عبر "إفريقيا غاز".. هكذا نجح أخنوش في مضاعفة أرباحه على حساب المغاربة

12

طباعة

مشاركة

أثَار قرار جديد لـ"مجلس المنافسة" المسؤول عن مراقبة الأسعار ومحاربة الاحتكار في المغرب، جدلا واسعا بالبلاد، إثر كشفه عن ممارسات مشبوهة خاضتها شركات محروقات لضمان تحقيق هامش ربح كبير على حساب المستهلكين.

وفي 3 أغسطس/ آب 2023، كشف مجلس المنافسة، أنه "تم تبليغ مؤاخذات (شكاوي واعتراضات) متعلقة بممارسات منافية للمنافسة إلى تسع شركات تنشط في السوق المحلي للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والغازوال".

وجاء هذا القرار بعدما "خلصت مصالح التحقيق إلى وجود حجج وقرائن كافية تفيد ارتكاب الشركات المعنية لأفعال منافية لقواعد المنافسة"، وفق ما أوضح بلاغ صحفي لمجلس المنافسة الذي يرأسه أحمد رحو.

وفي الوقت الذي لم يعلن بلاغ مجلس المنافسة، عن أسماء الشركات المعنية، رجح مراقبون أن يشمل القرار كل شركات توزيع الوقود في المملكة، وعلى رأسها شركة "إفريقيا غاز" التي يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش.

وتسيطر شركة أخنوش، إلى جانب "توتال" و"شل"، على الحصة الأكبر من سوق الوقود في البلاد.

قضية قديمة جديدة

وكان تقرير للجنة استطلاعية برلمانية أكد في 2018، أن ارتفاع أسعار البيع بمحطات الوقود لا يوازي انخفاض أسعار الاستيراد من الخارج، مسجلا "تأثيرا مباشرا لارتفاع أسعار المحروقات على القدرة الشرائية للمواطنين".

وسبق لمجلس المنافسة أن خلص في تحقيق له في فبراير/ شباط 2020، إلى توقيع عقوبات مالية ثقيلة على شركات توزيع المحروقات بسبب الإخلال بشروط المنافسة، لكن القرار بقي مجمدا بسبب خلاف بين أعضاء المجلس حول قيمة العقوبات وعدد الشركات المعنية بها.

وفيما كان الجميع ينتظر تطبيق العقوبات بحق شركات المحروقات المخالفة، فوجئ الرأي العام الوطني،  بإعفاء رئيس مجلس المنافسة السابق إدريس الكراوي من منصبه في 22 مارس/ آذار 2021 وتعيين أحمد رحو خلفا له، بعد تحقيق طويل من قبل لجنة ملكية ضمت رؤساء أهم المؤسسات الدستورية.

وجاء التحقيق على خلفية تسليم الكراوي، للعاهل المغربي تقريرين متناقضين حول المنافسة في سوق الوقود، كما أن أعضاء في المجلس تظلموا من عدم احترام الإجراءات الواجبة، وكذا من تصرفات الرئيس السابق للمجلس.

وتباينت ردود الأفعال بخصوص قرار مجلس المنافسة بين الإشادة به والدعوة إلى الضرب بيد من حديد على كل المتواطئين لمضاعفة أرباحهم على حساب المغاربة.

وبين من يرى بأنه قرار جاء متأخرا ولا يحمل أي جديد، مادام أنه سبق للمجلس أن أصدر قرارا سابقا في الموضوع دون تفعيل أي عقوبات ضد الشركات المتواطئة والمحتكرة لسوق المحروقات.

المحلل الاقتصادي محمد جذري، رأى أن بلاغ مجلس المنافسة يبقى "قرار منطقيا ومعقولا"، حيث إنه بلّغ مجددا اعتراضات إلى تسع شركات عاملة في قطاع المحروقات بالمغرب خاصة بتوزيع البنزين والغازوال.

وفي 4 أغسطس 2023، أكد جذري، في تصريح لموقع "العمق" المحلي، أن هذه الشكاوى ستليها جلسات حضورية للدفاع عن هذه الشركات ثم يتم التداول في هذه الجلسات وعلى ضوء ذلك سيأخذ مجلس المنافسة القرار النهائي لإدانة هذه الشركات أو تبرئتها.

