قطر والسعودية تجهضان خطة فرنسا لتنصيب مرشح حزب الله رئيسا للبنان.. ما القصة؟

مصطفى العويك | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يشهد لبنان حراكا سياسيا سريعا تقوده فرنسا بشكل أساسي، ودخلت على خطه قطر، لتسريع وتيرة المفاوضات الجارية على أكثر من صعيد محلي ودولي، لإنتاج تسوية سياسية تفضي الى انتخاب رئيس جديد للبلاد. 

ودخل لبنان مرحلة الشغور في رئاسة الجمهورية عقب انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بينما عجز البرلمان عن انتخاب خلف له خلال 11 جلسة، كانت آخرها في 10 يناير/ كانون الثاني 2023.

دعوة باريسية

وكان الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 27 مارس/آذار 2023، الخطوة التي حركت المياه الراكدة في الاستحقاق الرئاسي اللبناني.

وذكر بيان قصر "الإليزيه" أن ماكرون وابن سلمان "عبرا عن قلق مشترك حيال الوضع في لبنان، وكررا عزمهما العمل معا للمساعدة في إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تمر بها". 

غداة ذلك، حط المرشح المدعوم من حزب الله لرئاسة الجمهورية الوزير الأسبق سليمان فرنجية رحاله في باريس، تلبية لدعوة مستشار شمال إفريقيا والشرق الأوسط للرئاسة الفرنسية باتريك دوريل. 

وجرى ذلك وسط معلومات متضاربة حول الهدف من الدعوة، إذ سوّقت بعض وسائل الإعلام اللبنانية أن باريس ستطلب من فرنجية الانسحاب من السباق الرئاسي، مقابل حديث وسائل إعلامية أخرى عن ضمانات سيقدمها الأخير من أجل عرضها على الرياض. 

ونقلت صحيفة "النهار" المحلية عن مصدر فرنسي رفيع أن "فرنجية قدم لدوريل الذي استقبله في الإليزيه (في 2 أبريل/نيسان 2023) جملة من الضمانات في حال وصوله الى سدة الرئاسة". 

وهذه الضمانات تشتمل على "مقاربة فرنجية لإدارة الحكم، وشكل مجلس الوزراء، وصولا إلى كيفية خروج لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تهدد ما تبقى من البلد والمؤسسات". 

وخلال الزيارة التي استمرت يومين، كانت علاقة فرنجية بحزب الله من الموضوعات الرئيسة، حيث "جرى حديث مستفيض حول الإستراتيجية الدفاعية وسلاح الحزب" الشيعي. 

كما نقلت الصحيفة عن المصدر نفسه "حصول تقدم على خط الحوار مع السعودية بالنسبة لهذه الضمانات، لكن باريس لم تحصل بعد على رد نهائي سعودي، وهي مستمرة في العمل". 

إلى ذلك، كشفت صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله، أن فرنجية التقى مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى، وسط معلومات غير مؤكدة تشير إلى أن ماكرون اجتمع بالمرشح الرئاسي اللبناني. 

ونقلت "الأخبار" خلال تقريرها في 6 أبريل 2023 عن مصادر لم تسمها أن "الفرنسيين يفكرون في تسوية تشمل موقعي رئاستي الجمهورية والحكومة". 

وأضافت بأن "باريس لم تسمع من أي مسؤول سعودي وجود فيتو على ترشيح فرنجية. لكن الرياض لديها الكثير من الهواجس والأسئلة التي تحتاج إلى شروحات وتوضيحات من قبله (المرشح المذكور)". 

وكانت الصحفية ميسم رزق قد كشفت بمقالة لها في 3 أبريل 2023 بصحيفة "الأخبار" "عن مبادرة مصرية"، وفق ما نقلت عن "مصادر سياسية".

وهذه المبادرة تطرح "تشكيل مجموعة 5+1، تهدف إلى ضم إيران للمجموعة الخماسية التي تتولى البحث في الملف اللبناني (أميركا، فرنسا، السعودية، قطر، مصر)، على أن تنقل الاجتماعات إلى الرياض كخطوة إيجابية مطمئنة للمملكة". 

كما كشفت رزق أن "التصعيد الكبير من جانب سمير جعجع (رئيس حزب القوات المسيحي اليميني) ضد ترشيح فرنجية أتى بطلب من السفير السعودي في بيروت وليد البخاري". 

ورأت أن الموقف السعودي "يدخل في إطار الاستثمار في الرفض المسيحي لانتخاب فرنجية، فالتصعيد مطلوب في لحظة تقدم المفاوضات".

ويرفض أغلبية النواب المسيحيين فرنجية، في مقابل تبني حزب الله وحليفه حركة أمل الشيعية التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ترشيحه لرئاسة الجمهورية. 

