توسطت بكين في إبرام اتفاق وصف بـ "التاريخي" بين السعودية وإيران في مارس/آذار 2023، سمح باستئناف العلاقات بينهما بعد سبعة أعوام من القطيعة، علما أن علاقات طهران مع دول الخليج الأخرى تشهد نموا كذلك.

وبموجب الاتفاق الجديد الذي استغرق إعداده عاما، تتعهد الولايات المتحدة بتوسيع التعاون الدفاعي والتكنولوجي وبناء القدرات الاستخباراتية مع البحرين.    

وتشمل الاتفاقية أيضا التعاون الاقتصادي، على أمل البناء على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والبحرين لعام 2006، والتي ساعدت على زيادة التجارة بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 3 مليارات دولار سنويا.

وهي تشجع تطوير التقنيات الرقمية "الموثوقة" لدعم شبكات الاتصالات الآمنة، والتي وصفتها الولايات المتحدة بأنها أول اتفاقية ملزمة من نوعها.

وبما أن البحرين ذات الأغلبية الشيعية لديها علاقة متوترة بشكل خاص مع إيران، فإنه بموجب الاتفاقية الجديدة، إذا تعرضت لهجوم، فإن الولايات المتحدة ستتشاور مع الحكومة البحرينية وتحدد أفضل طريقة "لمواجهة العدوان المستمر"، حسبما قال مسؤول كبير في إدارة بايدن، الذي أطلع الصحفيين بشرط عدم الكشف عن هويته.

وقال المسؤول إن أحد بنود الاتفاقية يسمح للبحرين والولايات المتحدة بدعوة دول أخرى للانضمام إلى الاتفاقية، واصفا الصفقة بأنها "حجر الزاوية" الذي يمكن من خلاله "لمجموعة أوسع من الدول" تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي في الشرق الأوسط.

من جهة أخرى، يحدد الاتفاق مشاركة البحرين في ممر التجارة الجديد بالسكك الحديدية والبحر بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، حيث جرى الكشف عن خطط المسار التجاري خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في 8 سبتمبر/أيلول 2023 لحضور قمة مجموعة العشرين في نيودلهي.

وقد أعلن البيت الأبيض حينها عن خطط لتحرير مئات المليارات من القروض الدولية لتعزيز التنمية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وتأتي هذه التحركات في الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد الصيني في الركود بعد سنوات من النمو غير المنضبط.

ولهذا عد هذا الاتفاق بين واشنطن مع البحرين ثاني إعلان إستراتيجي كبير في الشرق الأوسط من قبل البيت الأبيض في عهد بايدن خلال سبتمبر 2023.

نموذج للخليج

وترى صحيفة "نيويورك تايمز" أن اتفاق البحرين مع الولايات المتحدة الذي يحمل الوعد بالدفاع عن المنامة يكون "بمثابة نموذج لدول الخليج الأخرى مثل السعودية والإمارات، والتي تضغط أيضا من أجل التزامات أمنية أميركية أقوى".

وضمن هذا الإطار رأى جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن أن "هناك اهتماما كبيرا في الخليج بإبرام اتفاقيات أمنية واضحة مع الولايات المتحدة".

وأضاف في حديث لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في 13 سبتمبر 2023: "اتفاق البحرين أقل بكثير مما يسعى إليه الجيران، لكنه سيكون النقطة المرجعية الرئيسة لمفاوضاتهم".

وراح ألترمان يقول: "إن دول الخليج تبحث عن حماية مماثلة لالتزام الناتو بالدفاع المشترك بموجب المادة 5، لكن مجلس الشيوخ الأميركي ليس حريصا على إنشاء التزامات ملزمة للبلاد لخوض حرب أخرى في الشرق الأوسط".

وفي ذات السياق تلفت "فاينانشال تايمز" إلى أنه بعد تطبيع البحرين، إلى جانب الإمارات العلاقات مع إسرائيل عام 2020، فإن الولايات المتحدة تأمل في الحصول على رد مماثل من السعودية، مقابل ضمانات أمنية وحوافز اقتصادية.

وضمن هذه الجزئية، يؤكد المحلل في شركة "فيرسك ميبلكروفت" الاستشارية طوربورن سولتفيدت لوكالة الأنباء الفرنسية أن "الأمن سيظل محورا رئيسا في العلاقات الأميركية الخليجية حتى وإن تراجع التهديد الذي تشكله الهجمات الإيرانية ضد عمليات الشحن على المدى القصير".

وأضاف قائلا في حديث للوكالة 7 أغسطس 2023: "التصور بأن الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي لردع الهجمات الايرانية ضد (قطاع) الشحن الدولي سيستمر"، مقدرا أن هناك "حاجة لنهج جديد واضح".

إستراتيجية أميركية

ولذلك فإن اختيار البحرين في هذا التوقيت هو امتداد لاستضافتها أعدادا متقلبة من القوات العسكرية الأميركية منذ سبعينيات القرن العشرين.

إذ سمحت المنامة لإدارة جورج بوش الأب بحشد القوات في البلاد بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990.

وكذلك سمحت للطائرات الأميركية المتمركزة هناك بشن الضربات الأولى على الأراضي العراقية في بداية الحملة لتدمير تنظيم الدولة عام 2014.

كما استضافت البحرين أيضا تحالفا للأمن البحري بقيادة الولايات المتحدة، وكانت أول دولة تتعاون مع فرقة العمل الجديدة للطائرات بدون طيار المدعومة بالذكاء الاصطناعي التابعة للبحرية الأميركية، والتي يطلق عليها اسم Task Force 59 ، بدءا من عام 2021.

وبذلك يسعى الاتفاق الجديد بين المنامة وواشنطن إلى إضفاء الطابع الرسمي على العديد من المبادرات التي قادتها القيادة المركزية الأميركية منذ عام 2021 في المنطقة.

وذلك بدءا من دمج الدفاعات الجوية والصاروخية الإقليمية إلى ربط شبكات متداخلة من أجهزة الاستشعار المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة الأنشطة الإيرانية في الممرات المائية في الخليج.

ويقول ميك مولروي، مسؤول السياسة السابق في وزارة الدفاع الأميركية والضابط المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية: "إن الاعتراف بالشركاء الذين ساهموا بشكل كبير في الأمن القومي الأميركي هو ما يتعين علينا القيام به، وهذا يحقق ذلك".

وأضاف مولروي المحلل في شبكة ABC News  لموقع المونيتور في 13 سبتمبر 2023: "من المهم أن يعرف شركاؤنا أن الولايات المتحدة ستكون هناك على المدى الطويل.. نحن بحاجة إلى جعل أشياء مثل إدراجنا كحليف رئيس من خارج الناتو تعني شيئا ما".

ومن المرجح أن تراقب دول الخليج ما ستتضمنه هذه الصفقة بالضبط بالنسبة لالتزام واشنطن بالدفاع عن البحرين ضد إيران، حيث يعد الاتفاق بمثابة بالون اختبار منخفض المخاطر نسبيا للولايات المتحدة.

إذ المنامة ليست متورطة في أي صراعات في الخارج، على عكس السعودية والإمارات، اللتين أثار تدخلهما في اليمن ضغوطا غير مسبوقة من الكونغرس لحجب مبيعات الأسلحة الكبيرة عنهما.