وأبرز المحلل الاقتصادي، أن مجلس المنافسة أصبح يلعب دوره كاملا مباشرة بعد المصادقة على القوانين المتعلقة بالمجلس.

وتابع أن الأمور المنافية للمنافسة لن تستمر في السوق المغربية ما سيساعد، على تحسين القدرات الشرائية للمواطنين وسيدفع شركات في قطاعات أخرى لعدم القيام بأي خطوات منافية للمنافسة.

وخلص جذري، إلى أن مجلس المنافسة يدين مبدئيا، عبر هذا التحذير، الشركات التسع الكبرى فيما يتعلق بتوزيع المحروقات في انتظار أن تتحرك هذه الشركات للدفاع عن حقوقها.

مأزق المحروقات

من جانبه، قال المحلل والخبير الاقتصادي رشيد ساري، إن قرار مجلس المنافسة جاء متأخرا جدا، مضيفا أن هذه الاعتراضات كان يجب توجيهها في الوقت الذي كانت تعرف فيه أسعار المحروقات في المغرب ارتفاعا قياسيا.

وفي 9 أغسطس 2023، أوضح ساري، في تصريح لموقع القناة الثانية المحلية، أن شركات المحروقات بالمغرب استغلت الارتفاع الصاروخي للأسعار، خاصة خلال الفترة ما بين مايو 2022 إلى غاية مارس 2023، من أجل مراكمة أرباح كبيرة.

وأضاف أن "هذا ما يتم ملاحظته دائما خلال فترات الأزمات وارتفاع الأسعار على المستوى الدولي، في الوقت الذي كان المواطن المغربي يُمني النفس بأن تتحلى هذه الشركات بحس التضامن وتقوم بخفض هامش الربح، وهو ما لم يحدث للأسف".

وأكد على ضرورة إعادة النظر في قرار تحرير أسعار المحروقات، مبينا أن المغرب يستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجياته الطاقية، وهو ما يترتب عليه تكلفة مالية كبيرة، مسجلا أن هذا الوضع يخدم فقط شركات المحروقات دون غيرها.

ورأى أنه لا يستقيم أن يستمر المواطن إلى جانب شركات تشتغل في قطاعات أخرى في تحمل أعباء هذه الفاتورة الطاقية الثقيلة في الوقت الذي تراكم فيه شركات المحروقات هوامش الربح الكبيرة وتغدق على الدولة بالعائدات الضريبية.

أما القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، فرأى أن "ملف المحروقات بالمغرب يؤكد في كل مرة أنه في وضعية متدحرجة نحو فضح مأزق المتحكمين في سوق المحروقات وعلى رأسهم ما أسماه بـ"الكمبرادور" صاحب الشركة المهيمنة على السوق في إشارة إلى عزيز أخنوش رئيس الحكومة.

وأضاف أفتاتي، لـ"الاستقلال"، أن وضعية المحروقات تتدحرج من مأزق إلى آخر ولن تخرج من "مسار التمأزق" ما لم يتم الوقوف على حقيقة الوضع كما هي.

وسجل أن مجلس المنافسة يحاول الآن إخفاء وضعية واضحة وفاقعة يجري فيها افتراس المحروقات وفرض زيادات فاحشة لمضاعفة هامش ربح شركات المحروقات وعلى رأسها "شركة الكمبرادور".

 ويملك عزيز أخنوش الذي يترأس الحكومة، وسبق أن تولى وزارة الزراعة بين 2007 و2021، شركة "إفريقيا غاز" التي تعد أهم الفاعلين في سوق المحروقات بالمغرب إلى جانب شركتي "توتال" الفرنسية و"شل" الهولندية البريطانية.

ورأى أفتاتي، أن قرار مجلس المنافسة هو "عمل بهلواني للتمطيط وربح الوقت"، مستدركا "لكنهم في نفس الوقت ينتقلون موضوعيا من مأزق إلى مأزق آخر في تدبير هذا الملف ما لم يتم توضيح الحقيقة كما هي أي أنه تم "فرض زيادات فاحشة غير مشروعة بلا حسيب و لا رقيب".

وقال أفتاتي، إن "أول جهة تكلمت في موضوع عدم عكس أسعار شركات المحروقات لأسعار البترول على المستوى الدولي خاصة عند انخفاض ثمن البترول وأظن خلال سنة 2016 هي البنك المركزي للمغرب".