الجولة القطرية

وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 6 أبريل 2023 بأن "الأحزاب المسيحية في لبنان تبدي امتعاضها من طريقة مقاربة فرنسا للملف الرئاسي". 

ولفتت إلى أن معظم الكتل المسيحية ترى أن دعم باريس لترشيح فرنجية "يعني تكريسا لواقع سيطرة حزب الله على لبنان". 

وأشارت إلى تغريدة النائب نديم الجميل، عضو كتلة حزب الكتائب اليميني المسيحي، والتي دعا فيها فرنسا إلى التخلي عن دور السمسار. 

وكان الجميل كتب في تغريدته: "للأسف في السنوات الأخيرة لم تر فرنسا في لبنان سوى مصالح وصفقات، من التنقيب عن النفط وصولا إلى المرفأ والبريد، وذلك على حساب مصلحة اللبنانيين". 

وأضاف نجل رئيس الجمهورية الأسبق بشير الجميل الذي قضى اغتيالا في سبتمبر/أيلول 1982 قبل تسلمه الحكم: "على فرنسا أن تعود الى دورها الطبيعي، دور الداعمة والأم الحنون للبنان، لا لأزلام إيران، وأن تتخلى عن دور السمسار الذي لا يليق بها وبتاريخها". 

في المقابل، ما كادت قدما المرشح الرئاسي سليمان فرنجية تطأ أرض العاصمة بيروت حتى حل فيها ضيفا وزير الدولة في وزارة الخارجية القطري محمد بن عبد العزيز الخليفي في 4 أبريل/ نيسان 2023، في جولة استطلاعية استمرت يوما واحدا، التقى فيها عددا من المسؤولين السياسيين والدينيين اللبنانيين.

وتندرج الزيارة ضمن الدور الكبير الذي تلعبه الدوحة كـ"عراب للتسويات" في لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان عام 2008. والخليفي هو ممثل قطر في المجموعة الخماسية المشار إليها. 

وقد أجرى الوزير القطري والوفد المرافق جملة زيارات شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، ووزراء ومسؤولين آخرين. 

فضلا عن لقاء جمع الخليفي برئيس الكتلة البرلمانية لحزب الله النائب محمد رعد. كذلك شملت أيضا قائد الجيش العماد جوزاف عون، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وبطريرك الموارنة بشارة الراعي. 

كما التقى الخليفي رؤساء الأحزاب المسيحية اليمينية الثلاث التي تحتكر التمثيل المسيحي بشكل شبه كامل. فزار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل. 

وأيضا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط (درزي يساري)، ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان (درزي يساري). 

بالإضافة إلى المرشح الرئاسي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (مسيحي، يمين الوسط)، مع أن الأخير لم يكن على جدول مواعيد الموفد القطري.

وحسب المعلومات والتسريبات الإعلامية التي انتشرت في وسائل الإعلام المحلية، فإن جولات الوزير القطري كانت بهدف استطلاع آراء مختلف الأطراف اللبنانية، ولا سيما أن قطر تتصدر قائمة الجهات الداعمة للبنان. 

إذ تقدم مساعدات في مختلف المجالات لا سيما الطبية منها، إلى جانب المساعدات المالية والعسكرية للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى. 

ونقلت وسائل إعلام لبنانية أن الوزير القطري شدد في لقاءاته على أن موقف الدوحة يتطابق مع الموقف السعودي، وهو ما يؤكد عليه الكاتب الصحفي صهيب جوهر نقلا عن مصادر مواكبة لجولات الوزير القطري. 

ويبين جوهر في حديث لـ"الاستقلال": بأن التسوية الفرنسية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم لم تكن على جدول أعمال لقاءات الوزير القطري في بيروت، وبأن الأخير أكد أن ما يهم قطر هو الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وتوحيد الجهود الخارجية لمساعدته في النهوض من أزمته. 

وحسب جوهر فإن حصيلة جولات الوزير القطري تظهر مدى التمايز بين الدوحة وباريس في مقاربتهما للاستحقاق الرئاسي، وتركيز الأولى على المواصفات التي يفترض أن يتمتع بها الرئيس العتيد، من دون الدخول في لعبة الأسماء، وتفضيل اسم على آخر. 

ويضيف: "الخليفي استمع لكل الأطراف اللبنانية تقريبا وحصل منهم على أجوبة معينة كان قد طرحها عليهم من قبل، من شأنها أن تساعد القطريين على تكوين رؤية كاملة حول الملف الرئاسي اللبناني وكيفية الوصول إلى نتائج إيجابية فيه".

المواصفات السعودية

ما يمكن ملاحظته من خلال سياقات تطور الحراك الدولي على خط الأزمة اللبنانية، أن التحرك الباريسي للحصول على ضمانات من المرشح الرئاسي المدعوم من حزب الله سليمان فرنجية بهدف تسويقها لدى الرياض، قابله تحرك مضاد من الأخيرة بالتعاون مع الدوحة، تمثل بزيارة الوزير القطري إلى بيروت. 