ولفت إلى أن هذه المؤسسة الرسمية أرسلت إشارة تجاه هذه الشركات المفترسة للمحروقات بالمغرب لكي ينتبهوا قبل فوات الأوان، لكن يبدو أنهم لم يلتقطوا إشارة بنك المغرب، وفق رأي أفتاتي.

شفط الأرباح

ورأى أفتاتي، أن هذه الشركات استمرت في شفط أرباح غير مستحقة على حساب جيوب المغاربة المحترقة أساسا بارتفاع صاروخي للأسعار.

وأفاد أن "شفط الشركات المفترسة بدأ بتعطيل مجلس المنافسة واستغلال تحرير أسعار المحروقات بعد نهاية 2015 وبعد أن لم تبق هناك مؤشرات تبين الأسعار الحقيقية لعموم المواطنين وبالتالي دخلنا مرحلة الضباب".

وأشار إلى أنه كان ينبغي حينها تفعيل أدوار "دركي المنافسة" أي مجلس المنافسة ليقوم بدوره في محاربة الممارسات غير الأخلاقية والمنافية للمنافسة.

 غير أنه تم تعطيل تشكيل هذا المجلس رغم صدور قانون حرية الأسعار والمنافسة وكذا قانون مجلس المنافسة وصدور المرسومين التطبيقين للقانونين في 2015 تجاوبا مع رئيس المجلس الأسبق عبد العالي بنعمور ومع الفاعلين النزهاء في مجالي الأعمال والمال.

وسجل أفتاتي، أنه بدأ بعد ذلك نقاش من قبل المختصين ونُشرت تسريبات عبر مجلات وجرائد وطنية حول عدم انعكاس انخفاض أسعار النفط الدولية على أسعار المحروقات وطنيا.

 وبناء على هذه التسريبات تم طرح فكرة تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق لكن "حزب المفترس" (التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده أخنوش) لم يقبل تشكيل هذه اللجنة لأن نتائج تقصي الحقائق في حالة إذا كانت هناك اختلالات ستتجه مباشرة للقضاء لمباشرة إجراءات المتابعة.  

وكشف أفتاتي، أن "حزب المفترس" قبِل بصعوبة بتشكيل لجنة برلمانية استطلاعية، وبصعوبة أخرجوا التقرير النهائي ورغم الملاحظات والخلاصات التي تم سحبها، فقد بقيت فيه معطيات مهمة خاصة ما يتعلق بكون شركات المحروقات تربح حوالي درهم في اللتر الواحد من "الكازوال" و 0.8 درهم في اللتر الواحد من البنزين.

وأفاد أنه "رغم أن تقرير اللجنة الاستطلاعية لا يتضمن معطيات مكتملة، لكن تقدير حجم عملية شفط أرباح غير مستحقة من قبل شركات المحروقات يتراوح بين 13,5 مليار درهم (حوالي 13,5 مليون دولار) و17 مليار درهم (حوالي 17 مليون دولار) بين سنتي 2016 و2017".

وأشار إلى أن "الكمبرادور المفترس" يهيمن على أزيد من 25 بالمئة من سوق المحروقات، وبالتالي إذا سلمنا بأن الشركات شفطت 13,5 مليار درهم غير مستحقة فإن نصيب "الكمبرادور" من "عملية الشفط" هو 4 مليارات درهم تقريبا، أما إذا كانت 17 مليار درهم فإن ما شفطه يناهز 5 مليارات درهم.

وذكر أفتاتي، أنه لما تم الإفراج عن مجلس المنافسة سنة 2018 بعد نقاشات واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك   عن أسباب تغييب مجلس المنافسة عن سبق إصرار و ترصد ..... وفتح ملف المحروقات.

أعلن الرئيس السابق للمجلس إدريس الكراوي عن فرض غرامة مالية تتراوح ما بين 8 و9 بالمئة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب على هذه الشركات حسب حجمها، قبل أن يتم فرض نسبة 8 بالمئة على الجميع، وفق أفتاتي.