وبينهما كانت هناك مساعٍ مصرية للتوفيق ما بين التوجهين المعارضين، في الوقت الذي دخلت فيه واشنطن على خط الأزمة من خلال العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة في 4 أبريل 2023 على تيدي وريمون زينة رحمة، وهما رجلا أعمال مسيحيان شقيقان مقربان من فرنجية.

وهو ما عدّ رسالة أميركية رافضة مبطنة تضمر رفض ترشيح الأخير. واللافت أن صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله كانت لسان حال المبادرة الفرنسية لتسويق ترشيح فرنجية. 

إذ نشرت عدة مقالات، منها ما أوردناه آنفا، تشير فيها إلى عدم وجود معارضة سعودية لترشيح فرنجية. 

في حين ردت صحيفة "الشرق الأوسط" بعدة مقالات تظهر فيها الرفض السعودي لفرنجية، وللمساعي الباريسية. 

وذلك من خلال إبرازها امتعاض الشارع المسيحي من فرنسا، وأيضا عبر إظهارها تمايز الرياض والدوحة عن باريس في الموقف من الأزمة اللبنانية بكليتها. 

علاوة على ذلك، فقد نشرت "الشرق الأوسط" في 5 أبريل 2023، مقالا للصحفي ثائر عباس حمل عنوانا واضحا لا لبس فيه "الرياض ستحكم على المشاريع لا على الأسماء". 

والمقال هو عبارة عن حديث صحفي مع دبلوماسي عربي كبير لم يذكر اسمه، يعرض للموقف السعودي من الاستحقاق الرئاسي. 

وتشير المعلومات الى أن هذا الدبلوماسي هو السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، كونه الوحيد المخول بالحديث عن الموقف السعودي. 

إضافة إلى كونه السفير العربي الوحيد تقريبا الذي لديه تماس مباشر مع الأزمة اللبنانية. في حين ينأى باقي السفراء العرب عن التفاصيل اللبنانية. 

ويبين الدبلوماسي العربي في حديثه أن "الرياض تحرص على أن أي اتفاق لا يمكن أن يبنى على أنقاض مصالح دول عربية أخرى، أيا كانت النتائج المتوخاة منه، وأن هذا إرث في السياسة الخارجية السعودية ومسار ثابت". 

ويقلل الدبلوماسي إياه من المبادرة الفرنسية التي تقضي "بوصول رئيس مدعوم من حزب الله مقابل رئيس حكومة يمثل قوى المعارضة". 

ويصرح بوضوح بأن السعودية "لن تدخل في أي مقايضة"، وأنها "لا تملك مرشحين مفضلين لأي من المناصب الشاغرة، أو التي ستشغر في لبنان". 

وحسب الدبلوماسي فإن "المقايضة الفرنسية المعروضة لا تختلف عما حصل عقب اتفاق الدوحة عام 2008 الذي انتهى بالإطاحة برئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري عام 2011. وكذلك صفقة انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهوية عام 2016". 

ويرى أن التركيز يجب أن يكون على "المشروع المستقبلي ودور لبنان، وإذا ما جرى التوصل الى حل كهذا، فإن اسم الرئيس سيكون تفصيلا". 

يضيف الدبلوماسي "يحتاج لبنان إلى خطة إنقاذ اقتصادي تنتشله من دوامة التدهور المالي والاقتصادي لا يمكن تطبيقها من دون تعاون جميع المكونات اللبنانية واعتمادها مقاربة وطنية حقيقة للمرض والعلاج. 

ويرى أن هذه المقاربة يجب أن "لا تكون نابعة من أسس فئوية ومصالح ضيقة، ولا من السماح لمحاولات جر البلاد إلى محاور تبعدها عن موقعها الطبيعي جغرافيا وثقافيا" في إشارة واضحة إلى حزب الله. 

وفي رسالة مباشرة لمن يعنيه الأمر يقول الدبلوماسي "لا يمكن للبنانيين أن يبحثوا عن حلول مستوردة تفرض عليهم من الخارج. ولا أن يعتمدوا في المقابل على تعاون محيطهم فيما لو اتخذوا الخيارات الخاطئة". 

وفي الاتجاه عينه أشار موقع "أساس ميديا"، في 4 أبريل 2023 إلى رسالة سعودية لحلفائها في بيروت مفادها أن لبنان يقع في عمق الأمن القومي العربي، والمملكة لن تتخلى عن شروطها فيه، وأن فرنجية لا يملك مواصفات الرئيس التي وضعتها السعودية شرطا لعودتها إلى البلاد". 

ويشير الموقع إلى أن رسالة السعودية لحلفائها تتضمن "معارضتها وصول رئيس تحد لأي جهة كانت".