وكشف أن المجلس كان يسعى لاسترجاع 9,6 مليار درهم عن سنتي 2018 و2019 (8% × رقم الأعمال السنوي الذي هو 60 مليار تقريبا)، مشيرا إلى "النتيجة كانت نسف هذا القرار بنسف المجلس برمته وفتح الباب لفراغ دام قرابة سنة".

استقالة أو إقالة

وبين مثمن ومنتقد لتأخر قرار مجلس المنافسة بخصوص تواطؤ شركات المحروقات، يبقى المهم في هذا الملف، حسب الخبير في المجال الطاقي والمحروقات الحسين اليماني، هو "ماذا سيقول مجلس المنافسة في مداولاته بعد الاستماع إلى الأطراف والحسم في الموضوع؟".

وفي 4 أغسطس 2023، قال اليماني، في تصريح لموقع "مدار 21" المحلي، إن "المهم هي المداولات التي سيجريها مجلس المنافسة لأن القرار الذي سيصدر عنه هو الملزم، أما المؤاخذات فتبقى عديمة الأثر دون قرار الإدانة الذي يتخذه المجلس.

ولفت اليماني، إلى أنه تم الاحتفاظ بنفس أعضاء المجلس السابق الذي عرف تعثرات خلال المرحلة الماضية بشأن البت في الملف الذي توصل إلى إدانة شركات المحروقات.

ورأى أنه إذا خلص هذا المجلس بنفس هؤلاء الأعضاء إلى "خلاصات مناقضة لما تم التوصل إليه سابقا، سيطرح سؤالا عريضا لدى الرأي العام المغربي ما الذي تغير من المجلس السابق إلى الأخير".

وشدد على ضرورة التمسك بالمحافظة على مصداقية وهيبة المؤسسات الدستورية ومنها مجلس المنافسة للقيام بدوره "الدركي والرادع وليس الواعظ لكل الممارسات الضارة بحقوق المستهلكين ومصالح الاقتصاد الوطني".

ودعا إلى ضمان الاستقلالية والحياد المطلوبين للبت في شبهة التوافق حول أسعار المحروقات من بعد تحريرها، عبر تغيير أعضاء المجلس المعينين بمرسوم من طرف السلطة الحكومية المختصة.

من جهته، قال الأمين العام للحزب المغربي الحر والمحامي إسحاق شارية، إن "مجلس المنافسة أكد قيام شركات مغربية متخصصة في تجارة المحروقات بجرائم التواطؤ على جيوب الشعب المغربي والاتفاق السري على رفع الأسعار وتقليص هامش حرية المنافسة في السوق المغربية والاحتكار، وعلى إثره قرر المجلس بداية المسطرة التواجهية".

ورأى شارية، في تدوينة عبر فيسبوك، أنه "أمام ثبوت اقتراف هذه الجرائم البشعة من طرف شركات المحروقات الذي تحتكر سوقه شركات إفريقيا التي يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش".

وبرأي المحامي بهيئة الرباط فإن الأمر "أصبح يقتضي استقالته أو إقالته فورا قبيل انطلاق مجلس المنافسة في إجراءات المسطرة التواجهية حماية لاستقلالية المحاكمة من أي ضغط أو تأثير من طرف السلطة التنفيذية، وحماية لصورة المملكة التي ما فتئت تخدش بسبب جشع هذه الشركات الاحتكارية ونفوذها المتوحش وحماية لحقوق المواطن الضعيف الذي نهبت أمواله على مدى سنوات".

وذهب القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، إلى أن الجديد في تطورات ملف المحروقات هو أن "الكمبرادور المتورط في شفط المحروقات أصبح رئيسا للجهاز التنفيذي" في إشارة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش مالك شركة إفريقيا غاز.

وأكد أفتاتي، أنه "إذا تم ترك المجال للمجلس ليقول الحقيقة فإنه سيدين المفترس، وبالتالي سنكون أمام فضيحة سياسية كبيرة، ومشكلة مؤسساتية خطيرة ستطيح بمخرجات انتخابات سبتمبر 2021 المفبركة على مقاس الاستبداد والفساد والافتراس".

وخلص أفتاتي، إلى أنه "في كل الأحوال وبكل تأكيد فإنه سيتم كشف الحقيقة وإماطة اللثام عن هول التلاعب بموضوع المحروقات وبالتبع هول التلاعب بالمؤسسات".